فايز غازي Fayez Ghazi’s Reviews > إسرائيل: من الإرهاب إلى مجازر الدولة > Status Update

لا ضرورة للإطالة ولا للإستفاضة، فكل الذين زاروا القنيطرة، شاهدوا ما لم تره عين من قبل. مدينة بكاملها تحوّلت الى حقل تجارب للجرافات ... والمتفجرات. انها مدينة مدمّرة بكل ما لكلمة تدمير من بشاعة ولا انسانية. إن تدمير القنيطرة، يجب ان يتساوى مع ما فعله الهون في اوروبا ومدنها، مع ما فعله المغول والنازيون، ومع ما حلّ بهيروشيما.

بعد الغارة الاسرائيلية خلال شهر تشرين الثاني 1978 التي لوقعت مئة قتيل، تحدث مراسل أمريكي عن رجل في الستين من عمره من بلدة العزية "فقد كل شيء: زوجته وأبناءه الستة وشقيقه وزوجة شقيقه وابناء شقيقه الاربعة، يحوم حول المستشفى كالأبله. بين الجثث، ركع متأملًا وجوههم والدمع في عينيه وفي فمه غصّة، مدّ يده ومسح الأوساخ عن وجه ابنه الأصغر، ثم انحنى فوقه مقبّلًا وهو يقول: "إذهب يا حبيبي، لا همّ، فالله أكبر"

اثناء حادثة ميونخ، طلعت بعض الصحف بعناوين عريضة تدين الفعل: "نشر الرعب في العالم".. "الأمين العام للأمم المتحدة يدين الإرهاب". هذا في حين لم تتكرم هذه الصحف بنشر تصريح الأمين العام الذي ندد بإسقاط الطائرة المدنية الليبية (1973) الذي عبر فيه عن صدمته للنبأ.

فكرة الارهاب الصهيونية متجذرة في صميم ايديولوجية هذه الحركة، فلا مجال للصفح، ولا للعفو. فالرحمة تضر بالمصالح الحيوية، وبدا هذا واضحًا في اقدام الياهو بتزوري ورفيقه الياهو حكيم على اغتيال اللورد موين في القاهرة عام 1944. بعد عام اصدرت المحكمة المصرية حكمها بإعدام الشابين، ونفذ الحكم، فما كان من بن غوريون إلا ان قدّم "احترامه الكلي للوطنيين اللذين اعدما في القاهرة"

نجحت وسائل الاعلام بجعل المجتمع الغربي يتقبل فكرتين متناقضتين في آن: فاليهود والصهيونية في نظره مقاتلون احرار شرفاء يقاتلون لهدف أخلاقي مشروع... وبالتحديد من اجل اقامة دولتهم اسرائيل. اما حين يلجأ الفلسطينيون الى السلاح لاستعادة وطنهم السليب فإنهم يفعلون ذلك بدافع الارهاب لأنهم ارهابيون. وفي الوقت ذاته يتقبل المجتمع الغربي استغلال اليهود لما ارتكبه هتلر بحقهم لتبرير افعالهم ويرفض سماع الفلسطينيين المطرودين من ديارهم.

ان صيغة "شكل من الأشكال" سبق واستخدمتها الأمم المتحدة، في قرارها الصادر بتاريخ تشرين الثاني 1975 الذي اعتبر الصهيونية "شكلًا من اشكال العنصرية والتمييز العرقي". وهذا يعني ان الأمم المتحدة أعلنت ان الصهيونية توازي العرقية. ومن المعروف ان العرقية تساوي النازية وتعادل معسكرات الموت.

ان القارئ الطيب القلب الذي قد يعتقد بأن هذه العمليات كانت تستهدف ضرب فدائيين عرب محتملين يستعدون لمهاجمة الدولة اليهودية الصغيرة، سيجد ان عليه تعلم الكثير حول مفهوم بن غوريون للأمن الاسرائيلي. فعمليات القتل التي نفذتها الاستخبارات الاسرائيلية في بغداد بين عامي 1950 و 1951 تمت بالاتفاق مع بعض شخصيات السلطة العراقية الحاكمة آنذاك، ولم يكن ضحاياها سوى .. اليهود العراقيين!

طوال سنة ١٩٤٧، والاشهر الاولى من ١٩٤٨ حتى ١٥ ايار، تصاعد حملة الإرهاب، ضمن سياق خطة استراتيجية جديدة، وفعلا، لم يعد الهدف مقتصرًا على التخويف، بل أصبح موجهًا لدفع السكان الى النزوح، حسب نهج سيتعمم خلال الحرب، ورُسمت خطوطه العامة في مشروع "داليت" الشهير، الذي أعدته الهاغانا بتاريخ ١٠ آذار ١٩٤٨.
وهكذا انتظم "النموذج" الاسرائيلي لمجزرة الدولة، على اساس أهداف ثلاثة: الانتقام والتخويف والتهجير، وتوجيه عملية التصعيد.

إن التقاليد والأعراف والشرع، التي بني على اساسها القانون الدولي، هي قاطعة في هذا المجال. فباستطاعة ومن واجب كل دول العالم، قمع ومعاقبة جرائم الحرب، بغضّ النظر عن جنسية المجرمين. وبإسم هذا الواجب المقدس، برر القلدة الإسرائيليون في حينه، اختطافهم ومحاكمتهم وإعدامهم للمجرم النازي أيخمان.

اعرب يوري أفنيري، في مقال نشر بتاريخ ١٦ شباط ١٩٨٣ عن قناعته "ان بعضهم (الأرجح شارون وإيتان) كانوا ينوون إحداث المجزرة، والآخرون كانوا على معرفة بهذه النية. ولهذا السبب تصرفوا على الوجه التالي؛ أخفوا المعلومات والوقائع، دافعوا عن منفذي العملية، أتلفوا الاثباتات، تجنبوا تشجيل المحادثات والاتصالات، اغمضوا اعينهم وصموا آذانهم، احجموا عن نقل المعلومات، ليمكنوا المؤاجع العليا من الادعاء عند الضرورة بأنهم لم يعلموا شيئًا.