بين التناقض وتعدد المرجعيات
بين التناقض وتعدد المرجعياتعبدالله المطيري
المنافق عادة ما يتم تعريفه بأنه الشخص الذي يُظهر ما لا يُبطن. بمعنى أنه الإنسان الذي يتحرك بناء على حسبة واعية تعني أن يفعل ما يعتقد هو أنه خطأ، لحماية نفسه أو تحقيق مكاسب اجتماعية الأطروحة الأساسية هنا، أن الإنسان ذا المرجعيات المتعددة لديه فرصة أكبر للتسامح عن إنسان البعد الواحد، الأقرب إلى العنف والانغلاق.
بمعنى أن الإنسان الذي يتورّع عن التصرف بناء على منطلقاته الدينية أو الفكرية الخاصة والدقيقة احتراما لاعتبارات أخرى مثل حق الضيف وحق كبير السن وحق الطفل وحق الجار..الخ. لديه فرصة أكبر لتقبل الاختلاف والتنوع في علاقاته الاجتماعية في المقابل، فإن أحادي البعد، ولنأخذ المتطرف الديني مثالا عليه، يتحرك تحت هذا المبدأ: الاعتبارات الأخرى كحق الجار والضيف وكبير السن تحت قدمي في سبيل تطبيق أفكاره المتطرفة.
لذا، فهو قادر، كما شاهدنا مع الإرهابيين، على قتل ليس فقط الأبرياء بل حتى أقرب الناس إليه من والدين وإخوة.
المتطرف هنا يرى من ثقب واحد ضيق، بينما المتسامح لديه نوافذ متعددة تتسلل منها وجوه متعددة للحياة.
السؤال الأساسي اليوم هو: هل تعدد المرجعيات الفكرية والأخلاقية للإنسان يجعله متناقضا أو حتى منافقا؟ بمعنى آخر: ما الفرق بين الإنسان متعدد المرجعيات وبين من نعدّهم منافقين يعيشون بأكثر من وجه في المجتمع؟
المنافق عادة ما يتم تعريفه بأنه الشخص الذي يُظهر ما لا يُبطن. بمعنى أنه الإنسان الذي يتحرك بناء على حسبة واعية تعني أن يفعل ما يعتقد هو أنه خطأ، لحماية نفسه أو تحقيق مكاسب اجتماعية.
العامل الجوهري في رأيي هنا هو، وعي المنافق ذاته بأن ما يفعله غير صحيح ولكنه يفعله لأجل حسابات أخرى أهم ولو مؤقتا.
الكذب هنا شرط ضروري خلف النفاق. في المقابل، فإن صاحبنا متعدد المرجعيات يتحرك أيضا بناء على حسابات اجتماعية تحددها العلاقات التي تربطه مع الآخرين، ولكن الفارق المهم أنه لا يشعر داخليا بأنه يرتكب عملا خاطئا.
بمعنى أنه لا يخفي ما يبطن. متعدد المرجعيات صادق وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يخطئ. هذا في رأيي فارق كبير باعتبار أن حسابات متعدد المرجعيات حسابات معلنة ومعروفة، مما يتوافق مع قدرته على خلق أجواء الثقة بينه وبين الآخرين.
هنا نصل إلى تفريق دقيق بين متعدد المرجعية فعلا، وأحادي المرجعية الذي يظهر موقتا في لباس متعدد المرجعية. المشهد التالي يفترض أن يساعدنا على تصور الحالتين:
المشهد الأول، رجل يرى جاره يدخّن عند باب بيته، وبعد تبادل التحايا يبدأ معه نقاشا محفوفا بابتسامة عن تحريم التدخين في الدين. لكن الجار يبدو مهتما بالموضوع ويدخل مع صاحبنا في نقاش يختلف فيه حول تحريم التدخين. صاحبنا الآن يواجه موقفا يتعارض فيه إيمانه العميق بتحريم التدخين وحق جاره المخالف له في هذا المعتقد. صاحبنا يفقد ابتسامته، ويبدأ في لغة تعليمية وتوجيهية متعالية لجاره، يحذره فيها من الأفكار المنحرفة، تنتهي بتهديده مما يفسد معه علاقة الجيرة، لتبدأ قصة من الخصومة بين الطرفين.
في المشهد الثاني: تبقى الابتسامة مستمرة، ويصل الحوار إلى أن الاختلاف حول الموضوع لا يفسد للود قضية، وأن علاقة الجيرة أقوى من هذا الخلاف. الابتسامة في المشهد كانت مجرد إستراتيجية أو غطاء سطحي لأحادية هذا الإنسان وعجزه عن حفظ الود مع الآخرين، إذا اختلف معهم.
لذا، فإن متعدد المرجعيات مؤمن في داخله بهذا التنوع، لذا فهو يصمد أمام التحديات التي يثيرها الاختلاف المستمر بين الناس.
إذن، الفرق بين متعدد المرجعيات والمنافق هو القناعة الداخلية عند متعدد المرجعيات أن ما يفعله هو الصحيح وليس فقط إستراتيجية يتجاوزها بعد حين.
الآن نناقش الفرق بين متعدد المرجعيات والمتناقض.
على خلاف المنافق، فإن المتناقض ليس كذابا يظهر مالا يبطن. المتناقض صادق ولكنه متأرجح المواقف يقوم بالعمل ونقيضه. متعدد المرجعيات يتخذ مواقف مختلفة وأحيانا متعارضة حسب المواقف والعلاقات التي تجمعه مع الآخرين، وكذلك الشخص المتناقض.
الشخص المتناقض أحيانا لا يشعر بتناقضه باعتبار أن حساباته تتغير بشكل سريع تبعا للأحداث المتتابعة. في أحيان أخرى يشعر المتناقض بهذا التناقض لكنه يعدّه تغييرا متوافقا مع تحولات الواقع، ولكن الملاحظين من الخارج لا يجدون رابطا ولو دقيقا بين هذه التحولات.
في المقابل، فإن متعدد المرجعيات مدرك للتنوع والاختلاف، وأحيانا التضارب في سلوكه، ويديره حسب عملية معقدة ومركبة من تحديد الأولويات.
الفارق الجوهري هنا، هو أن متعدد الهويات يسعى إلى إعطاء كل مرجعياته حقها من الوجود.
بمعنى آخر، فإنه يتحرك بشكل أفقي يحاول أن يجمع فيه مرجعياته المتعددة. أحيانا يفشل في تحديد الأولويات ولكنه لا يسعى إلى التحول إلى منظومة رأسية تراتبية. هذا الأفق الذي يستضيف مواقف وحسابات متعدد المرجعيات أفق مفتوح ومتسامح بطبيعته. أفق لا يقلقه التعدد والاختلاف.
كانت هذه إطلاله على بعض الإشكالات التي يثيرها التشابه الظاهري بين متعدد المرجعيات والمنافق والمتناقض.
متعدد المرجعيات يعكس حقيقة أن التعامل مع الآخرين يفترض أن ينفتح على التجربة والخبرة الإنسانية أي أنه تجربة تعلّم يجب ألا تحسم من البداية بمقولات متعالية، ولكن تنطلق كتجربة حياة تتوافق مع الطبيعة المتعددة والمتنوعة والمختلفة للوجود الإنساني، لا لتقضي عليه بل لتستمتع به وتثريه.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
المنافق عادة ما يتم تعريفه بأنه الشخص الذي يُظهر ما لا يُبطن. بمعنى أنه الإنسان الذي يتحرك بناء على حسبة واعية تعني أن يفعل ما يعتقد هو أنه خطأ، لحماية نفسه أو تحقيق مكاسب اجتماعية الأطروحة الأساسية هنا، أن الإنسان ذا المرجعيات المتعددة لديه فرصة أكبر للتسامح عن إنسان البعد الواحد، الأقرب إلى العنف والانغلاق.
بمعنى أن الإنسان الذي يتورّع عن التصرف بناء على منطلقاته الدينية أو الفكرية الخاصة والدقيقة احتراما لاعتبارات أخرى مثل حق الضيف وحق كبير السن وحق الطفل وحق الجار..الخ. لديه فرصة أكبر لتقبل الاختلاف والتنوع في علاقاته الاجتماعية في المقابل، فإن أحادي البعد، ولنأخذ المتطرف الديني مثالا عليه، يتحرك تحت هذا المبدأ: الاعتبارات الأخرى كحق الجار والضيف وكبير السن تحت قدمي في سبيل تطبيق أفكاره المتطرفة.
لذا، فهو قادر، كما شاهدنا مع الإرهابيين، على قتل ليس فقط الأبرياء بل حتى أقرب الناس إليه من والدين وإخوة.
المتطرف هنا يرى من ثقب واحد ضيق، بينما المتسامح لديه نوافذ متعددة تتسلل منها وجوه متعددة للحياة.
السؤال الأساسي اليوم هو: هل تعدد المرجعيات الفكرية والأخلاقية للإنسان يجعله متناقضا أو حتى منافقا؟ بمعنى آخر: ما الفرق بين الإنسان متعدد المرجعيات وبين من نعدّهم منافقين يعيشون بأكثر من وجه في المجتمع؟
المنافق عادة ما يتم تعريفه بأنه الشخص الذي يُظهر ما لا يُبطن. بمعنى أنه الإنسان الذي يتحرك بناء على حسبة واعية تعني أن يفعل ما يعتقد هو أنه خطأ، لحماية نفسه أو تحقيق مكاسب اجتماعية.
العامل الجوهري في رأيي هنا هو، وعي المنافق ذاته بأن ما يفعله غير صحيح ولكنه يفعله لأجل حسابات أخرى أهم ولو مؤقتا.
الكذب هنا شرط ضروري خلف النفاق. في المقابل، فإن صاحبنا متعدد المرجعيات يتحرك أيضا بناء على حسابات اجتماعية تحددها العلاقات التي تربطه مع الآخرين، ولكن الفارق المهم أنه لا يشعر داخليا بأنه يرتكب عملا خاطئا.
بمعنى أنه لا يخفي ما يبطن. متعدد المرجعيات صادق وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يخطئ. هذا في رأيي فارق كبير باعتبار أن حسابات متعدد المرجعيات حسابات معلنة ومعروفة، مما يتوافق مع قدرته على خلق أجواء الثقة بينه وبين الآخرين.
هنا نصل إلى تفريق دقيق بين متعدد المرجعية فعلا، وأحادي المرجعية الذي يظهر موقتا في لباس متعدد المرجعية. المشهد التالي يفترض أن يساعدنا على تصور الحالتين:
المشهد الأول، رجل يرى جاره يدخّن عند باب بيته، وبعد تبادل التحايا يبدأ معه نقاشا محفوفا بابتسامة عن تحريم التدخين في الدين. لكن الجار يبدو مهتما بالموضوع ويدخل مع صاحبنا في نقاش يختلف فيه حول تحريم التدخين. صاحبنا الآن يواجه موقفا يتعارض فيه إيمانه العميق بتحريم التدخين وحق جاره المخالف له في هذا المعتقد. صاحبنا يفقد ابتسامته، ويبدأ في لغة تعليمية وتوجيهية متعالية لجاره، يحذره فيها من الأفكار المنحرفة، تنتهي بتهديده مما يفسد معه علاقة الجيرة، لتبدأ قصة من الخصومة بين الطرفين.
في المشهد الثاني: تبقى الابتسامة مستمرة، ويصل الحوار إلى أن الاختلاف حول الموضوع لا يفسد للود قضية، وأن علاقة الجيرة أقوى من هذا الخلاف. الابتسامة في المشهد كانت مجرد إستراتيجية أو غطاء سطحي لأحادية هذا الإنسان وعجزه عن حفظ الود مع الآخرين، إذا اختلف معهم.
لذا، فإن متعدد المرجعيات مؤمن في داخله بهذا التنوع، لذا فهو يصمد أمام التحديات التي يثيرها الاختلاف المستمر بين الناس.
إذن، الفرق بين متعدد المرجعيات والمنافق هو القناعة الداخلية عند متعدد المرجعيات أن ما يفعله هو الصحيح وليس فقط إستراتيجية يتجاوزها بعد حين.
الآن نناقش الفرق بين متعدد المرجعيات والمتناقض.
على خلاف المنافق، فإن المتناقض ليس كذابا يظهر مالا يبطن. المتناقض صادق ولكنه متأرجح المواقف يقوم بالعمل ونقيضه. متعدد المرجعيات يتخذ مواقف مختلفة وأحيانا متعارضة حسب المواقف والعلاقات التي تجمعه مع الآخرين، وكذلك الشخص المتناقض.
الشخص المتناقض أحيانا لا يشعر بتناقضه باعتبار أن حساباته تتغير بشكل سريع تبعا للأحداث المتتابعة. في أحيان أخرى يشعر المتناقض بهذا التناقض لكنه يعدّه تغييرا متوافقا مع تحولات الواقع، ولكن الملاحظين من الخارج لا يجدون رابطا ولو دقيقا بين هذه التحولات.
في المقابل، فإن متعدد المرجعيات مدرك للتنوع والاختلاف، وأحيانا التضارب في سلوكه، ويديره حسب عملية معقدة ومركبة من تحديد الأولويات.
الفارق الجوهري هنا، هو أن متعدد الهويات يسعى إلى إعطاء كل مرجعياته حقها من الوجود.
بمعنى آخر، فإنه يتحرك بشكل أفقي يحاول أن يجمع فيه مرجعياته المتعددة. أحيانا يفشل في تحديد الأولويات ولكنه لا يسعى إلى التحول إلى منظومة رأسية تراتبية. هذا الأفق الذي يستضيف مواقف وحسابات متعدد المرجعيات أفق مفتوح ومتسامح بطبيعته. أفق لا يقلقه التعدد والاختلاف.
كانت هذه إطلاله على بعض الإشكالات التي يثيرها التشابه الظاهري بين متعدد المرجعيات والمنافق والمتناقض.
متعدد المرجعيات يعكس حقيقة أن التعامل مع الآخرين يفترض أن ينفتح على التجربة والخبرة الإنسانية أي أنه تجربة تعلّم يجب ألا تحسم من البداية بمقولات متعالية، ولكن تنطلق كتجربة حياة تتوافق مع الطبيعة المتعددة والمتنوعة والمختلفة للوجود الإنساني، لا لتقضي عليه بل لتستمتع به وتثريه.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on January 19, 2016 16:16
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

