Mikhail Naimy ميخائيل نعيمة discussion

الأوثان
This topic is about الأوثان
10 views
من كتاباته > الأوثان - 5 الرأي العام

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by زاهي (new)

زاهي رستم (zahi_rustom) | 22 comments Mod
حذارِ من وثن السلطان، وحذارِ من حليف له ألهوه باسم الرأي العام. فالسلطان يدعي أنه لا يعمل شيئاً من عنده. بل يعمل كل أعماله امتثالاً لمشيئة الرأي العام. إلا أنه لا يغفل لحظة عن تغذية ذلك الرأي وتنميته وتدريبه على هواه. حتى إذا لان له قسا عليه، أو قسا عليه لان له. فكأن معاهدة التحالف بينهما تقضي بأمر واحد لا غير. وهو أن يحك الواحد ظهر الآخر.

إن تعبيرنا الرأي العام تعبير خطأ. فالمقصود بالرأي العام، متوسط رأي الأكثرية لا رأي العموم.


ولو كان لنا أن نعرف حقيقة ما في أفكار الناس وقلوبهم، ثم لو كان لنا أن نعرف متوسط أفكارهم ومشاعرهم؛ ثم لو كانت لنا تلك الشعرة السحرية التي بها نفصل ما بين الأكثرية والأقلية لتوصلنا إلى شيءٍ يحق لنا أن ندعوه الرأي العام.

أما وجماهير الناس يشعرون ويتكلمون في الغالب بما يتلقنون، أما ولم نهتد بعد إلى تلك الشعرة السحرية، فما هو الرأي العام الذي نخشاه ونهابه ونمتثل لأمره؟

إنه ما يصوره لنا السلطان والذين لهم غلال يجمعونها من دهاء السلطان وسذاجة الجماهير.

حتى ولو فرضنا أن الرأي العام رأي حر لا يتأثر بعوامل مصطنعة، فماذا يؤهله لطاعتي وطاعتكم، واحترامي واحترامكم؟

ومتى كانت الجماهير أكثر من قطعان تساق إلى المسلخ بمثل السهولة التي تساق إلى المرعى؟

بل متى كانت الجماهير تميز بين راعيها وجزارها؟

وهذا تاريخها حافل بالشواهد على تنكيلها برعاتها واستسلامها لجزاريها. أما ثار بنو إسرائيل في البرية على موسى لأنه أنقذهم من عبودية فرعون؟

أما صلب المسيح أولئك الذين جاءهم المسيح بندى المحبة، وبلسم الغفران، وأجنحة الحرية، والرجاء بالحياة الأبدية؟

أما امتشقت قريش الحسام في وجه من جاء ليعطيها قوة أين منها قوة الحسام؟

ما لي أعدد مآثم الجماهير ورأيها العام وهي تكاد لا تحصى؟ فالواقع لا مندوحة من الاعتراف به هو أن شأن الجماهير الجمود وشأن الأنبياء والعبقريين الوثوب.

والجامد كان، وما برح، عقبة في سبيل الوثوب.

لئن جاز لنا أن نقيد ذوي السلطان وأبناء الشارع بعبادة وثن ندعوه الرأي العام فمن الإثم أن نقيد بها الذين يستقون وحي الحياة من مناهل لا يعرفها الشارع ولا كرسي الحكم.

هنالك أوثان وعبادات أوثان لا يتسع هذا الكتيب للحديث عن كل منها على حدة. كعبادة البطن، وعبادة الملاهي، وعبادة اللياقات الاجتماعية التي أصبحت قشوراً بغير لباب، وعبادة السرعة التي تسابق الزمان ولن تسبقه، وإن سبقته فما تدري ماذا تعمل بالوقت الذي وفرته.

وعبادة العائلة التي تقدس الروابط الدموية بين حفنة من الناس وترذلها بين الناس أجمعين جاهلة أن العائلة الصغيرة ليست سوى الباب الضيق المؤدي إلى العائلة البشرية الكبيرة، وأننا نربي أولادنا للعالم لا لأنفسنا لا غير.

ولعل أغرب تلك العبادات هي عبادة العبادة.

وأعني عبادة الإنسان لربه على وتيرة واحدة حتى لتصبح تأديتها على شكل واحد وفي مكان معلوم وأوقات محدودة فريضة مقدسة إذا أخل العابد بشيء منها فسدت عبادته وأغضب ربه. فكأنه يعبد “برنامج” العبادة قبل أن يعبد ربه.

إلا أن بين الأوثان التي ما ذكرتها بعد ثلاثة لا بد من الكلام عنها بشيء من التبسيط وهي: وثن القومية، ووثن الكلمة السوداء، ووثن العلم. فعبادة هذه قد تفشت بين أبناء هذا الزمان إلى حد بعيد.

| ميخائيل نعيمة | الأوثان |


back to top