“صديقتي غادة السمان. لا بل حبيبتي غادة القلب والأبجدية. حين تكتبين عن دمشق بغضب العاشقة التي تريد أن تعاقب الحبيب لتقتله دون أن يموت. او لتجرحه دون أن ينزف. أو لتحرقه دون أن ينفخ حروقه ألماً. أسترجع ذكريات قتلتُ فيها أنا وطني دون أن أُميته. ونفيته دون تركه حاملاً إياه معي في حقائب السفر. وشنقته بشريان وريدي، فكان كلما هوى إلى موته شهقتُ أنا قلة الهواء في صدري. تذكرني كتاباتكِ المشتعلة بالحب والحسرة والحنين، تذكرني بحفنة التراب التي أقسمت أن أحملها معي حين غادرت لبنان وصلوات أمي. حفنةٌ أردتها حبل المشيمة الوحيد الذي يذكرني بوطني، وطني الذي أذلني حبي له دون أن يحبني. وعلى ماذا حصلتُ في غربتي؟ حصلتُ على صباحاتٍ أوقِفَ بها سيارتي قرب اي دخان منتشر لأتنشق دخان غاباته وأوراق أشجاره. وماذا وجدت؟ وجدتني أقود سيارتي لأربعة أسابيع تاركاً عمداً ورقةً وضعها أحدهم على زجاج سيارتي الأمامي، ليس لشيء سوى أنها كانت تصدر صوتاً يشبه المطر. صديقتي غادة المنتشية مثلي بحبكِ لحارات وأزقة مدينتكِ. طوبى لكِ في غربتك وأنتِ تشتهين العودة. أنا هنا عدتُ وأحضرت معي تراباً من كل الإمكنة. أطمئنك بأن الأعياد هنا ما زالت تأتي بميعادها، لكن الناس رحلوا. نحن بخير طمئنينا عنكِِ.
جاد العربي”