الضيافة في المجال العام

الضيافة في المجال العامعبدالله المطيريهل يمكن نقل أخلاق الضيافة للمجال العام؟ هذا هو السؤال المركزي في هذه المقالة. ذكرنا سابقا أن أخلاق الضيافة تحدث تعديلا جذريا في العلاقة بين الذات والآخر. الضيافة لا تجعل الذات فقط مسؤولة تجاه الآخر، بل تجعلها كذلك مسؤولة عنه. الضيافة تعمل عكس كل منطلقات الأنانية للذات والجماعة وما ينتج عنها من تعصب وتطرف وعدوانية أو عزلة وانغلاق. الضيافة تجعل للآخر أولوية ودور تأسيسي للذات لا يمكن معه استبعاد الآخر من منطق وجود الذات. الضيافة بهذه المعنى حركة باتجاه مضاد لأفكار التفرقة بين البشر. الضيافة هي دعوة للآخر لمشاركة الذات مأواها ومستقرها. الدعوة هذه استثنائية لأنها مفتوحة بالكامل على آخرية الآخر. المضياف الحقيقي لا يفرز ضيوفه ولا يحدد هوياتهم مسبقا. لكن في المقابل الضيافة تم التعارف عليها بأنها مرتبطة بالحيّز الخاص للفرد. مرتبطة بالمكان الذي يملكه أو يملك منفعته. ماذا عن المكان العام؟ هل يستطيع الفرد أن يكون مضيافا خارج منزله أو مزرعته أو مكتبه الخاص؟ هذا السؤال مهم باعتبار أن التغييرات الكبيرة في تصميم المدن وانتشار الخدمات التجارية من سكن ومطاعم حدت كثيرا من ممارسة الضيافة في صورتها التقليدية. بمعنى انخفاض معدلات لجوء الناس لبيوت الآخرين الخاصة بحثا عن مساعدة. في المقابل نرى تصاعدا كبيرا في لجوء الناس للمجال العام بحثا عن الضيافة. الناس تضع اليوم أملا أكبرا في المؤسسات العمومية لمقاومة العنف والاغتراب والعوز في المجتمع. لذا فالسؤال هو: هل يمكن أن يكون الفرد مضيافا في مكان لا يملكه؟ في مكان عام؟ هذه الأسئلة يفترض أن تحيلنا إلى السؤال الأعمق عن علاقة الضيافة بالمكان. نعلم أن الضيافة تمتاز عن باقي أعمال التعاون والخير بارتباطها تحديدا بتوفير مكان لمن لا مكان له. حين تساعد محتاجا عند إشارة المرور ببعض المال فهذه يمكن تسميتها صدقة ورحمة ولكنها لا تعتبر ضيافة. الضيافة تتطلب مشاركة للآخر في مكان الذات. أو أن تصبح الذات مكانا للآخر.
النقاش السابق أشار إلى أن العلاقة بين الضيافة والمكان ضرورية ولكنه لم يحدد (نوع) هذه العلاقة. هل علاقة الضيافة بالمكان علاقة (امتلاك)؟ بمعنى هل ملكية المكان أو منفعته شرط ضروري لممارسة الضيافة في هذا المكان؟ إذا كان الوضع بهذا الشكل فإن فرص الضيافة في المجال العام محدودة باعتبار تعذّر الملكية الفردية للمجال العام. لكن ماذا لو كانت العلاقة الضرورية للضيافة بين الفرد والمكان هي علاقة (انتماء)؟ الانتماء لا يتطلب بالضرورة الملكية وهو ممكن في مكان المجال العام. باعتبار أن الضيافة خبرة وتجربة اجتماعية قبل أي شيء آخر، فبإمكاننا العودة لممارسات الضيافة للنظر في إمكان تحققها مع الانتماء بدلا من الامتلاك. من المشاهد التي خطرت في بالي هذا المشهد: جماعة من البشر يخرجون للبر للنزهة. ينزلون في مكان للبقاء فيه لعدة أيام. بمجرد مرور غيرهم على هذا المكان فإنهم يمارسون الدعوة للضيافة للمارة الجدد. هم يعلمون أنهم لا يملكون المكان ولكن أسبقيتهم له جعلت لهم مستوى من الانتماء يبرر لهم الدعوة له. في سياق آخر يمكننا تصور شخص في قاعة انتظار مزدحمة في مطار أو مستشفى. مع قدوم منظر جديد يقوم بعض الكرماء بخلق مساحة خالية جديدة لاستضافته. صالة الانتظار صالة عامة لا يمتلكها أحد بشكل فردي ومع ذلك كانت الأسبقية الزمنية وما أسسته من انتماء ومعرفة مبررا كافيا للشعور باستحقاق ممارسة الضيافة على هذا المكان.
الأمثلة السابقة وغيرها يفترض أن تؤسس لإمكان ممارسة الضيافة في المجال العام متى ما توافر الانتماء لهذا المكان. هذه النتيجة لها امتدادان: الأول أن سؤال الضيافة في المجال العام يحيلنا إلى طبيعة علاقة الناس بهذا المكان ولذا فهو سؤال جذري. ثانيا: أن الضيافة بذاتها هي تأسيس لعلاقة انتماء للمكان. الضيافة تعني ولادة علاقة جديدة بين المكان وأفراد آخرين. حتى الآن وصلنا إلى النتائج التالية: الضيافة في المكان العام ممكنة، نحتاج فحص علاقتنا بالمكان العام لنعلم فرص الضيافة فيها، الضيافة في المجال العام تعني توليد مزيد من علاقات الانتماء بين المجال العام وأفراد جدد. أخطط في مقالات لاحقة لأن أنقل هذا النقاش العام لحالة خاصة من حالات المجال العام. حالة التعليم والمدارس للتفكير في مدى إمكان ممارسة أخلاق الضيافة بين البشر في تلك الأماكن. الضيافة في التعليم تعني فرصة لعلاقة مختلفة مع الآخر في هذا التعليم. الآخر هنا يشمل الطالب المنتمي لسياق ثقافي مختلف عن الغالبية، يشمل الفكرة الجديدة والمفاجئة التي قد تخالف السائد، يشمل من لا نعرفهم ولكننا نعلم وجودهم، يشمل الجوانب الغريبة في طبائعنا، يشمل تنوعنا واختلافنا في المجمل بكل ما فيه من قوة وضعف. الضيافة في التعليم تعطينا أملا في احتواء كل هذا والاحتفاء به. سأحاول لاحقا تقديم تفصيلات دقيقة في معنى التعليم المضياف، المعلم المضياف، والطالب المضياف.
 http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 02, 2016 17:38
No comments have been added yet.


عبد الله المطيري's Blog

عبد الله المطيري
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد الله المطيري's blog with rss.