نصر حامد أبو زيد > Quotes > Quote > Aysha liked it

نصر حامد أبو زيد
“منذ اللحظات الأولى في التاريخ الإسلامي – وخلال فترة نزول الوحي وتشكل النصوص – كان ثمة إدراك مستقر أن النصوص الدينية مجالات فعاليتها الخاصة، وأن ثمة مجالات أخرى تخضع لفاعلية العقل البشري والخبرة الإنسانية، ولا تتعلق بها فعالية النصوص، وكان المسلمون الأوائل كثيراً ما يسألون إزاء موقف بعينه ما إذا كان تصرف النبي محكوماً بالوحي أم محكوماً بالخبرة العقل، وكثيراً ما كانوا يختلفون معه، ويقترحون تصرفاً آخر إذن كان المجال من مجالات العقل والخبرة، والأمثلة على ذلك كثيرة وتمتلئ بها كل وسائل الخطاب الديني وأدواته من كتب ومقالات وخطب ومواعظ وبرامج وأحاديث، ورغم ذلك يمضي الخطاب الديني في مد فعالية النصوص الدينية إلى كل المجالات، متجاهلا تلك الفروق التي صيغت في مبدأ "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".

ولا يكتفي الخطاب الديني بذلك، بل يوجد بطريقة آلية بين هذه النصوص وبين قراءته وفهمه لها، وبهذا التوحيد لا يقوم الخطاب الديني بإلغاء المسافة المعرفية بين "الذات" و"الموضوع" فقط، بل يتجاوز ذلك إلى ادعاء - ضمني - بقدرته على تجاوز كل الشروط والعوائق الوجودية والمعرفية والوصول إلى القصد الإلهي الكامن في هذه النصوص. وفي هذا الادعاء الخطير لا يدرك الخطاب الديني المعاصر أنه يدخل منطقة شائكة هي منطقة "الحديث باسم الله"، وهي المنطقة التي تحاشى الخطاب الإسلامي - على طول تاريخه عدا استثناءات قليلة لا يُعتد بها - مقارنه تخومها، ومن العجيب أن الخطاب المعاصر يعيب هذا المسك ويندد به في حديثه عن موقف الكنيسة من العلم والعلماء في القرن الوسطى.”
نصر حامد أبو زيد, نقد الخطاب الديني

No comments have been added yet.