أنا وهارى

عندما تم ترشيحى لترجمة الراوية السادسة من سلسلة هارى بوتر فى أوائل عام 2006، لم أكن قد قرأت أيا من الكتب أو شاهدت الأفلام. كنت أعرف أنها شهيرة وتتحدث عن فتى ساحر صغير، وتصادف أن قرأت مقالا،فى تلك الفترة، يناقش كاتبه السلسلةويرفض فكرتها ويراها غير متوافقة مع قيمنا ولا ملائمة لمجتمعنا، والغريب أنى تأكدت فيما بعد أن كاتب المقال لم يقرأ الروايات أو يطلع عليها.

منذ اللحظة الأولى التى بدأت فيها العمل على رواية “هارى بوتر والأمير الهجين”، 600 صفحة، أدركت أننى أمام عالم روائى متفرد، ذو طبيعة خاصةللغاية، أبتكره خيال شديد الخصوبة لكاتبة مبدعة، عالم له مفرداته ومصطلحاته الخاصة، التى لا توجد فى المعاجم. وكان من الضرورى أن أدخل إلى هذا العالموأزيد معرفتى بالساحر الصغير، هارى بوتر، حتى أتمكن من ترجمته للأخرين، فبدأت بالبحث عن كل المعلومات المتاحة عن الكاتبة “جى كى رولينج” وظروف ابتكارها لفكرة الراوية والشخصيات،ووجدتما أردته متاحا على مواقع شبكة الأنترنت وخاصة الموقع الرسمى للكاتبة،فضلا عن مواقع المعجبين بالسلسلة الكثيرة.

ثم بدأت فى قراءة بعض الأجزاء السابقة من السلسلة، واحببت فكرتها، وأدركت أنها رواية إنسانيةبالدرجة الأولى، تناقش موضوعا يتعلق فى الاساس بالصراع بين الحب والصداقة والخير من جانب فى مقابل القوة الغاشمة والظلم والعنصرية والشر. كان من الممتع متابعة هارى وأصدقائه وهم يكبرون عاما بعد عام ويتحولون من أطفال إلى مراهقين وهى فترة من أصعب الفترات التى تمر على الإنسان، لم أكن قد قرأت روايات تتناولها من قبل.

واستعنت بكل ما جمعته من ملاحظات ومصطلحات فى تكوين معجمى الخاص، وبدأت رحلة ترجمة الكتاب.تعاملت مع كل مصطلح من مصطلحات الكتاب بوصفه حالة خاصة أقوم بدراستها وأخذ قرار بشأنهامثل كلمة “”Mugleالتى اخترت ترجمتها إلى “العامة” بدلا من “مجل” وتعنى “الذين لا ينتمون إلى مجمتع السحرة”. وهناك أيضا مصطلح “”Quidditchأو “كويدتش” وهى الرياضة الشعبية فى مجتمع السحرة، التى يركب لاعبوها المقشات السحرية، والتى فضلت نقلها حسب نطقها نظرا لأنها تعبر عن فكرة فريدة من نوعها.

لم تكن المفردات هى أصعب ما واجهته فى ترجمة الراوية، كان نقل حيوية ونبض الشخصيات أصعب بكثير، كنت أشعر أنهم حقيقيون، مشاعرهم وانفعالاتهم حقيقية، وكثيرا ما كنت أجد صعوبة فى صياغة الجمل بصورة تنقل كل ما تثيره الكلمات الأصلية فى نفسى، ولم يكن أمامى سوى الاجتهاد فى ذلك قدر الإمكان وتذكرت جملة قرأتها عن ترجمة الأدب وأن الترجمة الأفضل له لا تنقل أكثر من 80% من النص الأصلى، وتسألت كم من معانى النص يا ترى تمكنت من نقله.

مع انتهائى من ترجمة الجزء السادس، بعد حوالى أربعة شهور من العمل الممتع الشاق، أصبحتعاشقة للراويات وعالمها.أظننى كنت، مثل كل القراء، أنتظر بشغف الجزء السابع والأخير من السلسلة وأتابع أخباره،كما حرصت على مشاهدة الأفلام، كنت أريد أن أشاهد كيف تمكن صناعها من نقل ذلك العالم الخيالى إلى الواقع والحقيقة أن ظنى لم يخب، فرغم أنهم لم يتمكنوا، فى رأيى، من نقل سوى 60% من الأحداث والشخصيات،إلا أنهم نجحوا فى نقل روح السلسلة بشكل جميل، وتظل قراءة الروايات أكثر جمالا ومتعة وخيالا بكل تأكيد. لاحقا، عندما ترجمت كتاب أخر يتناول صناعة الأفلام “هارى بوتر وراء الكواليس”، ذهلت من كم المجهود والإبداع والدقة الذى كان يبذل فى صنع أشياء لا نراها على الشاشة سوى لثوان معدودة، وعرفت لماذا أحببت هذه الأفلام.

قمت خلال الفترة التالية بمراجعة ترجمة الجزء الأول “هارى بوتر وحجر الفيلسوف، ثم ترجمة أخر كتب المجموعة، “هارى بوتر ومقدسات الموت”، والذى أظنه كان ختاما رائعا لكل الأفكار والأسئلة التى أثارتها الكاتبة منذ الجزء الأول، ورغم اكتمال السلسلة، إلا أنها لم تنتهى،بل أصبحت عملا كلاسيكيا سيعيش طويلا، بعد أن أثبتت أن الناس مازالوا يرغبونفى القراءة، وأنهم فى حاجة إلى شيئ مبتكر مبدع يدفعهم إلى إقتناء الكتب. ومازال هارى صديقا عزيزا لى أقدم أجزاءه الأولى إلى أصدقائى الصغار من العائلة وخارجها، وأتمنى أن يلهمهم ويطلق طاقة الخيال لديهم.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 08, 2015 04:49
No comments have been added yet.