يلاصق وثن القوة حتى ليكاد يكون توأماً له وثنٌ يدانيه ضخامة ورهبة، هو وثن السلطان.
والسلطان، كما تعلمون يخول صاحبه حق الأمر والنهي والتصرف بشؤون الناس الخاضعين له. وهو يقوم على دعامات بعضها في الأرض وبعضها في السماء.
أما السماوية فهي “نعمة الله”، وأما الأرضية فأهمها القانون. ونحن ما نزال نسمع ملوكاً إذا خاطبوا شعبهم فباسم السلطة المعطاة لهم من الله.
لقد كان الملوك في البداية زعماء عصابات مسلحة تسطو على الآمنين في مزارعهم ومتاجرهم من الناس فتفرض عليهم حمايتها من عصابات مثلها لقاء جزية يدفعونها؛ فما عتموا أن أصبحوا أسيادهم المطلقين والحاكمين في أرزاقهم وأعناقهم.
ثم كانت صفقة عقدها الدين مع الدنيا وإذا بالملوك يصبحون أبناء السماء المختارين الحاكمين Dei Gratia أي بنعمة الله.
ثم كانت الثورات التي تعهدون. وإذا بمصدر السلطان ينحدر من السماء إلى الأرض. إنه لانقلاب هائل ليس يقوى عليه إلا هذا الكائن العجيب الذي ندعوه الإنسان. فليس من السهل أن تنتزع السلطة من يد الخالق وتضعها في أيدي الجماهير من مخلوقاته. فينبري حكام الأمم يتكلمون لا “بنعمة الله” بل “باسم الشعب” كيت وكيت.
مسكين هو الشعب – ذلك المجموع المبهم، الحائر، الصابر، المتألم المؤمل، المترقب أبداً طلائع الفرج ومواكب السعادة تسوقها إليه زمرة اختارها – أو توهم أنه اختارها لتدبير شؤونه.
فما أكثر ما يرتكب باسمه من الجرائم والموبقات، ويحلل في سبيل إسعاده من المحرمات!
لقد أدخلوا في خلده أنه المصدر الأول والأخير لكل سلطة على الأرض. وأن حكامه خدامه. فهم ليسوا بأكثر من حراس يقيمهم على راحته وسلامة أملاكه وأروحه لقاء أجر يؤديه لهم من ماله.
ولكنهم ما لبثوا أن أحاطوا السلطة المعطاة لهم بهالة من التقديس. فراحوا يقرعون أمامها الطبول، وينفخون في الصور، ويفرشون لأقدامها الطنافس، ويسكبون على أيديها العطور، ويزينون صدرها بأوسمة المجد والشرف.
وذلك دأب السلطة في كل زمان ومكان: تولد حملاً وديعاً فتصبح ليثاً هصوراً. وهكذا انعكست الآية. فغدا الخادم مخدوماً والمخدوم خادماً. وغدا الشعب حارساً لحراسه. وآلة في يد الآلة التي ابتدعها لراحته وسلامته.
هكذاصارت السلطة وثناً يتسابق لاسترضائه الكبير والصغير، ويقدم على مذبحه كل نفيس وعزيز.
ألا ليت السكارى بخمر السلطة يصحون يوماً من سكرهم ليعرفوا أي خمر هي الخمر التي يشربون، وأي وثن هو الوثن الذي يعبدون. إنهم ليشربون ذل الذليل، وفن المأفون، وغباوة الغبي، وضعف الضعيف، وجوع الجائع، وسخافة الذين نُباح الطبل في آذانهم أعذب من همس جبريل. إنهم ليعبدون سراباً في صحراء.
لمن السلطان في العالم الأوسع الذي ليست الأرض فيه سوى برغشة على قرن ثور؟
أللشمس، أم للمجرة، أم للثريا؟
لمن السلطان على الأرض التي ليس الإنسان بين سكانها سوى نقطة في بحر؟ أللريح، أم للتراب؟
ولمن السلطان في الناس؟ أللطفل في مهده، أم للميت في لحده؟ أللعامل في معمله، أم للكاهن في معبده، أم للمعلم في معهده؟ أللقائد والحاكم والقاضي، أم للجندي والمحكوم والمتقاضي؟
إن لكل هؤلاء بعضاً من السلطان وليس لأي منهم السلطان كله. كلنا خادم ومخدوم، وحاكم ومحكوم، وحارس ومحروس.
وكل ما في الكون يتساند ويتعاضد للقيام بمهمة الكون التي إن جهلناها دهوراً فلن نجهلها إلى الأبد.
ومهمة هذا الكون العجيب الشامل إنما تقوم بإرادته العجيبة الشاملة: إرادتكم وإرادتي وإرادة كل إنسان وكل منظور وغير منظور في المسكونة. ولهذه الإرادة وحدها السلطان في الكون. وسلطانها وحدها حريٌ بالعبادة.
أما سلطان الإنسان على الإنسان فوثن قزم، دميم، زنيم، وهو للتحطيم لا للتكريم. وأنا أربأ بما في أعالي الإنسان النيرة من طهر وقوة وجلال أن يتمرغ بما لا يزال راسباً في أغواره من حمأة وضعف وصغارة.
والسلطان، كما تعلمون يخول صاحبه حق الأمر والنهي والتصرف بشؤون الناس الخاضعين له. وهو يقوم على دعامات بعضها في الأرض وبعضها في السماء.
أما السماوية فهي “نعمة الله”، وأما الأرضية فأهمها القانون. ونحن ما نزال نسمع ملوكاً إذا خاطبوا شعبهم فباسم السلطة المعطاة لهم من الله.
لقد كان الملوك في البداية زعماء عصابات مسلحة تسطو على الآمنين في مزارعهم ومتاجرهم من الناس فتفرض عليهم حمايتها من عصابات مثلها لقاء جزية يدفعونها؛ فما عتموا أن أصبحوا أسيادهم المطلقين والحاكمين في أرزاقهم وأعناقهم.
ثم كانت صفقة عقدها الدين مع الدنيا وإذا بالملوك يصبحون أبناء السماء المختارين الحاكمين Dei Gratia أي بنعمة الله.
ثم كانت الثورات التي تعهدون. وإذا بمصدر السلطان ينحدر من السماء إلى الأرض. إنه لانقلاب هائل ليس يقوى عليه إلا هذا الكائن العجيب الذي ندعوه الإنسان. فليس من السهل أن تنتزع السلطة من يد الخالق وتضعها في أيدي الجماهير من مخلوقاته. فينبري حكام الأمم يتكلمون لا “بنعمة الله” بل “باسم الشعب” كيت وكيت.
مسكين هو الشعب – ذلك المجموع المبهم، الحائر، الصابر، المتألم المؤمل، المترقب أبداً طلائع الفرج ومواكب السعادة تسوقها إليه زمرة اختارها – أو توهم أنه اختارها لتدبير شؤونه.
فما أكثر ما يرتكب باسمه من الجرائم والموبقات، ويحلل في سبيل إسعاده من المحرمات!
لقد أدخلوا في خلده أنه المصدر الأول والأخير لكل سلطة على الأرض. وأن حكامه خدامه. فهم ليسوا بأكثر من حراس يقيمهم على راحته وسلامة أملاكه وأروحه لقاء أجر يؤديه لهم من ماله.
ولكنهم ما لبثوا أن أحاطوا السلطة المعطاة لهم بهالة من التقديس. فراحوا يقرعون أمامها الطبول، وينفخون في الصور، ويفرشون لأقدامها الطنافس، ويسكبون على أيديها العطور، ويزينون صدرها بأوسمة المجد والشرف.
وذلك دأب السلطة في كل زمان ومكان: تولد حملاً وديعاً فتصبح ليثاً هصوراً. وهكذا انعكست الآية. فغدا الخادم مخدوماً والمخدوم خادماً. وغدا الشعب حارساً لحراسه. وآلة في يد الآلة التي ابتدعها لراحته وسلامته.
هكذاصارت السلطة وثناً يتسابق لاسترضائه الكبير والصغير، ويقدم على مذبحه كل نفيس وعزيز.
ألا ليت السكارى بخمر السلطة يصحون يوماً من سكرهم ليعرفوا أي خمر هي الخمر التي يشربون، وأي وثن هو الوثن الذي يعبدون. إنهم ليشربون ذل الذليل، وفن المأفون، وغباوة الغبي، وضعف الضعيف، وجوع الجائع، وسخافة الذين نُباح الطبل في آذانهم أعذب من همس جبريل. إنهم ليعبدون سراباً في صحراء.
لمن السلطان في العالم الأوسع الذي ليست الأرض فيه سوى برغشة على قرن ثور؟
أللشمس، أم للمجرة، أم للثريا؟
لمن السلطان على الأرض التي ليس الإنسان بين سكانها سوى نقطة في بحر؟ أللريح، أم للتراب؟
ولمن السلطان في الناس؟ أللطفل في مهده، أم للميت في لحده؟ أللعامل في معمله، أم للكاهن في معبده، أم للمعلم في معهده؟ أللقائد والحاكم والقاضي، أم للجندي والمحكوم والمتقاضي؟
إن لكل هؤلاء بعضاً من السلطان وليس لأي منهم السلطان كله. كلنا خادم ومخدوم، وحاكم ومحكوم، وحارس ومحروس.
وكل ما في الكون يتساند ويتعاضد للقيام بمهمة الكون التي إن جهلناها دهوراً فلن نجهلها إلى الأبد.
ومهمة هذا الكون العجيب الشامل إنما تقوم بإرادته العجيبة الشاملة: إرادتكم وإرادتي وإرادة كل إنسان وكل منظور وغير منظور في المسكونة. ولهذه الإرادة وحدها السلطان في الكون. وسلطانها وحدها حريٌ بالعبادة.
أما سلطان الإنسان على الإنسان فوثن قزم، دميم، زنيم، وهو للتحطيم لا للتكريم. وأنا أربأ بما في أعالي الإنسان النيرة من طهر وقوة وجلال أن يتمرغ بما لا يزال راسباً في أغواره من حمأة وضعف وصغارة.
| ميخائيل نعيمة | الأوثان |