تجربة ١٠١
أعتقد أن أسوأ تجربة تخيُّل يمكن أن تمر بالشخص العادي هي تصوره لنفسه حين يكبر , أتصور أن كل مايجول ببال الواحد منا حينها أن الدنيا وضعت له تاريخ انتهاء و أنها ستعلن قريبا استغنائها عنه , يتخيل كل من بقي حوله حين يسمعون أنه رحل ” من سيبكي؟ من سيبكيني حقا؟ من سيأتي لجنازتي؟ هل سيذكر لي فلان معروفي أم أن قسوتي غلبت صنيعي؟ هل هناك من سيفرح بموتي “, تلاحقه أفكار مرعبة عما سيقال عنه بعد أن يموت وكم ستبقى ذكراه من الأساس, لكن عندما اسمعهم يتحدثون طوال الوقت عما فعلوه في سن الشباب أو الطفولة أو حتى بالأمس من مواقف بطولية أو يومية أو تافهة أو حتى أخطاء فأعتقد أني أفهم من ذلك أنهم يريدون أن يثبتوا لأنفسهم –على الأقل- أن حياتهم عنت شيئا ! لكني أظن أنهم في كل مرة يتكلمون فيها عما فعلوا يفكرون ألف مرة في الأشياء التي لم يفعولها!!
“لا تعول على الوقت” هذه أكثر رسالة ترسلها الحياة، لأننا نأخذ الوقت كما نأخذ غيره كضمانات أعطتنا إياها الحياة أو أعطيناها زورا لأنفسنا باسم الحياة ! فنحن نظن أن لدينا الوقت كل الوقت لنفعل كل الأشياء , فنعطي الأولوية لما نراه “كبيرا” مع كل ظرف و نؤجل الباقي لحين أن نجد له متسعا من الوقت , ولكن الحقيقة أن الوقت يتسع للأشياء وليس للأشياء ونحن معا!
ماذا لو كانت الأشياء التي كنا نظنها تافهة أو ببساطة لم نفكر بعملها كانت هي ماتصنع الحياة؟! الأعمال الكبيرة –أو التي نظنها كذلك- أخذت حقها في أولولياتنا و جهدنا, أما تلك الأعمال التي ظننا أنها ستأتي بطبيعة الحال لم نعملها حتى جاء اليوم الذي تساءلنا فيه “ماذا لو فعلنا” وكان عملها حينها مستحيلا لأننا عوًلنا على الزمن
بدأت أرى في المكتبات كتب تهدف أن تجلك تعمل أشياءً قبل أن تصبح عجوزا مملاً، اسم أحد الكتب كان ١٠١ شيء قبل أن تصبح عجوزا ومملاً، تحاول مثل هذه الكتب أن تكفيك تعاسةً قد تواجهها بعد عشر أو عشرين أو خمسين سنة حين تتساءل “ماذا لو” بأن تقترح عليك أن تقوم بأعمال صغيرة يمكنك عملها يوميا ً تقريبا أي بسيطة، أشياء آمنا أننا سنعملها غدا أو بعد غد أو حتى بعد دهر، أحد هذه الكتب كان كل مافيها أعمالا ضئيلة أمام قوتنا أو ذكائنا أو مستوانا ,أو أشغال ربما تضاءلت ظلماً عندنا لدرجة ان أدمغتنا لم تراها الآن على الأقل, قررت أن أجرب فليس لديك ما أخسره لكن ربما هناك ما يمكن كسبه، أعتقد أن حياة أي شخص تستحق ألا تنتهي كعجوز بائس ينظر بحسرة لأحفاده ويمتنى أن يسرق بضع ساعات لنفسه ..
هي تجربة اعتبرتها تذكرة مجانية لتتعرف على الذات ، لأنها ومما لاشك فيه تخرج من دائرة “الراحة” لكل من يجربها ,و لا ينهيها إلا وقد تعرف على نفسه من جديد أو تعرف عليها أكثر ووسع مداركه وتوسعت أفاقه أيا كان مجاله ,ووحدهم من يلقون بالا للتفاصيل يتميزون واسأل المهندسين و مصممي الديكور و أصحاب الحرف اليدوية,و الأكيد أنها ستجعل كل منا ممتن لدقائق حياته وتفوت على من لا يجرؤ على التجربة أن يعيش معظم الحياة أي تفاصيلها..
قد أكون كتبت عن هذه التجربة لأُغري أحد ا أن يكتشف نفسه التي ربما لم يصادف الكثير منها يوما، وأن أدفع شخصا لأن يعيش ليس بالذنب الذي سأندم عليه قريبا لأننا نحصل على بعض الحياة بمنحنا إياها لإنسان ما, و إن فشلت محاولتي هذه فيكفيني أني فُزت على روتينك وانتصرت للجنون بأخذ وقت مستقطع في يومك، وهذا حتما انتصار لأي قلم !
أخيرا..في الحياة مهما كنت حكيما فستنضطر أن ترجح أحد السؤالين على الآخر : فإما أن يكون “ما الشيء الذي إن فعلته سأندم عليه “أو “مالشيء –أو الأشياء- التي إن لم أفعلها سأندم؟! “

