حسن أوزال > Quotes > Quote > Larbi liked it
“عندما أسائل نفسي عن جدوى انشغالي بالفكر عموما والفلسفة خصوصا، أكاد لا أجد عذرا يشفي غليلي عدا كوني مهووسا بعشق الحياة. فبفضل هذا العشق وحده، أسترسل في قطف أزهار العمر، دونما كلل وأتحمّس للعيش كلّ يوم بيومه كما لو كان أو سيكون الأخير. على هذا النّحو، أختبر الحياة لا كفكرة بل كواقعة، واقعة تجبرني على الفعل أكثر منه على التّنظير. وتدفعني إلى البناء بدلا من الاكتفاء بالتّأمّل. من ثمّة حاجتنا للإيطيقا لا الأخلاق. الأولى تفضي بنا إلى النّظر إلى الحياة كظاهرة جماليّة، بيد أنّ الثّانية تُكْرِهُنا على الأخذ بالقبليّات وافتراض المسلّمات، وهو الخطير اعتقادٍ راسخٍ في الماورائيّات. نورد هذا التّوضيح لا لشيء إلاّ لأنّ نهج أسلوب إيطيقي في الحياة، لا يُبنى على فرضيّات وركام من المسلّمات، بل على وقائع معاشة ليس إلاّ. بعدئذ فقط، تغدو الحياة ممكنة، ولن نكون في حاجة للعثور لها على مبرّر خارج عنها، أيّا كان هذا المبرّر، تيولوجيا أو فنومنولوجيا. الحياة إذن أخلاق تُبنى وتًصنع، على قوام قاعدة فنيّة و أسلوب متعوي. وكلّ إنسان منذور للعيش، ملزم بالعمل على بناء ذاته، وتكوين نفسه حتّى يرقى إلى مستوى يليق به باعتباره كذلك. من ثمّة الحاجة الماسّة للفكر، بحيث يُمَكِّننا من بناء منظور، دقيق يكون بمثابة بوصلتنا للتّوجّه في جغرافيّة الحياة.
وبفضله فحسب، نضحي حكماء أنفسنا، ونستطيع أن ندرك وبوضوح كلّ أمورنا في الوقت الذي يتخبّط فيه عامّة النّاس في الظّلام وسوء التّقدير لشؤونهم. فأن يغدو المرء حكيما يعني من بين ما يعنيه، أن يتوفّر على ما يكفيه من قوّة وسلاسة سواء عند الاشتغال الذّهني أو البدني. أن يُبَيِّنَ على مقدرته على تحقيق كلّ ما يستعصي عموما على الآخرين. أن يكون آهلا لاكتشاف العلاقات الأكثر حميميّة التي تربطه بالعالم من حوله. أن يحرز، دونما ارتباك، الكايروس، تلك اللّحظة المناسبة للتّصرف. أن يعرف أن يميّز بين العام والخاص، أن يكون في مستوى الأحداث كما يؤكّد الرّواقيّون، أن ينمّي قدراته المعرفيّة قدر ما ينمّي مهاراته الجسديّة. سيرا وراء ذات النّهج، ورميا إلى بناء إنسان راق، صرّح الفرنسي فيليب صولرز مرّة بأنّ القراءة هي الحياة موضحا أنّنا لن نكتب على نحو جيّد إلاّ إذا كنّا نقرأ على نحو جيّد، لكنّنا لن نقرأ على نحو جيّد إلاّ إذا كنّا نحيا على نحو جيّد. وإذا كانت الكتابة والقراءة والحياة، قضايا متّصلة ببعضها البعض على نحو لا يقبل الانفصال، فذلك يرجع أوّلا إلى كون الكتابة وسيلة لا غاية في حد ذاتها. فالكتابة قبل أن تكون شكلا من أشكال الإبداع، فهي تقوية للحياة وخلق لإمكانات عيش جديدة، يزداد معها وفيها، قدرنا في الوجود، لننعم بسعادة لا توصف.
سعادة لا يتمتّع بها إلاّ من يحصل على فكرة جديدة أو يبتكر تصوّرا فعّالا و لهذا أثر في مساره اليومي. ذلك أنّ الأفكار على حدّ توصيف أبيقور، خيرات لا تفنى، تجعلنا نعيش كآلهة بين النّاس، أقوياء وعلى أحسن حال. على هذا الأساس، يغدو التّفلسف مثلا إحدى الطّرق التي نسعى من خلالها إلى التّخفيف من إكراهات المعيش، نشدانا للخير الأعظم من حيث هو السّعادة والفرح، المتعة والأتراكسيا والتّواجد على نحو أفضل ما أمكن.
جرّاء ذلك، ألفيتني أتعثّر سنينا، بين نصوص هذا الفيلسوف أو ذاك، وأقضي أعواما بصحبة هذا المفكّر أو غيره، ساعيا بكلّ ما أوتيت من جهد إلى تنمية سلطتي في الوجود، والرّفع ما أمكن من قدراتي حتّى لا تنطفئ فِيَّ الرغبةُ في العيش. إنّي بكلّ صراحة أعيش هؤلاء الفلاسفة وأنا أقرأهم. أجل فنيتشه مثلا ينبغي أن تحياه لا أن تقرأه فحسب. عليك أن توقع بصحبته خطوات في الفكر والحياة. أن ترافقه وتقترب من نثره المفعم بصوت خطواته، أن تختبر شذراته على نحو ما كان يكتبها ماشيا (كذلك الشّأن بالنّسبة إلى زارادوشت، إذ لن يفهمه من لم يعرف حياة الجبال و يتنفّس هواء القمم). عندها فقط سوف يَتَيَسَّرُ لك فهمه، لتجد نفسك، بعدئذ على غير ما كنتَ عليه، أو الأصحّ على ما ينبغي لكَ أن تكونه. لقد غَيَّر التقائي به أشياء عديدة. كذلك ديوجين الكلبي وأنتيستين، أبيقور وأريستبوس، ديمقريطس ولوكيبوس، وقراتوس وهيراقليطس، روجي لابورت وسبينوزا، مونتيني ولابويسي، بودلير ومالارمي، برودون وباكونين، فوكو ودولوز، كانديرا ودوستويفسكي، كافكا وميشال أنفراي، كريشنا مورتي و كامي... كلّ هؤلاء، وغيرهم كثر، ساهموا بشكل أو بآخر في صياغة حياتي، وتغييرها كلّيّا. لقد أنقذوني من الضّياع، ومنحوني فرصة إدراك معنى الحياة. عبر كتبهم لا أقول، أنّي تمكّنت فحسب، من اكتشاف عوالم غير معهودة، بل يسّروا لي السّفر إلى أقطار بعيدة، وذلك دون حاجة لجواز سفر ولا مصاريف تكلفة التّنقّل والإقامة.”
―
وبفضله فحسب، نضحي حكماء أنفسنا، ونستطيع أن ندرك وبوضوح كلّ أمورنا في الوقت الذي يتخبّط فيه عامّة النّاس في الظّلام وسوء التّقدير لشؤونهم. فأن يغدو المرء حكيما يعني من بين ما يعنيه، أن يتوفّر على ما يكفيه من قوّة وسلاسة سواء عند الاشتغال الذّهني أو البدني. أن يُبَيِّنَ على مقدرته على تحقيق كلّ ما يستعصي عموما على الآخرين. أن يكون آهلا لاكتشاف العلاقات الأكثر حميميّة التي تربطه بالعالم من حوله. أن يحرز، دونما ارتباك، الكايروس، تلك اللّحظة المناسبة للتّصرف. أن يعرف أن يميّز بين العام والخاص، أن يكون في مستوى الأحداث كما يؤكّد الرّواقيّون، أن ينمّي قدراته المعرفيّة قدر ما ينمّي مهاراته الجسديّة. سيرا وراء ذات النّهج، ورميا إلى بناء إنسان راق، صرّح الفرنسي فيليب صولرز مرّة بأنّ القراءة هي الحياة موضحا أنّنا لن نكتب على نحو جيّد إلاّ إذا كنّا نقرأ على نحو جيّد، لكنّنا لن نقرأ على نحو جيّد إلاّ إذا كنّا نحيا على نحو جيّد. وإذا كانت الكتابة والقراءة والحياة، قضايا متّصلة ببعضها البعض على نحو لا يقبل الانفصال، فذلك يرجع أوّلا إلى كون الكتابة وسيلة لا غاية في حد ذاتها. فالكتابة قبل أن تكون شكلا من أشكال الإبداع، فهي تقوية للحياة وخلق لإمكانات عيش جديدة، يزداد معها وفيها، قدرنا في الوجود، لننعم بسعادة لا توصف.
سعادة لا يتمتّع بها إلاّ من يحصل على فكرة جديدة أو يبتكر تصوّرا فعّالا و لهذا أثر في مساره اليومي. ذلك أنّ الأفكار على حدّ توصيف أبيقور، خيرات لا تفنى، تجعلنا نعيش كآلهة بين النّاس، أقوياء وعلى أحسن حال. على هذا الأساس، يغدو التّفلسف مثلا إحدى الطّرق التي نسعى من خلالها إلى التّخفيف من إكراهات المعيش، نشدانا للخير الأعظم من حيث هو السّعادة والفرح، المتعة والأتراكسيا والتّواجد على نحو أفضل ما أمكن.
جرّاء ذلك، ألفيتني أتعثّر سنينا، بين نصوص هذا الفيلسوف أو ذاك، وأقضي أعواما بصحبة هذا المفكّر أو غيره، ساعيا بكلّ ما أوتيت من جهد إلى تنمية سلطتي في الوجود، والرّفع ما أمكن من قدراتي حتّى لا تنطفئ فِيَّ الرغبةُ في العيش. إنّي بكلّ صراحة أعيش هؤلاء الفلاسفة وأنا أقرأهم. أجل فنيتشه مثلا ينبغي أن تحياه لا أن تقرأه فحسب. عليك أن توقع بصحبته خطوات في الفكر والحياة. أن ترافقه وتقترب من نثره المفعم بصوت خطواته، أن تختبر شذراته على نحو ما كان يكتبها ماشيا (كذلك الشّأن بالنّسبة إلى زارادوشت، إذ لن يفهمه من لم يعرف حياة الجبال و يتنفّس هواء القمم). عندها فقط سوف يَتَيَسَّرُ لك فهمه، لتجد نفسك، بعدئذ على غير ما كنتَ عليه، أو الأصحّ على ما ينبغي لكَ أن تكونه. لقد غَيَّر التقائي به أشياء عديدة. كذلك ديوجين الكلبي وأنتيستين، أبيقور وأريستبوس، ديمقريطس ولوكيبوس، وقراتوس وهيراقليطس، روجي لابورت وسبينوزا، مونتيني ولابويسي، بودلير ومالارمي، برودون وباكونين، فوكو ودولوز، كانديرا ودوستويفسكي، كافكا وميشال أنفراي، كريشنا مورتي و كامي... كلّ هؤلاء، وغيرهم كثر، ساهموا بشكل أو بآخر في صياغة حياتي، وتغييرها كلّيّا. لقد أنقذوني من الضّياع، ومنحوني فرصة إدراك معنى الحياة. عبر كتبهم لا أقول، أنّي تمكّنت فحسب، من اكتشاف عوالم غير معهودة، بل يسّروا لي السّفر إلى أقطار بعيدة، وذلك دون حاجة لجواز سفر ولا مصاريف تكلفة التّنقّل والإقامة.”
―
No comments have been added yet.
