!ملينا
في السابق، كنا نقلب صفحات المجلات والصحف عند رؤية دعاية ما، أو نغير القناة التلفزيونية حال ما تبدأ فقرة الإعلانات، لكن الآن قوة الإعلان أصبحت تخترق كل دفاعاتنا، وتهزم كل محاولات التصدي لها أيا كانت.
أصبحت معظم الإعلانات فجة، وقحة، تغزو كل ناحية من نواحي حياتنا: في الصحف، المجلات، التلفزيون، الشوارع، المطارات، في وسائل التواصل، في رسائل الهواتف، على ملابس البشر، على مأكولاتنا ومشروباتنا وحتى الماء الذي نشربه والأغاني التي نسمعها.
فنانة معروفة، ومشهورة، تقرر أن تعمل فيديو كليب لأغنيتها الجديدة، فيتفتق ذهنها او قريحة منتجها، ان تصور الفيديو في محل مجوهرات، حيث حبيبها يراضيها بعقد ألماس أو خاتم زمرد، ويمر اسم المحل حوالي 584 مرة في الدقيقة. معلش.. مقبول، فالمجوهرات كانت وستظل هدايا المحبين. تصور الفيديو في مقهى وهي تنتظر حبيب القلب ليأتي على الموعد وفي الأثناء تشرب فنجان قهوة من ماركة معينة يتم «الزووم» عليها 5000 مرة، كمان ممكن نرضى، فالقهوة والانتظار ملتصقان. لكن أن تصور الفيديو كليب وهي في سوبر ماركت مستغرقة بالغناء والطرب، فتمسك بقنينة معطر جو وتبدأ بالرش، ثم تلتقط كيس شوربة جاهزة من على رف السوبر ماركت، وهي تغني عن الحب والهيام.. تخينة حبتين..!
نفتح الراديو على قناة معينة، فنسمع صوت صحون وأطباق وأفواه تأكل وتتحدث في الوقت نفسه، لنكتشف ان المذيع وفريق العمل يبثون برنامجهم من مطعم معين، ويحدثوننا وهم يطلبون الوجبات ويمضغون ويتلذذون بعمل دعاية «ليست رخيصة أبدا» للمطعم وأكلاته، وهم يقبضون المال ونحن علينا ان نجلس نستمع لطبلاتهم وأطباقهم ونتحمل أصوات أفواههم.
نأتي لمصائب الانستغرام. كنت أتابع فتاة ظريفة ليس لسبب، بل لأنها عفوية وتلقائية ومجنونة، وأنا أحب جنونها. تغني، ترقص، تقفز على الفراش بكل براءة دون بوزات او حركات مصطنعة، تحكي عن يومها، عن ابنها، عن مشاكلها. فجأة، أصبحت تلك الفتاة الطبيعية يافطة إعلان متحركة ووسيلة لتسويق السلع. فتارة نجدها في محل تسوق بضاعته، وتارة في مطعم معين تحكي لنا عن جودة اطباقه، وساعة عند مصمم أزياء تعرض لنا تصميماته. طبعا كله مدفوع ومخطط.
أما باقي حسابات الانستغرام فلقد أصبح الموضوع مقرفا، بعد أن نبتت شخصيات، كالفطر المسموم، اشتهرت في غضون ساعات لا شغل لها ولا عمل الا تسجيل فيديوهات لأنفسها وهي تتحدث في أي شيء وكل شيء. دروس بالمجان في: المكياج، اللبس، الإتكيت، السياسة، الاجتماع، الدراسة، الطبخ، حتى الدين.. لم يبق أحد لم يعط دروسا ونصائح وإرشادات، وعمل دعاية لساعة، لحقيبة، لمشروب، لمطعم، لبنشرجي، في الطريق، حتى أصبح مليونيرية الانستغرام ينافسون مليونيرية الواقع.
هناك غزو فكري لكل حواسنا، فأي جهة نلتفت نجد إعلانا في وجهنا، وأينما فتحنا عيوننا نجد من يقودنا في حملة تسويقية فجة وبشعة. لقد أصبحنا كالقطيع لملوك الإعلان.. «ولكم ملينا»!
دلع المفتي
نشر في 29/01/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
أصبحت معظم الإعلانات فجة، وقحة، تغزو كل ناحية من نواحي حياتنا: في الصحف، المجلات، التلفزيون، الشوارع، المطارات، في وسائل التواصل، في رسائل الهواتف، على ملابس البشر، على مأكولاتنا ومشروباتنا وحتى الماء الذي نشربه والأغاني التي نسمعها.
فنانة معروفة، ومشهورة، تقرر أن تعمل فيديو كليب لأغنيتها الجديدة، فيتفتق ذهنها او قريحة منتجها، ان تصور الفيديو في محل مجوهرات، حيث حبيبها يراضيها بعقد ألماس أو خاتم زمرد، ويمر اسم المحل حوالي 584 مرة في الدقيقة. معلش.. مقبول، فالمجوهرات كانت وستظل هدايا المحبين. تصور الفيديو في مقهى وهي تنتظر حبيب القلب ليأتي على الموعد وفي الأثناء تشرب فنجان قهوة من ماركة معينة يتم «الزووم» عليها 5000 مرة، كمان ممكن نرضى، فالقهوة والانتظار ملتصقان. لكن أن تصور الفيديو كليب وهي في سوبر ماركت مستغرقة بالغناء والطرب، فتمسك بقنينة معطر جو وتبدأ بالرش، ثم تلتقط كيس شوربة جاهزة من على رف السوبر ماركت، وهي تغني عن الحب والهيام.. تخينة حبتين..!
نفتح الراديو على قناة معينة، فنسمع صوت صحون وأطباق وأفواه تأكل وتتحدث في الوقت نفسه، لنكتشف ان المذيع وفريق العمل يبثون برنامجهم من مطعم معين، ويحدثوننا وهم يطلبون الوجبات ويمضغون ويتلذذون بعمل دعاية «ليست رخيصة أبدا» للمطعم وأكلاته، وهم يقبضون المال ونحن علينا ان نجلس نستمع لطبلاتهم وأطباقهم ونتحمل أصوات أفواههم.
نأتي لمصائب الانستغرام. كنت أتابع فتاة ظريفة ليس لسبب، بل لأنها عفوية وتلقائية ومجنونة، وأنا أحب جنونها. تغني، ترقص، تقفز على الفراش بكل براءة دون بوزات او حركات مصطنعة، تحكي عن يومها، عن ابنها، عن مشاكلها. فجأة، أصبحت تلك الفتاة الطبيعية يافطة إعلان متحركة ووسيلة لتسويق السلع. فتارة نجدها في محل تسوق بضاعته، وتارة في مطعم معين تحكي لنا عن جودة اطباقه، وساعة عند مصمم أزياء تعرض لنا تصميماته. طبعا كله مدفوع ومخطط.
أما باقي حسابات الانستغرام فلقد أصبح الموضوع مقرفا، بعد أن نبتت شخصيات، كالفطر المسموم، اشتهرت في غضون ساعات لا شغل لها ولا عمل الا تسجيل فيديوهات لأنفسها وهي تتحدث في أي شيء وكل شيء. دروس بالمجان في: المكياج، اللبس، الإتكيت، السياسة، الاجتماع، الدراسة، الطبخ، حتى الدين.. لم يبق أحد لم يعط دروسا ونصائح وإرشادات، وعمل دعاية لساعة، لحقيبة، لمشروب، لمطعم، لبنشرجي، في الطريق، حتى أصبح مليونيرية الانستغرام ينافسون مليونيرية الواقع.
هناك غزو فكري لكل حواسنا، فأي جهة نلتفت نجد إعلانا في وجهنا، وأينما فتحنا عيوننا نجد من يقودنا في حملة تسويقية فجة وبشعة. لقد أصبحنا كالقطيع لملوك الإعلان.. «ولكم ملينا»!
دلع المفتي
نشر في 29/01/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on January 28, 2015 12:27
No comments have been added yet.
لكلٍ هويته
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
- دلع المفتي's profile
- 138 followers

