Mikhail Naimy ميخائيل نعيمة discussion

الأوثان
This topic is about الأوثان
28 views
من كتاباته > الأوثان - 6 القومية

Comments Showing 1-4 of 4 (4 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by زاهي (new)

زاهي رستم (zahi_rustom) | 22 comments Mod
ليست العصبية القومية بالشيء الجديد، فالشعور بها يرقى إلى أقدم العصور يوم لم يكن بد للقبيلة من أن تتكاتف للنضال ضد الطبيعة وضد قبائل أخرى كانت تشن عليها الغارات لتسلبها ما لديها من مقومات العيش. ويوم كانت القبيلة وحدة منكمشة على ذاتها تأبى التخالط مع غيرها من القبائل.

ولكن التطور دأب الحياة. وأكره ما تكرهه الجمود.


فهي ما فرقت البشر قبائل لأسباب إلا عادت تجمعهم لأسباب أخرى سالكة إلى جمعهم مسالك شتى أهمها الحرب والتجارة والصناعة وما يهتدي إليه الفكر البشري من اختراعات واكتشافات لا تلبث أن تعم الأرض.

وعلامات هذا الاتجاه أكثر من أن تحصى. وهي مرسومة بخطوط من نار على الأفق البعيد. وليس ينكرها إلا الأعمى أو المتعامي.

فالناس سائرون نحو الوحدة الإنسانية بخطى قد تكون وئيدة إلا أنها ثابتة.

أما ترون إلى أفكارهم كيف يلقح بعضها بعضاً حتى إنكم لا تجدون أقل غرابة في فرنسي يحدثكم عن الحلاج، وعربي عن برغسون؟ أو في روسي معجب بالفردوسي، وفارسي معجب بدوستويفسكي؟

أم ما ترون إلى أبدان الناس في كل مكان كيف تكتسي بما ينسجه الناس في كل مكان، وكيف تغتذي بما تنتجه كل بقعة من بقاع الأرض؟

حتى أنكم تبصرون اليوم وتسمعون وتعلمون وتسعون لا بأعينكم وآذانكم وأيديكم وأرجلكم لا غير بل بأعين كل الناس وآذانهم وأيديهم وأرجلهم.

ذلك كلام ليس من المجاز في شيء، بل هو الحقيقة العارية من كل مزخرف ومجاز.

أم ما ترون إلى مساكن الناس بماذا تفرش وبماذا تنار؟ وإلى مراسمهم الاجتماعية والسياسية وإلى ملاهيهم ومواصلاتهم كيف تكاد تكون واحدة؟

ثم أما ترون إلى دمائهم كيف مزجتها وتمزجها الحروب والهجرة من بلاد إلى بلاد؟

إذن ماذا تبقى لكم من القومية؟ هيكل أجوف لا غير. لكنه هيكل صلب عنيد يأبى التفكك إلا عظمة عظمة. والذي ساعد على بقائه حتى اليوم هو حليفه الأكبر.

أو تدرون ما هو حليف القومية الأكبر؟ هو الاستعمار.

أجل، لقد كان الاستعمار الأعمى – وما يزال – حليف القومية العمياء لا عدوها. وأنا ما أعرف أسخف تفكيراً وأقصر بصراً من شعب يحاول أن يزدرد بالقوة شعباً آخر. فالشعوب ليست باللقمة السائغة التي يسهل ازدرادها. واتحادها لا يتم بابتلاع واحدها الآخر. بل يتم كاتحاد الأوكسجين بالهيدروجين في الماء. فلا ذاك يفنى في هذا، ولا هذا في ذاك. بل يكون اتحاد الاثنين عنصراً جديداً قوياً ونافعاً وجميلاً هو الماء.

ما من قوة إلا تخلق معانديها. وقوة الاستعمار الغاشمة خلقت عناد القومية الجاهلة. إذ دفعتها إلى التفتيش عن سلاح تدافع به عن كيانها وتبرر وجودها. فما استنكفت في تفتيشها عن نبش القبور.

وفي القبور اهتدت إلى السلاح الأمضى في يدها والأحب إلى قلبها. ألا وهو التبجج بأمجاد السلف: “العالم مدين لأسلافنا بكيت وكيت”. كأن العالم اقترض يوماً ولم يوف. أو كأن شأن العالم مع نفسه أن يدينها أو يستدين منها.

أي فخر للحبشة في أن يكون النيل حبشي المولد؟ إن يكن هنالك من فخر فهو فخر البحر الذي فجر النيل من جبال الحبشة وأرسله رياً وحياة لأرض موات.

أي عز لآثينا في أن تكون مهد سقراط وقد أكرهته على ابتلاع السم لتتخلص من عزه؟ إن يكن هنالك من عز فهو عز الإنسانية التي تمخضت عن سقراط في آثينا.

أي مجد لليهود في أن يولد المسيح من فتاة يهودية، وقد علقوه على خشبة بين لصين ليهربوا من مجده؟ إن يكن هنالك من مجد فهو مجد القدرة التي اختارت للمسيح أماً يهودية لتجعله هادياً لكل من تاقت نفوسهم إلى الهدى من أبناء الأرض.

وثمة سلاح ثان اهتدت إليه القومية، عليه بريق من سناء العلم وجلاله. وهو المبدأ القائل بتنازع البقاء وبقاء الأنسب. أما الأنسب فليس من يعرف حتى اليوم ما هو أو من هو. وأما تنازع البقاء، أي نضال الواحد ضد الكل، فمذهب شاخ وهرم.

وها هي الطبيعة رغم ما فيها من نزاع، تقوم حياتها على التعاون أكثر منها على النزاع بكثير.

اعتبروا النحل والنمل والجراد وأجناساً لا تحصى من الطير والحيوان. فأكثرها يتعاون لا على البقاء وحسب بل على الاستمتاع بلذة الوجود وجذل الحياة.

ثم اعتبروا الإنسان. فهو حتى في حروبه يلجأ إلى التعاون. وما السلاح الذي يستخدمه إلا نتيجة تعاون أفكار الناس وعضلاتهم في كل مكان. وما الجنود يسوقها أفواجاً إلى حومة الوغى إلا مظهر رائع من مظاهر التعاون.

لقد آن للقومية الهوجاء العمياء إما أن تنتحي جانباً من الطريق، أو أن تسير مبصرة مؤمنة مع قافلة الإنسانية المؤمنة المبصرة إلى هدفها البعيد. ألا وهو توحيد قوى الإنسان وتحريره من قيود الحدود لراحة كل قوم ولمجد الناس أينما كانوا ومن أي جنس كانوا.

| ميخائيل نعيمة |


message 2: by Suzan (new)

Suzan Haddad (suzanahaddad) | 1 comments هل سنبصر يوماً ما ميلاد الحضارة رقم واحد؟
شكراً عالمشاركة


message 3: by زاهي (new)

زاهي رستم (zahi_rustom) | 22 comments Mod
Suzan wrote: "هل سنبصر يوماً ما ميلاد الحضارة رقم واحد؟
شكراً عالمشاركة"


خلينا نسميها الحضارة الأقدم.. وبعتقد أن هذا شيء بعيد المنال.. بس إيه في أمل


message 4: by احمد (new)

احمد | 2 comments ارحب بكم جميعا في القروب العربي الحر للقراءة والنقاشات في التلقرام.
https://telegram.me/joinchat/DDEaxAbs...


back to top