غرفة العناية المركزة غرفة العناية المركزة discussion


42 views
Reviews

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

Nihal http://www.ahram.org.eg/Archive/2008/...

عزالدين شكري وروايته الكاشفة
بقلم‏:‏ فاروق شوشة


هذا كاتب روائي لم أكن أعرف عنه شيئا‏,‏ ولا قرأت له شيئا‏,‏ قبل أن تتاح لي قراءة روايته غرفة العناية المركزة التي تقدمه الي القارئ باعتباره كاتبا دبلوماسيا مصريا‏,‏ من مواليد الكويت عام‏1966,‏ حصل علي بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة‏,‏ ودبلوم الإدارة العامة من المدرسة القومية للإدارة في باريس‏,‏ وماجستير في العلاقات الدولية من جامعة أوتاوا‏,‏ ودكتوراه العلوم السياسية من جامعة مونتريال‏,‏ كما يشير غلاف الرواية الي رواية له سابقة بعنوان مقتل فخر الدين وكتاب بعنوان اسفار الفراعين‏.‏

إذن فهذه الرواية ليست عمله الأول‏,‏ وقد وقعت أحداثها عام‏1995‏ وأن أحداثها محض خيال‏.‏ لكن ما تزدحم به من أحداث ووقائع وتداخل في الأزمنة والاعتماد علي أسلوب الاسترجاع في رواية المواقف والمشاعر‏,‏ يجعل منها شهادة علي العصر‏,‏ كاشفة ومعبرة‏,‏ ومزدحمة بتفاصيل تجعل منها كابوسا لا يكاد يفلت القارئ منه‏,‏ وهو يتابع اختلاط الوعي باللاوعي‏,‏ والحاضر الراهن بمكنونات الذاكرة‏,‏ والحبيس الذي جعله الانفجار يقبع تحت الانقاض‏,‏ وكأنه اللحن الأساسي الذي يتردد في الرواية بطولها‏,‏ يطل بين فصولها وفي ثنايا صفحاتها ليذكر في كل لحظة بالانفجارات والخرائب والغرفة التي صارت بلا مخارج ولا مداخل كزنزانة محكمة الإغلاق‏,‏ وهو في انتظار عمال إنقاذ لا يصلون أبدا‏,‏ ولن يصلوا‏.‏

النماذج الإنسانية ـ أي البشرية ـ التي تقدمها الرواية لشخصيات مصرية وأجنبية‏,‏ تتلاقي وتتصارع‏,‏ تتعادي وتنغمس في الحب‏,‏ تحمل في أحشائها مأساتها ومأساة الوطن‏,‏ سقوطها وسقوط اللافتات والرايات التي ارتفعت حينا‏,‏ وصدقها كثيرون فانجرفوا وراءها بانبهار‏,‏ قبل أن يعيدوا النظر فيما مضي من مسلمات‏,‏ وما استقر من أفكار وايديولوجيات‏,‏ هي نفسها لنماذج التي لاتزال تدب وتسعي‏,‏ باحثة عن يقين من نوع آخر‏,‏ وتماسك يعصمها من التهاوي‏,‏ وبصيص ضوء في آخر النفق المظلم‏.‏

اللغة التي يكتب بها عز الدين شكري لغة بسيطة ومباشرة لكنها عميقة‏,‏ وكثيرا ماتكون غاضبة وواخزة‏,‏ عارية من زيف البلاغة المصطنعة‏,‏ وفتنة الزخرف الكاذب‏,‏ لأنها تسعي الي هدف واضح من أقرب سبيل‏,‏ والوعي الذي تكشف عنه وعي عميق‏,‏ لكنه لا يمنح نفسه بسهولة‏,‏ لأن طبيعة القص تقتضي بعض التحوط‏,‏ وتتطلب من القارئ أن ينشط في متابعة المعالجة الجدلية‏,‏ وعدم التسرع في إصدار الأحكام‏,‏ والتعاطف ـ في ختام الأمر ـ مع الجميع‏,‏ الذين لم يدركوا بعد أنهم في غرفة العناية المركزة وفي داخلهم كل ما راهنوا عليه‏:‏ الحلم والوطن والكون والحياة والعالم‏.‏

رواية كابوسية لا يمكن الإفلات من براثنها‏,‏ ورواية كاشفة تحمل شهادة كاتبها ـ الجريئة والممرورة ـ علي عصر بكامله‏,‏ ورواية تتأبي علي التلخيص أو إعادة انتاج حكايتها بلغتنا نحن القراء‏.‏





back to top