مرّة مرّة مرّة أحبكم
أن يقطع قارئ مسافة 800 كيلومتر ليقابل كاتباً يعجبه، لهو أمر جميل وراق. وأن يقطع ذاك القارئ تلك المسافة بصحبة زوجته وأولاده الصغار ليصل ويكتشف أن موعد وصول كاتبه هو الأسبوع التالي وليس يوم وصوله، هو خيبة أمل وخذلان. لكن أن يعود الشاب كل تلك المسافة ليرجع ويقطعها مرة ثالثة في التوقيت الصحيح للقائي، لهو أمر أكبر من أن أفهمه وأجمل من أن أستوعبه وأرقى من أن أكتب عنه.
تلك كانت استفتاحية زيارتي للرياض، وبهذه المحبة والاستقبال والود استهللت أياماً ثلاثة جميلة.
عندما منعت روايتي في الكويت، كنت قد كتبت أني رغم ألمي، سأحتفي بها في الشارقة، بيروت، القاهرة وأيضا الرياض. كنت أتمنى، أحلم، أرجو.. وتحقق رجائي ولم تخذلني الرياض. حالما وصلتني دعوة حفل توقيعي في معرض الرياض الدولي للكتاب، ما كان مني إلا أن وضعت عباءتي وشيلتي وتوكلت على الله.
المدن ليست في مبانيها وطرقها وأبراجها، ولا بثرواتها وغناها.. المدن بناسها. وناس السعودية غمروني باستقبال رائع ومحبة فائقة. احتوتني قلوب أقابلها لأول مرة، ومدت لي أيادٍ لم أعرفها من قبل. ورغم كل التحذيرات والتنبيهات لما قد يحدث في المعرض، لم أتعرض لشيء ولم يضايقني أحد. بل كانت من أجمل التجارب التي مررت بها وأرقاها.
لكن «الحلو ما يكملش» كما يقولون، فرغم التنظيم الرائع والترتيب الراقي للمعرض، فان منصة التوقيع مرتفعة وبعيدة عن الجمهور، وكان هناك حاجز بين المنصة والناس، ومن يرد توقيع الكاتبة (من الجنس الخشن) فعليه أن يسلم الكتاب لموظفة محايدة في منتصف الطريق وهي توصله للكاتبة للتوقيع عليه ثم تعيده للقارئ. تلك الاجراءات المتشددة حرمتني من لقاء الكثير من القراء الذين تعنوا من أجلي، وحرمت من أن أشكرهم لقدومهم وأعبر عن امتناني وفرحي بوجودهم.
لم يخلُ الامر من الطرائف، فقد تقدم مني مراهق شاب وبيده كتاب، قائلاً بلهجة آمرة: وقعي لي. قلت: حاضر يا ابني لكن هذا ليس كتابي. قال: معلش مو مهم. قلت له طيب مش مهم الكتاب، على الأقل هل تعرف من أنا؟ قال لا. قلت طيب لا الكتاب كتابي، ولا أنت تعرفني، لماذا تريد التوقيع؟ فما كان منه إلا أن ذهب واشترى كتابي وطالبني بإهداء مكتوب باسمه وبأسماء حسن وجمال وأحمد ومحمد وسعيد، ففعلت صاغرة.
كيف أستطيع ان أرد لكم يا أهل السعودية ولو جزءا من محبتكم؟ كيف أستطيع ان أشكر ذاك الشاب الذي أتى لا أدري من أين وجلب لي هدية لم يسمح لي باستلامها شخصياً، ولا حتى شكره شخصياً؟ كيف أشكر الشباب والصبايا الذين أحاطوا بي كموكب وأنا في المعرض؟ كيف أرد قبلات تلك الشابة التي «طبت» فوقي وانا على المنصة وأفرغت كل ما بها من حب وهي تصرخ «أنا مرّة مرّة مرّة أحبك»؟
وأنا أيضاً مرّة مرّة مرّة أحبكم.. ومرّة ممتنة لكم.
دلع المفتي
نشر في 26/03/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
تلك كانت استفتاحية زيارتي للرياض، وبهذه المحبة والاستقبال والود استهللت أياماً ثلاثة جميلة.
عندما منعت روايتي في الكويت، كنت قد كتبت أني رغم ألمي، سأحتفي بها في الشارقة، بيروت، القاهرة وأيضا الرياض. كنت أتمنى، أحلم، أرجو.. وتحقق رجائي ولم تخذلني الرياض. حالما وصلتني دعوة حفل توقيعي في معرض الرياض الدولي للكتاب، ما كان مني إلا أن وضعت عباءتي وشيلتي وتوكلت على الله.
المدن ليست في مبانيها وطرقها وأبراجها، ولا بثرواتها وغناها.. المدن بناسها. وناس السعودية غمروني باستقبال رائع ومحبة فائقة. احتوتني قلوب أقابلها لأول مرة، ومدت لي أيادٍ لم أعرفها من قبل. ورغم كل التحذيرات والتنبيهات لما قد يحدث في المعرض، لم أتعرض لشيء ولم يضايقني أحد. بل كانت من أجمل التجارب التي مررت بها وأرقاها.
لكن «الحلو ما يكملش» كما يقولون، فرغم التنظيم الرائع والترتيب الراقي للمعرض، فان منصة التوقيع مرتفعة وبعيدة عن الجمهور، وكان هناك حاجز بين المنصة والناس، ومن يرد توقيع الكاتبة (من الجنس الخشن) فعليه أن يسلم الكتاب لموظفة محايدة في منتصف الطريق وهي توصله للكاتبة للتوقيع عليه ثم تعيده للقارئ. تلك الاجراءات المتشددة حرمتني من لقاء الكثير من القراء الذين تعنوا من أجلي، وحرمت من أن أشكرهم لقدومهم وأعبر عن امتناني وفرحي بوجودهم.
لم يخلُ الامر من الطرائف، فقد تقدم مني مراهق شاب وبيده كتاب، قائلاً بلهجة آمرة: وقعي لي. قلت: حاضر يا ابني لكن هذا ليس كتابي. قال: معلش مو مهم. قلت له طيب مش مهم الكتاب، على الأقل هل تعرف من أنا؟ قال لا. قلت طيب لا الكتاب كتابي، ولا أنت تعرفني، لماذا تريد التوقيع؟ فما كان منه إلا أن ذهب واشترى كتابي وطالبني بإهداء مكتوب باسمه وبأسماء حسن وجمال وأحمد ومحمد وسعيد، ففعلت صاغرة.
كيف أستطيع ان أرد لكم يا أهل السعودية ولو جزءا من محبتكم؟ كيف أستطيع ان أشكر ذاك الشاب الذي أتى لا أدري من أين وجلب لي هدية لم يسمح لي باستلامها شخصياً، ولا حتى شكره شخصياً؟ كيف أشكر الشباب والصبايا الذين أحاطوا بي كموكب وأنا في المعرض؟ كيف أرد قبلات تلك الشابة التي «طبت» فوقي وانا على المنصة وأفرغت كل ما بها من حب وهي تصرخ «أنا مرّة مرّة مرّة أحبك»؟
وأنا أيضاً مرّة مرّة مرّة أحبكم.. ومرّة ممتنة لكم.
دلع المفتي
نشر في 26/03/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on March 29, 2015 14:27
No comments have been added yet.
لكلٍ هويته
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
- دلع المفتي's profile
- 138 followers

