Status Updates From Longe das aldeias (Portugue...

تدربت على سؤالها بقلب مخلص. وهأنذا مفعم بالشجاعة. اليوم لن أسمح لجندي واحد، كائنا من كان، بأن ينتزعني من بين ذراعيها اللتين فيها ملاذي.

وأمي على فراش الانتظار تبتسم، سعيدة، غائبة.
تمت ✨🧡":

من رأى في كل شيء رسالة عظمى، وفي كل شدَّة من شدائد الماضي درسا للمستقبل، لم يذق للشقاء طعما.

أحس بوجود أحد هناك، فما زالت عيناها تحدثانني عن العواطف التي تعتمل في روحها، بيد أن جسدها الذي يكاد يكون هامدا يشعرني بالحداد على مارية التي لم تعد على قيد الحياة. ها هي أمي في سبيلها إلى الرحيل ..!

حطمت الخالة ميرنا سياج الذكريات الأشد مرارة. وبالحطام المتداعي ابتنت حياة جديدة على الجانب الآخر من العالم، وسمحت لنفسها بالميلاد من جديد.
بدأت مرة أخرى، بداية نقية، أشد ما يكون النقاء، وكأنها لا ماضي لها.
اختارت الحالة ميرنا ألا تموت في تلك الحرب. وكان النهوض من بين أنقاض المعركة سبيلها للعيش في سلام!

راحت أمي تصارع جلَّاديِها اللامرئيين، معذبَّة، وقد ضاق عليها الخناق حتى التصقت بالجدار.

يطول عناق مادالينا مدى الدهر الذي يستغرقه نحيبي، أعرف أن بكائي بلا معنى، وأنه ينطوي على أحزان حيوات أخرى كثيرة، أذرف دموع الخالة ميرنا المهجورة، ودموع جوزيف الذي انتُزع من بيت أبويه، ويجيش صدري بكل الحسرة المحجوبة في ماضي أمي التي لا عزاء لها. تهمس إلي مادالينا وتعدني بأن «كل شيء يمر».

يلامس وجهها الودود وجهي، ومرة أخرى أتذوق قبلتنا الأولى والوحيدة، نزوتي الصغيرة التي ارتكبتها متأثرا بحرارة البهجة العابرة. أرى هاتين الشفتين المرهفتين وهما تحدثانني بعفوية عن المرض، وتغمران بالرفق شقائي المغلوب على أمره قليلا. ها هي ذي تبدد جميع الأحزان التي تعتمل في نفسي بسبب ردود فعل أمي وتدهور حالها المخيف، صوت مادالينا في أذني يكاد يكون نفحة إلهية وملمس بشرتها يلهب وجهي، أفكر في جميع القبلات التي لم نتبادلها قط .

نجا بحياته من العاصفة الثلجية الأشد قسوة، فلم أعلم بنجاته. على مدى أعوام طوال اختبات في كهفه الجليدي، ورحت اترقب أن يُعثر علي أنا والخال بيتر معا، بعيدا عن هذا العالم. مرات كثيرة حلمت بجسدي مُحمَّدًا. وددت لو كنت ذا شأنٍ، عصياً على النسيان، مثل خالي الطفل. بيد أنه عاش زمنا كافيا ليرى الحرب بعينيه، الزمن الذي تستغرفه الحقيقة في الخروج من غياهب العتمة.

أسمع اسمي، وأضطر إلى التخلي عن ملاذ الكتب. أريد النسيان، فلا أستطيع إليه سبيلا.

ألف بينهما الإيمان بالحياة بعد الموت على خشبة المسرح، والشغف المتوهج بتلقين العقيدة لأولئك الذين لا يعرفون أسرار الروح، أما أنا فأكتفي بالمراقبة، وأنا التلميذ في كل شيء.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها مادالينا بين ذراعي شخص آخر، ولكن الحال لن يدوم إلى الأبد. فلسوف اتحلى بكل ما في العالم من صبر، وأترقب اللحظة المواتية، وأتدرب في صمت على السؤال الذي لم أطرحه يوما. لا ضرورة لاستحضار الماضي والعيش فيه الآن.

الفت ما دالينا أكثر مما ينبغي. فهي إلى جواري دوما، ترافق أمي، باهتمام وعطف. وترى في البطل الذي لم أكنه يوما. هي عزائي، وهي قوتي. وعلى الرغم من ذلك، فلا هي قالت «نعم»، ولا أنا سألتها يوما.
منزويا في ركن من أركان الحجرة، في صمت ونشوة، أحلم بأن أكون لها إلى الأبد. غير أني لم أسألها يوما.

لقد زرع سادة الحرب الجهل في نفس جوزيف. وآثروا غواية جنودهم بالأمل في مستقبل باهر وتغذية الشعور بذنوب الماضي والتشديد على تقاعس الحاضر، بغرض السيطرة على العقول الضعيفة. وكان ذلك هو النهج الذي ساروا عليه في أرضي، في كل مركز من مراكز التدريب وكل مدرسة، وكل كنيسة.«فالقتلة والمغتصبون في حاجة إلى نزع السمة البشرية عن الآخر قبل ارتكاب جرائمهم» !

كانت ترنو في زهو إلى أمي وهي تكافح ضد الطغاة، وتتغلب على هشاشة المرأة، وتأبى فقدان ثقافتها وحريتها . رأت في «مارية» الإنسانة التي أثبتت أن بمقدورها الانتصار على القدر، راحت أصابع مادالينا الرشيقة تطرز الوشاح، متَّقدة على وقع الاحتجاجات التي اندلعت على الجانب الآخر من المحيط، آملة أن تتَّخذ من ذلك الوشاح رايةً ذات يوم.

«أعرف أني،

من بعيد،

لا أعدو أن أكون ظلا،

يرفُّ حول روحك.

ولكن

عسى أن أكون ظلا خفيفًا

يتماوج من حولك

لا شبحًا ميتا يبت الذعر في نفسك!»

لطالما ردَّدَت أمي الشيء نفسه، وقالت إن أبي سوف يكون فخورا بي للغاية. لستُ على يقين من أي شيء. وإن كنتُ على قناعة بأن أبي لا هجر بيتنا ولا هجر أمي. ذلك شيء في غاية الإجحاف. فلا هجران إن لم يملك المرء خيارًا.

أما الصور الثلاث الحبيسة في المرآة، والامتناع عن التأقلم على العادات الجديدة، وقصص الطفولة المختزَلة إلى النصف، فكلها أمور مترّعة بالشوق. كلها أمور حوَّلَتني إلى هذا الغريب الذي هو
أنا، فلا يسعني حبّ الأرض التي عليها ولدت ولا أنا جزء من هذا البلد الذي فيه نشأت، أرادت لي أمي أن أكون بيتر، وجوزيف وجدي، متحرّرًا من أهوال ساحة المعركة. بيد أنها جعلتني« لا
أحد»، وتركتني أسيرًا في الحرب.

كانت طفولتي حافلة بالذعر، الأمر الذي لم أود لشقيق أن يمر به. من الصعب تفهم تلك الأم التي يتراوح حالها بين الغضب العارم والعطف الحامي الذي يطبق على الأنفاس بأشد من كل ما عداه، حتى قبل ظهور أعراض المرض، لم أكن أدري من تخالني أمي قط. وما زلت لا أدري ما إن كنت أود رؤية شقيق لي وهو يتكبد الظنون الغريبة نفسها.

وفي صمت الاستبداد الواقع عليه، أتخيل أبي حزينا، عيناه ملبدتان بالحنين. وإن لم أفهم يوما أمر ذلك الطفل الساكن في عينيه . ربما كانت أمي هي الوحيدة التي استطاعت رؤيته، هي وحدها بقناعاتها التي لا تلين.

في كل كلمة من كلمات هذه القصة التي لم تكد تنساها، ألمس عذابها الهامس، ليس بالأمر الهين أن أقف على تلك الحقائق وأعرف كيف حبلت بي أمي وسط فوضى الحرب. عند ذلك، ألوذ بالخيال. إذ لم يبق لي سواه من أجل استرجاع ماضيّ، متواريا بين الذكريات الأشد إيلاما!

لطالما تركت الذكريات في فمي مرارةً وفي قلبي خواء.
لستُ على يقينٍ من أي شيء!