ممنوع من النشر: الكرة الآن في ملعب قطر


كثير من التوترات شابت العلاقات القطرية الخليجية، ولا يبدو أنها في طريقها للتحسن، على الرغم من أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة لأمير قطر كانت تدعو لتحسن متوقع في العلاقة بين قطر وكل من السعودية والإمارات والكويت. الكرة الآن باتت في ملعب قطر، في ظل معطيات جديدة للربيع العربي تختلف تماما عن تلك التي كانت تشكل ملامح الثورات قبل ثلاثة أعوام، وهي الآن في يد أمير جديد في الدوحة، يفترض أن له توجها مستقلا نحو قضايا المنطقة.


الملاحظ في تداعيات أزمة خطب القرضاوي المنبرية التي انتقد فها الإمارات عدة مرات بشكل مباشر ثم بشكل ضمني الأسبوع الماضي، أن الإمارات الآن بانتظار بادرة تكشف غموض الموقف القطري من شيوخها في ظل استمرار القرضاوي في لوم الحكومة الإماراتية إزاء الموقف في مصر خصوصا، وحربها الصارمة على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي اتهمته أبوظبي بمحاولة إثارة انقلاب في الداخل بأيدي عناصر إماراتية الجنسية وأخرى عربية تدين بالولاء لمرشدها الأعلى وفيلقه السياسي في القاهرة. ويبرر الترقب الإماراتي لرد فعل يعيد الأمور إلى نصابها بين الجارتين والشقيقتين التاريخيتين، ما أشار إليه تصريح الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي من تأكيد على الروابط الأخوية التي تربط البلدين، وامتداحه أمير قطر الشيخ تميم في تصريح راهن، عقب استدعاء خارجية الإمارات السفير القطري في أبوظبي على خلفية خطبة للقرضاوي.


وعلى الرغم من قيام الشيخ تميم بزيارة للإمارات تؤكد حرص قطر على علاقتها بجارتها، إلا أن عودة القرضاوي للتلميح المتهكم والاستفزازي ضد الإمارات في خطبة أخرى، أعاد كل التحركات نحو حل المشكلة إلى نقطة الصفر، وزاد من حدة التوتر في العلاقة إصرار قطر على تبرير حق القرضاوي في قول ما يشاء من باب احترام الحريات. ذلك المبرر تراه الإمارات واهيا فيما يبدو، مقارنةً بما برز أنه قرار سياسي قطري بحبس الشاعر الشعبي محمد بن الذيب على خلفية قصيدة “الياسمين” التي انتقد فيها نظام بلاده، مما يشير في نظر المراقب أن قطر تكيل مسألة الحريات بمكيالين، وهو ما يؤكد شكوك الإمارات إزاء الموقف القطري منها. ويفاقم من الأزمة في العلاقة ويدفعها بعيدا عن التحسن، حرب شعبية شعواء تجري بين القطريين والإماراتيين في صفحات التواصل الاجتماعي، بلغت حد الإساءة للرموز السياسية والاجتماعية، في ظل اتهامات متبادلة من الطرفين، أن ما يحرك تلك الإساءات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وبينما عكست تصريحات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد ما يلمح لبراءة يد حكومة الإمارات من تلك الإساءات، فإن قطر لم تخرج بتصريح يعفيها من المسؤولية عنها، الأمر الذي يجعل الموقف القطري أكثر غموضا وشبهة.


لا شك أنه لم يعد خافيا أن خط السياسية الإقليمية القطرية يتعارض بشكل واضح مع خط سياسات دول مجلس التعاون الثلاث، السعودية والإمارات والكويت تتبعها البحرين، لكن مخاوف المراقبين تتجاوز ذلك التعارض لتضع مخاوف من مستقبل مجلس التعاون ككل، مع اتساع شرخ العلاقات بين قطر وجيرانها بسبب مواقفها المؤيدة للثورات، التي ترى المملكات الخليجية أنها تهددها وتقوض مصالحها الإقليمية، ومع حدة الموقف المقابل المعارض للربيع العربي الرافض للتعامل مع أي حكومة ذات صلة بالإخوان المسلمين. لن تحل الأزمة تلك نفسها فيما يبدو، بل أن الوقت لا يلعب في صالح تضييق أثرها، فإن غاب عن قطر أنها بحاجة لاحتواء الموقف وإثبات حسن النية، فإن جاراتها من دول الخليج عازمة في الغالب على حسم الموقف نحو مواجهة الدوحة بشكل مباشر وأشد ضراوة. السعودية والإمارات تحديداً، لا يبدو أنهما تستخفان بالموقف بل أن كل المعطيات تشير إلى أنهما يعدان العدة لوضع حد لما تراه تهديداً قطرياً لها، حتى وإن كان مستقبل التعاون الخليجي هو الخاسر هنا.


ليست المسألة خاضعة لقياسات المبادئ والقيم وحدها في تلك الحالة، ولا يتعلق الأمر بفضائلية موقف أي من الجانبين من الربيع العربي والثورات، فحتى الثورات تلك لم تعد تتخذ الشكل الذي بدأت عليه، وتحولت من احتجاجات سلمية تحقق “ثورات” أو انقلابات ناعمة في رأس السلطة، إلى حروب شوارع وصراعات سياسية جرّت دول الثورات إلى الكثير من المصاعب. الأمر يتعلق بادئ الأمر بمصالح تلك الدول المشتركة، وأبعاد تلك المواقف وأثرها على توازنات القوى الإقليمية، في ظل عودة المارد الإيراني إلى الساحة السياسية الدولية وتقاربه مع الغرب، ومع صعود الجماعات المتطرفة في كل من سوريا واليمن وليبيا وغيرها، ومع الاستقرار الذي تتمتع به إسرائيل وتفرغها للبناء للمستقبل، ومضيها قدماً في الاستيطان وتهديد الحق الفلسطيني في الأراضي المحتلة. هذا التوتر لا يخدم العرب دون شك، وإن كانت قطر ترى في مواقفها المؤيدة للثورات نفعا للأمة، فإن من الأجدى أن ترى أن أزمة علاقاتها مع الدول التي تعارض تلك الثورات ستسبب ضرراً طويل المدى على الأمة ككل. ولأن قطر لاعب رئيسي في خريطة المنطقة الدبلوماسية والسياسية، فإنها دون شك بحاجة لحل يحقق مصالحها مع الدول الجارة، حتى وإن كان ذلك لا يعني أنها مستعدة لتغيير موقفها من الربيع العربي.


قليل من الاحتواء لسلسة الاستفزازات التي يؤدي إليها الموقف القطري من الثورات لن يضيرها، ما دام سيحقق من جانب آخر شيئا من الاستقرار والهدوء للوضع الإقليمي. ويبدو أن الوقت يداهم الجميع وأن الصبر بدأ في النفاذ في أكثر من اتجاه. ومما لا شك فيه أن منبر القرضاوي الديني هو آخر مكان لحل الأزمات السياسية.


 *المقال منع من النشر في صحيفة القدس العربي اللندنية بتاريخ 27/2/2014


تدوينة جديدة: ممنوع من النشر: الكرة الآن في ملعب قطر ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 05, 2014 03:54
No comments have been added yet.