Jannah ’s Reviews > كتاب المكاريد: حكايا من سرداب المجتمع العراقي > Status Update

نحن واللغة مثل جسد وروح. هي تسكننا ونحن نسكنها، هي تقولنا
ونحن نقولها.

في خضم ذلك كان من المنطقي أن ينقسم المثقفون إلى كتلتين
ّ متمايزيتن؛ ثمة، أولا، المثقفون اليساريون ومجال اشتغالهم هو الحاضر
ّ بكل ّ متغيراته الاجتماعي ّ ة والاقتصادي ّ ة والسياسية. وثمة، ثانيا،المثقفون
ّ القوميون ومجال اشتغالهم هو الماضي بكل قيمه البالية وخرافاته
ّ المقدسة وأشكاله القديمة.

هل تتذكرون أيها السادة كيف كانت أمهاتنا يبكين قبل مغيب
الشمس؟
ّ كانت الواحدة منهن تجلس في زاوية معتمة وتشرع في النواح متغنّية
ّ بفرادة حزنها. وبعد نوبة بكاء حاة ومؤلمة، عادة ما تعصر الأم عينيها
ّ بفوطتها، العينان تغوارن ثم تغوران حتى لتوشكان على التلاشي. ومع
لحظة تلاشيهما في عمق الحزن تطلع عبارة أحوووووي مرمرني زماني
ّ وكأنها نخلة ميتة تنقلع من أسفل القلب

لو حدث ذلك أي ّ ها السادة لحرت وتلفت ّ ، لحرت مرة أخرى وتلفت
ّ ثانية وثالثة، ثم لفك ّ رت في بضعة أمنيات تعن في خاطري. كنت قلت:
ّ أعد لي أيها الجني بهجة الطفولة، يوم كنت «أتمزلج» على الطين حافي
القدمين في دربونتنا القديمة غير عابئ بكسر الزجاج ولا بالسقوط في
ّ «السيان،» لو تعلم أي ّ ها الجني ّ أي سعادة كنت أشعر بها. كنت قلت له:
ِ أعد لي طعم «التراوبي» الذي شربته للمرة الأولى عند دكان أبو يحيى
الذي كنا نسميه «أبو لحيه.

.والمگرود، أيها السادة، من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وليس
ّ لديه سوى انتظار فرج قد لا يأتي ومنقذ ربما يتأخر. ويجمع «مگرود»
ُ على «مگاريد» وي ّ صغ ُ ر على «م ْ گي ِر ّ يد» لا تحببا ولا تدليلا إنما استهانة
ُ بأمره فهو إذا حضر لا ي ّ عد وإن غاب لا يفتقد إ ّلا في المناسبات المليونية
حيث المگاريد ينتظمون حشودا لانتخاب القائمة الفلانية أو يخرجون
إلى الشارع جماعات خلف جماعات لتأييد تلك الجهة أو معارضة هذه

ولكنّهم جماعة كركوك مع هذا كانوا أبناء بيئة اجتماعية وثقافية
ّ واحدة وكان لهذه البيئة خصائصها فأث ّ رت فيهم فكركوك مدينة تتعدد
ّ فيها القومي ّ ات وتختلط اللغات. ولذا كان كل أديب من هؤلاء يعرف أكثر
ّ من لغة محلية. ولكنّه لم يكن يتحدث بها خارج كركوك إ ّلا في حالات نادرة وبيئات خاص ّ ة. وكان لكل ْ منهم ميل ّ إلى تعلم اللغة الانكليزية

العراقيون ربما تائهون أيضا ويبدو أنهم أضاعوا طرف العباءة في زحمة
ّ «عباءاتهم» الفرعي ّ ة. بل أظن ّ أنهم منذ قرون ولا أقول عقودا يدورون بحثا
ّ عن عباءة الأم دون طائل. مر ّ ة يتوهمونها في العروبة وأخرى يتخيلون
ّ وجودها في الطائفة، تارة يترس ّ مون ظلها عند السومريين والأكاديين
وتارة يتوقعون وجودها في قسوة الآشوريين