غالبا ما تكون البواكير في الراوية مفعمة بالعفوية ومنطلقة من عقال الزخرف اللغوي والبلاغة الزائدة عن الحد وهي غالبا ما تكون ملتصقة بالعالم الحميمي لكاتبها أو كاتبتها.
وفي هذه الخانة يمكن تصنيف رواية ساعة بغداد، الرواية البكر للكاتبة شهد الراوي، فقد اعتمدت على شكل مغاير للبنية التقليدية الذي تأسست عليه الأعمال السردية العربية الكلاسيكية.
كما اتسمت بالجرأة في طرائق السرد فهي على سبيل الذكر تتجاوز المنطق التقليدي لتعاقب الأحداث. كما راوحت شهد الراوي بليونة وسلاسة بين المتخيل والواقعي وتجولت بين العالمين بمنتهى اليسر وهي تحاول أن ترصد لنا مأساة جيل بأكمله من العراقيين الذين ولدوا إبان حرب فاكتوت طفولتهم المبكرة بها وعايشوا حصارا غاشما ثم هجروا أو هاجروا قسرا إبان حرب أخرى في بلد لم يعرف الاستقرار منذ بضعة عقود.
وتصف الكاتبة شهد الراوي روايتها بالقول: “روايتي عن أبناء جيلي ومدينتي بغداد التي غادرتها ولم تغادرني عن طفولتنا ومراهقتنا وشبابنا وأمنياتنا التي حاولت أن احميها من النسيان وامنعها من الضياع انها الرواية النظيفة كما يروق لي تسميتها لأنها لا تتعمد إثارة خارج منطق الأحداث التي صنعها الواقع والحلم والذكرى والوهم بعد الحد من دور العقل والمنطق في رسم النهايات المتوقعة، فهناك نهايات مفتوحة وأسئلة لم تتم الإجابة عنها وهكذا هي الحياة بمجملها”.
ويبدو شغف شهد الراوي بالتجريب في مجال الكتابة الروائية كبيرا، فهي على عكس المتوقع تستلهم من التجارب الشابة أكثر بكثير من الكتاب الكبار المكرسين، وتسعى جاهدة إلى أن تجد لها مكانة ومكانا تحت شمس النقد بمنأى على التقليد أو الانبهار بأصحاب الفتوحات في المجال السردي سواء كانوا عربا أو أجانب.
وفي هذا السياق يمكن أن نصنف “ساعة بغداد رواية ما بعد حداثية دون أن نجانب الصواب.
وتنتمي لهذه الموجة عديد الكاتبات الشابات خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا واستراليا وهن اللواتي يبدو شغف شهد الراوي بهن بلا حدود.
ولعله لهذا السبب أثارت رواية ساعة بغداد جدلا كبيرا في الأوساط الثقافية العربية وانقسم حولها النقاد، فهناك من يراها غاية في الجمال والتدفق الشعوري وأنها جديرة بالانتشار وان تقرأ على أوسع نطاق. وعلى طرفي نقيض هناك من يصفها بالرواية السيئة التي لا تستحق عناء القراءة ولا النشر أيضا.
وهذه سمة التجارب الجديدة عادة، فهي إما تستقبل باحتفاء يصل حد الوله، أو بالرفض والصدود. ولكن في جميع الحالات يظل التجريب في المجال الإبداعي مهمة صعبة وجديرة بالدراسة والتمحيص.
وفي ساعة بغداد نتابع عن كثب مأساة العراقيين تحت الحصار الأمريكي في التسعينات، وذلك بعيني طفلة عراقية كتب لها أن تولد في بلد محاصر ولهذا تبدو رؤيتها للوقائع ساذجة أو سطحية احيانا، من خلال تبسيط الأمور إلى حد كبير. وبذلك تكون الكاتبة وفية لتمثل الأطفال للعالم وما يحدث حولهم ومحاولة بعث رسائل واضحة وصادقة ولا لبس فيها لجميع البشر.
ويمكن القول إن شهد الراوي تنتمي إلى جيل جديد من الكتاب العراقيين الذين قطعوا مع الماضي بشكل جلي وواضح، فهم جيل عصر “السوشيال ميديا” بامتياز. كما أن المعاناة التي اصطبغت بها حياتهم من خلال الحصار الأمريكي والحروب التي عرفتها بلادهم جعلت نصوصهم مختلفة.
وتصف شهد الراوي بعمق هذه التجربة فتقول: “عندما تولد في سنوات حرب الخليج الأولى وتجد نفسك طفلا في ملجأ محصن ضد غارات التحالف الدولي لحرب الخليج الثانية، تعيش مراهقتك في الحصار العالمي المفروض على بلدك، ثم تصحو في شبابك على سقوط بغداد لتواجه خطر حرب أهلية، فلا بد أن تأتي كتابتك خارج السياقات والأنساق السردية التي عرفتها الكتابة قبلك.”
وتبدأ الحكاية في ساعة بغداد من داخل الملجأ المظلم الذي تتعثر فيه طفلة وتسري نار ما على البلاط في شكل ضوء يحرك الخيالات الغريبة على الجدران التي تلفها العتمة فتغدو كأشباح عملاقة.
ومن خلال هذه الاستهلال تختلط الأسئلة الوجودية الكبرى بتساؤلات الطفلة البريئة وندخل عالما غرائبيا لكنه واقعي حد النخاع.
ففي هذا المكان المظلم نتعرف على شخصيات فارة من القصف ونفهم المحيط الاجتماعي الذي قدمت منه. وتعمل مخيلة الطفلة على نسج الحكايا التي توزع هذه الشخصيات المتراصة على البيوت التي تقع في أبراج العاصمة العراقية ومنها البرج الذي يحمل ساعة بغداد التي استمد الرواية عنوانها من هذه التسمية.
وعبر أحلام وخيال هذه الطفلة نلج المجتمع البغدادي بشرائحه المتنوعة وفئاته وطوائفه. كما تحضر بغداد بزخم أمكنتها: حدائق ومسارح ومنتزهات بغداد الحلم او الجنة الضائعة من خلال مخيال طفلة تقبع داخل قبو مظلم في بلد يلعلع فيه صوت الرصاص والقصف والتفجير والتدمير في كل لحظة.
ومن خلال الراوية الطفلة نلمح التشوهات النفسية والأخلاقية التي تركها الحصار الأمريكي في المجتمع البغدادي فتبدو الشخصيات غاية في التعقيد والارتباك ومبهمة وملغزة في كثير من الأحيان، خاصة في تمثل الطفلة التي تختلط في ذهنها الوقائع ويلتبس الخيال بالملموس ويتعانق عالم الأحياء مع عوالم الأموات.
إذن نحن أمام نص مختلف و تيمة مغرقة في المحلية، ولكن الكاتبة شهد الراوي صاغته بأسلوب يقارب السرد العالمي الراهن. كما انه يخلو من البلاغة الروائية المعتادة، ولذلك يبدو بسيطا ومتخففا من الإرث اللغوي.
ويذكر أن شهد الراوي، التي عرفت ككاتبة يوميات على مواقع التواصل الاجتماعي، مولودة عام 1986 وقد غادرت العراق عام 2003 باتجاه سوريا لتكمل دراستها في مجال الإدارة والاقتصاد.
وقد صدرت روايتها ساعة بغداد عام 2016 عن دار الحكمة للنشر في لندن.
وفي هذه الخانة يمكن تصنيف رواية ساعة بغداد، الرواية البكر للكاتبة شهد الراوي، فقد اعتمدت على شكل مغاير للبنية التقليدية الذي تأسست عليه الأعمال السردية العربية الكلاسيكية.
كما اتسمت بالجرأة في طرائق السرد فهي على سبيل الذكر تتجاوز المنطق التقليدي لتعاقب الأحداث. كما راوحت شهد الراوي بليونة وسلاسة بين المتخيل والواقعي وتجولت بين العالمين بمنتهى اليسر وهي تحاول أن ترصد لنا مأساة جيل بأكمله من العراقيين الذين ولدوا إبان حرب فاكتوت طفولتهم المبكرة بها وعايشوا حصارا غاشما ثم هجروا أو هاجروا قسرا إبان حرب أخرى في بلد لم يعرف الاستقرار منذ بضعة عقود.
وتصف الكاتبة شهد الراوي روايتها بالقول: “روايتي عن أبناء جيلي ومدينتي بغداد التي غادرتها ولم تغادرني عن طفولتنا ومراهقتنا وشبابنا وأمنياتنا التي حاولت أن احميها من النسيان وامنعها من الضياع انها الرواية النظيفة كما يروق لي تسميتها لأنها لا تتعمد إثارة خارج منطق الأحداث التي صنعها الواقع والحلم والذكرى والوهم بعد الحد من دور العقل والمنطق في رسم النهايات المتوقعة، فهناك نهايات مفتوحة وأسئلة لم تتم الإجابة عنها وهكذا هي الحياة بمجملها”.
ويبدو شغف شهد الراوي بالتجريب في مجال الكتابة الروائية كبيرا، فهي على عكس المتوقع تستلهم من التجارب الشابة أكثر بكثير من الكتاب الكبار المكرسين، وتسعى جاهدة إلى أن تجد لها مكانة ومكانا تحت شمس النقد بمنأى على التقليد أو الانبهار بأصحاب الفتوحات في المجال السردي سواء كانوا عربا أو أجانب.
وفي هذا السياق يمكن أن نصنف “ساعة بغداد رواية ما بعد حداثية دون أن نجانب الصواب.
وتنتمي لهذه الموجة عديد الكاتبات الشابات خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا واستراليا وهن اللواتي يبدو شغف شهد الراوي بهن بلا حدود.
ولعله لهذا السبب أثارت رواية ساعة بغداد جدلا كبيرا في الأوساط الثقافية العربية وانقسم حولها النقاد، فهناك من يراها غاية في الجمال والتدفق الشعوري وأنها جديرة بالانتشار وان تقرأ على أوسع نطاق. وعلى طرفي نقيض هناك من يصفها بالرواية السيئة التي لا تستحق عناء القراءة ولا النشر أيضا.
وهذه سمة التجارب الجديدة عادة، فهي إما تستقبل باحتفاء يصل حد الوله، أو بالرفض والصدود. ولكن في جميع الحالات يظل التجريب في المجال الإبداعي مهمة صعبة وجديرة بالدراسة والتمحيص.
وفي ساعة بغداد نتابع عن كثب مأساة العراقيين تحت الحصار الأمريكي في التسعينات، وذلك بعيني طفلة عراقية كتب لها أن تولد في بلد محاصر ولهذا تبدو رؤيتها للوقائع ساذجة أو سطحية احيانا، من خلال تبسيط الأمور إلى حد كبير. وبذلك تكون الكاتبة وفية لتمثل الأطفال للعالم وما يحدث حولهم ومحاولة بعث رسائل واضحة وصادقة ولا لبس فيها لجميع البشر.
ويمكن القول إن شهد الراوي تنتمي إلى جيل جديد من الكتاب العراقيين الذين قطعوا مع الماضي بشكل جلي وواضح، فهم جيل عصر “السوشيال ميديا” بامتياز. كما أن المعاناة التي اصطبغت بها حياتهم من خلال الحصار الأمريكي والحروب التي عرفتها بلادهم جعلت نصوصهم مختلفة.
وتصف شهد الراوي بعمق هذه التجربة فتقول: “عندما تولد في سنوات حرب الخليج الأولى وتجد نفسك طفلا في ملجأ محصن ضد غارات التحالف الدولي لحرب الخليج الثانية، تعيش مراهقتك في الحصار العالمي المفروض على بلدك، ثم تصحو في شبابك على سقوط بغداد لتواجه خطر حرب أهلية، فلا بد أن تأتي كتابتك خارج السياقات والأنساق السردية التي عرفتها الكتابة قبلك.”
وتبدأ الحكاية في ساعة بغداد من داخل الملجأ المظلم الذي تتعثر فيه طفلة وتسري نار ما على البلاط في شكل ضوء يحرك الخيالات الغريبة على الجدران التي تلفها العتمة فتغدو كأشباح عملاقة.
ومن خلال هذه الاستهلال تختلط الأسئلة الوجودية الكبرى بتساؤلات الطفلة البريئة وندخل عالما غرائبيا لكنه واقعي حد النخاع.
ففي هذا المكان المظلم نتعرف على شخصيات فارة من القصف ونفهم المحيط الاجتماعي الذي قدمت منه. وتعمل مخيلة الطفلة على نسج الحكايا التي توزع هذه الشخصيات المتراصة على البيوت التي تقع في أبراج العاصمة العراقية ومنها البرج الذي يحمل ساعة بغداد التي استمد الرواية عنوانها من هذه التسمية.
وعبر أحلام وخيال هذه الطفلة نلج المجتمع البغدادي بشرائحه المتنوعة وفئاته وطوائفه. كما تحضر بغداد بزخم أمكنتها: حدائق ومسارح ومنتزهات بغداد الحلم او الجنة الضائعة من خلال مخيال طفلة تقبع داخل قبو مظلم في بلد يلعلع فيه صوت الرصاص والقصف والتفجير والتدمير في كل لحظة.
ومن خلال الراوية الطفلة نلمح التشوهات النفسية والأخلاقية التي تركها الحصار الأمريكي في المجتمع البغدادي فتبدو الشخصيات غاية في التعقيد والارتباك ومبهمة وملغزة في كثير من الأحيان، خاصة في تمثل الطفلة التي تختلط في ذهنها الوقائع ويلتبس الخيال بالملموس ويتعانق عالم الأحياء مع عوالم الأموات.
إذن نحن أمام نص مختلف و تيمة مغرقة في المحلية، ولكن الكاتبة شهد الراوي صاغته بأسلوب يقارب السرد العالمي الراهن. كما انه يخلو من البلاغة الروائية المعتادة، ولذلك يبدو بسيطا ومتخففا من الإرث اللغوي.
ويذكر أن شهد الراوي، التي عرفت ككاتبة يوميات على مواقع التواصل الاجتماعي، مولودة عام 1986 وقد غادرت العراق عام 2003 باتجاه سوريا لتكمل دراستها في مجال الإدارة والاقتصاد.
وقد صدرت روايتها ساعة بغداد عام 2016 عن دار الحكمة للنشر في لندن.
https://meemmagazine.net/2018/03/19/%...