إلى من يحملونَ شُعلةً من النّور l رسالة ~
بما أنني والحمدُ لله أُنهي غداً آخر مُحاضرة في فصلي الجامعي الأخير، سوف أستطيع إرسال رسالتي الآن …
ورسالتي هي للّذين لا زالوا على مقاعدهم الدّراسية وللّذين لا زال الوقت أمامهم في رحلاتهم إليها، والّذين يحملون رحلاتهم أينما حلّوا أو ارتحلوا …
في أوّل أيامي الجامعية وككل طالب جديد كانَ شكل الرّحلة مجهولاً، وعلى عكس الآخرين الّذين جاؤوا مُحمّلين بمحبّتهم لما سوف يدرسون جئتُ إنساناً لا يُدرك من المكان ولا من الهدف أيّ ملمح، ولا أقصد ببدايتي بهذه الكلمات أنني أحمل الشعور ذاته بل بدأت في عكس الحال الّذي أنا عليه بنسبةٍ مُكتملة ومُمتلئة، بمئة أو مئتين بالمئــة..
كانت أولى مشروباتي السّاخنة المُفضّلة هي النسكافيه، حتّى استلزم الأمر أن أتحوّل إلى مُدمنة شاي من الدّرجة الأولى، إلى أن أصبحت لا أشعر بكلمة صباح إلّا إن ختمت فنجان القهوة بكلّ حواسّي ..
كُنت أسمع للأغنيات بشكلٍ عشوائيّ، أصبحت أحبّ الموسيقى الهادئة، ثمّ السّاكتة ثمّ الصاخبة حتّى اهتديتُ إلى عِشق النّاي والبيانو ..
كُنت أخاف التّجمعات بل أهابها، أُفضّل العُزلة عن كل اجتماعٍ بشريّ، حتى صرت الشّخص الّذي يحفظه دكتور المادّة لأنه الأكثر مُشاركة، إلى أن صنعني الله على عينه وأصبحت لا آبه بحجم التّجمع مهما كبر وأتحدّث بينهم وكأني أحادث أشخاصاً أعرفهم منذ زمن بهدف إيصال رسائلي أينما حللت ..
كنت وكنت وأصبحت …
في الحقيقة ما أسلفت ذكره لم أذكره للكشف عن مُحتوياتي الّتي لم أذكر منها إلّا نسبةً صغيرة عشريّة بالمئة، بل ما أريد إيصاله لك هو أننا في الحقيقة نجهل ما سنصير إليه، ما نعرفه في الطّريق هو أهدافنا متخيّلين شكل النهاية، لكن العالم الوحيد بشكلها هو الله، كلّ ما علينا أن نسعى للمثالية أو إلى ما يشبهها، عليكَ أن تكونَ مرِناً قدر استطاعتك لا تكن هَشّاً ولا صلباً فكلا الحالتين لن تستفيد منهما إلّا بقائك كما أنت دون أن تغيّر في حياتك ولا في محيطك شيئاً ..
إنَّ فترة الجامعة الّتي تكون فيها ما قبل العشرين وتستفتح فيها عشرينيّتك هيَ أوج عطائك للمجتمع، وللأمّة إن أنت كُنت فيها على قدر المهمّة والرّسالة فذلك يُحتّم أنّك ستكون قائداً من قادة المُجتمع الّذين هم على طريق تحرير مُجتمعاتنا وأمّتنا من كلّ قيدٍ من كلّ جهل من كلّ الأفكار الّتي ستواجهنا في الزّمن القادم، فأنت سيّد نفسك في هذه المرحلة ولكنّك إن كُنت قدر ذلك ستكون سيّد مُجتمع بأكمله بيدك المُفتاح وبيدك القيد فاختر أيّ الاثنين تُريد ..
أنا وعلى قلّة ما استطعته، استطعت، فذلك إن كان يُلهمك لشيء كائناً من تكون يا صديقي الإنسان بأنّك تستطيع، لا عُذر لك ولا حجّة تملكها كي تتقاعس، حاول بشتّى الوسائل أن تتعرّف على شغفك ربّت عليه وارعاه حقّ رعايته، ستنسى كلّ تعبٍ مررت به وسيبقى معك نتاج تعبك، ستنسى كلماتٍ أحبطتك وسوفَ تكونُ شاكراً أكثر للّذين قالوا لك أنك تستطيع، ستذكر ما أرهقك كإثباتٍ وحيد أنّ من يُريد أن يصل لزاماً عليه أن يتعب، فكلّ ما يأتيك طائعاً لسهولته سيتفلّت من بين أيديكَ يوم يطلبهُ مُريدٌ آخر أفضل منك، أما ما تنتشله باستحقاقك له فلن يكون إلّا لك ستكونُ أنت بصمته الوحيدة !
لا تنتظر …
الفرصة لا تأتي مرّتين، وعمرك لا يُعاد مرّتين، ونبضك لن يخفق لشيءٍ أهملته في أوج حاجة قلبك إليه، والأصدقاء الملهمين لن يتكرر إيقاع محبّتهم لك ..
اجعل قلبكَ بوصلةَ الآخريــن الّذين يسعَون إلى الجمال ..
لا تبخل بكلمةٍ جميلة، فلرُبّ كلمة طيّبة تصنعُ قائداً ولرُبّ كلمة تحيي ميتاً بل لربّ كلمة صنعت المُعجزات ..
أشعل شمعتك، شمعة قلبك، وكن موقنــاً أن النّور سيجد طريقه لكلّ الّذين تُحبّهم معك ..
أكثر من قول : “شُكراً” لكلّ من ساعدوك، ولا تتردد بقول “آسف” لمن ضايقتهم فالحُبّ والمودّة أوسع بكثير من التأويل عن خطأ ..
تطوّع بطريقتك الخاصّة، بإلقاء التحيّة الصباحية برحابة صدرٍ على العاملين في الجامعة مثلاً، أو بالحفاظ على مكانك نظيفاً كما لو أنه بيتك، ساعد قدر استطاعتك من هم بحاجةٍ إليك ..
سوف أودّع بعد أيّام جامعتي وأنا شبه مُطمئنّة، ثمّة أرواح أنا موقنة من عزمهم في إيصال رسالتي يومَ أرى ذلك بأم عيني سوف أكون سعيدة ..
27 . نيسان . 2015
لُجين ماهر قبطي


مُدوّنة وَطَنْ
أنَّ حُروفي تصفني كَثيراً ..
وأتمنّى ذلك!
- لجين قبطي's profile
- 93 followers
