الحسينى أبو ضيف.. الثائر الذى لا يموت أبداً
-1-
كان متعجلاً، وكأن شيئاً ينتظره هناك بعيداً، فى آخر مقابلة قال لى: سأسافر، ومضى مسرعاً برفقة سيدة عربية كانت معه، على وعد بلقاء قريب.. لم يتم.
-2-
فى غرفة متواضعة كما يليق بمناضل، على مشارف حى الهرم، أقمت برفقته شهرى يوليو وأغسطس، جهاز الكمبيوتر هو كل ما يربط الغرفة بالحداثة، لم يكن يستخدم توتير وفيس بوك كوسيلة للترفية، بل كانا يمثلان له مرحلة النضال الليلى، بعد أن يفرغ من المسيرات والاحتجاجات اليومية، التى كان يقف فيها وحيدا فى مرات كثيرة، كان يقوم بكتابة مقالات تساند الثورة وينشرها على مدونته الخاصة، ثم يرسلها لكل المتابعين له على مواقع التواصل الإجتماعى، كان يقوم بهذا الفعل كل يوم حتى الفجر، بعدها يصلى – كان يصلى ولم يكن كافرا يا إخوان- ثم ينام، وأذكر قضية الصحفية شيماء عادل، موقفه منها ونضاله وقيادته لاعتصام السفارة السودانية، جعلنى أسأله عن سابق معرفته بها، وكان الرد مفاجىء، هو لا يعرفها، لكنه رأى أنها قضية وطنية بإمتياز، وعلى كل الجماعة الصحفية التضامن ليس بالقلم فقط، بل أيضا النزول للشارع والنضال ممن أجل استرداد الكرامة الضائعة..
-3-
منذ ما يزيد على أربع سنوات، ألتقيته فى مقهى البورصة، بصحبة زميل، وكان التعارف الأول بيننا مفتاحه عبد الناصر والتقدير لمسيرته الوطنية ومنجزه الاجتماعى الفذ، ومن حينها أراه فى كل الفعاليات الوطنية، قبل الثورة وبعدها، يدافع عن مصر وعن “الناصر عبد الناصر”، وعن حلم الفقراء فى وطن عادل، حر، ديمقراطى، لا يميز بين مواطنيه ولا يفرق بينهم، ويوفر لهم سبل الحياة الكريمة.
-4-
جاء غاضبا فى أحد الأيام قبل احتفالية عيد ميلاد الشهيد مينا دانيال المزمع إقامتها فى الحادى والعشرين من يوليو بميدان التحرير، وقال إن مجموعة من النشطاء يريدون مهاجمة “الناصر عبد الناصر” خلال الحفل مستغلين اسم الراحل العظيم مينا دانيال، ولذلك تم تأجيل الحفل من الحادى والعشرين “عيد ميلاد مينا” إلى الثالت والعشرين “ذكرى يوليو”، وبعد نشاط إلكترونى جبار كالعادة، نظم “بمفرده” احتفالية موازية فى ميدان التحرير أيضا لمينا وللثورة، وبذل مجهوداً خرافياً ليكون الحفل على مستوى الذى يليق بمينا وذكرى يوليو.
-5-
إيمانه بالثورة والفقراء لم يكن عادياً، الحلم للوطن تحول إلى مشروع حياة، كل وقته لمعارضة مبارك ثم للدفاع عن الثورة بعد ذلك، لم تكن له اهتمامات غير الثورة أولا والجريدة التى يعمل بها ثانيا، لم يكن يدخن حتى، شارك تقريبا فى تأسيس معظم الحركات الثورية الشبابية فى زمن المخلوع مبارك، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، متخليا عن أيديولوجيته الناصرية، من أجل بناء تحالف معارض قوى يمكنه كسر حاجز الخوف لدى المواطنين، ونشاطه فى حركة كفاية معروف للجميع، كان فى مرات يقف وحيدا يرفع لافتة على سلم نقابة الصحفيين، وللمفارقة كانت هذه الوقفات قبل الثورة من أجل الاحتجاج على محاكمة قيادات من جماعة الإخوان المسلمين عسكرياً، دافع عنهم وهم أسرى فى سجون مبارك، وساهم فى وصولهم للحكم، فكان جزاءه رصاصة فى الرأس، يا إلهى من أى أم شريرة رضعت هذه الجماعة المجرمة حليب الكراهية والغدر والخسة.
-6-
كالماء، نقيا كان، هو واحد من الأحلام الجميلة التى ينزفها هذا الوطن بمنتهى الرعونة، هاتفته فى اليوم المشئوم عند الرابعة عصرأً، بعد أن وراينا الثرى الرفيق هيثم منير، لكى يحاول أن يحصل لنا على تقرير الطبيب الشرعى الخاص بهيثم من مشرحة زينهم، كان فى طريقة من النقابة إلى التحرير، قال أن هناك اشتباكات مع الباعة فى الميدان وأنه ذاهب للاطمئنان على الثوار، أعتذر بلطف لأنه لا يعرف أحدا فى “زينهم”، وقال أنه سيقوم بطلب ذلك من أصدقائنا المحامين.
-7-
قال لى أنه يفكر فى أمران، الزواج أو شراء كاميرا، بكل ما بحوزته من نقود بعد رحلة كفاح فى القاهرة، أربع سنوات نضال وشقاء وتعب، قلت له الزواج طبعا والكاميرا “بعدين”، فى اليوم التالى دخل علىَ الغرفة يحمل الكاميرا، وكان فى أشد لحظاته سعادة وهو يقوم بتجربة الكاميرا الجديدة التى تسببت فى استهدافه من قبل إخوان الإجرام والقتل والدم بعد أن قام بفضحهم على شبكات التواصل الاجتماعى وتعرية كذبهم وكشف زيفهم.
-8-
يقول محمد الماغوط
” أيها الحسين المتناثر هنا وهناك، سأستردك من النوافير والصنابير والأقداح وقدور الحساء في المطابخ، ومطرات الجنود في المعارك وغرف الإغماء والإنعاش في السجون والمستشفيات”
-9-
وكأنك ما غادرتنا..
أنت هنا..
وستظل..
-10-
المجد للشهداء
والعار للقتلة، لصوص الثورة، دم الحسينى أبو ضيف سيطاردكم، حتى فى أحلامكم.
ونقسم بالله وبالوطن وبدم أحبابنا.. لن ننسى ولن نغفر.
newest »
الله يرحمه
حسين البدري's Blog
- حسين البدري's profile
- 7 followers

