“اقترحت هي مرة أن نبني نفقا سريا يصل ما بين منزلهم ومنزلي.. في الطرف الخلفي للحديقة الجانبية الواصلة بيننا.. وبهذا أستطيع زيارتهم متى شئت ويستطيعان هما أيضا ذلك..
بدأنا العمل فعلا على حفر النفق.. وقمنا بصنع حفرة كبيرة وعميقة.. حاولنا بعدها الحفر بشكل أفقي كي نكمل النفق لكن التراب كان ينهال فوق أيدينا.. وكانت الحفرة تكبر بذلك عرضيا دون أن نستطيع الحفر تحتها بشكل أفقي.. إلى أن قررت هي أن نتوقف عن الحفر.. وأن نجعل من الحفرة مدفنا سريا لأسرارنا الضخمة.. وأن نكتب تلك الأسرار على أوراق ملونة وندفن تلك الأوراق مصحوبة بأمنياتنا في الحفرة.. وأن نزرع فوق كل ذلك بذور نبتة سرية.. ثم نسقيها ونعتني بها فتنبت شجرة تحمل معها أسرارنا وأمنياتنا.. وتثمر الشجرة فتأكل منها الطيور وتذهب أسرارنا إليها وتبقى معها وتنتقل أمنياتنا إلى السماء مباشرة وتتحقق..
لا أدري من أين لها بتلك الأفكار..
ربما كانت هي المحرك الأول لخيالي الطفولي
أتت ببذور نبتة شرقية.. قالت بأن جدتها قد جلبتها لوالدتها من الهند.. وقالت بأنها نبتة جميلة، ستصبح _إن كبرت_ شجرة مثمرة وارفة الظلال..
لم أستطع حفظ اسم النبتة.. لكنها بقيت في ذاكرتي بصفتها: النبتة الشرقية..
نبتت فروع صغيرة للبذور المدفونة وتحولت بعد فترة لغرسات واضحة أكثر طولا..
ثم تطورت لتصبح نبتات عشوائية متصارعة.. بقي منها بعد مدة غرسة واحدة فقط قصيرة.. لم تصبح شجرة بالطبع.. لكنها مازالت تقاوم وترفض الاستسلام لعشوائية المنبت وقلة دفء البيئة الحاضنة..
بقيتْ معي.. تلك الغرسة.. تشبهني ربما.. وحيدة تتغذى مما دفن تحت بذرتها من أسرار.. وتؤمل نفسها بما سينبت في فروعها من أمنيات قد تصل يوما إلى السماء..”
―
محمد تيسير الحموي,
النبتة الشرقية