Marwa’s Reviews > المهرطق: رحلة عالم من داروين إلى التصميم > Status Update

أي دارس للبيولوجيا الجزيئية لابد أنه تعرض لمفهوم الطفرات وأنواعها، لكن الكتاب نبهني إلى أننا أيضا درسنا إلى جانب الطفرات، الطرق العديدة التي تحمي بها الخلية نفسها من الطفرات عند حدوثها وقبل حدوثها. وبما إن التطور الدارويني يعتمد على طفرات صغيرة تتراكم مع الوقت لتنشِئ جينات وبروتينات جديدة، وبغض النظر عن استحالة ذلك رياضياً؛ السؤال كيف يمكن لآلية عمياء تعتمد على الطفرات أن تنشئ نظام يصحح الطفرات بل ويحمي الخلية منها؟!

ليسولا خبير كبير في مجال التقنية الحيوية. خلال عمله في شركات تستغل الهندسة الجينية لإحداث تغييرات في إنزيمات الكائنات الدقيقة، كان يعرف جيدا حدود تدخله في تعديل هذه الكائنات لأنها مبرمجة لتسمح بتدخل هامشي ولا يمكن أن يغامر بطفرات عشوائية تضرب في مهامها الرئيسية وإلا ستحدث مشكلة. هذا يعني أن الكائنات تسمح بالطفرات ولكن في حدود ضيقة. كيف يمكن للتطور المعتمد على الطفرات العشوائية أن ينشئ كائنات تقاوم الطفرات؟!

الطفرات العشوائية من ركائز نظرية التطور، فعن طريق تراكم الطفرات العشوائية الواحدة تلو الأخرى تنشأ أنواع جديدة من الكائنات وتتفرع شجرة الحياة. البكتيريا مثالية لتجريب هذه الفرضية لأنها تتكاثر بسرعة ويمكن تحفيز الطفرات بالمواد الكيميائية في المعامل البحثية. ما المتوقع عندما يخرج بحث يدعي أنه أثبت أن الطفرات البكتيرية تثبت التطور؟ أن البكتيريا تتطورت من نوع لآخر أو إلى كائن جديد، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن.

الكتاب ممتلئ لآخره بكل التحديات التي تواجه نظرية التطور ولا يستطيع العلماء التطوريون الإجابة عنها مثل مشكلة أصل الحياة، ومشكلة المعلومات التي لا يمكن أن تنشأ من طفرات عشوائية، والمشكلة الرياضية التي تجعل من المستحيل تكوين بروتين واحد ولو مرت ملايين السنين إلى مشكلة التكوين الجنيني لكل كائن حي والذي يتطلب تضافر عناصر عدة وتوقيتات متزامنة مما يستحيل لآلية مثل التطور تعتمد على فرضية الطفرات المتراكمة أن تستوعبها.
رائع!

لدى الإنسان مئات الأنواع من الخلايا، ولكن خلال النمو الجنيني كيف يتشكل كل نوع من الخلايا في الوقت المناسب والمكان المناسب وينمو بالحجم المناسب؟ تحتاج هذه العملية المعقدة لتوقيتات ممتازة وتكامل بين كل الأجهزة. هذه السيفونية الفريدة لو لم تُعزف بإتقان سيموت الجنين. كيف يمكن لهذه الأوركسترا المكتملة أن تنشأ بطفرة واحدة تلو الأخرى؟! ليس لدى التطوريين أي تفسير لذلك.

من أكبر التحديات أمام نظرية التطور هي"المعلومات". وضع داروين نظريته في عصر كان يُعتقد فيه أن الخلية عبارة عن كرة من الهلام. هذه النظرية السطحية انتهت للأبد مع اكتشاف الحمض النووي مخزن معلومات كل كائن حي. يقول بول ديفز: من الأفضل أن نفهم الخلية الحية كحاسوب دقيق، وأفضل ما توصف به أعمال الخلية أنها معلومات. كيف ابتدعت الطبيعة معالج المعلومات الرقمي الأول في العالم؟ أمن فوضى عمياء من الجزيئات المتخبطة؟

عام ٢٠٠١ كتبت صحيفة الواشنطن بوست عن الرسالة المُوَقَّعة من ١٠٠ عالم يشككون في نظرية التطور "نحن نشكك في قدرة الطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي على تفسير الحياة. يجب التشجيع على الفحص الدقيق لأدلة النظرية الداروينية". من ضمن الموقعين الأستاذ هنري شيفر الذي نشر قرابة ٨٠٠ بحث في الكيمياء النظرية، ورشح لنوبل خمس مرات. يقول: إن المدافعين عن التطور يقبلون أدلة على التطور ما كانوا ليقبلوها كعلماء في ظروف أخرى".

استلهم داروين مفهوم الانتخاب الطبيعي من التربية الانتقائية للحيوانات، فلو أن للبشر القدرة على انتخاب السلالات الأفضل في البقر والكلاب لتعزيز الصفات المفضلة، فلم لا تقدر الطبيعة على مدار ملايين السنين من فعل نفس الشيء مع الكائنات؟! ولكن هذه المقارنة بين التربية الانتقائية والانتخاب الطبيعي تشهد ضد حجته، لأن الانتقاء عملية واعية، كما أنها تحدث ضمن حدود ثابتة. البقر يبقى بقرا، والكلاب تبقى كلاباً.

كل دارس لنظرية التطور يعرف جيدا مخطط شجرة الحياة الشهير الذي يمثل تطور الكائنات المختلفة من كائنات أقل تطورا، حتى نصل للخلية الأحادية في قاع المخطط. تم وضع هذا المخطط بناء على التشابهات الظاهرية بين الكائنات، ولكن عندما تم محاولة إعادة بناء هذه الشجرة بناء على التشابهات الجزيئية في الحمض النووي تناقضت الشجرتان في نواحي عديدة ولم يحدث تلاقي. هذه ليست النتائج المتوقعة من عملية تطور عمياء وتدريجية.

من المعروف أن البكتيريا تطور مقاومة ضد المضادات الحيوية. استغل علماء التطور هذا لإثبات أن الطفرات يمكن أن تؤدي لتطور الكائنات من بعضها البعض بتراكم الطفرات الصغيرة العمياء. ولكن الكائن الجديد يحتاج لآلاف البروتينات الجديدة، فهل يمكن للطفرات أن تقدم ذلك؟ الطفرات في مقاومة المضادات الحيوية تؤدي لتعديل بسيط في جينات موجودة مسبقا، ولم تنشئ بروتينات جديدة. إذن الطفرات مجرد آلية للتكيف ولها حدود ضيقة وليس كما يروجون.