الرئيس اوباما .. لا اظنه يكذب
الحرارة شديدة الارتفاع .. والابتسامات شديدة البرودة .. مجمل انطباعي عن لقائنا الاخير .. مضجعا على الاريكة .. وقدماه على المنضدة كما عادته .. حييته .. مددت يدي لمصافحته .. ناولني طرف انامله .. رمقني بجفاء .. نظرات مثوتبة هوجاء .. قطعت المسافات .. وعبرت البحار والمحيطات .. بلدان ومطارات وتنقلات .. من اقصى البقاع .. شمال افريقيا .. ( واخرتها يسلم عليّ بروس اصابعة .. لو حسبته اخرتها هكي .. ما عفستها ) .. توقعت ان يأذن لي بالجلوس .. لكنه لم يفعل .. صعقني بالسؤال : راس حاجتك يا ليبي ؟ اصطكت ركبتاي .. تمالكت نفسي وقلت له .. معالي الرئيس اوباما .. رئيس دولة الولايات المتحدة الامريكية .. الدولة العظمى ورائدة العالم الحر .. وددت ان اجد من وقتكم لحظة انصات .. لإطلاعكم حول ما جرى بعد غيابكم الذي تحدثت عنه بخطابكم الموقر مؤخرا .. ونحن ايضا خالجنا الشعور ذاته .. وبان لنا انك سرحت بعيدا ومنذ زمن .. وتركت الحبل على الغارب .. واردنا ان نعرف حدود الدور الامريكي اليوم .. وحبذا شيء عن افاق مستقل العلاقة بين البلدين .. قاطعني .. رمقني بنظرة متجهمة .. زاوية العين .. اشار بإصبعه في وجهي وعيني .. وكأن السلطة اصابته بالجنون .. وقال .. ليس لدي وقت لاضيعه معك .. للسباحة في الفضاء صنعنا مركبات .. وها نحن نطوف الكواكب ونداعب المجرات .. ونراقص كرة الارض في الليلة آلاف المرات .. وانتم .. " حتى كرة القدم اللي هي طب بالرجلين .. مش نافعين فيها .. امشي تعلم طب الكورة قبل .. وتعال قابلني .. جايكم .. بس ما كنت فاضي السنوات الماضية .. انتهت المقابلة " .. خرجت في ذهول حاد ... كيف يحدث هذا ... بعد مشقة سفر طويل ورحلات .. وانتظار تليه انتظارات .. مقابلة لدقيقتين .. نهرني .. ولم يلتفت لاسئلتي .. وانا الذي ظننت ان جذوره الافريقية ستسعفني .. تأسفت .. فعلا .. شعرت بالحقره .. ولا ادري لما .. وبدا لي انه جاف في طبعة .. ولعله قاسيا حتى . في اليوم التالي .. من واشنطن الى ليبيا .. ( اللي جاء كفى .. سلامات اوباما .. سلامات امريكيا ) .. من عادتي لا اخفي اسرار خطواتي عن اصدقائي .. قال لي احدهم .. حمدالله على سلامتك .. تصدق بأي شيء دفعا للبلاء .. " دير صديقه .. حتى حبات حلوى قسمهن على العويله في الشارع " .. الصدقه تدفع البلاء .. ولو حضر .. وانت نجوت من كابوس .. كي لا يتكرر معك .. صديق اخر سخر مني .. وقال : انضم الى احد النوادي الرياضية .. وعندما تجيد " طب الكورة " اطلب مقابلته ثانية ؟ " تبي رفيق واتي ". للاسف .. زواريب عالم المستديرة بعيدة عني .. كل ما اعرفه عن كرة القدم .. ذات مرة وقع بين يدي كتاب عنوانه " ذاكرة سقراط " الفه لاعب برازيلي شهير .. اسمه الدكتور سقراط .. قلت : يستحق القراءة .. وشهد شاهد من اهلها .. واهل مكة ادرى بشعابها .. كتب يقول .. " كرة القدم لعبة رياضية فريدة مشـوقة ولع بها ملاييـن البشـر وخلطوا بينها وبين الحرب .. ومن المؤكد أن البشـر الذين ولعوا بكرة القدم وألتصقوا بها إلتصاقا مثيرا هم الذين وجدوا فيها مسـرحا رحبا لتفريغ ما سكن نفوسهم من إضطهاد وظلم وغبن ، ولذا كانوا يطلقون فى حماسـة تشـجيعهم شـحنات منزوعة من صدورهم دون وعى تعبر عن كراهية وحقد وتعصب وتدعوا الى العنف والصدام . . ومن المؤكد انهم استغلوا اسوءا استغلال . وربما دون أن يشعروا بذلك . .. يبدو أننى صـرت أجرؤ على التفكـير بصـوت مسـموع .. إن مجرد الإقـتراب من أية رياضـة مثيرة تمـولها مـئات الشــركات وتحـفـزها صـحافة باحثة عن عناوين جدابة ، هو إقتراب من نار مشـتعلة . لقد قلت ذات مرة لكاتب برازيلى كبير ، إننى أفتـش عن شـئ بعيد فى الملاعب ، فأجابنى دون تردد : ما تريده هو ما يلخص القاع الضـحل ، فتعجبت من رده العفوى ، وبقيت صامتا للحظات ، فوجـدها فرصة ســانحة ليقول كـذلك : أعرف مثلـك ، وربما أكثر اللالعاب الرياضـية بلغت حـدودا يصعب قبولها . افتتاحية الكتاب .. فصل عنوانه ( هل كذب الرئيس ؟! ) .. يتسأل ويضع اشارة العجب .. ( هل حقا ان التاريخ يمنح الولايات المتحدة دون غيرها خيارات الامل الذي يهزم الخوف ، والرؤية المتميزة التي تتغلب على الصعاب .. هذا ما قاله تماما الرئيس كلنتون في كتاب معبر عن ارائه ، وربما ما كان يهمنا هذا لو لم يربطه باولمبياد اتلانتا حيث قال : في الساعة الواحدة وخمس وعشرين دقيقة من صباح السبت 27 يوليو مزقت قنبلة بدائية الصنع الليل في منتزه سينيتينال الاولمبي بمنطقة الالعاب الاولمبية في مدينة اتلانتا ، فقتل من جراء الانفجار شخص واحد وجرح العشرات . وبهذا فقد وضع الحادث على طرفي نقيض ، افضل ما في الروح البشري مقابل الاسوأ . ففي اللحظة التي تضع العالم خلافاتها جانبا لتحتفي بتوق اللاعبين الاولمبيين لتحقيق افضل النتائج ، يحدث ما يذكرنا بأنه حتى عندما يكون الامر متعلقا بمناسبة كهذه يظل الجبن والشراسة بمثابة تحد ماثل باستمرار ، لمعتقداتنا وقيمنا .. بل حتى لحياتنا اليومية نفسها . والحال ان القنبلة وما اثارته من مشاعر الخوف لم تفلح في ان تفت من عضد شعب يمتلك قيما تتسم بالصلابة ، او تصيب بالعمى اولئك الذين يتمتعون بصفاء الرؤية ، او تدمر ارادة الذين صمموا على احراز النصر .. وبدلا من ذلك كله ، ادت هذه النكسة الى تعزيز قيمنا ورؤيتنا وضوحا ، فضلا عن انها قوت من عزمنا وتصميمنا . قدمت دورة الالعاب الاولمبية امريكيا في افضل حالاتها .. وكشفت امام العالم عن الصورة التي نرجو ان نبدو عليها باستمرار . فها هم لاعبون ينتمون الى دول واعراق واديان وقبائل مختلفة ، يقبلون بالقواعد التي تفرضها الالعاب ، ويمنحون خصومهم كل الاحترام والتقدير ، ويستبطنون انفسهم لاستخراج افضل ما في دواخلها . بل ان الدورة الاولمبية ذكرتنا بأنه حتى اجمل الاوقات تظل عرضة لقوى التدمير ، وكذلك كشفت لنا كيف نصوغ ردود افعالنا عليها ) ... يعقب سقراط على خطاب الرئيس : ( لم يذكر كلنتون في كتابه اية كلمة حقيقية عن احداث اتلانتا ولن يكون كلنتون صادقا في رؤيته هذه إلا اذا كان يتحدث عن اولمبياد آخر كانت تجري احداثه ولم يره احد غيره ) . كلنتون عبر عن ارائه ، وربما ما كان يهمنا هذا لو لم يربطه باولمبياد على رأي سقراط .. ولكن مهم ان نعرف ما اذا كان الرئيس كذب .. الشاهد سقراط يقول " ان الرئيس يكذب " .. لك ان تتصور .. رئيس الدولة العظمى الاولى في العالم .. راعية حقوق الانسان .. يكذب .. وماذا عن خلفه اوباما اذن ؟.. هل اوباما يكذب عندما قال ..غاب عنه الملف الليبي .. طوال السنوات الماضية ؟.. اوباما جذوره افريقية .. الناس الطيبيين .. دون محراث ودون تقعر او حذلقة .. واعتمادا على اراض يظن بها الفقر ، وبأدوات متواضعة .. تحت سماء رحيمة مكشوفة ، تجود الاراضي المنخفضة الخصبة بعطاء وفير .. الممارسة العملية الزنجية الافريقية .. الزنجى الافريقي يتفتح في دفء السافانا والغابات المدارية .. مبرأون من رغبة السيطرة لكنهم يلعبون لعبة العالم .. العاطفة زنجية .. يقول الاديب سنغور .. لقد كتبت مرار ان العاطفة زنجية ، فلا منى البعض على ذلك . وكانوا مخطئين .. هؤلاء هم اسلاف اوباما .. فلا اظنه يكذب . خلاف ذلك .. لا اظنني احتفيت بمشاهدة مباراة لكرة قدم يوما ما كاملة .. اذكر مباراة جرت في طرابلس .. فيما اعتقد عام 1982 .. كنت في طرابلس .. وكرة القدم ..حديث الناس .. والحدث ان ليبيا ترشحت للمبارة النهائية في دورة كاس افريقيا بطرابلس .. وابلى حارس غانا طويل القامة بلاءا مميزا .. عبر شاشة التلفزيون .. تابعت ايضا كيف تحسر الليبيين لحظة اختطاف غانا للكاس .. وتأسى شاعر يرثي الحال .. ( خدو كاسنا وانت غلاك خدانا .. يا اللي طويله كيف حارس غانا ) . المهم .. بعد ما شفت وريت .. وزنتها .. وقلت : بلاها كرة القدم .. خدو كاسنا.. العوض في الجايات .. ومقابلة بهذه الجفوة .. وكأنه " مستقصر حيطك يا بنادم .. بلاها حتى هي .. اطلق عبستك وشد خبزتك " . راس الخيط .. ولمن يفكر في مقابلة اوباما .. ( دير في حسابك .. طبعه جاف شوي ) .. لكن .. لا اظنه يكذب .
Published on May 12, 2016 23:58
No comments have been added yet.
عبد القادر الفيتوري's Blog
- عبد القادر الفيتوري's profile
- 11 followers
عبد القادر الفيتوري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

