بمناسبة "عودته" إلى الفايسبوك: كلمة عن الأستاذ علي الصوفي: داعية فريد إلى الله المجيد.


بمناسبة "عودته" إلى الفايسبوك:
------------
كلمة عن الأستاذ علي الصوفي: داعية فريد إلى الله المجيد .

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي وآله. 
يقول ربنا جل جلاله: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.)
فبيّن لنا سبحانه أن أفضل العباد من دعا إلى الله، عن علم وصدق حال. لذلك كان نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إمام الدعاة، وكان هو المقصود الأول في الآية، لذلك قال الحسن البصري كما في تفسير القرطبي: "هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحبّ الخلق إلى الله. أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين. فهذا خليفة الله." 
وقد ورث الأولياء العارفون الكاملون الرسلَ والأنبياءَ في هذه الدعوة الخالصة إلى الله تعالى. فهم على أقدامهم سائرون وبمنهجهم مقتدون. 
إن الدين كما فسّره نبينا العظيم في حديث جبريل درجات ثلاثة: الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان. لكن الأمة اهتمّت أساسا بمقام الإسلام، حتى نسيتْ غيره. بل إن معظم العلماء لا يعرفون الإحسان حقّا، لذلك إذا تكلموا فيه لم يأتوا بطائل، لأن مقام الإحسان مقام ذوقي لا مدخل فيه للعقل، ولا سبيل إليه بالتعلّم الكسبي. ألا ترى أن نبينا وصفه بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك؟ وكيف تعبد الله كأنك تراه؟ لذلك كان ما أجابوا به قاصرا لا يخفى قصوره عند أدنى تأمل.
لذا قال القشيري: "قد جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه وفضّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه." وقدّم الغزالي أيضا الأولياء على العلماء.
وقد أجاب الفقيه ابن رشد الجدّ -من كبار مجتهدي المذهب المالكي حتى إن الشيخ خليل اعتمده في مختصره- حين سُئل عن المفاضلة بين العارف والعالم في كلام القشيري والغزالي وغيرهم، فقال: "لا يشك عاقل أن العارفين بما يجب لله من أوصاف الجلال ونعوت الكمال، وبما يستحيل عليه من العيب والنقصان أفضل من العارفين بالأحكام. بل العارفون بالله أفضل من أهل الفروع والأصول، لأن العلم بشرف المعلوم وبثمراته. فالعلم بالله وصفاته أشرف من العلم بكل معلوم من جهة أن متعلـَّقه أشرف المعلومات وأكملها، ولأن ثماره أفضل الثمار، فإن معرفة كل صفة من الصفات توجب حالا عليه، وينشأ من تلك الحال ملابسة أخلاق سنية ومجانبة أخلاق دنِية.."
ثم استطرد قائلا: "ولاشك أن معرفة الأحكام لا تورث شيئا من هذه الأحوال، ولا من هذه الأقوال والأعمال. ويدل على ذلك الوقوع، فإن الفسق فاشٍ في كثير من علماء الأحكام، بل أكثرهم مجانبون للطاعة والاستقامة.. الخ."
ونبّه أيضا على أنه لا يعني بالعارفين المتكلمين علماء الكلام والعقيدة.
ثم واصل الاستدلال، فكتب: "العارفون أفضل الخلق وأتقاهم لله سبحانه، والله سبحانه يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ومدْحُه تعالى في كتابه للمتقين أكثر من مدحه للعالِمين. وأما قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)، إنما أراد العارفين به وبصفاته وأفعاله دون العارفين بأحكامه. ولا يجوز حمل ذلك على علماء الأحكام، لأن الغالب عليهم عدم الخشية، وخبر الله تعالى صِدق، فلا يُحمل إلا على من عرفه وخشِيه، وقد روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ترجمان القرآن. " 
أما تفضيل العمل المتعدي على القاصر، فقال ابن رشد: "أما قول من يقول العمل المتعدي خير من العمل القاصر، فإنه جاهل بأحكام الله تعالى." ثم بيّن أن في الأمر تفصيلا، فتارة يكون أفضل وتارة لا يكون. 
قال: "ومما يدل على فضلهم على الفقهاء ما يجريه الله تعالى عليهم من الكرامات الخارقة للعادات، ولا يجري شيء من ذلك على الفقهاء إلاّ أن يسلكوا طريق العارفين ويتصفوا بأوصافهم." وشرح أيضا أن المعرفة لا تُنال أو لا تكون لشدة عبادة، فذكر مثال أبي بكر، ثم مثال الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه، لذلك حين اعتبر قومٌ أن عبادته عليه السلام قليلة أوضح لهم أنه أعلمهم بالله وأخشاهم له.. فليس كثرة العمل هو المعرفة وإلاّ كان نوح يُقدّم على نبينا.
رحم الله ابن رشد ما أفقهه وما أشدّ إنصافه. فلتُنظر فتواه كاملة في في فتاويه ومسائله (ص1624)، وأصلها في معيار الونشريسي. 
كذلك حكى العالم الكبير ابن عجيبة في فهرسته ص 41 خلاف الناس في أيّهما أفضل العالم أم الولي، فقال: "منشأ الغلط عدم التمييز بين الولي والصالح، فلعله عندهم شيء واحد، وليس كذلك. فالولي هو من ارتفع عنه الحجاب حتى دخل مقام الشهود والعيان وفُتحت له ميادين الغيوب، فلم يحجبه عن الله شيء. والصالح من صلُحت ظواهره بالتقوى وعمّر أوقاته بالطاعة. فلا شك أن هذا: العالِمُ أفضل منه. وأما الولي الذي ارتفع عنه الحجاب فلا أحد أفضل منه إلاّ مقام النبوة والرسالة، لأنه في مقام الصديقية التي تلي درجة النبوة. ولعل هذه الدرجة هي التي أشار إليها عليه الصلاة والسلام بقوله: (من مات يطلب العلم ليس بينه وبين النبوة إلاّ درجة واحدة). (رواه الطبراني وغيره). فتكون الدرجة التي بينه وبين النبوة هي درجة الولاية. وهي درجة الصديقين. فالمقامات أربعة: مقام الرسل والأنبياء، ثم الأولياء، ثم العلماء والشهداء، ثم الصالحون."
مِن هنا تفهم لماذا يتواضع العالِم الكبير، مع شهرته ورسوخه في العلم، للوليّ العارف مع أنه قد يكون أميّا في الظاهر أو لم يتعلّم كثيرا أو مغموراً خاملَ الذّكر، وتفهم لماذا يأخذ عنه العلمَ بالله سبحانه خاصة. 
إن وراء هذه الظواهر في الحياة أسرار وحقائق أخرى. وفي المثل الفرنسي: الظواهر خدّاعة les apparences sont trompeuses
ومن هؤلاء الدعاة إلى الله، على بصيرة ومعرفة: أخونا وصديقنا الكبير علي الصوفي.
فهو آية من آيات الله في زمننا هذا. رزقه الله العلمَ به وبصفاته وأسمائه وأفعاله وآثاره بما لا مثيل له إلاّ بأندر النادر. 
قد سخّره الله سبحانه للدعوة إليه في عالم النت خاصة، فهو فارس الشبكة العنكبوتية بلا منازع.. لذلك كان ديدنه من عشرين سنة في كتاباته بالمنتديات والمواقع هو الدعوة إلى الله وبيان الطريق والتحذير من العلل والعوائق ورفع الهمة... لا يدعو لنفسه ولا لشيخ ولا لطائفة ولا لجماعة ولا لشيء... سوى الله..
عرفتُه من سنين، فوجدته فانيا في محبة الله، بالغا مبلغا عظيما في معرفته.. لدرجة لا يمكن لأمثالنا تقديرها. حتى إن حاله غريب، فهو معنا وليس معنا، هو داخل الكون وخارجه في آن. كأنه ينادينا إلى الله من مكان بعيد. لذلك تجد المعلومات الشخصية عنه قليلة جدا، وكذلك صوره الشخصية نادرة أيضا.
وإن قول الورتجبي يصدق صدقا تاما على صاحبنا أ.علي، حيث قال في تفسير الآية السابقة: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله، أي: مِمّن عرف الله بعد أن رآه وأحبّه واشتاق إليه، ودعا الخلق إليه، من حيث هو فيه وصدقه في حاله، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال، وصدق المقال، وحلاوة الأحوال، ويذكر لهم شمائل القِدم وحق الربوبية، ويُعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويحبب الله في قلوبهم، وهذا عمله الصالح. ثم يقول بعد كماله وتمكـّنه: إنني واحد من المسلمين، من تواضعه ولطف حاله خلقا وظرافة، وإن كان إسلامه من قصارى أي: غاية أحوال المستقيمين."
وأنتَ لن تعرف قدر صاحبنا وعلوّ مقامه وسعة علومه -وكل ذلك من فضل الله عليه لا أثر له فيه بتكسّب أو تكلّف-.. إلاّ إذا عرفتَ أيضا أن معظم من يكتب في هذا المجال إنما يكتب بعقله وفي حدود معرفته وقراءاته -من الكتب خاصة-، ولا ذوق له في الطريق.. بل أكثرهم لمّا يُفتح عليه بشيء، فهُم مبتدؤون، أحسن أحوالهم أنهم سالكون. هؤلاء قد يخفى حالهم على معظم القرّاء، لكنهم لا يخفون على أهل هذا الشأن. 
ولو اقتصروا على الدعوة إلى دين الله وشريعته كان أوْلى لهم، أما الحديث عن السلوك إلى الله فمن شروطه الوصول والإذن. وفاقد الشيء لا يعطيه. وفي كتاب الإحياء: المقتدى به هو الذي استقام في نفسه، واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره، لا من يظهر خلاف ما هو عليه ليقتدى به، فإنه ملبس، لم ينصح لنفسه، فكيف بغيره؟
إن الداعي إلى الله حقا هو: الذي "يكون عنده علم تام بالله وصفاته وأسمائه، ذوقا وكشفا، وعلم بآفات الطريق، ومكائد النفس والشيطان، وطرق المواجيد، وتحقيق المقامات، كما هو مقرر في فنه، وهذا الداعي لا تخلو الأرض منه على الكمال، خلافا لمن حكم بانقطاعه. والله تعالى أعلم. " هذه عبارة ابن عجيبة في تفسير "البحر المديد" اقتبستها منه. وأنا على يقين من أن السيد علي الصوفي من هؤلاء الذين لا تخلو منهم الأرض.. مع أنهم قلة قليلة.
وقد كان للأستاذ علي بعض النشاط في الكتابة والحوار على الفايسبوك، ثم تركه منذ سنتين، وله رأي معروف فيه وفي وسائل التواصل الاجتماعي عموما أنها قليلة البركة والفائدة، وأنها من الدجل المعنوي، حيث ظهور روح الدجال يسبق ظهور شخصه. لكن بسبب توقف منتدى رياض الواصلين للصيانة، وبسبب تمسّك أكثر الناس بالفايس حتى كأنه سحرهم، وبسبب كثرة إلحاح الأحباب عليه بالرجوع وإفادة الحيارى والتائهين، وما أكثرهم... لذلك ولغيره قبل العودة (المؤقتة؟) إلى الفايس. 
إن عاد أ.علي عاد مكرها للضرورة، فهو نزول وتنزّل إلى الناس حرصا منه على ما ينفعهم.. 
ذاك روح الدعوة وجمالها.. وتلك أخلاق الأنبياء في أممها، كما قال ربنا في سيدنا: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتّم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم).
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 27, 2018 16:10
No comments have been added yet.


إلياس بلكا's Blog

إلياس بلكا
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow إلياس بلكا's blog with rss.