حوار مع علمانية محجبة

يعتقد كثيرون من «المغيبين» أن العلمانية كفر وإلحاد وابتعاد عن الدين، ويصر بعض رجال الدين على ترسيخ هذه الفكرة في عقول العامة وتشويه مفهوم العلمانية واقناعهم بأنها آفة «تغريبية» تسعى الى تفكيك المجتمعات المسلمة وتدمير ثوابتها.
تقول صديقتي انها في أول مرة قالت لأبيها انها علمانية، رأت صور كل شياطين الأرض تتراقص فوق رأسه كما كانت تراهم في أفلام الرسوم المتحركة وهي صغيرة، ثم سمعت كلمات تدوي في الهواء: كفر، رذيلة، شرك، إلحاد، انفلات، بالرغم من أن أباها لم يفتح فمه. وقف الرجل مصدوما وهو ينظر إلى ابنته لا يعرف كيف ينقذها من براثن «الشرك» التي سقطت فيه.
سألتها: كيف أنقذت نفسك أو ربما أنقذت أباك مما وقع فيه؟
قالت: هو يعرف أني فتاة متدينة ومحترمة وأقوم بشعائر ديني كاملة، لكنه احتاج الى القليل من الوقت والكثير من الشرح كي يستطيع ان يجمع بين كلمتي «مسلمة – علمانية» في جملة واحدة. سألتها: كيف تكونين مسلمة متدينة وعلمانية؟
قالت: وما شأن العلمانية بديني؟ العلمانية هي التي تحميني وتحمي ديني، وإن تجرأ أحد وتعدى على ديني أو عباداتي فهناك قانون «علماني» يضمن لي حقي. العلمانية تحميني ولا تضرني، فديني لي وحدي ولا شأن لأحد به، وعلاقتي بربي علاقة خاصة جدا.
قلت: لكن بعض المسلمين يكفرون العلمانيين، ويعتقدون ان العلمانية تبعدهم عن دينهم.
قالت: هذا ما زجه في عقولهم بعض رجال الدين، لأنهم إن وافقوا على العلمانية سيخسرون سلطتهم على رقاب البشر وبالتالي مصدر رزقهم. أنا محظوظة أني أعيش في دولة علمانية تضمن لي حق ممارسة ديني بالطريقة التي تعجبني، وأشكر ربي مئة مرة باليوم أني لا أعيش في دولة حيث الدين فيها بالإكراه وليس بالإقناع، وحيث ابتدع بعض رجال الدين هناك أمورا ليست من الدين بشيء، فحرموا الحلال وحللوا الحرام، وأصدروا فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، لا تفعل شيئا سوى تشويه ديننا وموروثنا.
وكيف تتعاملين مع من يكفرونك؟
- هنا لا أحد يكفرني، فأنا أعيش مع المسيحي واليهودي والبوذي واللاديني، يحترم بعضنا بعضا على أساس واحد فقط هو الإنسانية. العالم يتسع للجميع، لكل منا دينه وله كامل الحرية بكيفية ممارسته طالما لم يفرض رأيه على احد. لكن يحدث أن أشكل تهديدا لأحدهم، بسبب القلة التائهة من المسلمين الذين جعلونا إرهابيين في عيون العالم، وتبقى قوانين الدولة «العلمانية» هي التي تحميني.
ثم أردفت: العلمانية ليست دينا، ولا إلحادا ولا كفرا، إنما هي أرضية مشتركة تجمع كل الأديان تحت مظلتها بالتساوي تحت راية الإنسانية. وهي السبيل الوحيد للنجاة من آتون المذهبية والطائفية اللتين نعيشهما في بلاد المسلمين.
ثم أكملت ضاحكة: نعم أنا مسلمة علمانية ومحجبة.. عندك مانع؟


دلع المفتي
نشر في 12/03/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 14, 2015 13:59
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.