أكثر مما يجب!
لا لَنْ أُهاجِرَ
حامِلاً رِئِتي بعيداً عن هوائِكِ يا بلادَ النّخْلِ
كيْ أشْكوكِ للأغرابِ ..
أو أُبدي العِتابَ وراءَ ظَهْرِكِ..
ما تَعَوّدْتُ الخِيانَةَ .. فاسْمَعي:
إنّي أُحِبُّكِ يا بِلادي
(إبراهيم محمد إبراهيم)
أشعر بغصة غريبة في حلقي كلما سمعت من صديق عن نيته في الهجرة. ليست خيارا مطروحا فيما يتعلق بمستقبلي. ورغم أنني أعرف أن الحياة هنا ربما من أصعب صور الحياة على الكوكب، لكنني لا أزال لا أفهم معنى أن ينسلخ أحدهم من محيطه فجأة، وأن يقطع جذوره بيديه.
هل أنا عاطفي أكثر مما يجب؟
ربما، لكن الأكيد أن آخر تجربة انسلاخ كهذه لي لم تكن تجربة جيدة مطلقا، فبعد عودتي من السعودية التي عشت فيها طفولتي وبدايات شبابي، عدت إلى مصر لأشعر بغربة الصحارى بين من يفترض أنهم أهلي. كنت أفتقد أصدقائي بشدة، وكنت أضيق ذرعا حتى بالتسميات المختلفة للأشياء الصغيرة. وكانت النتيجة أنني عانيت من فترة اكتئاب كنت أبكي خلالها بلا سبب واضح، أتلمس الاتصال بأصدقائي القدامى عن طريق الهاتف، وأسترجع الذكريات باستعراض الصور، وأتمسك باستخدام "محاية" بدلا من "أستيكة" و"مساحة" بدلا من الكلمة القبيحة "بشاورة".
هل أنا مثالي أكثر مما يجب؟
كنت أحيانا أسأل: هل يجوز أن نترك بلدنا جميعا إلى بلاد - لم يعد لنا فيها سوى الإهانة أصلا – مقابل المزيد من النقود، والمزيد من الغربة، والمزيد من التعب؟ وكان الأصدقاء ينظرون لي كأبله حين أحدثهم عن "الصالح العام" و"مستقبل البلد" و"الذين اختاروا الهرب في وقت البناء".
هل أنا متفائل أكثر مما يجب؟
دائما أكرر أن النجاح الكافي هنا خير مائة مرة من النجاح الفائق هناك. النجاح الكافي هنا صعب لكنه ليس مستحيلا، أو هكذا أعتقد. والمكان مليء حولي بمن استطاعوا صنع مستقبل جيد لأنفسهم وسط أهلهم وذويهم وفي وطنهم ببعض المجهود، واستطاعوا السفر – كسياح – إلى كل بلاد الدنيا دون غربة ودون عناء.
أم أن علي أن أواجه نفسي بالحقيقة، وأقول إنني كسول أكثر مما يجب؟ جبان يميل للعب في المضمون أكثر مما يجب؟ والأهم: أنني أكذب على نفسي أكثر – بكثير – مما يجب؟


