مساءلة المرحلة، وأدب الرحلة

http://goo.gl/aDWjpS
تمرُّ الأيام مرَّ السحاب، يحسبها المرء جامدة جلدة؛ وهي تحفر فيه ندباتها وخلجانها: حلوَها ومرَّها، حبيبَها وبغيضَها؛ فاليومُ ليس كالبارحة، والغدُ لا يتلبس لَبوس اليوم؛ والأيام دولٌ وحظوظ، وهي أرزاق وأنصبة وخدود؛ ولكلٍّ من حياته ما ملك، وعليه ما هلك واستهلك؛ وفي الناس سابق للخيرات، ومنهم مقتصد، ومنهم ظالم لنفسه مبين.
فإن لم تعمل في وقتك عمل فيك، وإن لم تبادله الجهد والاجتهاد، أجهدك بالدون والهون، وأذاقك جهد البلاء ودرَك الشقاء؛ فانظر ماذا أنت فاعل؟ ولا تقل: فات الأوان.
ولقد شددتُ الرحال منذ أيام لتفكير مديد، ونظرٍ في "معنى المعنى" جهيدٍ؛ وقلَّبت الفكرة بالفكرة، فانقلبَ عليَّ بعضها ظهر المجنِّ، وأسلس لي بعضُها الآخرُ القياد، وما بين تلك وهاتيك "خرط القتاد".
ترى، هل أنا ورقة خريفٍ، تعبث بها الرياح العاتيات لتهشِّمها وتردي بها أرضًا؟
أم أنيَ حجرٌ ثابتٌ صلدٌ، لا يغادر مكانه، ولا يستجيب لداعي الأنهر، ولا لاستفزاز الصرير؟
أم قد أكون تلك الرياح الطائشة، فأحمل معي ما يعترض سبيلي، ولا أبالي؟
غير أني كلُّ ذلك وجميع أولئك، ساعةً وساعةً: فحينًا أقسو وحينًا ألين؛ وحينًا أبلو وحينًا أبتلي؛ وحينًا أحضُر وحينًا أغيب؛ وحينًا أضعُف وأخرى أستقوي... وهكذا دواليك، "والأيام دولٌ، والدهر قلَّب"...
أسمو وأبادل الملائكة التحية يومَ أقترب من ربي، ثم أهوي وأعاند الشياطين مكرهم يومَ يرين قلبي، ثم أكابد السير بين عالٍ وسافلٍ في قصَّة لا تنتهي... خيوطها بيدي، ومسرحها رهن إشارة غيري، والجمهور ما بين مصفِّق ومصفِّر، وقابل ورافض... "لا ينام على جنب واحد"، و"لا يستقرُّ على حال"...
ألازم الكتاب لساعات، قارئا ومعيدا، محللا ومركبا، ثم مسقطا ما فيه من معاني على خط الزمن، سلبا وإيجابا، رفضا وقبولا؛ ولقد أطيل التفكير وأديمه لأيام، وكلَّما وجدت من نفسي فتورا، أو قرأت في عقلي احتجاجا؛ تذكرتُ أنَّ حبيبي عليه الصلاة والسلام لازم حراء سنوات، ولا أحد من العقلاء المنصفين عدَّ تلك الأعوام ضياعا، أو صنفه في خانة الفراغ؛ لكنها في حقه شحن وعمار، واستعداد وإعداد، وتزكية وتصفية، وترشُّح وتوفُّز...
أسأل مَن معي: هل إذا لم يمرَّ مشروع بعقل وفكر يرجى نُضجه، ويُنتظر خيره، ويُستبشر بغده وعقِبه؟
لا أحد يقول خلاف ذلك، أو يعتقد نقيض ذلك؛ لكنَّ السقوط، والحيرة، والتردد، يقع في "كيف": كيف لنا أن نتحوَّل من حالة "اللاعلم" إلى حالة أساسيةِ العلم؟ كيف نقنع من حولنا وما حولنا ببديهية لا يختلف فيها اثنان؟ كيف نوقف قاطرة "الرداءة والاستسلام للأمر الواقع" لنقلع طائرة الجودة والسداد وحسن التخطيط والفعل؟
كيف؟
الجواب لم يخفَ، ولن نتنازل عنه شرو نقير؛ ولكننا نراوده، ونأتيه من كلِّ جهة، متوكلين على الله؛ مدركين أنَّ الزمن كفيل برجع الصدى، وأنَّ النية إذا صدقت فلا عائق يوقف سير العمل... ولذا، كان الحوار ولا يزال مع النية، ومع حسن التدبير، وفي ذلك لا نني ولا نتعب من الدعاء والتذلل للعليم الخبير.... سبحانه.
4 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 25, 2016 06:41
No comments have been added yet.