شيماء شاهين's Blog: سؤال نحو تغيير المجتمع العربي

March 18, 2021

عرض كتاب رحلة القاهرة المحروسة من عصر الولاية إلى عصر الاستقلال الوطني

 كانت وستظل القاهرة المحروسة، تاريخها وحاضرها، حكامها وشعبها، عمرانها وعمارتها، مجالا للبحث وللدراسة.. كتب عنها المؤرخين والرحالة والجغرافيين والعمرانيين، درسها علماء الاقتصاد والاجتماع والسياسة، تناولها الادباء والشعراء والفنانين، بمختلف اللغات القديمة والمعاصرة، ومن مختلف الثقافات والنوايا والأغراض، ومع ذلك وبالرغم من أهمية هذا الكثير الذي كتب وقيمته لكنه يظل مجرد نواة أو شظايا متناثرة في محيط الموروث العمراني الحضاري وأعماقه الذي تمتلكه القاهرة المكان والتاريخ والمجتمع. وبقدر ما يشكل أغلب ما كتب عن القاهرة إضافة الى موروثها الثقافي الطويل، يطرح امام قارئيه تحديا جوهريا، نظرا لما يحمله من حقائق تاريخية أو منقولات متوارثة بعيدة عن الدقة، ووجهات نظر موضوعية وغيرها متحيزة، رؤى بعضها معقول يرمي الى تحليل الوقائع والوقوف على الحقائق وأغلبها منقول يهدف الى تمجيد حدث او مرحلة او تحقير غيرها. وفي ظل كل ما تعيشه القاهرة المحروسة اليوم من فقدان للهوية والانتماء، بل وفقدان الوعي والذاكرة الثقافية، تأتي الحاجة لرؤيا تمارس العقلانية النقدية في هذا الموروث وبالمعطيات المنهجية لعصرنا، رؤية يمكنها ان تتعامل مع هذا الموروث الثقافي بموضوعية تدرسه داخل بيئته التي ولد فيها وتأثر بظروفها وفي إطار معطيات زمانه، وبمعقولية تجعله معاصرا لنا ولمتطلبات زماننا، وتستخلص منه ما يعيننا على فهم حاضر المحروسة والتنبؤ بمستقبلها..


ومن هنا يطالعنا: كتاب «رحلة القاهرة المحروسة من عصر الولاية الى عصر الاستقلال الوطني» ، للدكتور طارق والي ، مستجيبا لتلك الحاجه . حيث يأتي الكتاب معبرا عن إيمان مؤلفه ان الثقافة وحدة كلية متكاملة وعملية مستمرة تتعدى في وجودها اللحظات الزمنية الانية وتتصل حلقاتها بعضها البعض على مر العصور وطول المكان، وهذا معناه أن تلك الثقافة التي يحملها ضمير المجتمع ويعبر عنها تراثه تنمو وتتطور وتكتسب قدرات جديدة باستمرار. وأنه يتحتم إخضاع الموروثات الفكرية على اختلافها للظروف المعاصرة لها ضمن محدودية الزمان والمكان للعالم أو المفكر أو الكاتب. ثم إخضاع تلك النظريات إذا لزم الأمر أو بعض القضايا والأحكام فيها للفحص والاختبار في ضوء المعطيات والأوضاع الراهنة التي تسود الآن. ويقدم لنا طارق والي من هذا المنطلق رحلة القاهرة المحروسة من خلال منهجية خلدونية تؤمن بأن «إن مشاكل الحاضر تدفعنا إلى الرجوع إلى الماضي، إلى التاريخ، ولكن هذا الأخير يردنا بدوره إلى الحاضر، فالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء – فكما يتوقف فهم الحاضر على الرجوع الى الماضي، يتوقف فهم الماضي على فهم الحاضر. 

والكتاب هو مرآه لصاحبه، حيث يعكس هذا الكتاب الكثير من ملامح فكر ورؤية المعماري المصري الدكتور طارق والي وقبل كل ذلك يعكس موقفه من ماهية المعماري : إنه هو المثقف الملتزم بانتمائه لمهنته ووطنه، بعيداً عن الذاتية والمصالح الشخصية والفردية، وممثلاً لطبقته المتوسطة.. هو المعماري الذي يضع علمه ومعرفته في سبيل قضيته لخدمة مجتمعه بكل طوائفه وشرائحه، وخاصة الأقل حظاً في الحصول على حقها في الحياة الكريمة، صاحب المبادرة التي كانت دوماً مسئولية تلك الطبقة المتوسطة على مدى تاريخ حركتنا الوطنية المصرية، كانت وستبقى الطبقة المتوسطة هي القادرة وحدها على الإصلاح والتغيير والبناء دون غيرها أحياناً ومع الآخرين أحياناً أخرى، فهي صاحبة المسئولية التي سيحاسبها عليها التاريخ. 

 ويمكن القول ان الكتاب قراءة لماضي وحاضر مدينته ومسقط رأسه القاهرة المحروسة. كواحدة ضمن متتابعة لطائف العمران في دراسة المكان والتي تمثل نظرة على حد تعبيره ليست ميتافيزيقية أو حتى صوفية، ولكنها قراءة الذات واستقبال الرسالة بعقلانية تحترم وجدانها؛ تهدف الى أن تقتنص روح المكان والإنسان معاً، روح نابضة بالحياة من حيث إنها مخلوق، تحاول دراسة تلك الروح وفك شفرتها بدون ان تهدر الروح والحياة.. تتطلع إلى أن تعتصر روح المكان والمجتمع، تستقطر الجغرافيا والتاريخ معاً بكل تنويعاتهما وتشعباتهما، حتى تستقطر هذه الشفرة في أدق مقولة مرسلة مقبولة ومعقولة، لتستحق أن تكون منقولة وموروثة.. تضمن الحياة، ولكنها لا تتجمد عندها.. فهي بحيويتها تحمل ديناميكية التغيير والاجتهاد، والاستيعاب، والفهم، والتعقل.. وهذا الكتاب وما يضمه، لا يقف عند حدود وصفية للموجود أو ما كان موجوداً، بل يتعدى ذلك إلى فلسفة الوجود في ذاته للكشف عن القانون الحاكم لهذا الوجود.. 

وبقدر ما يترجم الكتاب لرؤية طارق والى لدوره كمعماري، يترجم الكتاب لمسيرته الطويلة التي تحاول استخلاص العبر من الموروث الثقافي والتي قدمها في سابق أعماله مثل النظرية العمرانية في العبر الخلدونية ، والمدينة والدولة، نظرية في العمران الإسلامي من الماضي الى المستقبل.  واللذان قدم خلالهما نظرية متكاملة للعمران والعوامل الفاعلة فيه من خلال دراسة مقدمة ابن خلدون. او من خلال دراسة وتحليل الموروث العمراني والمعماري العربي في اعمال مثل نهج الواحد في عمارة المساجد، والبيان والتبيان في العمارة والعمران ونهج البواطن في عمارة المساكن. أو من خلال دراستهما معا كما هو الحال في رحلة القاهرة المحروسة. والمحور الرئيسي الذي يجمع تلك الاعمال وغيرها من الاعمال الفكرية او حتى الممارسات المهنية للدكتور طارق والي هو تعمده الواضح لهدم اصنام المنقولات المتوارثة بلا وعي وتصحيح المفاهيم بداية من ماهية العمارة و العمران، وكيف يمكن دراسة عمران مدينة او تاريخها وغيرها من المفاهيم المحورية التي كرس لها طارق والى عقودا من مسيرته في سبيل مناقشتها وتصحيح المغلوط منها، بدأها في العقد الأخير من القرن الماضي لسبر أغوار مدننا العربية، تحت عنوان « لطائف العمران في دراسة المكان « ووصفها بأنها قراءة في تاريخ مجتمع من خلال عمرانه، أو فهم عمران مجتمع خلال تاريخه . 

ويتخذ المؤلف لمتتابعة لطائف العمران في دراسة المكان منهجا فكريا، ينسج دورة الحياة الإنسانية للمجتمع وثقافته في نمط الموروث المعرفي الشامل والعمراني المتتابع، ويصف منهجيته بأنها ليست مجرد دراسة ذاتية غير موضوعية.. ولا هي تقريرية أو أحكاماً تقييمية.. إنما يرجو منها وبها أن تكون في جوهرها ومغزاها فاعلة إيجابية ورؤية تتجاوز التقليدية، ولكنها لا تسقط الموروث.. لا تخرج عن منهج المنظومة الثلاثية للعلم والفن والفلسفة، تجمع التاريخ والجغرافيا وتمنحهما الحياة بأبعادهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالعمران يعني الوجود ذاته وتلك هي خلافة الله التي حملها الإنسان لعمارة الارض.. 

ويرى صاحب المتتابعة ان لكل مكان فلسفة وشخصية و لابد في إطار فهم فلسفة المكان وتحديد تلك الشخصية ألا نتناسى أن المعرفة المعمارية والعمرانية هي بطبيعتها تبدو ظاهرياً غير متجانسة متعددة الأصول والجذور متشعبة الفروع، و أن منهج تلك المعرفة يزاوج بين..

العـــــــــلم.. بمادتــــــه وحقائقه..

والفــــــــن.. بإبداعاته ومعالجته..

والفلســـفة.. بنظرتــــها وفكرها..

وهكذا فإن رؤيته تلك تنتقل بالعمارة والعمران من مرحلة المعرفة إلى مرحلة أو حالة الفكر، ومن الحقائق المرصودة أو المنقولة إلى الأفكار الرصينة أو المعقولة، في رحلة معراج من أحصاء الحقائق إلى ذات الحقيقة نفسها، من مشاهدة الحدث وتقريره إلى الكشف عن الحادث وتأصيله وتجذيره ... من الإدراك إلى الإبداع.. 

وكان من تلك المنهجية ان خرج الى النور كتابه الأول في تلك المتتابعة  « المحرق عمران مدينة خليجية» .  وكتاب رحلة القاهرة المحروسة هو العمل الثاني في تلك المتتابعة . 

ويتبنى الكتاب ذات المنهجية بهدف رسم صورة حقيقية للقاهرة ورحلتها: من عصر الولاية إلى عصر الاستقلال الوطني. ومن خلال بعديها الجغرافي والتاريخي يحلل طارق والي القاهرة المحروسة وموروثاتها المتتابعة السابقة لتلك الرحلة، ثم الرحلة ذاتها وما تحمله من أنساق سياسية واقتصادية وما يرتبط بها من أحداث تاريخية وتأثيرات مجتمعية سواء على المستوى الشمولي خارجياً أو داخلياً، أو على المستوى المحلي التفصيلي يدرس تلك التغيرات كجزء من هذا الموروث المتتابع للمدينة.

ويتناول الكتاب رحلة القاهرة المحروسة في سياقها الزمنى المتتابع من خلال ثلاثة محاور هي:

الانسان: محور الوجود وقيام العلاقات الحياتية وإطاره المجتمع.المكان: محور العمل وضمان بقاء الوجود والحياة وإطاره الدولة.الزمان: محور التغيير.. والاستمرارية في الحياة أو الفناء وإطاره العلاقة التبادلية بين المجتمع والدولة. 

حيث يحاول في كل مرحلة من مراحل تلك الرحلة استقراء التفاعلات المتبادلة بين المحاور الثلاثة معتمدا في ذلك على قاعدة عريضة من المرجعيات تتمثل في كتابات الرحالة والمؤرخين، خرائط الجغرافيين، ورؤى المستشرقين الفنانين والمصورين، وكتابات الأدباء والدراسات لأصحاب الفكر والفن والعلم الوطنيين. محاولا إعادة تصحيح الكثير من المفاهيم المتعلقة بالمحاور الثلاثة بوجه عام وغيرها من الشائع والمغلوط عن القاهرة المحروسة.

ولا تتسع تلك الصفحات القليلة لعرض مثل هذا العمل الموسوعي، ولكن نكتفي بإلقاء الضوء على بعض ملامح الكتاب من خلال المحاور الثلاثة:

الانسان:

ان الحديث عن الانسان، الذي هو محور وجود القاهرة المحروسة يطرح الكثير من علامات الاستفهام التي تعاملت معها الادبيات السابقة ببعض التسرع وكثير من التحيز، حيث لم يتوقف اغلبها قبل اطلاق المسميات الرنانة التي تنسب القاهرة لهذا او ذاك ، وتلخص موروثها الثقافي الطويل في شخص أو مرحلة ، لم يتوقف اغلبهم ليشرح  قاهرة من يقصد :

قاهــرة الخاصة من قلة مسيطرة..
أم قاهـــرة العامة من أكثرية مغلوب على أمرها..
أم قاهـــرة الحراك الاجتماعي والعمراني لطبقات المجتمع في لحظة محددة أو على متوالية زمانية متتابعة 
قاهــرة السياسة والدولة المركزية .. 
أم قاهـــرة التجارة والاقتصاد وانفتاحه أو انفلاته ..
أم قاهـــرة المواطنين أصحاب الحق والشرعية ..
قاهــرة الحاكم الفرد سواء كان .. مينــا موحد مصر وتأسيس الدولة الأقدم ..
أو عمرو بن العاص والفتح العربي وما تلاه من دولة تكتسب شرعيتها من السلطة الدينية ..
أو صلاح الدين الأيوبي وعودة الروح ومواجهة الآخر وقيام الدولة العسكرية  ..
أو الظاهر بيبرس وصد الهمجية وحماية الخلافة العربية ..
أو الغوري ونهاية العصر الوسيط وسقوط الخلافة العربية ..
أو سليم الأول الخليفة العثماني وبداية عصر الولاية ..
أو علي بك الكبير والتطلع إلى الاستقلال ..
أو نابليون بونابرت والغزو الفرنسي الطامع ..
أو محمد علي باشا الوالي والنزعة الفردية التوسعية ..
أو اسماعيل باشا وحلم التغريب ..
أو جمال عبد الناصر الـزعيم والصحوة العربية المنتظرة .. 
قاهــرة هؤلاء الأفــــــــــــــراد الحكام .. 
أم قاهــرة المجموع المحكومين ، أو المجتمع الحاضر الغائب في حياة المدينة وذاكرتها ..

يتخذ الكتاب موقفا حاسما من تلك يرفض بوضوح اطلاق المسميات التي تصنف القاهرة مرة بالمدينة المعزية او الخديوية والحديثة أو التاريخية وأخرى خارج التصنيف ، و يحدد :

إن تاريخ مصر وعاصمتها الحق والحقيقي ـ ومن وجهة نظرنا ـ  هو تاريخ شعبها قبل أن يكون تاريخ ملوكها وحكامها بالرغم من كل محاولات تغييب أو تحقير دور الأمة أو المجتمع ، فالحكام والدول إلى زوال ويبقي الشعب مستقراً في المكان ذاته ومتوارثاً له ، مسئولاً عنه .. مسجلاً تاريخه وعمرانه على المكان ومؤسساً حضارته في الزمان. يرفض طارق والي ان تنسب القاهره المحروسه لفرد الحاكم وان يتلخص تاريخ عمرانها المتتابع في حدود مرحله زمنية أيا كانت.

الزمان 

يتعرض الكتاب لرحلة القاهرة الممتدة والمتتابعة عبر الزمن ، وخلال هذه الرحلة محطات أو وقفات أو أحداث بعينها فاصلة في دور المدينة ووجودها وحالتها سواء كانت تلك الأحداث محلية أو إقليمية أو عالمية ؛ يحاول الكتاب إعادة تقديم تلك المحطات في سياق الدور الذي لعبته في سيناريو تتابع رحلة المدينة ، و دورها في تشكيل مورفولوجية القاهرة ، ومنها على سبيل المثال:


سنة 1258 : التحول سياسي في حكم مصر وانتهاء دور الخلافة العباسية العربية ولم يبق منها إلا الصورة الرمزية التي احتضنتها القاهرة لصبغ حكم المماليك بشرعية مفقودة ، وتنامي دور القاهرة السياسي منفردة في المشرق العربي لتصبح عاصمة الشرق مع انقسام الأمة إلى قوميات وأقاليم كان المشرق العربي إحداها وعاصمته القاهرة .. انفتاح اقليمي على المشرق العربي ..
سنة 1517 : سقوط دولة المماليك ونهاية الخلافة العربية رسمياً ، وانتقال الخلافة إلى الآستانة وقيام الخلافة العثمانية التركية لتحل مكان الخلافة العربية ، وتتحول مصر إلى ولاية تابعة للخلافة الجديدة وأمست القاهرة عاصمة الولاية.. انحسار إلى دور محلي ضمن الخلافة التركية ..
سنة 1798 : الحملة الفرنسية على مصر ونزعاتها العسكرية والاستشراقية ، وتوالدت عندئذ النزعات الاستقلالية مع محمد علي باشا وكانت الريادة مع النخب المصرية في القاهرة .. وحينها كان للقاهرة دوراً مغايراً تتنازعها جذورها الاقليمية وانتماءاتها العربية ، وتطلعات حكامها الأوروبية في الغالب ، وكانت الذروة مع مرحلة ولاية اسماعيل باشا ومن بعده توفيق والانتهاء بالاحتلال العسكري الإنجليزي سنة 1882 .. تبعية حضارية للغرب الأوروبي ..
سنة 1923: تنامي الحركة الوطنية المصرية نهاية القرن التاسع عشر مع العرابيين والتنويرين أمثال الشيخ محمد عبده وآخرين ، ومع مطلع القرن العشرين كان تصاعد الحركة الوطنية المصرية والروح الليبرالية في القاهرة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية التركية تولدت الدول القطرية في الشرق فيما يشبه الاستقلال الوطني ، وتحولت مصر من ولاية عثمانية إلى دولة قطرية لها وجودها المستقل أسمياً وإن كانت تحت نير السيطرة الأوروبية .. 
سنة 1952: مع ثورة 23 يوليو وتنامي التيارات القومية أصبحت القاهرة مركز ونقطة جذب متفردة بموروثها التاريخي والحضاري وقدراتها في قلب الأقليم العربي باختلاف تياراتها .. تنامي دور وطني والعودة لريادة عربية ..

المكان


يتعامل الكتاب مع المكان برؤيا تتعدى الابعاد الجغرافية لتلك البقعة المتفردة بين الجبل والنهر ، رؤيا تطمح ان تكتشف ما يعطي للمكان تفرده وتميزه عن سائر الأمكنة ، و النفاذ إلى روح المكان والإنسان والكشف عن تلك الشخصية المتفردة ..

نستكشف عبقرية المكان والإنسان الذاتية معاً .. تفاعلاً وتجاوباً .. 

ومن هذه العبقرية تخرج عمارة وعمران المكان من إبداعات الإنسان كما نفهمها ونصبو إليها ، وعندها كانت دوماً الجدلية بين الثوابت الجغرافية للمكان والمتغيرات التاريخية وأحداثها ..

ويقدم تتبع المكان وتفاعلاته عبر الزمان صورة مركبة ، تتمثل فيها المدينة صاحبة الرحلة 
 بطبيعتها وعبقريتها وشخصيتها هي مدينة واحدة .. 
بحلقـات ..  متقــــاطعة أو معزولـــة عن بعضها ..
متداخــــــلة أو متجــاورة مع بعضها ..
متوازنــــة أو متصارعة ضد بعضها .. 
ولكنها دون شك كانت دوماً .. ومازالت حلقات موجودة في الزمان وذات المكان .. 
ولا يمكن فهم تلك المدينة وعمرانها بدون فك طلاسم تلك الحلقات وهو مفتاح شخصية القاهـرة .. 

الرحلة 

ان الرؤيا التي يقدمها كتاب رحلة القاهرة لا تقتصر على النظر من زوايا أرحب لمحاور العمران الثلاثة الانسان والمكان والزمان ، ولكن جوهر تلك الرؤيا يتجلى في نسج تلك المحاور لرسم صورة جديدة متجددة للمدينة تتعدى رصد المكان وتوصيفه إلى وجود المكان في ذاته بوجود الإنسان والمجتمع ، وهذه الحلقة المفقودة هي بالدقة وتحديداً روح المكان وجوهر العمران وعمارة الإنسان للمكان .. وتشكل تلك الرؤيا صياغة مدققة لفهم عمران القاهرة حاضرة مصر .. بعيداً عن أي تقييم عمراني أو معماري أو حتى أخلاقي وتاريخي ، فقط محاولة لعودة الذاكرة . او الاستناد على تلك الذاكرة بمرجعياتها المتواترة في فهم رؤية محطات تلك الرحلة على حقيقتها دون تحيز او شوفانية. رحلة شاقة إلا أنها شيقة ، وعرة غير إنها واعدة ، مجهدة لكنها بالقدر نفسه مجزية بل هي حتمية ، ومع طول الرحلة يقتطع الكتاب منها جزءا محدودا: من عصر الولاية إلى عصر الاستقلال الوطني . لما تحمله تلك المحطة من عبر نحن اليوم في أمس الحاجه الى استقراءها واستيعابها . 

فهي رحلة تبدأ بالمحطة التي يدعوها الكثيرين بنقطة تحول تاريخي وبالفعل هي ذاك ، فبداية عصر الولاية مع وصول سليم الأول العثماني إلى القـــاهرة نقطة حراك وتحول .. أنحطت خلالها  القاهرة أو كادت إلى درجة مدينة تابعة  بعد أن كانت عاصمة وحاضرة الشرق ، مرحلة فيها تسقط الخلافة العربية ويسقط مقر السلطة السياسية في القاهرة .

والرحلة يتبادل خلالها الأدوار شخوص بملامح مختلفة واغراض متشابهة ونتائج بالحتمية متقاربة ، حيث دخول سلطان بني عثمان يناظر دخول بونابرت وما تبعه من وصول محمد علي إلى الحكم مع أختلاف الحدث والحادث مرحلتان لعصر الولاية .. مرحلة حملت تحولات سياسية واجتماعية مخططة لخدمة أغراض وأطماع بعضها معلن والأكثر منها مقنع تحت شعارات مختلفة مثل التمدين والحداثة تبدو براقة ولكنه الحق الذي يراد به باطل  .. وضعية تسلطية وأعجاب من طرف الغرب بهدف السيطرة والأحتواء الفكري أو التحكم وأستغلال الشرق.. 

رحلة يصفها الكثيرون وهما بالزمن الجميل، حملت خلالها القاهرة أوزار أحلام النخبة ونزواتهم  الخاصة ، و شهدت حراك عمراني دون تنمية مجتمعية .. توسع عمراني في أحياء جديدة خالية.. كثافة سكان ومعدلات أشغال في أراضي معمورة تمثل نسبة محدودة. وهيمنة شركات أجنبية تستغل الولاية وتسخر الرعية، سقطت الدولة ومعها فسد العمران أو كاد ..

رحلة عاشت القـــاهرة خلالها ازدواجية بين القائم الموروث والجديد الوافد.. أحياء قديمــة وأحياء مستحدثة.. فئات وطنية تتطلع للحرية ونخبة مجتمعية موالية للأجنبي ..صراع ومواجهة مجتمع بين فكر ليبرالي وطني وتغريب أستشراقي ..رحلة المدينة والمجتمع بين عصرين أختلفا في الشكل وتطابقا في المضمون .. في البداية والنهاية.

رحلة القـــاهرة من سلطة دولة الفرد المستبد إلى الاحتلال وتسلط الأجنبي الطامع المستغل في النصف الأول من القرن العشرين.. 

وخلال تلك الرحلة لم يكن المجتمع خامل او خانع ولكن تبلورت ردود أفعاله في صياغة حركة وطنية ليبرالية.. عاش المجتمع تجارب وصراعات.. عرف استقلال وهمي واحتلال واقعي.. زيف وظلم اجتماعي وتبعية اقتصادية وحراك سياسي وطني محاصر ..

أمست القـــاهرة خلال المرحلة بالرغم من ليبراليتها لكن كانت الغلبة لطغيان المصالح والهيمنة الاستعمارية أفراداً وشركات على نواحي الحياة.. وغياب شبه كامل بوعي أو بدون وعي للمصريين في مدينتهم ..

دراما المدينة وصراع المجتمع .. انحرافات وانتكاسات ،تحولات مرت بها المدينة وانتهت بها الحتمية التاريخية إلى سقوط الدولة والتحول إلى عصر الاستقلال الوطني الحقيقي مع ثورة يوليو سنة 1952 .

هكذا يطرح كتاب رحلة القاهرة تلك المسيرة الطويلة ويطرح معها الحاجة الى إعادة النظر في ما تعنيه مصطلحات « النهضة « أو « تحديث مصر « أو ... غيرها والتي لا تعبر بأي حال عن الحقيقة الكاملة بمختلف جوانبها ... ويكشف الكتاب كيف يمكن فهم تحولات المجتمع القاهري من خلال السياق العمراني وما يمكن ان يكشفه ذلك من أبعاد لا يستطيع التاريخ الإجتماعي والسياسي وحده توضيحها ، ويقدم الكتاب تجربة عمران القاهرة ورحلتها بتاثيراتها المتبادلة مع و على الدولة ومؤسساتها السياسية والإدارية السلطوية ، وكذلك على المجتمع ومؤسساته المدنية المجتمعية وبنيته الإجتماعية والديموجرافية ، وبالتالي الإنسان وثقافته وفكره ومعيشته .

ولعل في قمة ما يقدمه كتاب رحلة القاهرة المحروسة من عصر الولاية الى عصر الاستقلال الوطنى هو استقراء الأنساق المتكررة لتلك التحولات المتتابعة المتشابهة وان اختلفت الشخوص والآليات ، نمط متكرر تخوضه المدينة  تنتقل خلاله من تنظيم إلى آخر ومن نظام إلى نظام آخر حامله معها نفس مبادئ الجذب والأستبعاد التي تُوجد في الأحياء القديمة بنسيجها الموروث كما تُوجد في الأحياء الجديدة بنسيجها المستحدث ، ولكنها تكتسب أبعاداً مغايرة في الحالتين. 

 فعلى سبيل المثال، وضح كتاب رحلة القاهرة كيف تسهم التحولات أو الإنقلابات الأقتصادية ومؤسساتها في تشكيل صورة المدينة ، حيث تدفع مصادر دخل البسطاء من العمالة إلى تكوين أحياء شعبية على مقربة منها وتشكل مستقراً للعمالة والسكان محدودي الدخل وما قد يترتب عليه من تجمعات للفئات الأكثر فقراً وتهميشاً في المجتمع ومن الدولة .. وفي المضاد تجذب المؤسسات المالية والشركات الكبرى في أحياء الأعمال تجاور بين النخب من هؤلاء رجال الأعمال والطبقات المتوسطة من الأفندية والموظفين ... وعلى قمة هذا تنعزل الزمرة السياسية الحاكمة .. وفي كل مرة تبتعد وتتخذ لنفسها قاهرة حديثة ثم أخرى أحدث.



أما عن النظم والمؤسسات المجتمعية والمدنية .. يقدم الكتاب كيف تعيش البنية المجتمعية للمجتمع المصري حالة ديناميكية بسبب تغير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الثقافية ، وحسب ديناميكية المجتمع وقدرته على التطور أو التخلف واجمالاً فإن التركيب الطبقي يتكون من : 

الطبقة العليا المصرية التي إنحدرت من فئات إجتماعیة متعددة إتفقت مصالحھا المادیة بقدر ما إختلفت أصولھا الإجتماعیة ، ولم يكن ثمة تجانس بینها يجعلھا تكون طبقة إجتماعیة متماسكة ،الطبقة المتوســطة التي انفردت  عبر تاریخها بوعي طبقي ، ولكنها أفتقرت إلى الوعي الاجتماعي ،ولكنها كونت دائما جبهة وطنیة تصدت للتدخل الأجنبي ولعبت على إختلاف شرائحھا الإجتماعیة دوراً ھاماً في حركات التنویر ، وخرج من بین صفوفھا حملة مشاعل الفكر على اختلاف توجھاتھم ومشاربھم الثقافیة . وأخيراً الطبقات الفقيرة .. والتي ساهمت أيضا في حركة النضال المصري منذ أواخر القرن التاسع عشر و بتأسیس نقابات عمالیة مصریة من أجل تحقیق مطالبھم الإقتصادیة وأیدت القیادة البرجوازیة إلى جانب المثقفین من أبناء الطبقة المتوسطة العمال المصریین فى نضالهم .. 











إجمـالاً .. يحاول الكتاب ان يوضح الكثير من الحقائق حول عمران القاهرة في تلك المرحلة من رحلتها والتي يمكن وصفها رغم اختلافاتها في الشكل واتفاقها بالمضمون وهو بأنها فترة طغيان المصالح النخبوية وهيمنة المصالح الاجنبية على مصير المدينة وسكانها . مرحلة عانى خلالها غالبية المصريين من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية و عدم الأستقرار السياسي وموجة من الانقلابات الدستورية والنيابية أسفرت عن صراعات سياسية متزامنة مع الأزمات الاقتصادية وما نجم عنها من آثار اجتماعية سلبية ، معاناة وقع العبء الاكبر منها على الطبقات الدنيا الذين مثلوا الغالبية العددية لسكان مصر . الكثير من الأوضاع المغلوطة والتي كانت نتيجتها الحتمية هي التحولات الثورية في يوليو 1952 ودخول القاهرة عصر الاستقلال الوطني.

يدعونا كتاب رحلة القاهرة المحروسة «ان نتعدى في رؤيتنا لتلك المدينة وغيرها  الصورة المتواترة التي تعبر عن نمط واحد في منظومة متسعة بأتساع التركيبة الإجتماعية والطبقات التي يتشكل منها المجتمع القاهري كله ، وإلى حتمية إعادة النظر في تلك الصورة الضيقة ، وأن نتسع بزاوية الأبصار لنرى الصورة الكاملة على حقيقتها من خلال قراءة العمران في ذروته بالقاهرة العاصمة حاضرة مصر المحروسة ، قراءة قد تصحح المسار وتوقظ الذاكرة والعقل والضمير ، قراءة الذات لأعادة أكتشاف دورنا الحضاري في منطقتنا وعالمنا المعاصر .. قراءة مخلصة وإضافة لفهم تلك الذات ونقدها بموضوعية لنتحول جميعاً مع مصر وقاهرتها إلى هذا الدور الفاعل في جملة هذه الحضارة المعاصرة ، وحتى نورث الأجيال القادمة موروث يبنون عليه مستقبل أفضل بدون نكسات أو إنتكاسات ، فلا يلعننا اللاعنون ويحاسبنا الخالق على ما أقترفناه في حق أنفسنا وفي تقصيرنا لتحملنا الأمانة ..»


[image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error][image error]
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 18, 2021 02:47

July 30, 2020

خرائط القـــاهرة شاهد على العمران


ذاكرة المكان تعتمد على ما يحفظه المجتمع من الزمان
سواء كانت نصوص مروية أو نصوص مرسومة
وهي بذلك في علاقة جدلية بين الإنسان والتاريخ والجغرافيا
الإنسان والزمان والمكان أبعاد ثلاثية للمنظومة العمرانية لا غنى لأية منها عن الآخرتين في حياة المدينة ومرحليات تطور عمرانها
والخرائط  هي أحد الآليات المنهجية التي نتعرف من خلالها على المنظومة العمرانية للمدينة وذاكرتها ، ومنها يمكن رسم صورة المدينة كاملة أو شبه كاملة كما كانت سابقاً، وصورتها التي يمكن أن تكون مستقبلاً ، ومنها ندرك ونرصد معالم هذه الرحلة في أطارها المكاني ومجالها الزماني بموضوعية ، على الرغم من اختلاف التعبير ومظاهره وتطور الوسائل العلمية والتقنيات على مدى تطور علم الخرائط نفسه قديماً وحديثاً...
الخريطة في هذا المقام تصوير ما حدث أو الحادث أو الممكن حدوثه ..
توثيق لحقيقة واقعة أو ممكنة الوقوع لعمران المدينة وحياة الانسان والمجتمع ..
إذن الخريطـــة وسيلة ممكن من خلالها رؤية المدينة في زمان سابق أو مستقبل لاحق ..
الخريطة هنا وثيقة الجغرافيا ومفردات لغتها .. كما أن الكلمة المكتوبة وثيقة التاريخ ولغتــه ..
ويقدم كتاب " خرائط القاهرة .. شاهد على العمران " دراسة لخرائط القاهرة بوصفها أحد محاور رصد  واستقراء عمران المدينة ، والتي تمكننا بالتكامل مع المحاور المرجعية الأخرى  من الفهم الشامل والدقيق لعمران المدينة . ويعتمد الكتاب على ما يعرف بمنهجية «التحليل الحضري» ، في تتبع عمران القاهرة من سنة 750 وحتى نهايات القرن العشرين ومقارنتها بالوضع الحالى في 2020 .. ويلخص مسيرة بحثية امكن خلالها - بالتكامل مع المرجعيات المختلفة - إعادة انتاج ما يزيد عن مائة خريطة تدرس عمران القاهرة بشكل عام منذ نشأتها وحتى وقتنا الحاضر وتحلل مورفولوجية الحراك العمراني للقاهرة ومواقع الأنشطة والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمات الإدارية للمدينة وغيرها من عناصر دراسة عمران القاهرة . ويقدم الكتاب نماذج من تلك الخرائط وكذلك اطلس لعمران القاهرة من سنة 750 وحتى 2020

كتاب خرائط القـــاهرة  شاهد على العمران

بقلم : طــارق والــي ، شيمــاء شاهين ، إيهاب زعقوق

تاريخ الاصدار : يوليو 2020

الكتاب احد اصدارات مركز طارق والي العمارة والتراث للكتاب الرقمي المفتوح

يمكن الاطلاع على الكتاب وتحميله كاملا من خلال :

رابط التعريف الرقمي : https://doi.org/10.47288/TWC.DB.004.2020

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 30, 2020 03:58

May 21, 2020

أيوب الحرانية رمسيس ويصا واصف ، حدوتة مصرية

















«رمسيس ويصا واصف».. فنان ومعماري مصري من الجيل الثاني لرواد الحركة المعمارية المصريين ، ضمن الحركة الوطنية المصرية في كافة المجالات في البحث عن هوية الانتماء الوطني ، آمن أن العمارة هي الفن الذي يحتوى الحياة بأكملها .. وأن للفن والعمارة وكذلك الحرف اليدوية دور في التنمية المجتمعية والإنسانية وهو محور تجربته في الإبداع ؛ وفيها كانت فلسفة رمسيس ورؤيته أن المهارة الحرفية والإبداعية الفنية وجهان لعملة واحدة .

ويقدم كتاب "أيوب الحرانية .. رمسيس ويصا واصف ، حدوتة مصرية" .. محاولة لاستقراء بنية شخصية «رمسيس ويصا واصف» وتشكيل وجدان وفكر الإنسان والفنان والمعماري ، الذي خرج للحياة العامة في مرحلة من أهم مراحل التحول للحركة الوطنية ، ومحاولات النهضة القومية والوطنية المصرية ، ومعها بدأ رمسيس يرسم لنفسة رؤية ذاتية مبنية على مكتسبات المرحلة ونكساتها ، ومتفاعلاً مع معطيات العصر الجديد .. وهو ما كان له أكبر الأثر عليه بعد ذلك عند عودته لمصر بعد دراسته في فرنسا ، ليبدأ حياته المهنية وممارسته الحياتية .

من هنا كانت ملحمة حياة رمسيس ويصا واصف الإنسان والفنان والمعماري

هي حدوته مصرية أصيلة من حواديت بلادنا

نكتبها نحن من نظرة المتأمل للشخص ، والراوي بحيادية وموضوعية

 للشخصية ومن خلال مفاتيحها المحورية التي ترسم بورترية

أيوب الحرانية .. رمسيس ويصا واصف

ويتشكل سيناريو الحدوته من ثلاثة مشاهد متتابعة لمسيرة الشخصية ..

المشـهد الأول   مرحلة النشـــأة .. البيئة الاجتماعية والوطنية والثقافية

المشهد الثاني   مرحلة البناء الفكري

المشهد الثالث   مرحلة التجربة والممارسة .. النهج والاستمرارية

 هنـا  يرسم الكتاب الصورة ويروي الحدوته من استقراء لمسيرة «رمسيس ويصا واصف» الإنسان والفنان والمعماري .. المصري والوطني ، عاش هنا ورحل عن عالمنا ، وبقيت الفكرة والنبتة التي زرعها لتصبح شجرة مثمرة في أرضها ، تظل بفروعها فراغ غيابه وتكون حدوته بملحميتها المسار والمنتهي لنا ولمن بعدنا .. قـدوة ومسـئولية واستمرارية 

 أيوب الحرانية  رمسيس ويصا  واصف  ، حدوتة مصرية

الكتاب بقلم :  طــارق والــي ,   شيمــاء شاهين

تاريخ الاصدار : مايو 2020

الكتاب احد اصدارات مبادرة مركز طارق والي العمارة والتراث للكتاب الرقمي المفتوح .. 

يمكن الاطلاع عليه وتحميله كاملا من خلال رابط التعريف الرقمي : 

https://doi.org/10.47288/TWC.DB.003.2020

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 21, 2020 03:39

January 30, 2020

القرنــة حلم لم يكتمل .. حدوتة مصرية

 

لم تكن القرنة بالنسبة لحسن فتحي هدفاً في ذاتها ، وإنما كانت الخطوة الأولى التجريبية على الطريق إلى تجديد الريف المصري تجديداً كاملاً من خلال إعادة بناء قراه لخدمة المجتمع ، فالبناء وتقنياته والمواد والتصميمات ومنتجها النهائي ليس الهدف ولكنه كان مع حلم المعماري حسن فتحي الوسيلة لخدمة المجتمع والارتقاء بحياته. لم تكن مجرد قرية لتوطين السكان المهجرين ، بل أصبحت حلم خاص لمعماري ورسالته ـ الحلم الذي لم يكتمل ـ ، فرصة وجد فيها المعماري غايته لتحقيق أفكاره ورؤيته حول إمكانية تنمية القرية المصرية ، والارتقاء بحياة الفلاح المصري ومعيشته التي كان يرى فيها البؤس والحرمان مع التخلف والفقر والمرض وكانت تلك حالة كل الفلاحين حينئذ ، لم تكن هي حالة سكان القرنة القديمة هناك في الجبل ، ولكنها وضعية اجتماعية عامة لغالبية الفلاحين المصريين حتى نهاية النصف الاول من القرن العشرين .

والآن بعد أكثر من سبعين سنة من ميلاد الحلم هناك من يريد أن يحطم هذا القليل الذي تحقق ، يقوم بالفعل بمحو حتى تلك البداية التي لم تكتمل ؛ ويحرمنا ويحرم الأجيال القادمة من ذاكرتها الوطنية والتاريخية لنعيش حالة من فقدان الوعي مع ضياع الحلم ..

كانت محاولة سباقة لتطوير القرية المصرية

حلم عاش له وآمن به المعماري حسن فتحي مع تطوير قرية القرنة الجديدة في منتصف القرن العشرين .

وفي رؤيتنا حتمية ألا يكون هناك تراث زائف أو حداثة زائفة ، و إنما هي عمارة تكون بحق التعبير المرئي الدائم للمجتمع ، هذا يعني أن التغيير آت حتماً إلى قرية القرنة الجديدة بأي حال مع التحولات الحادثة للمجتمع ومتغيرات العصر ، فالتغيير هو شرط الحياة وأفراد المجتمع أنفسهم يريدون التغيير ، ولكنهم ليس هذا مبرر لتجاهل الموروث ، وما يحمله من قيم ثابتة ، ولكن هو الميزان المنشود بين الثابت والمتغير ، وهي مسئولية المعماري صاحب الحلم والرؤية ، والواعي بمسئوليته وواجبه نحو مجتمعه ، ونشر رسالته .. ولما كان الحال هو أن المستهدف الارتقاء بالمجتمع وحمايته من التأثيرات الوافدة من حولهم ، وهو ما نحلم باسترجاعه مع حلمنا عودة الروح من جديد ، فإنه نجاح العمارة والمعماري صاحب الحلم في خدمة المجتمع يتوقف على الموازنة بين الامكانيات والسكان وقدراتهم الفنية على الانتاج ومستوى المعيشة المطلوب ان يكونوا عليه .

هنــا نفهم تلك العلاقات الجدلية بين الإنسان بذاتيته وتراثه بعموميته وجماعيته

حتى يمكن التفاعل مع الموروث وخلق الجديد لنورثه

لكن الحلم لم يكتمـــل

ويستعرض الكتاب رحلة كل من القرنة القديمة والقرنة الجديدة مع حلم المعماري حسن فتحي عند ميلاد القرية او عند محاولة مركز طارق والي العمارة والتراث المعاصرة لعودة الروح للحلم بعد سبعين سنة من محاولة الميلاد

ويبقى الصراع بين المعماري صاحب الحلم والسلطة صاحبة القرار

وتتكرر الحدوته والحكاية !!

 كتاب القرنــة حلم لم يكتمل ..  حدوتة مصرية

بقلم .. طــارق والــي ،   شيمــاء شاهين

تاريخ الاصدار : يناير 2020

اللغة : العربية

الكتاب احد اصدارات مبادرة مركز طارق والي العمارة والتراث للكتاب الرقمي المفتوح

يمكن الاطلاع عليه وتحميله كاملا من خلال

رابط التعريف الرقمي : https://doi.org/10.47288/TWC.DB.001.2020

 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 30, 2020 02:52

April 8, 2019

ما تبقى لنا من غسان كنفاني

غسان كنفاني - من تصميم منى موسى .. إن الإنسان هو في نهاية الأمر قضية بتلك الكلمات لخص فارس المقاومة الثقافية " غسان كنفاني – الصحفي و الأديب الفلسطيني ومفجر الانتفاضة الأولى، انتفاضة أطفال الحجارة - حياته القصيرة التي قضاها حاملا قضيته بكل أمانة وإخلاص ، مؤمنا بدوره في طليعة كتائب المقاومة الثقافية في مسيرة تحرير بلاده .. حيث أمن كنفاني بأن للشكل الثقافي في المقاومة أهمية قصوى ليست أبدا أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها ..تلك الرؤية التي عاشها قولا وفعلا غسان كنفاني طيلة ستة وثلاثون عاما هي سنوات شديدة القصر عميقة الأثر، عاش خلالها كما وصفه محمود درويش "وكأنه أحد النادرين الذين أعطوا الحبر زخم الدم، بل و نقل الحبر إلى مرتبة الشرف وأعطاه قيمة الدم". سنوات أبدع خلالها ما سيظل وتدا يربط كل المقاومين في كل العالم بالأرض ويدعوهم  إلى الصمود من خلال مسيرة إنسانية ومهنية  غاية التفرد ،واذا كانت الأيدي الغاشمة لسلطات الاحتلال الصهيوني قد استطاعت أن تقضي على جسد غسان كنفاني في 1972 فإن أفكار وأعمال هذا الرجل كانت و لا تزال حية باقية صامدة ، كما لو كانت ضميرا للأمة يذكرهم بما عاش غسان كنفاني له وبه.
لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 08, 2019 06:13

July 19, 2018

في مئوية الزعيم .. وحديث عن ارادة التغيير (1) …


" إن ارادة التغيير لدى أصحاب المثل العليا أقوى من الأمر الواقع مهما بدا راسيا راسخا كالجبال " .. جمال عبد الناصر
لعيد الثورة هذا العام حال مختلف حيث تجتمع ذكرى مئة عام من ميلاد الزعيم وذكرى ثورته.والواقع  ان هما حدثين  على قدر من الأهمية والتلازم متلازمين لا يقبلان الفصل عن بعضهما ، مولد الزعيم الثوري الذي فجرت أفكاره وتجربته الامال في صدور المتطلعين للثورة والعدالة الاجتماعية في شرق العالم وغربه ، وذكرى ثورته التي كانت – ولا تزال – نموذجا لما يمكن للشعوب ان تحققه في ظل قيادة مخلصة وإرادة تغيير ثوري . أي باختصار انه لا يمكن الحديث عن يوليو بغير ناصر. وهو الرأي الذي يجمع عليه مؤيدو عبد الناصر ومعارضوه . ويحمله طبقا له كلا الفريقين المسؤولية الكاملة عن إنجازات الثورة واخفاقاتها، ومن جانب اخر يعبر عن الصورة التي رسمها التاريخ لعملاق بنى مر صاحب إرادة الفعل الأقوى في تاريخ هذا الوطن، صورة تختلف في اعين الفلاحين والعمال عن تلك في عيون المثقفين او السياسيين، صورته في عيون من عاصروه وفي عيون أجيال لم تراه، صور عدة يجمعها د غالي شكري بكلماته قائلا: ان عبد الناصر – كفرد – لم يكن رجل المعجزات ولا رجل الكوارث، وانما كان ولايزال بطلا قوميا جسد في إحدى لحظات التاريخ نضال امة ترسف في أغلال القهر والتخلف . وقد استمد بطولته من طاقته العظمى على التحدي أيا كانت الاساليب التي استخدمها في طريق التحدي وأيا كانت النتائج التي وصل اليها . فإن هذه الاساليب والنتائج – مجتمعة - لم تكن معزولة عن البيئة التي ولدته وانعكاسات العصر التي واكبته وطبيعة التحديات التي واجهته. لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 19, 2018 05:04

August 10, 2017

قراءة في كتاب : نهج البقاء في عمارة الصحراء

كتاب نهج البقاءالكاتب : طارق واليالطبعة الاولى 1996الطبعة الثانية 2012” ليس المقصود ان يكون هذا كتاب في عمارة الصحراء بالمدلول التقني للمصطلح ، ولكنه كلمات ورؤى نستشعر بها رومانسية الصحراء في ابداعيات انسان الصحراء الذي رغب بفطرته أن يكون .. أن يبقى .ابداعيات هذا الانسان الذي حقق بإرادته هذه الكونية .. وهذا البقاءانه كتاب في عمارة الصحراء ولكنه الى نهج البقاءانه نهج البقاء في عمارة الصحراءبحثا عن واقعية .. وهروبا الى خيالانه حوار بين القلب والوجدان .. وبين العقل والضميرفلنسمع ونبصر بقلوبنا وعقولناوليشهد علينا وجداننا وضمائرنا  “بتلك الكلمات يستهل الكاتب صفحات  ” نهج البقاء في عمارة الصحراء ” حيث يصفه بأنه اقرب ما يكون الى إنصات الى تلك المعزوفات التي يلعبها الانسان على اوتار الطبيعة ، انصات يستشعرفيه تفردها و تشابهها ،تجانسها وتناقضها ، عبقريتها وضآلتها ، ثوابتها ومتغيراتها .. انصات يتعدى مفردات تلك المعزوفات من انسان ومكان وزمان.. يتعداهم الى الحلم الذي ينسج من تلك المفردات نهجا الى البقاء ..  ولكن اي بقاء يقصد ؟؟وهل هناك بقاء على تلك الارض التي تتسم و كل من فوق ثراها بالفناء  ؟؟نعم هناك بقاء بعد الموت على هذه الارض ..بقاء لموروثات متراكمة حملها الانسان عن سلفه ليحملها الى خلفه ، انها سلسلة متواصلة الى ما شاء الله ..بقاء يحققه الانسان عندما يتعدى حلمه الحاجات الفطرية الطبيعية  ، يتعداها بإرادته الانسانية الى احتياجه الى الوجود والبقاء .. وكأنه في ذلك يلبي رغبته التي خلقها الله فيه في امتلاك القوى التي سخرها سبحانه له في هذا الكون ، وتطويع الظروف الخارجة عن محدودية الانسان الى احتياجاته الفردية والجمعية في عمارة الارض ومحورها الحماية من اجل البقاء ..وحتمية الوجود والبقاء تفرض على الانسان التحدي والانسجام ..التحدي من اجل الوجود ..والانسجام من اجل البقاء ..اذا .. فالفناء المحتوم قد يكون مصير الانسان والمكان ، قد يكون نهاية المادة والمنتج ، ولكن الاكيد ان البقاء دائما للحلم الذي يعبر من زمان الى زمان ، وللفكر الذي يرسم لذلك الحلم نهجا يجعل منه واقعا ملموسا ..ويستعرض الكاتب في تلك الصفحات لمحات عن انسان الصحراء وعمارته ، في محاولة للاستماع الى ذلك الحوار بين الانسان والصحراء والعمارة والزمان .. يتبادل فيه الاطراف دور المتحدث والمتحكم في من يبقى .. فتارة تلقي الصحراء كلمتها وتفرض وجودها وتحكم سيطرتها ، وتارة أخرى يضع الزمان بصمته ويكتب تاريخه الذي لا يستطيع مقاومته كائن كان ، ومرات أخرى ينجح الانسان بعمارته ان يطلق لحلمه العنان ويتحدى المكان والزمان ويحقق حلمه في البقاء ..البقاء في العمارة والعمارة في البقاءالعمارة .. مسيرة تاريخ وتعبير حضارة ، قد تستمر مع الانسان ما استمرت العوارض الذاتية الطبيعية المحركة لها مع تتابع التاريخ واختلاف المجتمعات وتغير الحضارات .. قد تبقى بعد الانسان ما بقيت للانسان ارادة البقاء المشكلة لها رغم تنوع الابداعيات وثراء التشكيلات ، وقد تتجمد العمارة او تقف عند مرحلة تاريخية معينة لفقدانها العوارض الذاتية بتغير طبيعة المكان والزمان ، واختلاف سلوك الانسان وفهمه ووعيه ، بتنازله عن ارادته وهروبه من فطرته .. حتى يعود هذا الانسان فتعود معه وبه العمارة ..وقد تموت وتندثر العمارة عند نقطة تحول تاريخي او حضاري معينة ، لغياب الانسان او لغياب قدراته على الابداع وفشله في تحمل المسئولية التي حملها راضيا ..وهكذا دائما العمارة هي ظل الانسان على الارض .. تحمل معها احلامه وتحقق احتياجاته .. ترتقي برقيه وتندثر باندثاره .. تكون احيانا هي الرؤيا وهي الحلم وتكون احيانا مجرد وسيلة او وعاء يحمل الرؤيا والحلم. وبقدر ما تصاحبه في حياته على تلك الارض ، تشاركه طموحاته وتعبر به ومعه من آفاق عالم الى عالم .. ومن رحاب مكان الى مكان .. بل وحتى تتلون كما لون بشرته عندما ينتقل من ظلال الوادي الى قلب الصحراء .. وتتغير كما يتغير تكوين جسده عندما يهاجر من بقعه الى اخرى الا انها  غالبا ما تبقى بعد الانسان لتحكي قصته .. قصة وجوده او غيابه .. علمه او جهله ، عدله او ظلمه . انسجامه او نفوره ..حقا ان العمارة تبقى دائما بعد رحيل الانسان لتكون شاهدا على رحلته وممثلا لحضارته .. ناقلا لرسالتة عبر الاجيال .. بنفس الصورة التي شكلت فيها في حياته وجدانه ورسمت ملامح علاقته بمن حوله ،، وكانت فيها الناظم والمنظم لعلاقاته بما ومن حوله .. هي الحلقة التي تربط الانسان الفرد بجماعة البشر التي ينتمي اليهم وبالبيئة الطبيعية التي يحيا في ربوعها  .. وتجعل منهما  جميعا نسيجا غير قابل للحل .. والواقع ان الانسان الفرد غير موجود .. وعمارة الانسان هي نتاج اجتماعي يقوم بالتعاون والتفاهم بين افراد الجماعة ، وتتجسد فيها روح المجموع بالرغم من انها تبدو تعبيرا فرديا .. فالعمارة تحمل نفس الجدل الديالكتيكي الذي يعيشه الانسان بين نزعاته الفردية الذاتية واحتياجاته الجمعية.. ويترنم الانسان والمجتمع والبيئة والمكان .. وتبقى لكل هؤلاء عمارتهم .. فتبقى للصحراء عمارتها ، ويبقى لانسان الصحراء عمارته تعبيرا عن ارادته في البقاء ، وتجسيدا لقدرته التي فطره الله بها في تسخير الطبيعة وتطويعها .. تعبيرا عن ذاتيته ومجتمعه وزمانه.. تعبيرا عن انسجامه وتناغمه مع بيئته وتطلعاته ..وذلك التشابك في العلاقات بين الانسان وبيئته وزمانه وعمارته يجعل من المستحيل حقا فهم اي منهما بمعزل عن الآخر ، كما يستحيل على الاذن الاستمتاع بنغمة منفردة بصورة تنفصل فيها عن السيمفونية التي تحتويها ..ولهذا للتعرف على تلك السيمفونية الانسانية لعمارة الصحراء يجب ان نتعرف على الصحراء نفسها .. حقيقتها وظروفها .. خصوصيتها وتميزها .. نكتشف تلك القوى الكامنة بها لنخرج بوعي الى فهم الاستيطان الانساني والمجتمعي لهذه الصحراء التي عزف بها وعليها الانسان ترانيمه المعمارية .. انشودة من الظل والنور .. من جدران واسقف .. من قباب وأقبية .. من خشب وطين ..انشودة بين الزمان والمكان ، وبين الانسان .. انشودة من فطرة وارادة على نهج البقاء .والصحراء التي نتعرف عليها هنا ، هي تلك الممتدة في مصر غرب الوادي امتدادا للصحراء الافريقية يخترقها النيل ليكون الوادي وتتشكل عنده الحياة والحضارة وتكون مصر .. والانسان هنا ، هو الانسان المصري العربي  المستوطن لهذه الارض معمرا في واديها .. وواحاتها ومستقراتها الصحراوية حيث الحياة والموت متوازيان .. والعمارة هنا هي تلك العمارة التي استمرت من خلالها المجتمعات تحديا للبقاء .. منتصرة للحياة .. مسخرة كل ما لديها وحولها بإرادتها وفطرتها .. عزف هذا الانسان في كل عصر الحانه المعمارية على اوتار الطبيعة المحيطة به ، فانسجمت عمارته في الصحراء مع نفسها الى حد التكرار او التطابق على اختلاف الازمنة .. فالبيئة بظروفها الطبيعية ثابتة ، أو تكاد ..نعم تغيرت المجتمعات ، وتداولت الحضارات .. واختلفت العمارة ..وبقيت الصحراء وبقى الانسان وبقي النهج ..   ونقف هنا عند نهج البقاء في عمارة الصحراء .. نقف في هذا الكتاب نسمع ونرى من تلك السيمفونية الخالدة ترانيم معمارية انسجمت مع بعضها البعض ، تباعدت واختلفت ظروفها الحضارية وتناغمت تردداتها وتشكيلاتها وتكويناتها .اختلفت ثقافات وحضارات الانسان المبدع لها ..نسمع ونرى .. ترنيمة تأتي من عبق التاريخ ، من القرن الرابع الميلادي لقرية قبطية .. قرية عاشت في تحدي للاضطهاد الروماني الديني وتحدي للظروف الطبيعية .. لتبقى اكثر من الف وخمسمائة عام ، ويبقى معها الانسان بإرادته ونزوعه نحو البقاء حتى بعد الموت .. ترنيمة الزمان :  عمارة البجواتنسمع ونرى .. ترنيمة تأتي من حياة المجتمع عاش بها الانسان مرددا واستمر في حياته متطورا ومطورا لعمارته .. عمارة شعبية ابدعها المجتمع والانسان بفطرته ملبيا للمتغيرات .. متحديا للفناء .. ليبقى مئات السنين مستمرا في ابداعياته منذ العصور الاسلامية الوسطى الى اليوم بإرادته ونزوعه نحو البقاء حتى عصر اندثار الحضارات وانقلاب المجتمعات .. ترنيمة الظل والنور :عمارة الواحات ..نسمع ونرى .. ترنيمة تأتي من عقل الانسان المبدع .. المعماري الحديث زمانيا والمعاصر ثقافيا وحضاريا ، الذي ادرك وفهم فأبدع وأحسن … احترم عقله ومكانه فاكتسب بارادته  أصالته ومعاصرته .. ابدع عمارته منسجما مع ظروف بيئته واعيا لإمكاناتها ، مسخرا طاقاتها في ابداع عمارة معاصرة لم تفقد اصالتها .. عمارة ابدعها المعماري المصري حسن فتحي وابدع معه وبعده معماريون ، كان المعماري هنا مؤرخا ومنظرا لفلسفة ومبدعا لعمارة اراد بها ان يحقق للانسان رغبته لليوم وغدا في البقاء .. نهجا عاشه  الاجداد ويتطلع اليه الاحفاد   ترنيمة القانون :عمارة المنظومات ..واخيرا نسمع ونرى ترنيمة تأتي من خضوع الانسان المعاصر لرغبته في الاستمرار ابدا جزء لا يتجزأ من المجموع الذي يحتويه سواء كان هذا المجموع اسرته او مجتمعه او بيئته الطبيعية .. في ترنيمة معمارية تتجانس العمارة مع الطبيعة دون ان تذوب فيها ويظل الفرد جزء من الجماعة دون ان يفقد تفرده .. كيف يرتبط الإبداع الفردي للعمراني ا بالإبداع المجتمعي وأحلام سكان إحدى مجتمعات الجنوب هناك في أسوان على حافة الصحراء الشرقية في منطقة تسمى ( منطقة الصداقة ) فيما عرف سابقاً بمنطقة الناصرية، وهي المنطقة القادم منها السكان المستوطنين للمكان المهاجرين من بلاد النوبة ..  مهاجرون ومستوطنون أرض جديدة .. حاملون موروثاتهم وثقافاتهم القديمة إينما حلوا أو أستقروا .. نسمع ونرى حوار حول : العمران والمجتمع في منظومة البقاءهي ترانيم معمارية  اختلفت بها وحولها المجتمعات والظروف والحضارات .. تباينت وتناقضت عندها العصور والثقافات .. وبقي المكان .. الصحراء حقيقة ومعنى ثابتة وراسخة .. يفهمها من اراد البقاء بعمارته من الازل الى الابد .. موروث حضاري ومسيرة انسان بإرادته ونزوعه نحو البقاءنختار منها اليوم ترنيمه نعيش مع نغماتها لنستكشف ما ستحكيه لنا عن قصة عازفها ، انها ترنيمة القانون : عمارة المنظومات.. ترنيمة القانون : عمارة المنظوماتعمارة المنظومات ترانيم يعزفها المعماري على اوتار الزمان والمكان ، ارتبطت بمحدودية تلك الاوتار وامكاناتها وطاقاتها .. وخرجت من قبل الزمان والمكان الى ما بعد الزمان والمكان .. من الازل الى الابد .. من المبتدى الى المنتهى .. باقية ما بقيت الحياة هذه الارض وما بقى الانسان  خليفة معمرا ومبدعا في الزمان وعلى المكان .. باقية بقاء القانون ..ان رواد العمارة المصرية المحدثين في هذا القرن قد اكتشفوا تلك الانساق الخالدة في وجدان المجتمع واكتسبوا من هذا الموروث الحضاري الطاقة والقوة الدافعة لهم نحو آفاق ابداعية يحترم فيها الانسان مكانه وزمانه من موقف عقلاني ، متوازن مع وجدانه .. فأبدع هؤلاء عمارتهم المعاصرة دون ان تفقد اصالتها .. ميزان محسوب كما وضعه سبحانه ..معماريون ادركوا بعقلهم وحسهم هذا الميزان الرباني في عمارة الكون فأصبحوا معاصرين ثقافيا وحضاريا ، من هؤلاء رمسيس ويصا واصف ، وحسن فتحي وغيرهم ، ابدع الجميع واجتهد كل وقدراته ومعياره الذاتي ، ولقد كان شيخ المعمارين حسن فتحي رائدا لهذه الكوكبة بأبداعياته في عمارة الصحراء .. فجر هذه الحركة المعمارية الحديثة والمعاصرة وسار معه وبعده معماريون على النهج .. فهم البعض القانون .. وقلد البعض التشكيل .. من القانون خرج الاول بتشكيل متجدد لعمارة المنظومات .. ومن التشكيل سقط الآخر بتقليد متجمد لعمارة القباب والقبوات .. يجتهد الاول فيجدد ويقلد الثاني فيتجمد ..ان عمارة المنظومات نوعا من التشكيل الشعري او البناء الموسيقي تعتمد اساسا على التزاوج بين الفن والخيال من جهة ، بين العلم والعقل من جهة اخرى .. انها مزاوجة بين النقيضين ..مزاوجة بين سكون الكتلة وديناميكية الفراغات .. بين المفردات والتركيبات .والعملية الابداعية بطبيعتها تهدف الى حل تلك المعادلة الصعبة لتناغم النقائض ، فهي ميلاد فراغ او مجموعة من فراغات محدودة ومحددة من الفراغ اللانهائي .. الكوني ، هي عملية ميلاد غير محسوم أو نهائي ، فهذا الفصل المادي لا يعني الميلاد النهائي للفراغ والتشكيل الكامل للكتلة ، ولكنها بداية الميلاد المستمر مع حركة الزمان .. هنا يتوالد الحوار المضطرد بين هذا وذاك ، لكل وجوده الذاتي ولكنهما يلتقيانوبهذه المعرفة تصبح عمارة المنظومات قصيدة من الشعر بقوافي وبحور ، يمكن ان تكون لها موازين شعرية ، يمكن ان تكون لها موازين شعرية ضابطة ومنظمة ، بل هي سيمفونية لحركة الظل والنور .. لحوار الكتلة والخواء ، لصرامة الخط ونعومة المنحنى ، للمرئي واللامرئي ..كل هذا وصل بعمارة المنظومات لتكون حوارا صوفيا بين الظاهر والباطن تجربة ذاتية عاشت الظاهر وتجاوزته الى الباطن .. الحقيقة .. اخذت من المنهج المعرفي العقلاني مسارا الى الاقصى لتعرج عنده الى آفاق المطلق .. القانون .. الميزان الذي وضعه المبدع الأول والآخر سبحانه الذي أسرى بعبده ..والعمارة وفقا لهذه التجربة متعددة الدلالة ، وليس لها معنى مسبق او قوالب جامدة .. ترتبط بالمكان والمجتمع والبيئة ، تأخذ من الموروثات الحضارية وتتطور فيها وعنها .. لا تسقط الموروث ولا تتجمد في القوالب .. فالظاهر يخضع للباطن ، والمرئي يستمد وجوده ودلالته من اللامرئي فالاولوية للداخل .. للمنظومة المطلقة التي تشكل الخارج في حدود رؤية واحتياج .. وليس العكس .. وتلك هي المفارقة الابداعية الحضارية : العمارة عندها تكون ابداعا متجددا ، ترتبط بالجذور الحضارية ولا تكون سلسلة من القوالب والانماط .. تكون قضية مؤثرة في حياة الانسان وحضارة المجتمع ، ولا تكون خطابا غوغائيا ساذجا ينتهي دوره قبل ان يبدأ .الحلم والرؤية :والحلم المعماري عند الانسان قد يرتبط بانتفاع أو احتياج مادي أو سيكولوجي .. وترجمة المعماري المبدع هذا الحلم او هذه الاحلام الى واقع مبنى او عمارة باقية ، تنطلق اساسا من البيئة المكانية والمحدودية الزمانية ليكون للعمارة وجودها ويكتب لها البقاء . وهنا تكمن الاشكالية عند المبدع في فهم الحلم وتأويل الرؤيه وصياغة كل هذا في لحنا معماريا معاصرا ومتناغما مع ذاته وحضارة المجتمع الذي ينتمي اليه ..بمعنى يبدأ دور المعماري المبدع مع حلم الانسان والمجتمع لتشكيل عمارة بجوهرها واصدافها .. بظاهرها وباطنها .. من خلال موازين منظمة للبناء الشعري للعمارة .. او من خلال مذاهب موسيقية وضوابط ايقاعية لألحان تلك العمارة .. او منخلال قوانين منظمة لعمارة المنظومات ..وهنا في هذا المجال نعرض لتمثيل الفكرة والنظرية لا للحصر او التمايز مشروعا من اعمال المؤلف المعمارية – انطلق من المخزون الموروث لعمارة الصحراء في محاولة للتجديد ، بعيدا عن التقليد .. خروج الى ابداع عمارة على نهج البقاء دون السقوط في المحاكاة أو الجمود .. ” مشروع منتجع سراي السياحي ” على سفح الصحراء الشرقية على شاطئ البحر الاحمر في منطقة الغردقة التي حباها الله  سبحانه بمميزات طبيعية ومناخية تجمع بين رومانسية الصحراء وعذوبة السواحل ..المكان : نهاية الصحراء أو بداياتها عند ساحل البحر ..الزمان : نهاية القرن العشرين او بداية القرن القادم ..الانسان : المصري بكل ما يحمله من ثقافة وموروث حضاري وتطلعات أنية ونظرة مستقبلية .وهكذا كان الحلم وكانت الرؤية على مستويين ، الأول المستوى الجمعي للكل أنغام وألحان متداخله ومتشابكه تفتح على الافق اللامحدود حيث البحر والصحراء ، وتنغلق على نفسها حيث الذات الداخلية الكامنة .. تتفتت وتتواتر في مجموعات تصاعدية من الداخل الى الأفق بل تشد هذا المجهول الغائب ليكون حاضرا في داخلها .. سواء في الماء بما يحمل من معاني وتعبير للبحر أو في تشكيل الكتل والمسطحات البنائية بما يرمز الى الصحراء .. أما المستوى التالي الذاتي الفردي حيث يتجدد الحلم مع كل انسان يسكن الى المكان فالأنسان متغير .. والمكان ثابت .. وهنا كان الحلم متغير وبالتالي كانت اشكالية هذا الحلم .. وكانت الحتمية في مرونة التشكيل وامكانية التعبير في تراكيب الانغام المعمارية ضمن المنظومة الاساسية او القانون المنظم لهذاا لتشكيل والتركيب المعماري للفراغات والاستعمالات والانتفاعات . يتغير الجوهر من حيث التراتيب ولا يتغير القانون ، كما يتغير الهدف من حيث التراكيب ولا يتغير الانتماء الى المكان الزمان ..القانون ..ان التشكيل في حد ذاته ليس غاية بقدر ما هو وسيلة لاحتواء الجوهر ، والمنظومة الهندسية هي القانون المنظم للعملية الابداعية ليحقق التشكيل غايته .. أو هو الوسيلة العقلانية لنقل الفكرة والخيال الى التصميم والواقع .. وفكرة المنظومة الهندسية في العمارة والتصميم ليست بجديدة ولكنها واحدة من اهم الاساسيات والمبادئ التي اقام عليها المبدع عمارته وفلسفته العمرانية .. فالمنظومة الهندسية هي الميزان المنشود بين المعقول والمنقولومن هذا المنطلق فإن المنظومة الهندسية تبدأ من الحلم والرؤية وتنتهي الى التصميم .. الى المكان وما بعد المكان ..مع الزمان وما بعد الزمان ..ان الميلاد الفراغي للعمارة يبدأ من نقطة أساسية تتوالد منها المنظومة الهندسية ، تتفجر منها طاقة تعطي للفراغ وجوده وحيويته ، وبأكتشاف هذه النقطة سواء كانت مادية ملموسة أو ميتافيزيقة محسوسة يمكن تركيب القانون المنظم او ما نسميه بالمنظومة الهندسية .. وهنا تكون النقطة هي مركز النمو الفراغي ومنها او من خلالها تنمو التركيبات والتشكيلات أفقيا ورأسيا ..وفي مشروع منتجع سراي السياحي كان للوحدة المنفردة قانونها ومنظوماتها الهندسية التي اعطت للتصميم مرونته وحركته المستمرة والمتغيرة .. تتوالد كلها من النقطة المركزية تدور في حركة مستمرة مع ميلاد المربع الاساسي قلب الوحدة وجوهر الحلم .. انه الميزان الذي يحكم حركة البناء الشعري والموسيقي للتصميم والعمارة .. حركة تبدأ من المركز ولا تحدها سوى قدرة الانسان نفسه على الوعي واحتياجه للحدود ..و القانون في الحقيقة محاكاة للقانون الكوني الاكبر ، فكل فرد منا هو جزء من كيان ومنظومة اكبر منه ، يؤثر فيه ويتأثر به ، يتلون كل منهما بلون صاحبه ، ويترتب بقاء وفناء اي منهما على الآخر ، وهذا القانون هو جوهر العلاقة بين الجزء والكل .. قد يجعل من الاجزاء وحدات كل منها متفرد في حد ذاته وفي الوقت نفسه متجانس مع غيره متكامل معه ناظما بذلك معزوفته التي يطرب لها القلب ويهدأ في رحابها العقل ، أو قد يجعل من الوحدة نسخا نمطية متكررة لا تؤثر في منظومتها بالوجود او الغياب ، لينتج عن ذلك خلق كل من اجزاء متناثرة متناقضة وعزف لمقامات متعارضة ، بل ان تلك الحالة هي اشبه بكسر للقانون وضياع للحلم  .التصميم والواقعان التصميم ليس عملية مبتورة عن ما سبقتها من خطوات على المسار الابداعي ، ولكنها هي ذروة الحركة الابداعية التي يعزفها او يترنم بها المعماري المبدع .. هي التي تخرج بالباطن الى الظاهر .. تشكل الصدف تعبيرا عن الجوهر .. هي في النهاية الواقع المادي الملموس الذي يدركه الجميع على اختلاف ثقافتهم ومستوياتهم ..وهكذا ، تكون التصميمات الفراغية والتشكيلية نتيجة طبيعية وتلقائية لإخضاع الرؤية المرتبطة بالحلم الانساني للقانون أو المنظومة الهندسية المرتبطة بمكان محدد وزمان معين ..ويكون بناء تلك التصميمات و الفراغات التشكيلية مرتبطا بثوابت حرفية وتقنيات متاحة ومواد متوفرة في حدود البيئة .. كما انه مرتبط بموروثات حضارية وثقافية للشكل والتكوين . مفردات معمارية يخاطب بها الانسان نفسه ومجتمعه وزمانه ..وفي مشروع منتجع سراي السياحي يتشكل التصميم من مجموعات سكنية ” اربطة ” متتالية في صفين متوازيين بطول الموقع يتوسطها شريان أو وادي مفتوح يضم العناصر الترفيهية للمنتجع وتضم كل مجموعه ” رباط ” عددا من المساكن تتفاوت تراتيبها ومرونة الاحتياج والتطلعات وتبلغ متوسط الوحدات ما بين 12- 16وحدة اساسية بكل رباط تفتح على ساحة مركزية خاصة بسكن الرباط ،وهي الوسطية بين الوادي العام للكل والفراغ الذاتي للمسكن المنفرد .. تتابع متناغم من الفراغات والتشكيلات المعمارية ، تتلائم و ذلك الموروث المعماري المخزون من عمارة الصحراء وتتناغم مع ترانيم تلك العمارة في اطار من التنظيم والتقنين ..ان معايشة تجربة مشروع منتجع سراي السياحي واستقراء تلك الترنيمة ” ترنيمة عمارة المنظومات ” وغيرها من الترانيم التي انتظمت داخل صفحات هذا الكتاب انما هي  دعوة ..دعوة ليتخطى آفاق حلم كل منا سقف زمانه ومكانه…ويتعدى ببصيرته مدى بصره ..دعوة لقراءة ما بين السطور واستقراء ما وراء الكلمات ..دعوة لاقتفاء اثر تلك الترانيم التي جائتنا عابرة ازمانا حاملة في طياتها احلاما تحققت وأخرى لا تزال ، ورسائل خفية تناجي من يتأمل ظاهرها وينصت الى باطنها ، لعله بذلك يخط كلماته الاولى في الرسالة التي سيحملها زمانه عنه يوما ما .دعوة لان نستكشف تلك المنظومات التي تربط عوالمنا المختلفة ببعضها البعض ،بل دعوة ليبحث كل منا عن المنظومة الاكبر التي تحتويه وتنتظره لان يقوم بدوره كوحدة مكونة لها ..ولاستعادة الايمان بقدرة كل منا على تحويل مسار تلك المنظومة من الغياب الى الوجود ، من الاتباع الى الابداع ، من الحلم الى الواقع ، ومن الفناء الى البقاء ..
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 10, 2017 05:39

قراءة في كتاب الدولة والمجتمع للدكتور محمد شحرور

قراءة في كتاب" دراسات اسلامية معاصرة – الدولة والمجتمع " للدكتور محمد شحرور -1- المجتمع العربي .. إلى أين؟
هناك حالة من الارتباك والتخبط الفكري تسيطر على عالمنا العربي . وصل اليها مجتمعنا العربي نتيجة لسنوات طويلة من الجمود الفكري والانقياد لمبدأ التلقي بدلا من التفكير والبحث والاستنتاج وتحول من مجتمع مفكر منتج الى مجتمع مستهلك يمضي في طريقه الى مستقبله سائرا على اطلال ماضيه . نحن لا نستطيع حتى ان ندعي انتمائنا لمجتمعنا المعاصر ولا نزال نتمسك بأوهام نتحسر فيها على ما قدمه مبدعينا الاوائل من مشاعل كانت نواة اولية استخدمتها الامم من حولنا كبداية الى حضارات وامجاد وكانت لنا مجرد انشودة نتغنى بها في مناسباتنا القومية"ان العرب والمسلمين يعيشون اليوم على هامش الحضارة , ويعيشون حتى في بلدانهم على هامش أحداثهم الخاصة , فمنهم من تقوقع تحت شعار المحافظة على التراث , ويريد من الزمان ان يرجع الى الوراء وفي هذه الحالة لابد من الصدام بين الجديد والقديم . والمشكلة الكبرى التي نعيشها الان نحن العرب والمسلمين هي المحافظة على اعتماد طرق استنباط المعرفة التي تم وضعها وتوظيفها في القرنين الثاني والثالث الهجريين على انها المصدر الوحيد للمعرفة في فهم علوم القرآن والفقه . علما ان طرق استنباط المعرفة ومناهج البحث العلمي واعتماد الاستقراء في المعرفة التي توصلنا اليها في القرن العشرين ملك للانسانية جمعاء لا محل فيها للطابع الايماني او الالحادي او الطابع القومي الشعوبي ولكن المشكلة في توظيف هذه الطرق في خدمة هدف معين فاذا استثمرها المستعمرون في استعمارنا فليس ثمة ما يمنع ان نستثمرها نحن في الدفاع عن استقلالنا ."

لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 10, 2017 04:38

March 30, 2017

بيان 30 مارس 1968 - مقدمة لمرحلة جديدة من النضال الثوري

بيان 30 مارس عام 1968 هو الاسم الذي اختاره الزعيم عبد الناصر لبرنامج العمل الوطني في مرحلة ما بعد النكسة . يراه البعض رد فعل سياسي حكيم لاحداث مظاهرات الطلاب المحتجة على محاكمات النكسة ،ونموذجا يحتذى به للكيفية التي يتعامل بها زعيم مع الشباب . يراه البعض الآخر تصحيح لأخطاء سياسية لنظام الثورة ودليل على قوة عبد الناصر وقدرته على الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه . تلك الرؤى وغيرها بالرغم ما تحتويه من صحة إلا أنها تحصر هذا الحدث في مدى زمني ضيق وتفصل بيان 30 مارس عن السياق العام لمرحلة ما بعد النكسة . وتعزله عما سبقه وما تلاه من تغييرات ثورية في الفكر والتطبيق .وتسقط الهدف الرئيسي للبيان وهو " التطلع إلى المستقبل " .  فالبيان يأتي مقدمة لمرحلة جديدة من النضال الثوري بدأت في يونيو 1967 واستمرت حتى وفاة الزعيم في سبتمبر 1970 . أطلق عليها عبد الناصر مرحلة إزالة آثار العدوان . والعدوان هنا بكل أوجهه : العدوان العسكري على الأرض ، والعدوان الأيديولوجي المقاوم للثورة ومبادئها ، وعدوان الفاسدين داخل وخارج السلطة .. باختصار ،  ازالة كافة اثار العدوان على الثورة ومسارها . فقد أصبح منهاج " إزالة آثار العدوان " في تلك المرحلة معياراً للثورة يحكم مسارها ويراجع ويعدّل في مواقفها وانجازاتها، ولكنه ظل منهاجاً في الخط الأساسي للثورة ، يرصد بعدها التاريخي العام و التزامها بأهداف الأمة. وكما قال عبدالناصر" نعمل سياسياً ونناضل عسكرياً لدحر العدوان ونظل دائماً تحت نفس الأعلام التي وقف تحتها نضالنا الوطني والقومي... مهما حاولت قوى الاستعمار... ومهما حاولت قوى الاستغلال... سوف نظل دائماً تحت علم التحرير. وسوف نظل دائماً تحت علم الاستقلال الوطني . وسوف نظل دائماً تحت علم الوحدة العربية. وسوف نظل دائما تحت علم الاشتراكية. لقد كان من الممكن تلخيص  5 يونيو 1967 في الهزيمة العسكرية أمام العدوان الخارجي، المستهدف قبل كل شيء إيقاف انجازات الثورة الجارفة والمهددة عروش الطغيان في مشارق الارض ومغاربها . او كما صاغها الزعيم بكلماته " لابد أن نتحقق من أن الأعداء لا يتكالبون علينا إلا لأنهم يشعرون أننا نتقدم، وإننا نحقق وننجز، لو كنا فى مكاننا قابعين لما اهتم بنا أحد، الحرب ضدنا دليل على سلامة طريقنا، لابد أن نصمم على طريقنا.. طريق التطور الاقتصادي، والتطور الاجتماعي، طريق الاشتراكية. لابد أن نزيل العقبات من طريق النمو". الا ان النظر الى الهزيمة العسكرية وحدها سيكون إنكار للحقيقة . وهي ان صرح الثورة كان مهدد بالانهيار. وانه امام النقطة التي قال عنها المفكر العربي مالك بن نبي : ان كل ثورة تواجه نقطة معينة في تاريخها تبدو فيها  كما لو كانت عجلة الثورة وأفكارها تدور نحو الوراء . وان هذا الانعكاس في الحركة يحدث بسبب انقلاب في القيم ينشأ في ظل الثورة الأصلية ويفسح المجال شيئا فشيئا لثورة مضادة تستخدم اسمها وصفاتها المنظورة ووسائلها لقتل الثورة الاصلية، وتحل محلها، محافظة على المظاهر، التي تصبح الستار الذي خلفه يستمر قلب الاطراد وعكس عجلة الحراك الثوري إلى الوراء .وهكذا ، لقد أظهرت النكسة ان بعد حوالي خمسة عشر عاما من الثورة أن خطر القوى المضادة والمهددة بقلب مسار الثورة داخليا لا يقل عن خطر العدوان الخارجي .وان الاختيار الوحيد أمام الثورة وقائدها هو العمل في مقاومة كلاهما في نفس الوقت .
إن العمل السياسي لا يقوم به الملائكة وإنما يقوم به البشر، والقيادة السياسية ليست سيفاً بتاراً قاطعاً، وإنما هى عملية موازنة وعملية اختيار بعد الموازنة، والموازنة دائماً بين احتمالات مختلفة، والاختيار فى كثير من الظروف بين مخاطر محسوبة.إننا استطعنا - وهذه مسألة أخلاقية ومعنوية أعلق عليها قيمة كبيرة - أن نضع أمام الجماهير- بواسطة المحاكمات العلنية - صورة كاملة انحرافات وأخطاء مرحلة سابقة. وكان رأيى أن هذه مسئولية يجب أن يتحملها نظامنا الثورى بأمانة وشجاعة، وكان رأيى أيضاً أن الضمير الوطنى الذى أحس بأن انحرافات وأخطاء قد وقعت من حقه ومن مصلحته أن يعرف الحقيقة، وأن يخلص وجدانه من أثقالها، وأن ينفض عن نفسه كل رواسب الماضى؛ لكى يدخل إلى المستقبل بصفحة نقية طاهرة. ومع كل العذاب الذي حملته شخصياً وتحمله المواطنون معى خلال هذه العملية، فلقد بقي إيماني ضرورتها كإيمان طب الجراحة يقطع لينظف، ويبتر لينقذ.بدأت أولى خطوات الموازنة  بالفعل عشية النكسة وعقبها بأيام قليلة. حيث بدأت إجراءات التصحيح السياسي ومحاسبة المسؤولين عن أخطاء النكسة في يونيو 1967,الذي شهد صدور الكثير من القرارات والإجراءات التصحيحية . فمن جهة  : بدأت عملية إعادة تنظيم القوات المسلحة بتغيير القائد العام الجديد وتنحية جميع القيادات التى كانت موجودة فى هذا الوقت. وتغيير العناصر التي استغلت الوضع السياسى للقوات المسلحة، واتخذت من القوات المسلحة وسيلة لكي تجعل من نفسها مركز من مراكز القوى، وأيضاً العناصر التي كانت تقيم من نفسها طبقة عازلة فوق الجيش.وابعاد  العناصر التي أظهرت تجربة الاستعداد عدم كفاءتها، و العناصر التي ثبت بتجربة ميدان القتال أنها غير قادرة على المسؤولية،وكذلك بدأت  إجراءات تصحيح على مستوى الأداء الحكومي بإعادة تشكيل  الوزارة برئاسة عبد الناصر . ومن جهة أخرى بدأ كذلك  في سبتمبر 1967 إجراء تحقيقات فى إدارة المخابرات العامة و التحقيق مع عبد الحكيم عامر وبعض قيادات القوات المسلحة و حول النكسة العسكرية ثم في١٤ اكتوبر تشكيل محكمة ثورية لمحاكمة الذين تم التحقيق معهم فى قضية محاولة الاستيلاء على القيادة العليا للقوات المسلحة . و عندما تحركت مظاهرات العمال والطلاب في فبراير 1968 ، احتجاجاً على ضعف الأحكام التي صدرت بحق العسكريين الذين تسببوا بالنكسة،  أعادت تلك الأحداث تأكيد الحقيقة التي باتت واضحة للجميع منذ 9 و 10 يونيو 1967،وهي أن الجماهير المؤمنة بالثورة ومبادئها ما زالت يقظة وتطالب بالتغيير ويطالب بالحساب وأن حركة تلك الجماهير تدفع النظام وعلى رأسه عبد الناصر إلى إعادة تقييم موازين القوى المحركة للمجتمع ، ومراجعة اتجاهاتها بالنسبة للرؤية العامة للثورة.. ولم يكن خفيا أن القوة التي كانت تساند جمال عبد الناصر منذ اندلاع ثورته في يوليو 1952 هي البسطاء من أبناء الشعب العربي وكل المستضعفين في الأرض.وكأن الشارع المصري يؤيد بحراكه التلقائي ايمان عبد الناصر بأن أى نظام ثورة يستند على الجماهير وحدها لا يكفيه أن يكون الشعب وراءه راضياً ومؤيداً، وإنما هو يحتاج إلى أكثر من ذلك؛ يحتاج إلى أن يكون الشعب أمامه موجهاً وقائداً. وانه لا يجوز أن تقع الثورة في تناقض مع الجماهير صاحبة الحق في الثورة وصاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة أو أن تقع في تناقض مع العمال أو الطلبة أو مع جماهير الشعب العامل . وهكذا فان كلا من احداث 9و10 يونيو1967 وفبراير1968 اشعلت شرارة الانطلاق لمرحلة جديدة من النضال الوطني لتكتب بهذا الحراك مقدمة فصل جديد من فصول تجربة ثورة يوليو نحو التغيير الشامل .لم يري جمال عبد الناصر أي غضاضة أو تناقض أن تكون استجابته فورية لمطالب الطلبة. ولم يجري تقييم الاستجابة الفورية على أنها مظهر وإشارة على الضعف، أو على اضطراب العلاقة بين قائد الثورة وقطاع أساسي من جماهير الشعب العربي في مصر، أو أنها انتقصت من قيمة النظام الثوري.كانت ثورة الطلبة هي ثورة في إطار الثورة الأم ثورة يوليو، وعدم الرضا أو التمرد على أوضاع خاطئة امر قد أيده عبد الناصر: " عدم رضا الشباب في رأيي بأعتبره عدم رضا شرعي، وقدامنا ان احنا نختار بالنسبة لشبابنا، أى بالنسبة لمستقبلنا، هل نترك الشباب يعبر عن قلقه المشروع، ويشارك مشاركة إيجابية ويتحول إلى قوة خلاقة؟ أو نصد الشباب وندفعه إلى اليأس.. يصل إلى السلبية المطلقة أو تستبد به انحرافات الحضارة الحديثة؟ وكما كانت استجابته لأحداث يونيو 1967 فورية وحاسمة كانت استجابته لأحداث 24  فبراير أسرع وأكثر حسما " فتمثلت في اولا: في الاعتراف الفوري بأحقية وشرعية مطالب هؤلاء الشباب وفي أحقيتهم في التعبير عن غضبهم وآرائهم  فأمر بالإفراج فورا عن الطلبة الذين تم التحقيق معهم في تلك الأحداث وثانيا: الاستجابة والاستجابة لمطالب الشباب الفورية في  الغاء الاحكام في 27 فبراير 1968 وإعادة المحاكمات وثالثا: في أهمية الحوار معهم لإدراج أفكارهم وآمالهم في والتخطيط لذلك التغيير الشامل الذي فرضته طبيعة المرحلة، فعقد عدد من اللقاءات التي استهدفت الحوار المتبادل بين قائد الثورة وبين الجماهير وقطاع الطلبة حيث قام بتنظيم سلسلة من اللقاءات له شخصيا مع الطلبة وممثليهم ورؤساء اتحادات طلاب في منزله بمنشية البكرى وفي جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس وأسيوط والأزهر والاتحاد العام لطلبة المعاهد العليا وذلك قبل صدور بيان 30 مارس وبعده ..إن عبدالناصر أدرك بحسه السياسي أن الأزمة لم تنته بتلبية مطالب الشباب في إعادة المحاكمة، وان الازمة ليست فى حقيقتها أزمة أحكام لم يرتضيها الشباب والشعب. وأن الهزيمة لا ينظر إليها كهزيمة عسكرية مسئول عنها بعض العسكريين فقط ، وإنما هي أزمة حكم .وأن هناك هزيمة سياسية وانحراف عن مسار الثورة ومبادئ نضالها داخل نظامه .و تلك الهزيمة لا يمكن معالجتها بحلول عسكرية، بل بالكشف عن تلك الانحرافات ومحاسبة المسئولين عنها من جهة . ومن جهة اخرى ، فان حراك الشباب التلقائي ضد النظام يشير إلى وعيهم  وإدراكهم بقضايا وطنهم ، ويشير كذلك إلى إحساس هؤلاء الشباب إلى حاجتهم إلى المشاركة بفاعلية أكبر في العمل السياسي ، كما يلفت النظر إلى الخطر الكامن في قلة خبرة هؤلاء الشباب في العمل السياسي والذي  اشار في احدى خطاباته أنه لا يمكن تداركه إلا بالممارسة والتجربة . وكانت النتيجة برنامج عمل تغيير شامل يضع نصب عينيه مبادئ الثورة وميثاقها : " برنامج للتغيير يستجيب للآمال العريضة التى حركت جماهير شعبنا إلى وقفتها الخالدة يومى ٩ و١٠ يونيو، وهي الوقفة التي سأظل دائماً وإلى آخر لحظة فى العمر مؤمناً بأنها كانت بعثاً للثورة، وتجديداً لشبابها، وإلهاماً لا يخيب، وضوءاً لا يخبو أمام طريق المستقبل.إن التغيير المطلوب يجب أن يكون فكراً أوضح، وحشداً أقوى، وتخطيطاً أدق؛ وبذلك يكون للتصميم معنى، وتكون للإرادة الشعبية مقدرة اجتياح كل العوائق والسدود، نافذة واصلة إلى هدفها.أيها الإخوة المواطنون:إن المسئولية التاريخية للأيام العصيبة والمجيدة التى نعيش فيها، ونعيش لها، تطرح بنفسها علينا برنامج عمل له جانبان:الجانب الأول: حشد كل قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية على خطوطنا مع العدو؛ لتحرير الأرض وتحقيق النصر. الجانب الثانى: تعبئة كل جماهيرنا بما لها من إمكانيات وطاقات كامنة؛ من أجل واجبات التحرير والنصر، ومن أجل آمال ما بعد التحرير والنصر.الجانب الآخر من برنامج عملنا المقترح، وهو تعبئة كل جماهيرنا بما لها من طاقات وإمكانيات من أجل واجبات التحرير والنصر، ومن أجل آمال ما بعد التحرير والنصر.لكى يكون هناك ضوء كاف على طريقنا فإننى أريد من الآن أن أضع أمامكم تصورى لبعض المهام الرئيسية فى المرحلة القادمة من نضالنا:تأكيد وتثبيت دور قوى الشعب العاملة وتحالفها وقياداتها فى تحقيق سيطرتها بالديمقراطية على العمل الوطنى فى كافة مجالاته.تدعيم عملية بناء الدولة الحديثة فى مصر، والدولة الحديثة لا تقوم - بعد الديمقراطية - إلا استناداً على العلم والتكنولوجيا؛ ولذلك فإنه من المحتم إنشاء المجالس المتخصصة على المستوى القومى سياسياً وفنياً؛ لكى تساعد على الحكمإعطاء التنمية الشاملة دفعة أكبر فى الصناعة والزراعة لتحقيق رفع مستوى الإنتاج والعمالة الكاملة، مع الضغط على أهمية إدارة المشروعات العامة إدارة اقتصادية وعلمية.العمل على تدعيم القيم الروحية والخلقية، والاهتمام بالشباب وإتاحة الفرصة أمامه للتجربة.إطلاق القوى الخلاقة للحركة النقابية سواء فى نقابات العمال أو نقابات المهنيين.تعميق التلاحم بين جماهير الشعب وبين القوات المسلحة.توفير الحافز الفردى؛ تكريماً لقيمة العمل من ناحية، واحتفاظاً للوطن بطاقاته البشرية القادرة، وإفساح فرصة الأمل أمامها.تحقيق وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب."

لقد لخص بيان 30 مارس خطة عمل الإصلاح السياسى الداخلى فى مرحلة ما بعد النكسة ، التي حدد فيها إعادة بناء الاتحاد الاشتراكى وهو التنظيم السياسي الوحيد القائم فى ذلك الوقت وأن يتم ذلك بالانتخابات من القاعدة إلى القمة مما يشرك المجتمع كله من أول القرية إلى المدينة بهذه الانتخابات. مما يفسح مجالا أكبر لتدفق دماء جديدة شابة في العمل السياسي ويضمن لهم الممارسة والتجربة . كذلك تضمن بيان مارس إقامة أربعة مجالس قومية متخصصة: مجلس الدفاع القومي، والمجلس الاقتصادي القومي، والمجلس الاجتماعي القومي، والمجلس الثقافى القومى. وقيام المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى بعد اجتماعه بوضع مشروع دستور للبلاد تحمى مواده المكتسبات الاشتراكية والضمانات لحرية الرأى والتفكير والنشر والصحافة وحماية الملكيات العامة والتعاونية والخاصة وحدود كل منها بدوره على أن يطرح الدستور للاستفتاء بعد الانتهاء من معركة استعادة الأرض المحتلة. هذا بالإضافة إلى ما شهدته بالفعل تلك المرحلة الكثير من إجراءات التصحيح الداخلي وإعادة البناء قبل 30 مارس وبعده  أهمها على سبيل المثال لا الحصر : إعادة تشكيل الوزارة و الجديد فيها ضمها وجوها جديدة من النخبة المتخصصة من أساتذة الجامعات كان من بينهم د. عبدالعزيز حجازى وزيرا للخزانة، ود. حلمى مراد وكان معروفا بنشاطه الاجتماعى والسياسى بين الطلبة فى كلية حقوق عين شمس وتولى وزارة التربية والتعليم، ود. أحمد مصطفى للبحث العلمى ود. محمد حافظ غانم للسياحة وغيرهم.بالإضافة إلى تشكيل لجنة لدراسة الإصلاح المالى والاقتصادى، وتبحث موضوع أساسي هو زيادة الإنتاج. وتشكيل اللجنة الوزارية للتخطيط برئاسة عبد الناصر، وقراراً آخر بتنظيم وزارة البحث العلمى وتحديد اختصاصاتها وتكوينها والهيئات والمعاهد التابعة لها واختصاصاتها وإنشاء عدد من الهيئات أبرزها المعهد الفنى للقوات المسلحة، هيئة عامة للطيران المدنى تلحق بوزارة الإنتاج الحربى، ، معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية؛ لإعداد وتدريب أعضاء السلكين الدبلوماسى ، الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية.ولقد كان محتماً أن يسير مطلب الصمود الاقتصادى جنباً لجنب مع عملية إعادة بناء القوات المسلحة؛ فلم يكن فى استطاعتنا بغير اقتصاد سليم أن نوفر لاحتمال الحرب، ولا كان مجدياً أن نقف رابضين على خطوط النار بينما مقدرتنا على الإنتاج معطلة وراء الخطوط، وشبح الجوع يهددنا بأسرع من تهديد العدو لنا.وأثمرت المحاولات الجادة للإصلاح السياسي والاقتصادي عن نتائج سريعة وفعالة، اهمها تحمل ميزانية الدولة أعباء إعادة بناء القوات المسلحة بالإضافة الى الاستمرار في المشروعات القومية الكبرى وعلى رأسها استكمال بناء السد العالي وتشغيله واستكمال تنفيذ جزئي لمشروعات الخطة القومية للتصنيع ، حيث شهد عام 1969 افتتاح عدد من تلك المشروعات أهمها مجمع مصانع الألمونيوم بنجع حمادي - اكبر مجمع لصناعة الالومنيوم في الشرق الاوسط في ذلك الوقت - و مصنع الدرفلة الجديد وغيرها…  وأسفر لاول واخر مرة بتاريخ مصر ان يحقق فائض بالميزان التجاري فى عام 1969 فائضا بمقدار 46.9 مليون جنية (تقرير الامم المتحدة رقم 870 أ ) الصادر فى 5 يناير 1976 ودراسة الاقتصادى السوفيتى لوتسكيفتش عن الوضع الاقتصادى المصرى بالستينات .  ان تلك المرحلة  يمكن رؤيتها كمرحلة ثانية  لتطور ثورة يوليو ونضجها ، ففي المرحلة الأولى كانت الجهود مكرسة لإنجاز مهمات التحرر الوطني بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتصفية مرتكزات النظام القديم السياسية والطبقية وتصفية الوجود الاستعماري وكل ما زرع وخلف ، بل وتصفية القوى السياسية التي كان يرتكز عليها ذلك النظام أو تدور في إطار مرحلته. كما كان التوجه في الوقت ذاته الى تجديد بناء الدولة وترسيخ عملية قيام دولة عصرية حديثة "... التي لا تقوم بعد الديمقراطية، الا استناداً على العلم والتكنولوجيا... ". ، وعلى التخطيط ، وعلى بناء وطن حر وشعب مندمج وطنياً ، وعلى بناء مقومات الشعور بالمواطنية حياتياً ومصلحياً ، والشعور بالمشاركة ووحدة المصير لدى أبناء الشعب الواحد، وفي بناء القاعدة الصناعية والإنتاجية التي تساند هذا التطور على أساس من الاقتصاد الموجه الذي تمسك بزمام المبادرة فيه بالضرورة السلطة الوطنية...أما المرحلة الثانية فكانت إعادة توجيه للانحرافات التي حدثت في مسار الثورة، واستكمال للثورتين السياسية والاجتماعية، بإقصاء ومحاسبة بعض  الفئات الجديدة ممن شهدوا مولد الثورة حملوا رايات مبادئها ، ثم انحرفوا عنها، استسلاما لمطامعهم الشخصية وتحولوا من حماتها إلى أعدائها، والتي يطلق عليها مراكز القوى وتطهير النظام منها.  وفي نفس الوقت افساح الطريق لأجيال جديدة ممن شهدت سنوات الثورة ميلادهم ، اجيال من الشباب الوطني المؤمن بمبادئها وقيمها واحلامها لتشارك في صناعة المستقبل . وكلا الامرين لم يكن بالأمر الهين وخاصة في ظل الضغوط الهائلة التي تعرض لها النضال الثوري بعد النكسة ، ان ما جعل الامر ممكنا  هو ايمانا عميقا في صدر زعيم الثورة بـ"إن النكسات عوارض طارئة فى حياة الشعوب، لكن الشعوب دائماً أقوى من النكسات بإيمانها.. وبثباتها.. وبعملها وبنضالها وبتصميمها على التقدم مهما كانت العوائق.إن هذه الأمة العربية - وشعبنا بين شعوبها - قادرة، وهى أقوى من كل العوارض الطارئة، وهى أبقى من كل هذه العوارض"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمراجع :·        جمال عبد الناصر-  بيان 30 مارس 1968·        جمال عبد الناصر - خطاب الى  مجلس الامة 23 نوفمبر 1967·        جمال الاتاسي - اطلالة على التجربة الثورية لجمال عبد الناصروعلى فكره الاستراتيجي والتاريخي·        مالك بن نبي , مشكلة الافكار في العالم الإسلامي·        محمد فــؤاد المغازي - الثورة ... والثورة المضادة  ·        صلاح منتصر - كيف واجه عبدالناصر الأزمة؟
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 30, 2017 04:36

April 17, 2016

عندما كان التخطيط الشامل هو الحل .. مصر في الستينات

تعتبر تجربة التنمية المصرية في الستينات نموذجا لما يمكن للتخطيط العمراني الشامل ان يحقق من نهضة اجتماعية واقتصادية وسياسية ، .. فهي التجربة التي هدمت النظرة القاصرة للتخطيط العمراني بوصفه مجرد تقسيم للاراضي او انشاء للبنية التحتية للمدن وتعدتها الى افاق ابعد  ليشمل كل ما يُعْمَر به البلدُ من تجارة وصناعةٍ وبناء وتمدُّن وهو المفهوم الذي ثبتت فعاليته من خلال النتائج التي حققتها تجربة التنمية المصرية في الستينات ، فقد نجحت في تحقيق جزء كبير من خطة التصنيع الاولى ، و100 % من الخطة الخمسية الاولى 60-1965 وبدات بالفعل في تنفيذ الخطة الخمسية الثانية 65-1970 والتي  لم تعرقلها حتى ظروف الحرب وان كانت قد منعت من اكتمالها .. وفي ظل معاناتنا في الوقت الحاضر من غياب خطة تنمية قومية معتمدة على رؤية شاملة لمستقبل البلاد كانت حتمية الرجوع لتلك الفترة من تاريخنا وذلك : اولا  لاعادة النظر في مفهوم التخطيط العمراني  بالاستناد الى واحد من اهم الوثائق التي يعد خطة عمل قومية لمصر  وهو الميثاق الوطني .. وثانيا لالقاء الضوء على بعض النتائج الفعلية التي اسفر عنها تطبيق هذا المفهوم الاشمل للتخطيط العمراني والذي يتجلى بوضوح في الخطة الخمسية الاولى  .لقراءة المزيد »
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 17, 2016 01:19