إنفصام
لم يكن يعلم أحد بحجم المشاعر المتضاربة التي أخفيها في الجواجي؛ كانوا يلقّبونني العاق والجاحد وغريب الأطوارِ؛ كنت أعلم أنّه ليس أنا؛ كنت أشعر أنّني مسجون داخلا وعميقا في ذوات نفسي، وهناك من ينطق بلساني ويتصرّف بأفعالي..
سجنت نفسي في غرفتي ظنّا منّي أنّي احميها؛ إن رنّ هاتفي أرتعب وكأنّ المتّصل سيخبرني بوفاة أمّي، وإن فتح أحد نافذتي ودخل الدوج منها أجنّ وأضرب نفسي دون رحمة حتّى أغميها؛ أسمع أصواتا تخبرني أنّ موتي أحسن لي من عيشي، فليس لي في الدنيا سبب كي أحيا، ولا مستقبل كي أترقّبه، وحين أفكر في مدى صدق الأصوات أجدها على حق، فأين الغد بوعوده؟ وأين الحماس بمولوده؟
حين أكون وحدي في ظلمة غرفتي وهدوئها أجد نفسي أواسيها بالعبر ولا أمسحها خيبة من طينتي؛ أستمتع ببضّ الدم المراق من معصماي وأضحك كأنّي الفائز في معركة لا مفاوضة فيها ولا كلام؛ مستعد كي أقدّم كلّ ما لدي مقابل أن أنام ..
ولكنّي لا افعل، فالأصوات تعود من جديد متراكبة كأنّها تتزاحم حدّ زوايا عقلي، منها ما تزيًن لي فتح النافذة والقفز منها دون أنّ يكتشف جثتي إنسان ولا يحاول منعي من فعلها أحد، ومنها من تراودني على نفسي وتخبرني أنّني في خطر فهناك من ينوي قتلي وأذيتي، وتصرخ أخرى معها وتقول "إنها عائلتك، أهرب منها ولا تعود، هي من تتآمر ضدّك" ، ودون وعي منّي كأنّ هناك من يتحكّم في عقلي وقلبي، أجدني أحمل حقيبتي وأهرب، والحقد كلّ الحقد لمن ربّاني، والويل كل الويل لهم من توعّداتي، لكن ما أن أجد مأوى حتّى تعود الأصوات وتخبرني أنّني مكروه، منبوذ وغير مرغوب...فأهرب من جديد عائدا لصمت غرفتي، بعيدا عن العالم الواقعي عائدا لأحضان عالمي وشياطينه الضاحكة عليّ.
لا أستطيع الخروج، وإن كانت بيدي أبسط المهام، دائما ما أشعر بأنّي في خطر، وأنّ الناس تراقبني، وهناك من يتبعني؛ لدي قدرة خاصة في معرفتهم، وقرائتهم، معرفة ماضيهم ونواياهم...الأدوية لم تعد تنفعني، والمخدرات لم تعد تنسيني في مبالاتي.
أتعرق في غرفتي حرّا ولا أفتح فيها منفذا كي يتسلل منه الهواء، وإن تجرأ أحد من أهلي دخول غرفتي لغضبت، ولبدأت بصفع رأسي والألغ بالسباب، وما أن يخرجوا وهم يدعون عليّ بغضب الربّ حتى تتحول أنفاسي إلى أريج أحاول أن أكتمه دون فلاح، والمماظة تطول وكأنّي أصارع وهم نفسي، شبحا لا يأكل ولا يشرب ولا يستريح، يسيطر على جسدي.
يشعرونني كأنًي الشاطر وأنا معظم الوقت لا أعلم ما يجري؛ أصرخ من أعماق روحي أن أخرجوني، أنقذوني...على الأقل ابتسموا لي أو سامحوني..
أنا غدّاف البيت وتهاويله؛ أنا القتاد الذي يتضاغى طالبا جروح غيره أو حتّى نفسه؛ أنا الغوغاء داخلي تصرخ وخارجي لا تنطق؛ أنا الجعسوس العاق؛ أنا الأنوح ذو الجرح الفاهق...لكنّي، لكنّي أكاد أقسم أنّه ليس أنا؛ لا أشعر بأنّه أنا؛ أشعر بالرياف لنفسي القديمة التي كانت تضحك وتبتسم..تصلي، تصوم وتحكي..
لقّبوني بذرّية الشيطان، ثمّ سكبوا عليّ ماءا مقروءا عليه القرآن، ظنّوا أنّي سأنفر منه ولكّني أحن...
سامحوني إن زدت عليكم يوما عذابا كنت أحاول يوما أن أزيحه عنكم ولو ببسمتي..
ليس الأمر كأنّي لا أريد العيش لكنّي لم أعد أعرف السبيل إلى ذلك بعد الآن..
هذا ليس أنا، ولن أرغمكم على تقبله ما دمت نفسي لا أتقبلني؛ سأقتله من أجلكم كي لا يؤذيكم، حتى وإن كان بقتله سأقتل نفسي.
ستحزنون بضع أيام ثم ستنسونني؛ لا تتظاهروا بغير ذلك فذاك ما كنتم تتمنون...أو أنها الأصوات من تخبرني بذلك؟...
لا اعرف، لا أعرف شيئا بعد الآن، لا أعرف الحقيقة من الكذب، الواقع من الخيال..
فقط لو حاولتم فهمي بدأ تصنّع طيبتكم وصفاء نياتكم...
سامحوني حتى وإن لم تصلّوا عليّ.
سجنت نفسي في غرفتي ظنّا منّي أنّي احميها؛ إن رنّ هاتفي أرتعب وكأنّ المتّصل سيخبرني بوفاة أمّي، وإن فتح أحد نافذتي ودخل الدوج منها أجنّ وأضرب نفسي دون رحمة حتّى أغميها؛ أسمع أصواتا تخبرني أنّ موتي أحسن لي من عيشي، فليس لي في الدنيا سبب كي أحيا، ولا مستقبل كي أترقّبه، وحين أفكر في مدى صدق الأصوات أجدها على حق، فأين الغد بوعوده؟ وأين الحماس بمولوده؟
حين أكون وحدي في ظلمة غرفتي وهدوئها أجد نفسي أواسيها بالعبر ولا أمسحها خيبة من طينتي؛ أستمتع ببضّ الدم المراق من معصماي وأضحك كأنّي الفائز في معركة لا مفاوضة فيها ولا كلام؛ مستعد كي أقدّم كلّ ما لدي مقابل أن أنام ..
ولكنّي لا افعل، فالأصوات تعود من جديد متراكبة كأنّها تتزاحم حدّ زوايا عقلي، منها ما تزيًن لي فتح النافذة والقفز منها دون أنّ يكتشف جثتي إنسان ولا يحاول منعي من فعلها أحد، ومنها من تراودني على نفسي وتخبرني أنّني في خطر فهناك من ينوي قتلي وأذيتي، وتصرخ أخرى معها وتقول "إنها عائلتك، أهرب منها ولا تعود، هي من تتآمر ضدّك" ، ودون وعي منّي كأنّ هناك من يتحكّم في عقلي وقلبي، أجدني أحمل حقيبتي وأهرب، والحقد كلّ الحقد لمن ربّاني، والويل كل الويل لهم من توعّداتي، لكن ما أن أجد مأوى حتّى تعود الأصوات وتخبرني أنّني مكروه، منبوذ وغير مرغوب...فأهرب من جديد عائدا لصمت غرفتي، بعيدا عن العالم الواقعي عائدا لأحضان عالمي وشياطينه الضاحكة عليّ.
لا أستطيع الخروج، وإن كانت بيدي أبسط المهام، دائما ما أشعر بأنّي في خطر، وأنّ الناس تراقبني، وهناك من يتبعني؛ لدي قدرة خاصة في معرفتهم، وقرائتهم، معرفة ماضيهم ونواياهم...الأدوية لم تعد تنفعني، والمخدرات لم تعد تنسيني في مبالاتي.
أتعرق في غرفتي حرّا ولا أفتح فيها منفذا كي يتسلل منه الهواء، وإن تجرأ أحد من أهلي دخول غرفتي لغضبت، ولبدأت بصفع رأسي والألغ بالسباب، وما أن يخرجوا وهم يدعون عليّ بغضب الربّ حتى تتحول أنفاسي إلى أريج أحاول أن أكتمه دون فلاح، والمماظة تطول وكأنّي أصارع وهم نفسي، شبحا لا يأكل ولا يشرب ولا يستريح، يسيطر على جسدي.
يشعرونني كأنًي الشاطر وأنا معظم الوقت لا أعلم ما يجري؛ أصرخ من أعماق روحي أن أخرجوني، أنقذوني...على الأقل ابتسموا لي أو سامحوني..
أنا غدّاف البيت وتهاويله؛ أنا القتاد الذي يتضاغى طالبا جروح غيره أو حتّى نفسه؛ أنا الغوغاء داخلي تصرخ وخارجي لا تنطق؛ أنا الجعسوس العاق؛ أنا الأنوح ذو الجرح الفاهق...لكنّي، لكنّي أكاد أقسم أنّه ليس أنا؛ لا أشعر بأنّه أنا؛ أشعر بالرياف لنفسي القديمة التي كانت تضحك وتبتسم..تصلي، تصوم وتحكي..
لقّبوني بذرّية الشيطان، ثمّ سكبوا عليّ ماءا مقروءا عليه القرآن، ظنّوا أنّي سأنفر منه ولكّني أحن...
سامحوني إن زدت عليكم يوما عذابا كنت أحاول يوما أن أزيحه عنكم ولو ببسمتي..
ليس الأمر كأنّي لا أريد العيش لكنّي لم أعد أعرف السبيل إلى ذلك بعد الآن..
هذا ليس أنا، ولن أرغمكم على تقبله ما دمت نفسي لا أتقبلني؛ سأقتله من أجلكم كي لا يؤذيكم، حتى وإن كان بقتله سأقتل نفسي.
ستحزنون بضع أيام ثم ستنسونني؛ لا تتظاهروا بغير ذلك فذاك ما كنتم تتمنون...أو أنها الأصوات من تخبرني بذلك؟...
لا اعرف، لا أعرف شيئا بعد الآن، لا أعرف الحقيقة من الكذب، الواقع من الخيال..
فقط لو حاولتم فهمي بدأ تصنّع طيبتكم وصفاء نياتكم...
سامحوني حتى وإن لم تصلّوا عليّ.
Published on August 07, 2018 15:39
No comments have been added yet.
@IslamBakli
- Islam Bakli's profile
- 106 followers
Islam Bakli isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
