صباح معطر بالذكرى


 في هذا الصباح ذهبت إلى منزل عائلتي.. ذهبت بخطى بطيئة إلى ركن محدد في المنزل مرت سنوات طويلة وهذا الركن مغلق تمامًا ولا يمكن أن يقترب منه أحد سواي
اليوم قررنا أن نُخرج كل الأشياء التي سنستغنى عنها قبل أن ننتقل إلى بيت أخرونترك هنا الذكريات والأمل والحلم والحب والدموع والحزن وسنوات العمر!افتح اوراقي القديمة واضعها أمامي، تواجه حنينيهنا كتبت أحلامي، ونقشت وجمعت الكثير من هواياتي 
هنا كتاباتي وأوراقي وكتبي
وهنا اسماء اصدقائي القدامىوهنا أسماء أخرى لم أعد أتذكر تعود لمنعلى الرغم من أنهم نعتوني بألقاب من المفترض أن تكون هي الأقرب مثل "حبيبتي.. صديقتي.. أختي"!ولكن من قال أن الألقاب تلتصق بنا طوال العمر؟ من قال إنها تنبع من القلب؟
فتحت حقيبة صغيرة، لم أجد بها سوي زهرة ياسمين جافة ورائحة عطر ملئت الغرفة حوليشعرت إنني عدت إلى عشرون عامًا ماضيةفي تلك الحقيبة تُركت الهدية الأولى التي جائتني من معجب ماظللت ابحث لأيام طويلة عن هذا المحب المجهول حتى تعرفت عليهواجهني يومها ولم ينطق بكلمة واحدةولكنني تعرفت عليه من رائحة عطره المميز الذي تعمد نثره في كل زوايا هداياه وأوراقهوإلى اليوم لم استطيع أن أعرف اسمهولم اشتم العطر نفسه مرة أخرى، وكأنه صنع من أجله فقط.. ومن أجلي!
كنت صغيرة لم اتعدى الخامسة عشر عامًا وكان يكبرني بنحو اربع سنواتنظراته كانت توحي بالحب، ولكنني كنت أصغر من أن أعي ذلك حينهاظلت نظراته ترسل لي محبة تسع الكون، وعطره تربع داخل ذاكرتي وقلبيولا أعرف حتى الآن كيف احتفظ هذا العطر برحيقه طوال تلك السنوات وظل مختبئ هنا ينتظرني؟!أم أن ذاكرتي هي التي تلاعبني لعبة الحنين المعتادة واستطاعت أن تعيد لي رائحة هذا العطر المميز بشكل افتراضي؟!
تركت الذكريات وعدت إلى الحاضرلأجد في وسط دفاتري ورقة أخرى كان أرسلها لي المعجب ذو العطر المميز نفسهوكتب لي فيها: "ستظلي أنتِ الحب الأول مهما مرت السنوات"
مع أمضاء باسمه للمرة الأولى والحرف الأول من اسمي بجانبه
كانت محبتة خالصة وخضراء زاهية لم استطيع أن استجيب لها وافهمها بالقدر الكافي في هذا العمر الصغيراسماني ياسمين على الرغم من أنه لم يكن اسميولكنه وصفني بالنقاء كـ لونها، فأحببت الاسم وربما أحببته!
بعد هذا الصباح وفي صباح أخر.. رأيته! وكأن زهرته وعطره ورسائله كانوا نداء حتى يلبي القدر لقائنا!لم تتغير ملامحه، ولا يمكن التوقع مطلقًا أن هذا الشخص نفسه يقترب عمره من الأربعين
فيبدو أن قلبه المحب الزاهي كان سبب لتبقى ملامحه نقية كما هي
وكأن العمر لم يمر فوقها.

نظر إلىّ دون أن ينطق بكلمة واحدةونظر إلى أطفالي الذين كانوا يلعبون أمامي.. وأبتسمعلمت أنه لم يتزوج حتى الآنوكأنه يرسل إلىّ رسالة خفية أنني مازلت الحب الأول بقلبه.. وربما الأخير! وأن عطره الباقي في خزانتي منذ سنوات طويلة كان قطعة محبة مجسدة من قلبهلا يمكن أن تنضب رائحتها أبدًا.


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 03, 2023 10:04
No comments have been added yet.