إجرائية الضيافة
إجرائية الضيافةعبدالله المطيريتحدثنا عن حساسية الضيافة لخيارات الضيف، بمعنى أنه بما أن الضيف هو هدف الضيافة فإن ما يريده الضيف لا ما يريده المضيف يفترض أن يحكم مضمون الضيافة. الضيافة إعطاء أولوية للآخر على الذات ولذا نتوقع أن تترجم هذه الأولوية في ممارسة هذه الضيافة، فالمضيف الذي يصرّ على شكل معيّن من الضيافة بغض النظر عن انعكاسها على الضيف يثير أسئلة جوهرية عن معنى وهدف ضيافته.
المهايطي، كما يعرف الناس، هو شخص يستخدم ضيوفه لأغراضه الخاصة، للتسويق لذاته أمام الآخرين. الهياط هنا يعني انقلابا في الأولويات مقارنة بالضيافة: في الضيافة الأولوية للآخر، للضيف وفي الهياط الأولوية للذات، للمضيف. الصورة السابقة تبدو معقولة لدرجة عالية: الضيافة يجب أن تكون حساسة لخيارات الضيف وما يريده تحديدا. إذا كان ضيفك لا يحب التجمّعات الكبيرة فمن حقه أن تتم ضيافته في أجواء مختصرة. لكن هل المشهد السابق يصف تماما مشهد الضيافة؟ بمعنى هل الضيافة على أرض الواقع تتم بهذا الشكل: أن يعرف المضيف ما يريده ضيفه؟ أو لدرجة أعمق هل يعرف المضيف ضيفه؟ نحن هنا ننتقل إلى مستوى آخر من الضيافة، حيث لا يعرف المضيف ضيفه أو حين يكون الضيف آخرا تامّا. هذه الضيافة بلا دعوة خاصة هي من تجمع الأغراب فعلا. إنها الضيافة بلا شروط. صاحب الضيافة يقدم دعوة عامة للجميع، دعوة لمن لا يعرفهم أن يدخلوا داره ويشاركوه الإقامة فيها. المضيف هنا ليس لديه "معلومات" عما يريد الضيف وما لا يريد فهو لا يعرف ما يميّز هذا الضيف عن غيره. الضيف مرحّب به، بغض النظر عن هويته الشخصية. يبدو أنه ليس أمام المضيف إلا اللجوء إلى افتراضات عمومية عن ضيوفه. بمعنى آخر أنه سيلجأ لإجراء عمومي يستضيف من خلاله الضيوف، بغض النظر عن هوياتهم الشخصية. هنا سيلجأ لما هو متوقع من حاجات: الحاجة للترحيب والاستقبال، الحاجة لمكان، الحاجة لأمان، الحاجة للطعام والشراب. بمعنى آخر يلجأ المضيف لما يعتقد أنه مناسب لكل إنسان يمكن أن يقبل ضيافته. المعايير الإجرائية تلجأ غالبا للمشتركات العمومية وتحيّد جانبا المواصفات الخاصة. على سبيل المثال القوانين الإجرائية في الدول الديموقراطية تتعامل مع المواطن بوصفه مواطنا بغض النظر عن خصوصياته الدينية والعرقية والثقافية، بمعنى أنها تتعامل بالمشترك وتحيّد جانبا الخصوصيات.
حالتنا مع الضيافة هنا حالة ثالثة بين حالة الضيف الذي يعرف ما يريد ضيفه وينفّذ له ما يريد وبين آخر مشغول بتحقيق ما تريده ذاته قبل ما يريده الضيف. نحن هنا أمام ضيافة لا يعرف فيها المضيف ضيفه. الضيف هنا يتم الترحيب به بغض النظر عن هويته الخاصة. لذا الضيافة انفتاح مذهل وتسليم لسلطة الذات. الضيافة هنا مغامرة لأن هذا الانفتاح الكامل يتضمّن في داخله فتح الباب أمام القادمين بنوايا سيئة. أهل الضيافة يعلمون جيدا أن هناك من يستغّل الضيافة لأغراض سيئة ولكن هذا لا يعيقهم عن الضيافة، باعتبار أن هذا الاستغلال ليس إلا ضريبة لقيمة أهم بكثير وهي قيمة الترحيب بالضيف، بغض النظر عن هويته الخاصة. هذا الموقف الثالث يجعل المضيف يجتهد في تصوراته لما يمكن أن يلبي قيم الضيافة عنده. هنا سيلجأ بالتأكيد لتجربته الخاصة ولما تراكم في سياقه الثقافي من تصورات عن احتياجات الضيوف. هذا ربما يفسّر لنا ارتباط تقاليد الضيافة رغم إجرائيتها بالتفاصيل الثقافية للبيئة التي تتم فيها الضيافة. الضيافة هنا انعكاس للبيئة التي تتم فيها. الصورة حتى الآن كالتالي: المضيف يبحث عن أعلى مستوى من الترحيب بضيفه لكنه لا يعرف هذا الضيف بشكل خاص. الضيف بالنسبة له هو من يقبل على بيته ويقبل دعوة الباب المفتوح أو من تدفعه الثقة بأن يطرق الباب ويطالب بفتحه. باعتبار أنه لا يعرف تفاصيل خيارات ضيفه فليس أمامه إلا أن يجتهد في إقامة عادات مصممة للضيف أيا كان. أي عادات تلبي حاجات الضيف بغض النظر عن خصوصياته. هنا تتم العودة لبيئة المضيف الخاصة لينتقي منها تحديدا ما يتوافق مع معايير الضيافة لديه. لذا نلاحظ أن عادات البشر في الضيافة تعكس تفاصيل حياتهم الحقيقية وكأنها عرض جمالي لأفضل ما يملكون وما يعرفون. هنا نبدأ في التصور الجمالي للضيافة وكيف تعكس ليس فقط قيما أخلاقية تجاه الآخر تضاد بشكل عميق أخلاق الأنانية والانتقام والطمع والصراع، بل تعكس قيما جمالية لانتقاء الناس لأجمل ما يملكون ليستقبلوا به ضيوفهم. جمالية الضيافة موضوع كبير يحتاج لمناقشة طويلة، لكن المهم هنا هو محاولة فهم إجرائية الضيافة وتحويلها لمجموعة من العادات والتقاليد.
إجراءات الضيافة ضرورة لاستمرارها باعتبار أنها تعبير لتراكم التجارب والخبرات لكنها كذلك مصممة خصوصا لاستقبال جميع الضيوف بغض النظر عن هوياتهم الخاصة. داخل هذه الإجراءات بالتأكيد استجابات سريعة لخصوصيات الضيوف. مثلا الضيف المريض تتم معاملته بشكل خاص واستثنائي. لكن القيمة الأساسية خلف إجرائية الضيافة أنها نتيجة مباشرة للانفتاح الكامل على الآخر. المضيف هنا يقول لضيفه: مرحبا بك أيا كنت، لأنني لا أعرفك شخصيا فقد أعددت لك مما أعرف ما أعتقد أنه سيناسبك. كل هذا يقدم بلغة اعتذارية، فالمضيف دائما يشعر بالتقصير والطموح لضيافة أفضل.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
المهايطي، كما يعرف الناس، هو شخص يستخدم ضيوفه لأغراضه الخاصة، للتسويق لذاته أمام الآخرين. الهياط هنا يعني انقلابا في الأولويات مقارنة بالضيافة: في الضيافة الأولوية للآخر، للضيف وفي الهياط الأولوية للذات، للمضيف. الصورة السابقة تبدو معقولة لدرجة عالية: الضيافة يجب أن تكون حساسة لخيارات الضيف وما يريده تحديدا. إذا كان ضيفك لا يحب التجمّعات الكبيرة فمن حقه أن تتم ضيافته في أجواء مختصرة. لكن هل المشهد السابق يصف تماما مشهد الضيافة؟ بمعنى هل الضيافة على أرض الواقع تتم بهذا الشكل: أن يعرف المضيف ما يريده ضيفه؟ أو لدرجة أعمق هل يعرف المضيف ضيفه؟ نحن هنا ننتقل إلى مستوى آخر من الضيافة، حيث لا يعرف المضيف ضيفه أو حين يكون الضيف آخرا تامّا. هذه الضيافة بلا دعوة خاصة هي من تجمع الأغراب فعلا. إنها الضيافة بلا شروط. صاحب الضيافة يقدم دعوة عامة للجميع، دعوة لمن لا يعرفهم أن يدخلوا داره ويشاركوه الإقامة فيها. المضيف هنا ليس لديه "معلومات" عما يريد الضيف وما لا يريد فهو لا يعرف ما يميّز هذا الضيف عن غيره. الضيف مرحّب به، بغض النظر عن هويته الشخصية. يبدو أنه ليس أمام المضيف إلا اللجوء إلى افتراضات عمومية عن ضيوفه. بمعنى آخر أنه سيلجأ لإجراء عمومي يستضيف من خلاله الضيوف، بغض النظر عن هوياتهم الشخصية. هنا سيلجأ لما هو متوقع من حاجات: الحاجة للترحيب والاستقبال، الحاجة لمكان، الحاجة لأمان، الحاجة للطعام والشراب. بمعنى آخر يلجأ المضيف لما يعتقد أنه مناسب لكل إنسان يمكن أن يقبل ضيافته. المعايير الإجرائية تلجأ غالبا للمشتركات العمومية وتحيّد جانبا المواصفات الخاصة. على سبيل المثال القوانين الإجرائية في الدول الديموقراطية تتعامل مع المواطن بوصفه مواطنا بغض النظر عن خصوصياته الدينية والعرقية والثقافية، بمعنى أنها تتعامل بالمشترك وتحيّد جانبا الخصوصيات.
حالتنا مع الضيافة هنا حالة ثالثة بين حالة الضيف الذي يعرف ما يريد ضيفه وينفّذ له ما يريد وبين آخر مشغول بتحقيق ما تريده ذاته قبل ما يريده الضيف. نحن هنا أمام ضيافة لا يعرف فيها المضيف ضيفه. الضيف هنا يتم الترحيب به بغض النظر عن هويته الخاصة. لذا الضيافة انفتاح مذهل وتسليم لسلطة الذات. الضيافة هنا مغامرة لأن هذا الانفتاح الكامل يتضمّن في داخله فتح الباب أمام القادمين بنوايا سيئة. أهل الضيافة يعلمون جيدا أن هناك من يستغّل الضيافة لأغراض سيئة ولكن هذا لا يعيقهم عن الضيافة، باعتبار أن هذا الاستغلال ليس إلا ضريبة لقيمة أهم بكثير وهي قيمة الترحيب بالضيف، بغض النظر عن هويته الخاصة. هذا الموقف الثالث يجعل المضيف يجتهد في تصوراته لما يمكن أن يلبي قيم الضيافة عنده. هنا سيلجأ بالتأكيد لتجربته الخاصة ولما تراكم في سياقه الثقافي من تصورات عن احتياجات الضيوف. هذا ربما يفسّر لنا ارتباط تقاليد الضيافة رغم إجرائيتها بالتفاصيل الثقافية للبيئة التي تتم فيها الضيافة. الضيافة هنا انعكاس للبيئة التي تتم فيها. الصورة حتى الآن كالتالي: المضيف يبحث عن أعلى مستوى من الترحيب بضيفه لكنه لا يعرف هذا الضيف بشكل خاص. الضيف بالنسبة له هو من يقبل على بيته ويقبل دعوة الباب المفتوح أو من تدفعه الثقة بأن يطرق الباب ويطالب بفتحه. باعتبار أنه لا يعرف تفاصيل خيارات ضيفه فليس أمامه إلا أن يجتهد في إقامة عادات مصممة للضيف أيا كان. أي عادات تلبي حاجات الضيف بغض النظر عن خصوصياته. هنا تتم العودة لبيئة المضيف الخاصة لينتقي منها تحديدا ما يتوافق مع معايير الضيافة لديه. لذا نلاحظ أن عادات البشر في الضيافة تعكس تفاصيل حياتهم الحقيقية وكأنها عرض جمالي لأفضل ما يملكون وما يعرفون. هنا نبدأ في التصور الجمالي للضيافة وكيف تعكس ليس فقط قيما أخلاقية تجاه الآخر تضاد بشكل عميق أخلاق الأنانية والانتقام والطمع والصراع، بل تعكس قيما جمالية لانتقاء الناس لأجمل ما يملكون ليستقبلوا به ضيوفهم. جمالية الضيافة موضوع كبير يحتاج لمناقشة طويلة، لكن المهم هنا هو محاولة فهم إجرائية الضيافة وتحويلها لمجموعة من العادات والتقاليد.
إجراءات الضيافة ضرورة لاستمرارها باعتبار أنها تعبير لتراكم التجارب والخبرات لكنها كذلك مصممة خصوصا لاستقبال جميع الضيوف بغض النظر عن هوياتهم الخاصة. داخل هذه الإجراءات بالتأكيد استجابات سريعة لخصوصيات الضيوف. مثلا الضيف المريض تتم معاملته بشكل خاص واستثنائي. لكن القيمة الأساسية خلف إجرائية الضيافة أنها نتيجة مباشرة للانفتاح الكامل على الآخر. المضيف هنا يقول لضيفه: مرحبا بك أيا كنت، لأنني لا أعرفك شخصيا فقد أعددت لك مما أعرف ما أعتقد أنه سيناسبك. كل هذا يقدم بلغة اعتذارية، فالمضيف دائما يشعر بالتقصير والطموح لضيافة أفضل.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on February 23, 2016 16:12
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

