تجاعيدوفوبيا
تيس كريستيان امرأة بريطانية عاقلة، ناضجة، قررت منذ 30 عاماً، وبكل بساطة، ألا تضحك ولا تبتسم. قرار المدام لم يأت بسبب كارثة عائلية ولا مصيبة شخصية ولا بسبب مرض مزمن. قرارها أتى تجنباً لظهور التجاعيد على بشرتها.
السيدة في الخمسين من عمرها، وقرارها عمره 30 سنة، مما يعني أنها لم تضحك منذ أن كانت في العشرينات، إذ تتبجح الأخت بقدرتها على تعويد نفسها على عدم الضحك بقولها إنها درّبت نفسها على التحكم بعضلات وجهها، وأن الناس يسألونها إن كانت تعرضت لحقن البوتكس، ولكنها تنفي، فخورة بوجهها ذي التعبير الواحد في كل حالاتها، حتى عندما أنجبت طفلتها، لم ير وجهها الابتسامة.
أفهم خوفنا نحن النساء من العمر ومن الأدلة التي تشهد عليه على شكل خطوط تحفر في الوجه أفقياً وعمودياً وفي كل زاوية ومنعطف، وأفهم أن في مجتمعاتنا الذكورية ينصب جل الاهتمام على المظهر الخارجي للمرأة، وحالما تتخطى عمراً معيناً، تلصق بها تسميات وألقاب مخزية، وتوضع على الرف إلى أن تكره الحياة. وأفهم أن في عصر برامج المواهب والدق والرقص اختفت الموهبة الفكرية والفعلية و«نبقت» المواهب الجسدية لتعزز دور المرأة كسلعة للاستهلاك اللحظي فقط. ولكن لا يمكنني أبداً فهم أن الحصول على وجه مشدود من دون تجاعيد يستحق التضحية بعمر كامل من دون ضحك.
نعم، يلجأ الكثير منا (رجالاً ونساء) إلى أساليب مختلفة لإبطاء ركض الزمن على وجوهنا. ونعم، نلجأ للكريمات وإبر البوتوكس والكولاجين وفي حالات قصوى للعمليات في «ورش تجميل» متنوعة ليس لإيقاف الزمن، بل لنبدو ألطف وليس بالضرورة أجمل، ونحن نكبر. ولكن أن نعيش عمراً بحاله عابسين فداء للبشرة المشدودة.. فلا وألف لا.
إن التجاعيد التي يجب أن نحاربها ونسعى إلى تجميلها هي تجاعيد الروح، والتي لا تظهر للعين المجردة، حيث تكون مختبئة في ثنايا الروح المريضة كالحقد، الحسد، الغرور، الجهل، التخلف، التطرف، التزمت، والتجعيدة الأكبر.. الطائفية. هذه التجاعيد تحتاج إلى أكثر من كريمات وأكثر من إبر كولاجين وعيادات تجميل. هذه التجاعيد تحتاج إلى ثورة فكرية، روحية داخلية لإعادة إفراز «كولاجين» الوعي لتجديد خلايا الروح والفكر.
ثم من قال إن التجاعيد بهذه القباحة؟ فحتى وإن كثرت، فهذه خطوط رحلة حياتنا. سكة الحديد التي سار عليها قطار عمرنا. فهذه التجعيدة علامة محطة الفرحة بولادة الابن الأول، وتلك محطة تخرج البنوتة من الجامعة، وهذه يوم عيد الزواج العشرين. أما تلك الضحكة الغائرة، فكانت خصيصاً للحفيد.
ما التجاعيد إلا روزنامة عمرنا على وجوهنا، فلا تخافوا منها وثمّنوها.
دلع المفتي
نشر في 10/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
السيدة في الخمسين من عمرها، وقرارها عمره 30 سنة، مما يعني أنها لم تضحك منذ أن كانت في العشرينات، إذ تتبجح الأخت بقدرتها على تعويد نفسها على عدم الضحك بقولها إنها درّبت نفسها على التحكم بعضلات وجهها، وأن الناس يسألونها إن كانت تعرضت لحقن البوتكس، ولكنها تنفي، فخورة بوجهها ذي التعبير الواحد في كل حالاتها، حتى عندما أنجبت طفلتها، لم ير وجهها الابتسامة.
أفهم خوفنا نحن النساء من العمر ومن الأدلة التي تشهد عليه على شكل خطوط تحفر في الوجه أفقياً وعمودياً وفي كل زاوية ومنعطف، وأفهم أن في مجتمعاتنا الذكورية ينصب جل الاهتمام على المظهر الخارجي للمرأة، وحالما تتخطى عمراً معيناً، تلصق بها تسميات وألقاب مخزية، وتوضع على الرف إلى أن تكره الحياة. وأفهم أن في عصر برامج المواهب والدق والرقص اختفت الموهبة الفكرية والفعلية و«نبقت» المواهب الجسدية لتعزز دور المرأة كسلعة للاستهلاك اللحظي فقط. ولكن لا يمكنني أبداً فهم أن الحصول على وجه مشدود من دون تجاعيد يستحق التضحية بعمر كامل من دون ضحك.
نعم، يلجأ الكثير منا (رجالاً ونساء) إلى أساليب مختلفة لإبطاء ركض الزمن على وجوهنا. ونعم، نلجأ للكريمات وإبر البوتوكس والكولاجين وفي حالات قصوى للعمليات في «ورش تجميل» متنوعة ليس لإيقاف الزمن، بل لنبدو ألطف وليس بالضرورة أجمل، ونحن نكبر. ولكن أن نعيش عمراً بحاله عابسين فداء للبشرة المشدودة.. فلا وألف لا.
إن التجاعيد التي يجب أن نحاربها ونسعى إلى تجميلها هي تجاعيد الروح، والتي لا تظهر للعين المجردة، حيث تكون مختبئة في ثنايا الروح المريضة كالحقد، الحسد، الغرور، الجهل، التخلف، التطرف، التزمت، والتجعيدة الأكبر.. الطائفية. هذه التجاعيد تحتاج إلى أكثر من كريمات وأكثر من إبر كولاجين وعيادات تجميل. هذه التجاعيد تحتاج إلى ثورة فكرية، روحية داخلية لإعادة إفراز «كولاجين» الوعي لتجديد خلايا الروح والفكر.
ثم من قال إن التجاعيد بهذه القباحة؟ فحتى وإن كثرت، فهذه خطوط رحلة حياتنا. سكة الحديد التي سار عليها قطار عمرنا. فهذه التجعيدة علامة محطة الفرحة بولادة الابن الأول، وتلك محطة تخرج البنوتة من الجامعة، وهذه يوم عيد الزواج العشرين. أما تلك الضحكة الغائرة، فكانت خصيصاً للحفيد.
ما التجاعيد إلا روزنامة عمرنا على وجوهنا، فلا تخافوا منها وثمّنوها.
دلع المفتي
نشر في 10/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on September 10, 2015 08:13
No comments have been added yet.
لكلٍ هويته
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
- دلع المفتي's profile
- 138 followers

