Status Updates From حافة الليل

"لا يوجد أمل للناس إلا بالفن، وعلينا أن نعلم الزعيم كيف يكون فنانا، والقائد كيف يكون شاعرا.. وساعتها لن نجد هذه الهمجية التي أصبح العالم عليها الآن.. عندما تعمقت في قراءة الفلسفة تأكدت أن الأمل في الفن، صحيح أن الدين أكبر وأوسع وأشمل، لكن "اللي على قد إيدينا" هو الفن"

ألفت "حافة الليل" ثم انخرطت بكل عزم في إنجاز نصيحة العميد [طه حسين] بالتحاقي بكلية الآداب. وأرسلت كتابي إلى مسابقة الرواية ولكن لم أعرف بفوزه بالجائزة إلا وأنا في السجن بين المعتقلين في تهمة حريق القاهرة. قامت الثورة بعد ذلك وأفرج عن المعتقلين في العام التالي. كان أول ما سعيت إليه بعد الإفراج هو الذهاب إلى الزمالك، فزرت جارنا القديم طه حسين، زرت الرجل الذي لولاه ما فزت بالجائزة ولا باتت روايتي بين أعمال الأدب الحديث

كان قد كتب عددا من القصص نشر أغلبها بمطبوعة "الكاتب حمامة سلام" شارك في تحريرها مع باقي أعضاء الجماعة ومنهم محمود أمين العالم، علي الراعي، الرسام جمال كامل، فؤاد حداد، صلاح جاهين، يوسف إدريس.. فيما بعد اتجهت الجماعة نحو التنظيمات اليسارية غير أن أمين ريان اختلف فكريا مع اليسار ورفض أدلجة فنه وأدبه، لكن ذلك كان بداية لرحلة طويلة من التعتيم والنفي مورست عليه بدقة فلم تلق روايته الأولى حافة الليل الاحتفاء اللائق بها

اتجه أمين ريان لدراسة فن التصوير بكلية الفنون الجميلة في الفترة من 1942 إلى 1948 ودرس على يد أستاذه الفنان الكبير أحمد صبري الذي تنبأ له بمستقبل فني كبير، وكان مشروع تخرجه هو لوحة شم النسيم [..] عام 1943 فازت لوحته "عودة الحجاج" بالجائزة الأولى في مهرجان مختار تحت رعاية هدى شعراوي، وفي العام التالي مباشرة حصل على الجائزة الأولى عن لوحة "مبيع الدقيق" وهي تعبر عن أزمة الخبز التي كانت أكبر هموم المجتمع في ذلك الوقت

عام 1988 نشر د. رمضان بسطاويسي دراسته لحافة الليل، مشيرا إلى الثنائية التي تمثل أداته في القراءة: ثنائية المرئي واللامرئي المعروفة في التحليل الظاهراتي، وبها اكتشف في النص "موضوع التحقق الوجودي". من هنا لاحظ طريقة النص في تقديم العالم "وهو يتجاوز ما ألفناه ما كان سائدا في ذلك الوقت في كتابة القصص، جيث كان المؤلف يلجأ إلى تقديم شخوصه وتقديم التاريخ الاجتماعي والنفسي لهم، ولكنه في هذه الرواية يلج مباشرةً هذا العالم."0

حدس الأستاذ عبد الرحمن فهمي هذا الضعف الإجرائي [في نقد الرواية] إذ قال : "ولعل صمت النقاد يرد إلى أن الرواية تقدم لونا من الصراع غير هذا اللون الذي شاع أخيرا بين كثير من كتاب القصة [أواخر الخمسينات] في مصر، ونعني به الصراع من أجل الرغيف، وبمعنى آخر فإن الكاتب قد تعدى هذا المظهر الساذج من التفاوت الاقتصادي إلى ما وراءه من آثار في المستويات الفكرية والتقاليد الاجتماعية" [من مقال "النقد وحافة الليل" - مجدي أحمد توفيق]

هل يمكن القول أن أمين ريان الذي عانى معاناة الراوي (في حالة الإبداع) كان يمتلك حقا، بجانب قدراته الفنية المتوهجة، رؤية جدلية، أعلى من كثيرين ممن لمعت أسماؤهم في فورة الواقعية؟
[من مقال "حافة الليل أم درج الصباح؟" للدكتور سيد البحراوي]

تتتابع الوقائع والمشاعر والانفعالات من دون أن يصعد الحدث أو تنمو "الحبكة". الأمور هكذا ملقاة على عادتها، رتيبة كما حدثت في الحياة، والخيوط التي تجمعها متعددة ولكن بعضها قوي متين، قادر أن يسلكها في عقد واحد. ولكنه رغم أحاديته سمح لكل هذا الشتات وكل هذه الأصوات المتناقضة المتصارعة أن تقدم نفسها إلى العالم وإلى القاريء.
[من مقال "حافة الليل أم درج الصباح؟" للدكتور سيد البحراوي

وتذكرت أننا في نهاية مارس والساعة التاسعة مساء
والطبيعة صافية بعد هطول المطر حتى ليكاد المرء يرى المستقبل كما يرى هذه النجوم المتألقة
هيه، ماذا أريد الآن؟
من أنتظر إلى جوار هذه "التاسعة"؟
لا أحد ينتظرني في هذه الساعة ولا أنتظر أحدا في هذا العالم. ولكني شعرت بعاطفة خفية، وكأنها هناك، بل هنا تنتظرني
عاطفة رثاء وحزن
واأسفاه لكِ أيتها العاطفة، لن تتيسر لكِ المشاركة مع العالم الخارجي ولن يشبهك في وحشتك سواي
سواي في وحشتي

- لكن مش كل الناس فنانين؟
- كلهم فنانين، بس بعضهم دريان وبعضهم مش دريان

شوف إنت مثلا أصبحت إزاي، أهو شوقي أصبح متدين، ياما قالي عنك "يتدين صحيح يتدين.. لكن مايسلطش الدين على الطبيعة، والطبيعة على الدين بالشكل ده.. لا الدين حيتعب ولا الطبيعة حتتعب، وهو اللي حيروح ضحية.."

وكنا نسير إلى جوار النهر ذات ليلة صيف.. وعبرت بنا فتاتان.. فأمسك بتلابيبي .. وتوسل إلىَّ أن نلحق بهما. وظللنا نلحق بالفتاتين حتى خِلتُ أنهما ذاهبتان إلى حافة الليل ونهاية القارة، والسبب في كل ذلك أن إحداهما كان يشبه وجهها هذا الوجه الماثل أمامي الآن

كان شوقي يتحسر بالأمس ويستجوبني مستعطفا: ليه بيننا وبين الحاضر دائما كل المسافات دي والأجيال دي، ليه ما بنعرفش نتنفس إلا في جو الماضي .. ونتمنى ونتحرق شوقا إلا في جو المستقبل.. ليه الحاضر دائما هو الفردوس المفقود؟ تعرف تقولي؟ آه لو كنت أستطيع أن أشعر باللحظة الراهنة
- إذاً فنحن نصنع الحب صنعا يا شوقي؟ وما العيب في هذا؟ أنا لم أعد أجد ما يخجل في ذلك!! لقد صنع الإنسان الشقي حتى الآلهة حين ألحت عليه حاجته إليها

وكنتُ متوهماً أن بداخل هذا الحاج تفكيراً غير هذا، فتبين لي مدى ما يصنع الإسم بخيالنا من التهويل، "حاج وفنان!!". كان في نظري جميع القمم، قمة السلف الصالح، والخلف المحب، "الله والطبيعة". ولكني عرفت في تلك اللحظة، أنني أمام السلف الخائف، والخلف المقلد

ما هي الضرورة الفردية والاجتماعية للفن؟ لم يقرأ فيها كتابا واحدا، وقد يكون مرت به تجارب عميقة ولكن عقله لم يسعفه نظريا بإدراك دقائق معناها وتفسيرها. ويقينا، مرت به تجارب عميقة، بدليل الأعمال التي رأيتها بنفسي قبل أن يحرقها، ولكن فسرها التفسير الخطأ لما عاد إلى بيئته الأولى، وعاد إليه الرعب والخجل المرضي الذي يصاحب التفسير الحرفي للدين

- ما عندوش غير النصوص الدينية، والمسألة تتطلب بعض التشريح العلمي والتطور من الحرفيات
- يعني بس التحليل العلمي ده حيجيب إيه من بره، آدي واحد لف العالم واتخرج من جميع جامعات أوربا وانتهى من كل ده إلى الدين، يعني ودنك منين يا جحا
- إسمع يا حاج علي، هو صحيح لف عواصم أوربا ويعرف ثلاث لغات، لكن اتعلم فقط الناحية الصناعية في الفن، لكن العمليات النفسية الباطنية للإبداع ماعرفش عنها حاجة إطلاقاً

دعاني ودعا غيري ليحرق كل أعماله الفنية ويتخلص من هذا "المس" ويعود إلى الله [..]. ولست أدري كيف وأنا الذي لم أذهب معه إلى الشيطان حيث ذهب خلف البحار، كيف قررت العودة معه إلى الله هكذا. ولم أفطن قط ولم يفطن أحد من أتباعه، أنه كان قد حارب الله خلف البحر ثم عاد ليتوب ويستغفر، ولم يشبه عنف ولا سمو التوبة التي ساقنا إليها خلال تلك السنين، إلا عنف وسمو تلك القطع الفنية التي قضى فيها بحكمه أن تذهب إلى الجحيم

وطرق عقلي في عزلتي بعض مجاهل الطبيعة وما وراء الطبيعة. ولكني شعرت بأنني أدور حول نفسي، وهيىء لي أنني أقترب بالعمل اليدوي من المجهول الملح، ولكني أبتعد بعملياتي العقلية عن ذلك المجهول