منة عبد الفتاح ’s Reviews > أيام من حياتي > Status Update

لم يخطر ببالنا ما تأتى به الأقدار، فذهبت إلى مكتب المأمور فوجدت أمرا بالإفراج عنى وحدي . وكان شيئا مذهلا فأنا صاحبة الحكم المؤبد بالأشغال الشاقة أخرج لتبقى ابنتي وحيدة في هذا المستنقع الأسن ، تقاسي ما تقاسى، فانزعج قلبي من أعماقه وسيطر على نفسي حزن عميق وحيرة بالغة وبدون شعور صرخت قائلة : لا .. لا . لن يكون هذا أبدا .. لن أخرج وأترك ابنتي، إنكم أصحاب فتنة وتخطيط مظلم ! ..

(١/٢)

قد ينسى الطواغيت المستبدون أو يتناسون أنهم لابد سيشربون من الكأس : كأس المنية . كأس الرجوع إلى الله تعالى، يتناسون ذلك فيتحبرون ويطغون ويبطشون ويعذبون ، والزمن عجلته تسير بمشيئة الواحد القهار، ويتعاقب الليل والنهار، وتولد أجيال وتنقضي أعمار ، وتبلى أجساد وتنزع أرواح انتزاعا فلا يستطاع ردها . " فلولا إذا بلغت الحلقوم ، وأنتم حينئذ تنظرون ، ونحن اقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون "
(١/٢)

طلبنا من السجانة السماح لنا بالذهاب إلى دورة المياه الثانية لنظافتها وخلوها من الألفاظ الخارجة والعبارات النابية، فقالت السجانة : دورة المياه الثانية خاصة بالست الدكتورة واليهود .
فسألها متعجبة مستفسرة تقولين : يهود؟
قالت : نعم ستات يهود. مدام مرسيل ، مدام لوسي، وهم كثير .قاعدين ومتنزهين ، لا أحد يقول لهم كلمة ولا يؤخر لهم طلبا.
زي البيت وأحسن شوية، كلهم جايين في تجسس . ثم قالت : كلموا الست الدكتورة يمكن يسمحوا لكم

وكانت طامة كبرى ، جعلت عبدة القردة والخنازير وأذلاء الأرض المغضوب عليهم من السماء إخوة الشياطين ، جعلتهم النكسة يستعمرون أرضا عربية ويحكمون أهلها ويذيقولهم من العذاب أصنافا، ومن ألوان البطش والتنكيل ما تمتلئ به نفس يهودية حقيرة دليلة .. واستطرد حديث نفسي : ما هذا الذي نعيشه ونحياه !! الإسلام - القوة والعزة والكرامة - يقتل ، ويقتل أبناؤه ، إن النكسة بما كسبت أيديكم ، واتخذتم كتاب الله تعالى وراءكم ظهريا .

ودخلنا إلى عنبر واسع به عشرون سريرا للسجينات ، وبعد ساعة جاءت السجانة المختصة بالملاحظة وقالت تعالوا الإيراد جه ، ولم نفهم مقصدها، غير أنها أخدتنا وأوقفتنا في صف من النساء يسمى الإيراد. والإيراد هو قطيع من البشر الحائر في مجتمع ضاعت فيه القيم والمعاني فهوى إلى الرذيلة، إلى هوة سحيقة . . . وسمعت السجانة تقف على باب حجرة وتصيح : الإيراد النهاردة خمسة وأربعين ، خمسة وعشرين تسول ، خمستاشر دعارة ، وثلاثه سياسي (١/٢)

عقب رجوعي من سماع الأحكام طلبت من حمزة البسيوني أن يرسل لزوجي لأنني أريد مقابلته ، ولما لم يحضر كررت طلبي، فطلبوني في المكتب وسألوني عن سبب إلحاجي فقلت : لقد حكم على بالسجن 25 سنة وأنا أريد أن أبلغه أنني أعفيه من التمسك برباط الزوجية ليكون حرا بعد ذلك في تصرفه .(١/٢)

علمت أن جمال عبد الناصر وجنده خيروا الرجل الطيب الإنسان الفاضل زوجي المرحوم الحاج محمد سالم سالم بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يطلق زينب الغزالي الجبيلي أو أن ينقل إلى السجن الحربي، وطلب منهم مهلة أسبوعين يفكر. فأصروا على الاختيار فورا، وكان معهم المدعو أبو الوفا دنقل يهدد الحاج محمد بتنفيذ أمر عبد الناصر، بل إن الفحور بلغ برجال المباحث ألهم أحضروا المأذون معهم ليجري الطلاق (١/٢)

يوم تنفيذ الأحكام رأيت سيد قطب في سنة خفيفة بعد صلاة الفجر. فقال لي : إعلمي أني لم أكن معهم ، أنا كنت في المدينة مع حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وتنبهت فحكيت الحميدة .

وفي صبيحة اليوم الثاني لتنفيذ أحكام الإعدام ، أخذتني سنة من النوم كذلك بعد صلاة الفجر، وأنا أتلو أذكار ختم الصلاة، فسمعت صوتا يقول لي: سيد في الفردوس الأعلى ورفقته في عليين .

تنبهت و حكيت الحميدة فانهمرت دموعها وقالت : أنا على ثقة من فضل الله .

قال حمزة البسيوني أنا عارف وكلنا عارفون أنكم الجهة الوحيدة في مصر التي تعمل من أجل العقيدة، نحن عارفون أنكم أحسن ناس في البلد، ولكننا نريد أن تخلص سيد قطب من الإعدام . (١/٢)

جاء اليوم الموعود للنطق بالأحكام ، أخرجونا أنا وحميدة في عربة خلف عربة الرجال ومعنا الحرس ، وذهبنا لتستمع إلى الأحكام . أجلسونا في حجرة وانتظرنا إلى أن انتهى الحكم على الرجال فأدخلونا القاعة وكان أحد الضباط يجلس فيها، نادى اسمي ثم قال زينب الغزالي الجبيلي أشغال شاقة مؤبدة 25 عاما مع مصادرة المضبوطات . قلت : الله اكبر ولله الحمد، في سبيل الله وفي سبيل دعوة الحق ، دعوة الإسلام ، ! ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ١//