(?)
Quotes are added by the Goodreads community and are not verified by Goodreads. (Learn more)
عبدالرحمن منيف

“لقد حاولت منذ وقت مبكر، نسبيا، أن أقترب من الصحراء. وكان ذلك بداية ب"النهايات"، وحين اكتشفت إمكاناتها واحتمالاتها لم أتردد في أن أكرّس كل جهدي من أجل الاندفاع إلى أعماقها، وهكذا قضيت سنوات عديدة في التحضير لهذه الرحلة الخطرة. ولما شرعت بأولى الخطوات تأكدت أن هذا "المكان" يمكن أن يعطي الرواية العربية أحد ملامحها المميزة، وبالتالي يضعها في مواجهة إحدى القضايا الكبرى التي يجب ألا تتردد في اقتحامها والتعامل معها: الصحراء والنفط معًا، وليس الصحراء الرومانسية أو الصحراء الجاهلية.

ليست "مدن الملح" رواية الحنين، أو العودة إلى الجذور، أو حتى المكان الأليف، حسب باشلار، وبالتالي ضرورة العودة إليه مرة أخرى، أو محاولة استعادته في الذاكرة كصيغة بديلة. إن هذه الرواية، بالدرجة الأولى، قراءة المكان وتأثيراته في مرحلة معينة، مما يقتضي تقدير احتمالاته، وما يرتب من نتائج.
إذا كان البحر قد شكّل العمود الفقري للرواية الغربية، واكسبها الكثير من ملامحها، وما يزال كذلك إلى الآن، فمن الجدير بالاهتمام أن يلتفت الكتاب العرب المعاصرون إلى قراءة الصحراء، ومعرفة انعكاساتها على الفكر والسلوك. هذا لا يعني أن نتمثل كل القراءة في الرواية حصرا، إذ يمكن أن تقرأ بأشكال ووسائل متعددة.
ولعل من المفيد هنا لفت النظر إلى الجهد الذي بذله المرحوم علي الوردي في قراءة المجتمع العراقي والتأثير البدوي في تكوينه، وبالتالي تفسير الكثير من التصرفات والسلوك وحقيقة العلاقات السائدة. فإذا كان كم البداوة بهذا المقدار في بلد يعتبر غير صحراوي، نسبيا، فكيف يكون الحال في الصحارى الحقيقية، خاصة إذا ترافقت الصحراء بالمال؟
إن حجم البداوة في داخلنا كبير، وبعض الأحيان نفاجأ ونفزع حين نكتشف أنه بهذا المقدار. أما مظاهر الحضارة والحداثة التي ندعيها، فلا تعدو أن تكون قشرة "خارجية"، الأمر الذي يستدعي حفرًا عميقًا، والتأسيس على أرض صلبة، تمهيدًا للدخول إلى العصر. أما أن نحمل على أكتافنا هذه "الذخيرة" البدوية، ونموهها بربطات العنق والعطور الباريسية والآلات الحاسبة، فإنها لن تخفي الحقيقة الكامنة تحت السطح، والتي ستظهر عند أول منعطف، وستقول بالتالي أي علاقة لنا بهذا العصر!

يمكن القضاء على التخلف أو تجاوزه، بالمواجهة وليس بالتخفي، وبداية بالاعتراف. ولعل الرواية، خاصة في المرحلة الراهنة، بمثابة كرسي الاعتراف الأول. فإن جلسنا فوقه وبدأنا بالكلام الصادق، فعندئذ نعرف من نكون وماذا يجب علينا أن نفعل الآن وغدًا. ونكون قد قدمنا، في نفس الوقت، رواية يمكن أن يقال إنها عربية، دونما خطأ في تحديد النسب أو الهوية، ومن خلال رابطة الأرض لا رابطة الدم!”

عبد الرحمن منيف, بين الثقافة والسياسة
Read more quotes from عبدالرحمن منيف


Share this quote:
Share on Twitter

Friends Who Liked This Quote

To see what your friends thought of this quote, please sign up!

0 likes
All Members Who Liked This Quote

None yet!


This Quote Is From

بين الثقافة والسياسة بين الثقافة والسياسة by عبدالرحمن منيف
400 ratings, average rating, 75 reviews

Browse By Tag