استفزوهم بابتسامة

مددت يدي له ببطاقتي المدنية، رفع يده ومن دون أن يرفع عينه عن الشاشة أمامه، تسلمها، دوّن ما بها، ثم أرجعها لي في صمت (يشوبه بعض الانزعاج). قرّبت رأسي من الشباك قليلاً، ثم (بشبه صرخة) قلت «صباح الخير». رفع الموظف رأسه فزعاً مستعداً لتصدي الهجوم المباغت، وقبل أن يطلق أسلحته ضدي، وجد ابتسامة بعرض نصف متر ملتصقة على وجه.. فخجل من نفسه وابتسم لي صاغراً وهو يهمس صباح النور.
أحب أن أستفز الموظفين الحكوميين المتجهمين، بابتسامة وكلمة حلوة. أحب أن أذكرهم بإنسانيتهم، وأنهم وجدوا هناك لخدمة المواطن لا لذله ولا لتعنيفه ولا لزرعه في غرفة الانتظار إلى أن ينهي الموظف شايه وفطوره وجريدته وحفلة النم المعقودة مع باقي الموظفين.
كلنا بشر، وكلنا نتعرض لأزمات نفسية وعصبية وعائلية والأهم «زوجية». كلنا نتشاجر مع أزواجنا وزوجاتنا أحياناً، ونذهب إلى أعمالنا ونحن في حالة غضب أو حزن أو توتر وربما ملل. ولكن المراجعين ليسوا «كيس ملاكمة» ولا ذنب لهم في ما يحصل في منزلك ولا في زعل زوجتك منك لأنك لم تشتر لها الحذاء الخامس والعشرين، لأنها لا تمتلك حذاء لحفل زفاف أختها. ولا ذنب المواطن أن ابنك حطم سيارتك بعد سرقتها أثناء قيلولتك، فابنه أيضاً ربما «خلّص» على السيارة الثالثة، فكلنا مع هم المراهقين سواء.
أما حضرة الموظفة المحترمة، فأنت في الدائرة الحكومية لخدمة الشعب، لا لتعذيبه. فالفطور يؤكل في البيت وليس وليمة تمتد لساعات أثناء الدوام. وأكياس «البيع بيع» التي تحملينها معك للتجارة، «بسّطي» فيها أمام منزلكم وبيعي واشتري ما تريدين، فالوزارة ليست دكانك الخاص، والمواطن ينتظر إنهاء معاملته، ويا ريت وأنت تنجزينها لا «تبردي قلبك فيه» بسبب حماتك والدسائس التي تحيكها ضدك، وابتسمي في وجوه المراجعين، فهم مساكين والله.
لا أريد أن ألقي اللوم كله على الموظف، فبعض المراجعين يدخلون على الموظفين دخلة فاتح القسطنطينية، رافعين سيوف الاعتراض ودروع الامتعاض قبل أن يقدموا طلبهم، متخذين من أسلوب «الدفاع بالهجوم» وسيلة لإنهاء أعمالهم. والبعض يتعامل مع الموظف الحكومي بفوقية مقيتة وغرور مريض، وكأن الموظف قطعة من تركة أبيه.
في بعض البلدان العربية (المجاورة) يفرض على الموظفين الحكوميين الالتحاق بدورات إجبارية لتعلم كيفية التعامل مع المراجعين، والحديث معهم، والأهم.. كيفية الابتسام. إن لطفك وأدبك وابتسامتك جزء من عملك. أما أنت حضرة المراجع، فاسمع مني وجرب أن تستفز الموظف بابتسامة، بكلمة حلوة، بـ«صباح الخير»، وانظر كيف ستنفرد أكثر الجبهات تقطيباً وتُزرع ضحكة في أكثر الوجوه عبوساً.. وتنتهي معاملتك ومعاناتك في الأثناء.
أما صديقي الموظف المتجهم، فلقد عدت إليه بعد إنهاء معاملتي لأشكره، فودّعني بكل انشراح وابتسامة شُقت عن صفين «لولي».


دلع المفتي
نشر في 02/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 01, 2015 15:08
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.