عن البلاد التي نحبُّها أكثر مما تحبّنا

عندما قرأت سبب منع روايتي «رائحة التانغو» في القبس، جهّزت حقيبتي واستعددت للذهاب إلى المعتقل، وجلست أنتظر رجال المباحث، فتهمة بحجم «الإساءة إلى النظام بدولة الكويت» لا بد أن تؤدي إلى السجن. ولكن حين قرأت التهم الموجهة إلى كتّاب آخرين بسبب محتوى كتبهم، كالإساءة إلى الديموقراطية والدستور، إثارة الحزازات والكراهية بين فئات المجتمع، إثارة الفتنة الطائفية، التعرض للذات الإلهية، هدأت من روعي قليلاً.. فإذا كانت تهمتي هذه تودي بي إلى المعتقل، فتهمهم قد تقودهم إلى حبل المشنقة.
ورغم التهم الفادحة للزملاء الكتّاب والكاتبات، فإن الإساءة إلى نظام الدولة ليست تهمة بسيطة أيضاً، ولا يمكن التغاضي عنها بسهولة. لا أعرف طبعاً ولا غيري من الكتاب على أي أساسٍ يصدرون حكمهم بأن هذا الكتاب أساء إلى النظام، وذاك أساء إلى الديموقراطية، والآخر أثار النعرات الطائفية، ولكن من جهتي أنا متأكدة أني لم ولن أسيء إلى الكويت يوماً.. لا كتابةً ولا قولاً ولا فعلاً.
إن كان انتقاد سلبيات مجتمع ما وتسليط الضوء عليها يعتبران إساءة إلى البلد، فلتغلق الصحف والإذاعات، ولتوقف المسلسلات والمسرحيات، ولتكسر أقلام كتّاب الرأي والأدب، إذ لا يمكن أن تعتبر الكتابة الروائية أو الصحافية عن مجتمع فيه الصالح والطالح، الجيد والرديء، إساءة. هل وضع أصابعنا على جروحنا في محاولة لإخراج القيح منها يعتبر إساءة إلى البلد؟!
أعرف تماماً أن معظم المواضيع التي تطرقت إليها في روايتي الممنوعة تم التطرق إليها من قبل كثيرين من الكتّاب الكويتيين الذين أجيزت رواياتهم، وأعرف أن المواضيع تلك نتناولها يومياً في مقالاتنا في الصحف، وحسب تصريح المحامي حسن العيسى في الجريدة: «قرأت رواية دلع المفتي تحت عنوان «رائحة التانغو»، ولم أجد بتفسيري القانوني المتواضع كلمة واحدة يمكن أن تفسّر على أنها «إساءة للنظام بالكويت». إذا وحسب ما وصلني، سبب المنع ليس ما كتب في الرواية، بل فيمن «كتب الرواية».
أسمّي نفسي «محظوظة الوطنين»، فبين ياسمين الشام وزرقة بحر الكويت علاقة وطيدة ليست في قلبي فقط، ولكن في قلوب كثيرين من أهل البلدين. لكن أبى بعض أعضاء لجنة الرقابة إلا أن يستكثروا عليّ وطناً عشقه يجري في عروقي، ورفضوا أن أنتقده، تيمناً بدستوره الذي يعطيني هذا الحق ويدافع عني.
فعلى العكس مما يظنه البعض (ولجنة الرقابة منهم) الكويت بالنسبة إليّ ليست جنسية ثانية ولا هي بئر نفطية، ولا فرصة لتحويشة العمر. الكويت بالنسبة إليّ وطن.. ووطن نهائي وغالٍ أيضاً. فقد عشت في الكويت أكثر بكثير مما عشت في سوريا، مسقط رأسي، ربيت هنا، التحقت بالمدارس هنا، تزوّجت هنا، وأنجبت أربعة «كويتيين» مثل الورد لهذا الوطن. فإن كنتم تستكثرون عليّ انتقاد بلدي، فعلى الأقل اسمحوا لي بأن أحلم ببعض الإصلاح من أجل أولادي.
عندما منع كتابي، اتصلت بي محطة تلفزيونية عربية تريدني أن أتكلم عن المنع والرقابة في الكويت.. اعتذرت. لم يهن علي بها..! تلك هي البلاد التي نحبها أكثر مما تحبنا..!


دلع المفتي
نشر في 16/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 15, 2015 13:58
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.