لماذا خسرنا؟

خسرنا لأن مصر قد تغيرت ونحن لم نتغير، ما يقارب الأربعة ملايين صوت قد ذهبت هباء، لم يبق منها إلا أصوات متفردة، يضاف إلى الخسارة ما لحق بنا من شماتة وتشويه بلغ حد الإهانة، نتيجة محبطة لا جدوى من إخفائها أو التخفيف من مرارتها، كان هناك شباب وطنى نبيل، آمن أنه يجب أن يكون للثورة مرشح فى مواجهة آلة الدولة العملاقة، أمنوا أن حلم التغيير سيصل إلى الناس، دون حاجة إلى الدعاية، فإمكانياتهم البسيطة لا تسمح بالمنافسة، ولا مكان للجدل السياسى، لأن المرشح الآخر لم يطرح شيئا يمكن الجدل حوله، ولكن الأمور لم تكن متوازنة منذ البداية، مرشح لا يملك سوى تاريخه الثورى هو حمدين صباحى، أمام ظاهرة شعبية أسهم اندفاع العقل الجمعى فى تضخيمها هى المشير السيسى، دخلنا الانتخابات وفى الذهن بقايا أرقام المعركة السابقة، لم ندر أن مياها كثيرة قد جرت تحت الجسور، وأن أشياء كثيرة قد اختلفت:

أولها: أن الثورة قد تغيرت، لم تعد المرجعية هى ثورة يناير، التى كنا نعتبرها الأصل، وما حدث فى يونيو هو موجة ثانية منها، ولكن ثورة يناير أصبحت فى أفضل الأحوال مجرد صحوة، هبة عفوية، وتحولت فى أغلب الأحوال إلى مؤامرة دبرها عملاء من الشباب، وأفكارهم والنقود التى تمولهم قادمة من الخارج، والسجن هو مصيرهم الطبيعى كما هو حاصل الآن، لا توجد إلا ثورة حقيقية واحدة حدثت فى يونيو، بداية أسطورة المشير عبد الفتاح السيسى وصعوده إلى سدة الحكم، هكذا دأبت أجهزة الإعلام على زرع تلك الرؤيا الملتوية فى ذهن الجميع، لم يعد هناك مكان لمرشح آخر قادم من عمق الثورة مثل صباحى، لأن ثورته قد انتهت أصلا، ضاعت شعاراتها وأهدر دم شهدائها وانقسم رموزها على أنفسهم، لذا فقد بدا شباب حملة صباحى كأنهم يحاربون طواحين الهواء، يريدون إيقاظ وعى قد تم تشويهه وكأنهم يتكلمون من خارج التاريخ.

ثانيها: أن الشارع المصرى قد تغير، ضاق بمسيرات الثورة وشعاراتها، وبثت مظاهرات الإخوان الأسبوعية العنيفة الرعب فى نفوس الجميع، كما أن الجماعات الإرهابية التابعة لها قد نقلت عملياتها من سيناء إلى قلب المدن المصرية المزدحمة، لم يكتفوا باغتيال رجال الشرطة فقط، ولكنهم تفننوا فى زرع قنابلهم البدائية فى كل مكان حتى بجوار المدارس، أصبح الهاجس الأمنى هو الأكثر إلحاحا، لا مجال لأى دعوة للديمقراطية والحرية أو حتى العدالة الاجتماعية. وقد استغلت أجهزة الأمن هذه الحالة لتبقى الشارع المصرى على صفيح ساخن، وبدا هذا واضحا فى عمليات التخريب التى قام بها طلاب الإخوان داخل الجامعات، فقد تركت الشرطة لهم الحبل على الغارب ليثيروا فزع الأساتذة وبقية الطلاب، وجعلوا العملية التعليمية غير مستقرة، وكان لذلك أثر مروع على المئات من البيوت المصرية، فقد انتابها القلق على أبنائها لدرجة منعتهم من الذهاب إلى الجامعة، وكان من الممكن أن تقوم أجهزة الأمن بإجراءات مسبقة تجهض هذه المظاهرات، خصوصا أن فى مقدورها رصد القادة المحركين والممولين لها بواسطة عيونها المبثوثة داخل الجامعة، ونتيجة لهذا الفزع اليومى سيطر على الجميع هاجس الحاجة إلى بطل مخلص، لم يكن هناك بد من اللجوء إلى القوات المسلحة، بديلا عن الشرطة المترددة والعاجزة التى تلاحقها الضربات، شعر الجميع أنهم فى حاجة إلى قائد عسكرى قوى يخرج من صفوف الجيش ويقودهم فى معركة البحث عن الأمان، لا إلى رئيس مدنى قد لا يتمتع بالقوة والحزم.

ثالثها: أن أحوال الناس قد تغيرت، تدهورت إلى الأسوأ، فقد أعيد إنتاج الوجوه القديمة فى أكثر من حكومة أدارت البلاد بطريقة عشوائية، صعد لصوص المال العام ومسببو الكوارث إلى مواقع المسؤولية، واستشرى التجار والموردون فالتهم غول الغلاء الجميع، وتدنت الخدمات الأساسية، وعادت مشكلة انقطاع الكهرباء إلى الظهور، وظل الإسراف الحكومى وإهدار الأموال على كبار المسؤولين كما هو، تبخرت كل الوعود، لم يطبق الحد الأدنى والأعلى للأجور، ولم ترفع الديون عن كاهل الفلاحين، ولم يتم تشغيل المصانع المعطلة، وحتى الوجبة المدرسية كانت مسممة، وتحولت مؤسسة القضاء إلى فضيحة دولية وهى تتبارى فى إصدار أحكام الإعدام الجماعية، وتوصل الناس إلى نتيجة واحدة مؤداها أن كل مؤسسات الدولة فاسدة، من الصعب إن لم يكن من المستحيل إصلاحها، مؤسسة واحدة فقد لم يطلها الفساد، وأصبحت فى نظر الجميع هى الجديرة بالثقة والقدرة على الإنجاز، القوات المسلحة، لقد شوه الإخوان نظرة الناس إلى الحكم المدنى، ونزعت حكومات العجائز أى أمل فى التغيير، ولم يعد هناك مفر من العودة إلى المربع رقم صفر، العودة إلى الفصيل الذى حكم مصر على مدى السنوات الستين الماضية، المؤسسة العسكرية.

لقد تغير الزمن يا حمدين، لم يعد لجيلنا مكان فى عالم اليوم، الشعب الذى ننتمى إليه قد تغير، لم يعد لديه القدرة على الحلم، لم يعد ينشد سوى الأمان وكفاف العيش، آن لك أن تستريح، استراحة المحاربين. لا مزيد من الاتهامات والجروح الصغيرة، لا مزيد من خيبة الأمل. سلم رايتك للشباب النقى الذى آمن بك، دعهم يواصلون حلمهم، لم يعد المستقبل يخص أحدا سواهم، الثورة هى أمانتهم، هم الذين أشعلوها ودفعوا ثمنها. دعهم يكملون وحدهم الطريق.
59 likes ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on June 04, 2014 13:13 Tags: مقالتي-في-التحرير
Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by Mohamed (new)

Mohamed Maher لم يعد حمدين ولا غيره،يمكنه الوقوف أمام السيسى وبطشه واعلامه،ولكن التغيير قادم لا محالة،ولكن الأهم هو ما سيحدث بعد التغيير،حيث يجب الاتحاد كجبهة واحدة لا أن نفترق ويكون لكل شخص صوته الخاص،فهذا هو اشد ما أخافه،ان يضيع مجهود الناس مرة أخرى وكأنه لم يكن


back to top