Islam Bakli's Blog: @IslamBakli

August 7, 2018

إنفصام

لم يكن يعلم أحد بحجم المشاعر المتضاربة التي أخفيها في الجواجي؛ كانوا يلقّبونني العاق والجاحد وغريب الأطوارِ؛ كنت أعلم أنّه ليس أنا؛ كنت أشعر أنّني مسجون داخلا وعميقا في ذوات نفسي، وهناك من ينطق بلساني ويتصرّف بأفعالي..
سجنت نفسي في غرفتي ظنّا منّي أنّي احميها؛ إن رنّ هاتفي أرتعب وكأنّ المتّصل سيخبرني بوفاة أمّي، وإن فتح أحد نافذتي ودخل الدوج منها أجنّ وأضرب نفسي دون رحمة حتّى أغميها؛ أسمع أصواتا تخبرني أنّ موتي أحسن لي من عيشي، فليس لي في الدنيا سبب كي أحيا، ولا مستقبل كي أترقّبه، وحين أفكر في مدى صدق الأصوات أجدها على حق، فأين الغد بوعوده؟ وأين الحماس بمولوده؟
حين أكون وحدي في ظلمة غرفتي وهدوئها أجد نفسي أواسيها بالعبر ولا أمسحها خيبة من طينتي؛ أستمتع ببضّ الدم المراق من معصماي وأضحك كأنّي الفائز في معركة لا مفاوضة فيها ولا كلام؛ مستعد كي أقدّم كلّ ما لدي مقابل أن أنام ..
ولكنّي لا افعل، فالأصوات تعود من جديد متراكبة كأنّها تتزاحم حدّ زوايا عقلي، منها ما تزيًن لي فتح النافذة والقفز منها دون أنّ يكتشف جثتي إنسان ولا يحاول منعي من فعلها أحد، ومنها من تراودني على نفسي وتخبرني أنّني في خطر فهناك من ينوي قتلي وأذيتي، وتصرخ أخرى معها وتقول "إنها عائلتك، أهرب منها ولا تعود، هي من تتآمر ضدّك" ، ودون وعي منّي كأنّ هناك من يتحكّم في عقلي وقلبي، أجدني أحمل حقيبتي وأهرب، والحقد كلّ الحقد لمن ربّاني، والويل كل الويل لهم من توعّداتي، لكن ما أن أجد مأوى حتّى تعود الأصوات وتخبرني أنّني مكروه، منبوذ وغير مرغوب...فأهرب من جديد عائدا لصمت غرفتي، بعيدا عن العالم الواقعي عائدا لأحضان عالمي وشياطينه الضاحكة عليّ.
لا أستطيع الخروج، وإن كانت بيدي أبسط المهام، دائما ما أشعر بأنّي في خطر، وأنّ الناس تراقبني، وهناك من يتبعني؛ لدي قدرة خاصة في معرفتهم، وقرائتهم، معرفة ماضيهم ونواياهم...الأدوية لم تعد تنفعني، والمخدرات لم تعد تنسيني في مبالاتي.
أتعرق في غرفتي حرّا ولا أفتح فيها منفذا كي يتسلل منه الهواء، وإن تجرأ أحد من أهلي دخول غرفتي لغضبت، ولبدأت بصفع رأسي والألغ بالسباب، وما أن يخرجوا وهم يدعون عليّ بغضب الربّ حتى تتحول أنفاسي إلى أريج أحاول أن أكتمه دون فلاح، والمماظة تطول وكأنّي أصارع وهم نفسي، شبحا لا يأكل ولا يشرب ولا يستريح، يسيطر على جسدي.
يشعرونني كأنًي الشاطر وأنا معظم الوقت لا أعلم ما يجري؛ أصرخ من أعماق روحي أن أخرجوني، أنقذوني...على الأقل ابتسموا لي أو سامحوني..
أنا غدّاف البيت وتهاويله؛ أنا القتاد الذي يتضاغى طالبا جروح غيره أو حتّى نفسه؛ أنا الغوغاء داخلي تصرخ وخارجي لا تنطق؛ أنا الجعسوس العاق؛ أنا الأنوح ذو الجرح الفاهق...لكنّي، لكنّي أكاد أقسم أنّه ليس أنا؛ لا أشعر بأنّه أنا؛ أشعر بالرياف لنفسي القديمة التي كانت تضحك وتبتسم..تصلي، تصوم وتحكي..
لقّبوني بذرّية الشيطان، ثمّ سكبوا عليّ ماءا مقروءا عليه القرآن، ظنّوا أنّي سأنفر منه ولكّني أحن...
سامحوني إن زدت عليكم يوما عذابا كنت أحاول يوما أن أزيحه عنكم ولو ببسمتي..
ليس الأمر كأنّي لا أريد العيش لكنّي لم أعد أعرف السبيل إلى ذلك بعد الآن..
هذا ليس أنا، ولن أرغمكم على تقبله ما دمت نفسي لا أتقبلني؛ سأقتله من أجلكم كي لا يؤذيكم، حتى وإن كان بقتله سأقتل نفسي.
ستحزنون بضع أيام ثم ستنسونني؛ لا تتظاهروا بغير ذلك فذاك ما كنتم تتمنون...أو أنها الأصوات من تخبرني بذلك؟...
لا اعرف، لا أعرف شيئا بعد الآن، لا أعرف الحقيقة من الكذب، الواقع من الخيال..
فقط لو حاولتم فهمي بدأ تصنّع طيبتكم وصفاء نياتكم...
سامحوني حتى وإن لم تصلّوا عليّ.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 07, 2018 15:39

July 20, 2018

بضع أيّام لغريب

لم يكن غريبا عليّ أن يتصل بي صديقي ليخبرني أنّه بحاجة لمكان حميم ينام فيه، فلدى عائلته عادة قاسية نوعا ما فيما يخص جرح جواجي قلبه المليء بالغلا لجميع الناس، ولدى البشر العاديين مثلي عادة الرغبة فيما يملكه الآخرون، حتى وإن كان الشيء الوحيد الذي يملكونه.
صديقي، رُغم أنّه كان نحيلا مريضا ومصابا بانفصام الشخصية جراء ما عاناه وما يعانيه، فقد كان محبوبا بشكل عجيب من الجميع، من عائلتي، من أصدقائي، من الجميع عدا عائلته؛ أظنّنا كبشر لطالما أهملنا أثمن الأشياء التي كانت بحوزتنا تركيزا منا على ما نملكه.
قبل أن يجدني في الماضي مغميا عليّ بسبب وعكة صحيّة في الشارع واهتمامه بي، كان يبيت في الخلاء عندما تطرده أمّه تجنبا لأنظار الناس وأحكامهم، وقد ظننت أنني بإيوائي له، سأضرب عصفورين بحجر، سأرد له دينه وأكون محبوبا منه اكثر، لكن الأمر لم يحصل أبدا.
كان دوما هادئا وإن كان يضج بالألم، لا تسمع منه أنوحا ولا إنتهاز؛ نظيفا تكاد لا تؤمن بأنّه في معظم الأيام مشرّد؛ مبتسما رغم ما يمر به؛ لا يتكلم إلا نادرا، وإن غرق ببصره في الفراغ، فلا غير العَبَرُ توقظه.
أذكر أنني سألته متعجبا مرّة : كيف كنت تتحمل ليالي الشتاء الباردة في العراء؟!
وأذكر أنه بإبتسامة هادئة أجابني: لم يكن لديّ خيار آخر قبل أن بدأت تدلّلني.
إلاهي كم كانت ابتسامته جميلة، كيف كانت تخرج نصفية من شفتيه الشاحبتين، تسحر كلّ القلوب بلطفها وتعبها، يصاحبها بنفس جمالها جمال سود مدامعه.
حين كان يحس بثقل وجوده بسبب إنفصامه، يرحل بهدوء تاركا خلفه مكانه نظيفا مثلما كان عليه قبل أن يأتي.
أحيانا كنت أنظم إليه لأبيت معه في المرآب، ليست رغبتي ولكتها رغبته في ان يبيت هناك، يقول أنه لا يريد أن يُشعر أحد من عائلتي بالخجل منه، لكن في رأيي أظنه سئم العائلات فحسب ويريد البقاء وحده ليجد راحته في البكاء دون أن يسمعه أحد، راحته في الرحيل دون أن يراه أحد؛ على كل حال كنت أبيت معه أحيانا مع هرّتي، يحاول اللّعب معها لكنّها لسبب ما كانت لا تحبّه، الوحيدة التي تحبني أكثر منه، وقد كنت أستمتع بهذا بطريقة تجعلني أكره نفسي عندما أفكر بالأمر؛ أظنها كانت تستشعر حزنه وكآبته من خلف هدوءه وإبتسامته، وكلّ ما توده القطط هو اللعب.
فاجأني هذه المرّة ليلا يطرق بابي كالهيزوع الصغير يرتجف بصوت أنيح خافت يحاول جعله اكثر قوّة، مبلّلا لا يتكلم إلّا بالألغ والأريج.
ادخلته إلى المرآب ودون أن يجفف نفسه حتّى أو يعد فراشه كما إعتاد أن يفعل، أسقط جسده على الأرض وبقي هناك يرفض الإجابة عن أسئلتي، تظهر عليه الكآبة وتسلل إلى قلبه الحزن؛ تمادى شحوبه إلى بؤبؤ عينيه.
لم أكن أعرف ما سأفعله، أو ما يحصل معه، ظنتت أن عائلته تمادت أكثر هذه المرة، وستنتهي نوبته بليلة نوم طويلة.
بقيت جنبه إلى أن غفا، ثم عندما حاولت العودة للمنزل، أبت هرّتي العودة معي، وكلما أخذتها غصبا معي، تسلل من منزلي إليه لتبيت معه، وكعادة البشر شعرت بالإحباط لأنّها فضّلته عنّي، حتى وإن كان شعورا بالشفقة نحوه إو مهما كان ما جذبتها إليه كلّ تلك المرات التي هربت من حضني لتنام في حضنه، كعادة البشر نسيت كره عائلته له فقط لأنّ هرّتي أحبّته؛ لكنها لم تتوقّف.
لثلاث ليال كاملة كانت تبيت معه، وكان هو لا يكلّم أحدا؛ يتجنّب لقاء كل من يسأل عنه، الجميع عداي، وأظن سبب ذلك هو خجله منّي لأنّه في منزلي.
ابقى معه في المرآب أراقبه وهرّتي فوق بطنه، لا هو يتحرك ولا هي تستفيق...
كنت نائما في غرفتي حين شعرت بحركة خفيفة على فراشي، وقد تعرًفت عليها ولم أنسها رغم بعد الليالي، كانت هرّتي تحاول الزحف داخل غطائي، وقد أزحتهه لها كي تصل إلى ذقني أين كانت تحب أن تنام، وما أن وصلت حتى فعلت دون حركة، وكم شعرت بالسّعادة تغمرني من شدّة الرّياف الذّي عوّضتُه بحضنها.
استيقظت صباحا متأخّرا كعادتي ومتفاجئا بهرتي لا تزال نائمة جنبي وهي من كانت تستيقظ دوما أبكر من الجميع وتوقظني معها جوعا.
لا أنكر أنني ابتسمت كونها تخطّت صديقي واشتاقت إلي، لكن...لكنّها لم تكن تتحرك، في الواقع لم تكن حيّة.
بعد أن تخطّيت الصدمة والحزن، بدأت تراودني الشكوك على أنّ المجنون في المرآب قد آذاها غضبا منها، فهو مصاب بانفصام عدواني، وقد نويت أن أجعله يدفع الثمن واطرده بعد ذلك، فكيف له أن يرد لي الجميل هكذا، لكنّه لم يكن يتحرّك أيضا، في الواقع لم يكن حيّا، مات نتيجة إلتهاب حاد في الكبد بسبب كلّ الودق الذي نام تحته في البرد.
للآن لم أفهم، يقول لي الجميع أنّ هرّتي أحسّت بقرب أجله ومرضه، وأمّي تقول أنّ صديقي كان مقدّر له أن يموت تلك الليلة التي جاء فيها، لكن هرتي اهدته بضع أيام اخرى مقابل حياتها، ربما ليستوعب الأمر أو ربّما ليعقد سلامه مع الدنيا...
كانت مراسم دفنه غريبة، فلا أحد تكلّم أو تجرّأ على ذلك، ولم تكن عائلته حاضرة فيها؛ كانت كيوم صيفي مغبّر لا هواء فيه ولا برود، لا شمس تمنح الحاضر بأمل في يوم جديد، وحتّى السّحب كانت صفراء كأنها تتوعّد بغد لا خير فيه، لا بركة.
غريب كيف أن القلوب الطاهرة تموت شابّة، ومخيف كيف أنّه رغم قناعتنا بطيبة قلوبنا، لا نزال هنا.
هل لأنّه لم يحن موعدنا؟ أم أنّه لأنّنا لسنا بالطّيبة الّتي نظنّها بأنفسنا؟
رحمك اللّه يا صديقي، رحمك اللّه يا غريب.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 20, 2018 12:51 Tags: وحيد-ظلم-انفصام-تعب

July 12, 2018

تحميل رواية كلّ شيء بقدر

السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته؛ يمكنكم تحميل رواية كلّ شيء بقدر على المواقع التالية:
www.kutub-pdf.com
www.scribd.com
www.katebdotcom.com
أو على رابط التحميل المباشر:
http://docdro.id/q7NwItU
أتمنى لكم قراءة ممتعة، في رعاية اللّه وأمنه.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 12, 2018 12:52 Tags: رواية-كل-شيء-بقدر

@IslamBakli

Islam Bakli
Novels, Quotes, Q&A, whatever "Blog" means.. ...more
Islam Bakli isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow Islam Bakli's blog with rss.