ساعة بغداد
discussion
صحيفة الأيام: ساعة بغداد لشهد الراوي .. طفلة تسرد الحكايات وتكبر دون أن تغادرها الحرب! 2018-04-24
date
newest »

all discussions on this book
|
post a new topic
"تعالي أيتها الحرب الصديقة، هذا برج المأمون، وهذه ساعة بغداد، تلك البناية العالية، وذاك المطار، اذهبي إلى شارع الرشيد، ثمة أبراج وبنايات في انتظارك، اذهبي نحو جسر الجمهورية هناك بناية جميلة اسمها بناية التخطيط، تعالي من هذا الاتجاه، ارمي حمولتكِ هنا، استديري قليلاً إلى الوراء، هذ محطة الكهرباء، ليس بعيداً منها هناك خزان المياه الكبير، تقربي قليلاً وأنزلي الصواريخ علينا، ارمي أثقالك في أي مكان ترغبين، أنتِ هذه المرة وحيدة في الساحة، نحن منهكون، وتعبون، ويائسون، تعالي وتخلصي منا مثل نفايات بشرية لا حاجة لهذا العالم بها، نحن أيضاً لم نعد في حاجة إلى هذا العالم".
على لسان طفلة دون العاشرة تقريباً، تدور حكايات رواية "ساعة بغداد"، وهي الأولى للعراقية شهد الراوي، وتنافس على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، وتعلن في أبو ظبي، اليوم، لتستمر الحكايات التي ترصد حرباً لا تزال مستعرة منذ تسعينيات القرن الماضي في العراق، حيث تكبر الطفلة، وتصبح طالبة جامعية، ومراهقة قبل ذلك.
من ملجأ اسمنتي أسفل إحدى البنايات في حيها، كانت البداية، حيث تعرفت الطفلة التي لم تحمل اسماً في الرواية على ابنة حيها نادية، لتعيشا، كما غيرهما، يوميات الحرب، تتشاركانها كما تتشاركان الأحلام، فكانت نادية تحلم والطفلة (بطلة الرواية) تعيش الحلم معها، فقد كانتا تهربان من صعوبة الموت المحيط بهما إلى حيث ما تجود به المخيلة أثناء النوم .. كان ذلك مطلع تسعينيات القرن الماضي، في "المحلة"، أي الحي الذي تقطنه هذه الطفلة وأسرتها.
"في خيالي، أعدت الناس الذين شاهدتهم في الملجأ إلى بيوتهم في شارعنا، رتبت تلك البيوت في خطوط مستقيمة، ورسمت منها سفينة كبيرة تشبه المحلة التي ولدنا فيها، ثم رسمت دخاناً أبيض يصعد ببطء نحو الغيوم. صرت أعرف كل البيوت، أعرف الآباء والأمهات والأبناء والبنات، صارت المحلة في رأسي عالماً هندسياً من الخطوط، والمربعات، والمستطيلات".
طفلتان سرقت الحرب أحلامهما كبقية أطفال العراق، واستبدلت كل منهما إياها بكوابيس نقلت الرواية من الحرب إلى الحصار الذي أسهبت في وصفه، حيث بدأت عائلات المحلة تهجرها واحدة تلو الأخرى، ليسكن الفراغ بيوتهم، وهنا يبرز دور العم شوكت، الذي كان يصنع بأسنانه على معاصم الأطفال ساعات وهمية، فأحبوه هو الذي لم ينجب وزوجته باجي نادرة الكردية الأطفال، فكان كل أطفال المحلة بمثابة أبناء له، هي التي تركته عائدة إلى حيث أسرتها في محاولة منها لنيل رضاهم، بعد أن كانت تزوجت منه رغماً عنهم.
العم شوكت موظف البنك المركزي أخذ على عاتقه مهمة حراسة البيوت التي يهجرها أهلها والعناية بها، وهو وصديقه "برياد" الكلب الوفي، وكان مخلصاً في الحراسة حتى إنه فقد عقله عقب تعرض أحد هذه المنازل للسرقة، وكأنه انعكاس لبغداد كلها، فكلما تردى حال العاصمة تردى حال جودت، وهو ما انعكس بداية في تراجع اهتمامه بملبسه، قبل أن يتحول إلى متشرد يفقد النطق.
قارئ "ساعة بغداد" في ثلثها الأول، يتراءى له وكأنها رواية للأطفال أو اليافعين، لكونها جاءت على لسان طفلة، وبلغة بسيطة كعامة السرد في الرواية، دون جزالة لغوية، أو تكنيك روائي لافت، ولعل الرواية هنا باتكائها على الطفلة كساردة أساسية للحكايات ما يبرر لها ذلك.
حياة الطفولة تسير بخيالاتها وأحلامها زاحفة إلى مرحلة المراهقة في ظل الحصار المتواصل على البلاد، لكن الطفلة وصديقاتها يعشن المراهقة بكل تفاصيلها، فلم يمنع الحصار قصة حب بينها وبين فاروق ذلك المراهق في ذات الحي الذي تقطنه، ولم تمنع أيضاً نادية من قصة حب موازية مع ابن الحي نفسه أحمد، حيث يعيشون يومياتهم ما بين حب وحرب وحصار وهجرة ونكبات حتى تتخرجا من المرحلة الثانوية، وهنا تفترقان كل إلى جامعة، فكان أن جمعهما الملجأ فالمدرسة وفرقتهما الجامعات.
وحضرت رواية "مائة عام من العزلة" لماركيز في رواية "ساعة بغداد"، حيث سعت الطفلة على الدوام إلى إقناع صديقتهما المشتركة بيداء بقراءتها، وهنا لربما سعت الروائية الراوي لبناء حالة من المقارنة ما بين بغداد وقرية "ماكاندو" في رواية ماركيز.
بيداء التي كانت ترفض قراءة الرواية بادعاء صعوبتها انتهى بها الحال في كندا مع زوجها، وهناك تقرر قراءة الرواية التي لطالما كانت صديقتها التي باتت تعيش في الأردن تحثها على قراءتها على مسمع ومرأى من نادية التي انتهى بها الحال في دمشق وأسرتها، قبل أن تتزوج وتستقر في دبي .. تقرأ بيداء "لقد قلبوا القرية في لحظة واحدة، ووجد أهالي ماكاندو أنفسهم فجأة ضائعين في شوارع قريتهم، مشدوهين بذلك المهرجان الحاشد"، وهنا لم تتمكن من حبس دموعها، وهي تتذكر المحلة.
ويلمس القارئ تحولاً ما في اللغة السردية، التي باتت أكثر نضوجاً بما يناسب طالبة جامعية، وإن لم تتخل عن بساطتها، فهي لم تبرع في التقنيات، ولكنها اتكأت في نصها السردي هذا على شيء من الفنتازيا الذي لربما كان ميزة تحسب لها في وقت، وكما اشرت، لم تكن اللغة ولا التكنيك من عوامل القوة في "ساعة بغداد".
فكان لافتاً تلك الزيارة الأخيرة للصديقتين إلى الملجأ في محاولة لاستعادة ثنائية لذكريات مؤلمة شكلت تفاصيل كثيرة من حيواتهما، قبيل الرحيل الأخير عن بغداد، حيث تلتقيان بـ"المشعوذ"، الذي كان أخبرهما بسقوط بغداد قبل حدوث ذلك بالفعل، بل إنه نصح العائلات في المحلة بالرحيل .. هذا المشعوذ أدخلهما في "رحلة إلى ما بعد المستقبل، إلى حياة ما بعد هذه الحياة"، لتجدا نفسيهما في مدينة أمام "ملاك أبيض"، وغيرها من الكائنات في عالم غرائبي.
ودخلت صاحبة الاسم المجهول في حوارات مع الموتى، وليس فقط جدها، امتدت على ما يزيد على عشر صفحات مفعمة بالفنتازيا والغرائبية، في رواية قالت عنها صاحبتها: قرأت مرة جملة لمارك توين يقول فيها إن أفضل تكنيك هو اللاتكنيك ... عندما أقرأ، فأنا أبحث عن الاستمتاع، وليس لاكتشاف تقنيات أو تعلم دروس فلسفية أو حكم مدرسية، هذه إضافات ثانوية، الرواية الجيدة بالنسبة لي هي الرواية التي تمنحني زمن قراءة ممتعاً أولاً .. من المدهش بالنسبة لي أن تصنع عالماً جديداً، أن تعيش حياتين في الوقت نفسه، أن تهرب من إحداهما إلى الأخرى. بالفعل، إن زمن كتابة رواية هو زمن إضافي تستعمله ضد رتابة الحياة، وهذا ما حدث معي.
http://www.al-ayyam.com/ar_page.php?i...