“كان كارم يسير مبهورا وهو يري كل تلك الحيل الفنيه وهذا الشعور بالغرابه والاختلاف في السيرك ..العرافه العجوز وهي جالسه تضاجع اوراق التاروت وترتدي الاسود ..الاسود اللتي تنظر له بأعين ناعسه ..ثم توقف وفغر فاه وهو ينظر للفتيات الرشيقات وهن يرقصون علي الحبال ويقفزون .. ضحك المهرج وربت علي رأس كارم وهو يقول : حوريات اليس كذلك؟ ..اوميء كارم برأسه وهو فاغر فاه ضحك المهرج بقوه ..شعر كارم بالانتماء فورا للمكان ..كل هؤلاء المغامرين الذين يتظاهرون بالجنون ويدارون ظلماتهم بالداخل وراء ازيائهم واقنعتهم ويقدمون كل ما هو مجنون ومختلف للعامه ..كل تلك الارواح الضائعه التي اجتمعت في هذا المكان ...
انضم كارم العدوي للسيرك المتنقل وتعلم العديد من الحيل .. تعلم كيف يصادق الاسود .. تلك القطط الضخمه اللعوب .. يا آلهي لشده ما كان يحب الحيوانات .. ومرت السنين .. احيانا كان يتذكر وهو نائم فوق سريره القماشي وهو يعيش مع خاله عامر عمران في قصره المهيب المطل علي بحر الاسكندريه – تلك الفاتنه اللعوب – ومع الوقت اصبح كارم ناضجا ..واصبحت شيراز ناضجه ..
شيراز صديقه طفولته في السيرك ..
كان كارم ابن الثالثه عشر مستلقي علي ظهره جوار شيراز الصغيره ذات الشعر الاسود القصير علي الارضيه الخضراء ولا يحيط بهم سوي الفراغ .. كلاهما ينظر للسماء المليئه بالشغف والتي تبادلهم بنجومها الحالمه وقمرها اللامبالي في نعومه ..بينما هناك فراشه تدور حولهم في هدوء وتعبث هنا وهناك
- اريد ان اكون مغامر
هتف كارم بالعباره ونظرت اليه شيراز في افتتان وهو يردف : لا اريد ان اعيش حياه ممله وعاديه عندما اكبر .. اريد الاثاره والمغامره .. اريد ان اسافر واتنقل .. اريد ان انقذ الحسناوات واهزم الاشرار..اريد ان ..
نكزته شيراز في ذراعه بغضب وهتفت: تنفذ الحسناوات؟ ..
- انا قلت هذا؟ .. انا اقصد اني اريد ان انقذك انتي من الاشرار ..
- هممم .. هذا ما توقعته ..اكمل
بحماسه رفع كارم يديه للسماء وصرخ : اريد كل شيء
- بس يا مجنون
ثم نظرت شيراز للسماء .. يملأ وجهها الصغير الشاشه اللتي انقسمت علي نصفين ..علي يسار الشاشه نري وجه شيراز وعلي يمينها نري السماء اللامعه بنجومها .. نسمع شيراز وهي تقول: تري ما الذي يوجد فوق؟ .. الا تتسائل؟ .. من الذي علي القمر؟..علي الكواكب الاخري ..
فكر كارم قبل ان يقول: ناس آخرون ..فقط اتمني ان تكون احلامهم مختلفه عنا ..
كان كارم وشيراز يتحدثان واستقرت الفراشه علي اليد المقطوعه ورائهم المنزويه وسط الحقل .. بامكانك ان تري ان احدهم اقتلع اظافر صاحبه اليد قبل ان يقطعها ...”
―
خالد أمين,
الشيطان في ردائه الأسود
