إلياس بلكا's Blog
June 15, 2019
عاد منتدى رياض الواصلين
عاد منتدى رياض الواصلين إلى العمل منذ شهرين تقريبا، وهو غني جدا بالمقالات والمناقشات في العلوم الإسلامية والسلوك.
http://www.riyadlwassiline.com/index.php
http://www.riyadlwassiline.com/index.php
Published on June 15, 2019 17:48
April 27, 2018
بمناسبة "عودته" إلى الفايسبوك: كلمة عن الأستاذ علي الصوفي: داعية فريد إلى الله المجيد.
بمناسبة "عودته" إلى الفايسبوك:
------------
كلمة عن الأستاذ علي الصوفي: داعية فريد إلى الله المجيد .
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي وآله.
يقول ربنا جل جلاله: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.)
فبيّن لنا سبحانه أن أفضل العباد من دعا إلى الله، عن علم وصدق حال. لذلك كان نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إمام الدعاة، وكان هو المقصود الأول في الآية، لذلك قال الحسن البصري كما في تفسير القرطبي: "هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحبّ الخلق إلى الله. أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين. فهذا خليفة الله."
وقد ورث الأولياء العارفون الكاملون الرسلَ والأنبياءَ في هذه الدعوة الخالصة إلى الله تعالى. فهم على أقدامهم سائرون وبمنهجهم مقتدون.
إن الدين كما فسّره نبينا العظيم في حديث جبريل درجات ثلاثة: الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان. لكن الأمة اهتمّت أساسا بمقام الإسلام، حتى نسيتْ غيره. بل إن معظم العلماء لا يعرفون الإحسان حقّا، لذلك إذا تكلموا فيه لم يأتوا بطائل، لأن مقام الإحسان مقام ذوقي لا مدخل فيه للعقل، ولا سبيل إليه بالتعلّم الكسبي. ألا ترى أن نبينا وصفه بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك؟ وكيف تعبد الله كأنك تراه؟ لذلك كان ما أجابوا به قاصرا لا يخفى قصوره عند أدنى تأمل.
لذا قال القشيري: "قد جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه وفضّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه." وقدّم الغزالي أيضا الأولياء على العلماء.
وقد أجاب الفقيه ابن رشد الجدّ -من كبار مجتهدي المذهب المالكي حتى إن الشيخ خليل اعتمده في مختصره- حين سُئل عن المفاضلة بين العارف والعالم في كلام القشيري والغزالي وغيرهم، فقال: "لا يشك عاقل أن العارفين بما يجب لله من أوصاف الجلال ونعوت الكمال، وبما يستحيل عليه من العيب والنقصان أفضل من العارفين بالأحكام. بل العارفون بالله أفضل من أهل الفروع والأصول، لأن العلم بشرف المعلوم وبثمراته. فالعلم بالله وصفاته أشرف من العلم بكل معلوم من جهة أن متعلـَّقه أشرف المعلومات وأكملها، ولأن ثماره أفضل الثمار، فإن معرفة كل صفة من الصفات توجب حالا عليه، وينشأ من تلك الحال ملابسة أخلاق سنية ومجانبة أخلاق دنِية.."
ثم استطرد قائلا: "ولاشك أن معرفة الأحكام لا تورث شيئا من هذه الأحوال، ولا من هذه الأقوال والأعمال. ويدل على ذلك الوقوع، فإن الفسق فاشٍ في كثير من علماء الأحكام، بل أكثرهم مجانبون للطاعة والاستقامة.. الخ."
ونبّه أيضا على أنه لا يعني بالعارفين المتكلمين علماء الكلام والعقيدة.
ثم واصل الاستدلال، فكتب: "العارفون أفضل الخلق وأتقاهم لله سبحانه، والله سبحانه يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ومدْحُه تعالى في كتابه للمتقين أكثر من مدحه للعالِمين. وأما قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)، إنما أراد العارفين به وبصفاته وأفعاله دون العارفين بأحكامه. ولا يجوز حمل ذلك على علماء الأحكام، لأن الغالب عليهم عدم الخشية، وخبر الله تعالى صِدق، فلا يُحمل إلا على من عرفه وخشِيه، وقد روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ترجمان القرآن. "
أما تفضيل العمل المتعدي على القاصر، فقال ابن رشد: "أما قول من يقول العمل المتعدي خير من العمل القاصر، فإنه جاهل بأحكام الله تعالى." ثم بيّن أن في الأمر تفصيلا، فتارة يكون أفضل وتارة لا يكون.
قال: "ومما يدل على فضلهم على الفقهاء ما يجريه الله تعالى عليهم من الكرامات الخارقة للعادات، ولا يجري شيء من ذلك على الفقهاء إلاّ أن يسلكوا طريق العارفين ويتصفوا بأوصافهم." وشرح أيضا أن المعرفة لا تُنال أو لا تكون لشدة عبادة، فذكر مثال أبي بكر، ثم مثال الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه، لذلك حين اعتبر قومٌ أن عبادته عليه السلام قليلة أوضح لهم أنه أعلمهم بالله وأخشاهم له.. فليس كثرة العمل هو المعرفة وإلاّ كان نوح يُقدّم على نبينا.
رحم الله ابن رشد ما أفقهه وما أشدّ إنصافه. فلتُنظر فتواه كاملة في في فتاويه ومسائله (ص1624)، وأصلها في معيار الونشريسي.
كذلك حكى العالم الكبير ابن عجيبة في فهرسته ص 41 خلاف الناس في أيّهما أفضل العالم أم الولي، فقال: "منشأ الغلط عدم التمييز بين الولي والصالح، فلعله عندهم شيء واحد، وليس كذلك. فالولي هو من ارتفع عنه الحجاب حتى دخل مقام الشهود والعيان وفُتحت له ميادين الغيوب، فلم يحجبه عن الله شيء. والصالح من صلُحت ظواهره بالتقوى وعمّر أوقاته بالطاعة. فلا شك أن هذا: العالِمُ أفضل منه. وأما الولي الذي ارتفع عنه الحجاب فلا أحد أفضل منه إلاّ مقام النبوة والرسالة، لأنه في مقام الصديقية التي تلي درجة النبوة. ولعل هذه الدرجة هي التي أشار إليها عليه الصلاة والسلام بقوله: (من مات يطلب العلم ليس بينه وبين النبوة إلاّ درجة واحدة). (رواه الطبراني وغيره). فتكون الدرجة التي بينه وبين النبوة هي درجة الولاية. وهي درجة الصديقين. فالمقامات أربعة: مقام الرسل والأنبياء، ثم الأولياء، ثم العلماء والشهداء، ثم الصالحون."
مِن هنا تفهم لماذا يتواضع العالِم الكبير، مع شهرته ورسوخه في العلم، للوليّ العارف مع أنه قد يكون أميّا في الظاهر أو لم يتعلّم كثيرا أو مغموراً خاملَ الذّكر، وتفهم لماذا يأخذ عنه العلمَ بالله سبحانه خاصة.
إن وراء هذه الظواهر في الحياة أسرار وحقائق أخرى. وفي المثل الفرنسي: الظواهر خدّاعة les apparences sont trompeuses
ومن هؤلاء الدعاة إلى الله، على بصيرة ومعرفة: أخونا وصديقنا الكبير علي الصوفي.
فهو آية من آيات الله في زمننا هذا. رزقه الله العلمَ به وبصفاته وأسمائه وأفعاله وآثاره بما لا مثيل له إلاّ بأندر النادر.
قد سخّره الله سبحانه للدعوة إليه في عالم النت خاصة، فهو فارس الشبكة العنكبوتية بلا منازع.. لذلك كان ديدنه من عشرين سنة في كتاباته بالمنتديات والمواقع هو الدعوة إلى الله وبيان الطريق والتحذير من العلل والعوائق ورفع الهمة... لا يدعو لنفسه ولا لشيخ ولا لطائفة ولا لجماعة ولا لشيء... سوى الله..
عرفتُه من سنين، فوجدته فانيا في محبة الله، بالغا مبلغا عظيما في معرفته.. لدرجة لا يمكن لأمثالنا تقديرها. حتى إن حاله غريب، فهو معنا وليس معنا، هو داخل الكون وخارجه في آن. كأنه ينادينا إلى الله من مكان بعيد. لذلك تجد المعلومات الشخصية عنه قليلة جدا، وكذلك صوره الشخصية نادرة أيضا.
وإن قول الورتجبي يصدق صدقا تاما على صاحبنا أ.علي، حيث قال في تفسير الآية السابقة: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله، أي: مِمّن عرف الله بعد أن رآه وأحبّه واشتاق إليه، ودعا الخلق إليه، من حيث هو فيه وصدقه في حاله، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال، وصدق المقال، وحلاوة الأحوال، ويذكر لهم شمائل القِدم وحق الربوبية، ويُعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويحبب الله في قلوبهم، وهذا عمله الصالح. ثم يقول بعد كماله وتمكـّنه: إنني واحد من المسلمين، من تواضعه ولطف حاله خلقا وظرافة، وإن كان إسلامه من قصارى أي: غاية أحوال المستقيمين."
وأنتَ لن تعرف قدر صاحبنا وعلوّ مقامه وسعة علومه -وكل ذلك من فضل الله عليه لا أثر له فيه بتكسّب أو تكلّف-.. إلاّ إذا عرفتَ أيضا أن معظم من يكتب في هذا المجال إنما يكتب بعقله وفي حدود معرفته وقراءاته -من الكتب خاصة-، ولا ذوق له في الطريق.. بل أكثرهم لمّا يُفتح عليه بشيء، فهُم مبتدؤون، أحسن أحوالهم أنهم سالكون. هؤلاء قد يخفى حالهم على معظم القرّاء، لكنهم لا يخفون على أهل هذا الشأن.
ولو اقتصروا على الدعوة إلى دين الله وشريعته كان أوْلى لهم، أما الحديث عن السلوك إلى الله فمن شروطه الوصول والإذن. وفاقد الشيء لا يعطيه. وفي كتاب الإحياء: المقتدى به هو الذي استقام في نفسه، واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره، لا من يظهر خلاف ما هو عليه ليقتدى به، فإنه ملبس، لم ينصح لنفسه، فكيف بغيره؟
إن الداعي إلى الله حقا هو: الذي "يكون عنده علم تام بالله وصفاته وأسمائه، ذوقا وكشفا، وعلم بآفات الطريق، ومكائد النفس والشيطان، وطرق المواجيد، وتحقيق المقامات، كما هو مقرر في فنه، وهذا الداعي لا تخلو الأرض منه على الكمال، خلافا لمن حكم بانقطاعه. والله تعالى أعلم. " هذه عبارة ابن عجيبة في تفسير "البحر المديد" اقتبستها منه. وأنا على يقين من أن السيد علي الصوفي من هؤلاء الذين لا تخلو منهم الأرض.. مع أنهم قلة قليلة.
وقد كان للأستاذ علي بعض النشاط في الكتابة والحوار على الفايسبوك، ثم تركه منذ سنتين، وله رأي معروف فيه وفي وسائل التواصل الاجتماعي عموما أنها قليلة البركة والفائدة، وأنها من الدجل المعنوي، حيث ظهور روح الدجال يسبق ظهور شخصه. لكن بسبب توقف منتدى رياض الواصلين للصيانة، وبسبب تمسّك أكثر الناس بالفايس حتى كأنه سحرهم، وبسبب كثرة إلحاح الأحباب عليه بالرجوع وإفادة الحيارى والتائهين، وما أكثرهم... لذلك ولغيره قبل العودة (المؤقتة؟) إلى الفايس.
إن عاد أ.علي عاد مكرها للضرورة، فهو نزول وتنزّل إلى الناس حرصا منه على ما ينفعهم..
ذاك روح الدعوة وجمالها.. وتلك أخلاق الأنبياء في أممها، كما قال ربنا في سيدنا: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتّم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم).
Published on April 27, 2018 16:10
March 27, 2018
موضوع مقترح لبحث دكتوراه: التفسـير الإشاري في عصرنا. الأستاذ علي الصوفي نموذجا
موضوع مقترح لبحث دكتوراه: التفســـــــــير الإشـــــــــــاري في عصــــــــــرنا
الأستاذ علي الصوفي نموذجا.أو:
التفــــــــسير الإشاري عند الســــيد علي الصوفي
جمع ودراسة
ينتمي الموضوع إلى مجال التفسير الإشاري للقرآن الكريم.
ولعل أكثر القراء يظنون أن هذا اللون من التفسير من الماضي، وغفلوا عن حقيقة أن فضل الله الجواد الكريم واسع لا أول له ولا نهاية، ولا يتقيّد فيضه وعطاؤه بزمان ولا مكان. لذلك أقول لهم: إن التفسير الإشاري مستمر إلى اليوم. ولو سألوني مثلا لذكرتُ لهم: الأستاذ علي الصوفي.
ولو قرأ القارئ بعض كتب الشيخ محمد المختار السوسي، أحد زعماء الحركة الوطنية الحديثة بالمغرب، كمنية المتطلعين مثلا، (حتى لا أقترح كتبا قديمة)، سيجد أمثلة لأشخاص رزقهم الله علما لَدُنيّا من عنده. أعني هذه ظاهرة موجودة، ربما أنكرها من جهلها، لكن هذا لا يغيّر من الواقع شيئا، إذ الناس أعداءُ ما جهلوا كما يقول المثل العربي.
والحقَّ أقول: لا أعلم أحدا في عصرنا هذا كتب شيئا في التفسير الإشاري يعلو على ما وهبَه الوهّاب للسيد علي الصوفي. لا أعرف أحدا مثله في فهمه الباطني العميق للقرآن الكريم. بل لا أبالغ إذا قلتُ: إن تفسير السيد علي يعلو كثيرا على عديدٍ من تفاسيرنا الإشارية القديمة التي يُحتفل بها اليوم في الأوساط العلمية.
الأستاذ علي -بلا منازع- درّة هذا الزمان في علوم التفسير الإشاري للقرآن الكريم.. وفي علوم أخرى أيضا.
ويحتاج إنجاز هذا البحث إلى طالب له ذوق في التصوف، أو على الأقل مستعدّ لذلك، مع قدم راسخة في علوم الشرع.
وتكون خطة البحث على هذا الشكل:
مقدمة.
البـــــــــــــــــــــــــاب الأول: دراسة عن الرجل والمفهوم.
الفصـــــــــل الأول: عن التفسير الإشاري. توجد دراسات كثيرة في هذا المجال، لكن الباحث عليه أن يلخّص هذه الدراسات وأن يركز على أصول هذا التفسير وقواعده، وأن يمحّص بعض الشروط المذكورة في كتب أصول التفسير التي هي تقييد لما لا يقبل التقييد، وهي تضييق لرحمة الله الواسعة، وهي من باب مَن لا يعلم يريد أن يحكم على من يعلم. فبعضهم شرط 9 شروط للتفسير الإشاري زاعما أنه يريد ضبطه.. والصحيح الاكتفاء بالشرطين الذين ذكرهما الشاطبي وغيره.
الفصــــــــل الثاني: السيد علي الصوفي: نشأته وحياته وأعماله.
انظر مقالي في التعريف بالسيد علي الصوفي: https://ilyassbelga.blogspot.com/2015/06/blog-post.html
الفصــــــــل الثالث: دراسة واسعة لخصائص التفسير عند الأستاذ علي.فمن ذلك اتساقه التام مع الشريعة وأصول التفسير وقواعد العقائد عندنا معشر أهل السنة. ومن ذلك العمق، إذ إن تفسيره يأسر القارئ ويبهره ويكشف له عن بعض كنوز القرآن. ومن ذلك الترابط، حيث يجمع صاحبنا الآيات والأحاديث بعضها مع بعض على وجه متناسق ومنطقي وعجيب. ومن ذلك أنه تفسير يدلّ على الله ويرفع الهمّة لطلبه. ومن ذلك أنه يكشف للقارئ عن بحار المعاني التي بباطن الآيات. ومن ذلك التجدّد المستمر، فإذا فسّر آية فعلى وجه، ثم قد يفسرها بعد زمان بعلم آخر وذوق آخر.. وهكذا إلى ما لا يتناهى.. الخ.
البــــــــــاب الثـــــــــــــــــــاني: جمع ما توافر من تفسير السيد عليّ.
فمن ذلك تفسيره لجزء من قصة أهل الكهف، ولقصة موسى عليه السلام مع الخضر.. وتفسير لبعض آيات من سورة يوسف. وسورة القدر. وبدايات البقرة.. وعشرات من الآيات.. كل ذلك يشكل مجلدا كبيرا، بل أكثر.
وهذا في إطار مشروع للتفسير أطلق عليه صاحبُنا: تاج الملوك في تفسير القرآن لأهل السلوك.
ويتمّ خدمة هذا التفسير بما هو معروف في تقاليدنا الأكاديمية من ضبط النص وتخريج الآيات والأحاديث وترجمة الأعلام والتعليق الخفيف على بعض المصطلحات أو المسائل العلمية..الخ.
هذا كله مع العلم أن ما كتبه الأستاذ في التفسير هو قطرة ممّا في صدره من علوم التفسير والقرآن والدين.. وأنه صرّح مرارا بأنه لم يفسّر شيئا بعد.. لتعلم عظمة الله سبحانه، وعظمة علمه المحيط بكل شيء، كما قال تعالى: (قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَدًا)، وقال جل شأنه: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.)
لا يجب أن تكون المعاصرة حجابا، ولا مانعا من البحث. وجامعاتنا، كجامعات العالم، معتادة على تخصيص أطاريح دكتوراه لشخصيات علمية وفكرية معاصرة أو رحلتْ عن قريب.
أما أن الشخص معروف أو غير معروف، فهذا لا وزن له في ميزان البحث العلمي الموضوعي، فالعبرة بالكلام وليس بالقائل. وأذكر حين كنتُ أعدّ رسالة الدكتوراه تحت إشراف أستاذنا الفقيه المقاصدي النبيل د.أحمد الريسوني، فوقعتُ على مخطوط فيه كلام مهم وجميل، لكنه لمجهول، فسألتُ أستاذي هل يمكن لي اعتماده، فتفكّر قليلا ثم أجابني: نعم، إذا كان كلامه كلام العلماء.
أخيرا يمكنني أن أساعد بما أستطيع أيّ طالب باحث يتقدّم لهذا الموضوع، بما في ذلك الإشراف الأكاديمي، مع أنه للأسف لا تتوافر دكتوراه إسلاميات بجامعتي. لكن توجد بجامعات أخرى.. لذلك لا أعرض هنا فرصة تسجيل إداري للدكتوراه، بل فقط أقترح موضوعا.
التفسير علم مهجور إلى حدّ كبير، وتوجد ندرة اليوم في المفسرين في العالم على العموم، بما في ذلك جامعات المغرب التي تعرف خصاصا مهولا في المتخصصين في تفسير الكتاب العزيز وعلومه.
والخلاصة أن هذا موضوع مَن اختاره وأخلص في بحثه سينفع علم التفسير اليوم نفعا عظيما ويفتح له آفاقا واسعة وجديدة.. هذا على المستوى العام. أما على المستوى الشخصي قد يعجب إذا قلتُ له: إنه أيضا سيجد بركة ذلك في دينه ودنياه بحول الله الوهاب الكريم.
Published on March 27, 2018 15:30
January 9, 2018
المقال الثالث: مشروع للريف والوطن (3): مؤسسات التكوين المطلوبة. إلياس بلكا
المقال الثالث: مشروع للريف والوطن (3):
مؤسسات التكوين المطلوبة.
إلياس بلكا
الرابط أدناه:
https://www.hespress.com/orbites/376781.html
مؤسسات التكوين المطلوبة.
إلياس بلكا
الرابط أدناه:
https://www.hespress.com/orbites/376781.html
Published on January 09, 2018 11:51
January 2, 2018
المقال الثاني: مشروع للريف والوطن (2): أسطول الشمال ببادس. إلياس بلكا
المقال الثاني: مشروع للريف والوطن (2): أسطول الشمال ببادس. إلياس بلكا.
أدناه الرابط:
https://www.hespress.com/orbites/376366.html
أدناه الرابط:
https://www.hespress.com/orbites/376366.html
Published on January 02, 2018 13:49
December 30, 2017
المقال الأول: مشروع للريف والوطن (1): نحو استعادة المغرب لقوته البحرية. إلياس بلكا
المقال الأول: مشروع للريف والوطن (1):
نحو استعادة المغرب لقوته البحرية.
إلياس بلكا
انظر هذا الرابط:
https://www.hespress.com/orbites/376153.html
نحو استعادة المغرب لقوته البحرية.
إلياس بلكا
انظر هذا الرابط:
https://www.hespress.com/orbites/376153.html
Published on December 30, 2017 08:02
December 25, 2017
جيوبولتيك الريف وحراكِه:إلياس بلكانشر موقع هسبريس هذا ال...
جيوبولتيك الريف وحراكِه:
إلياس بلكا
نشر موقع هسبريس هذا المقال تحت عنوان: "جيوبولتيك" وحراك منطقة الريف .. الحاجة إلى تُجار لا إلى ثُوار.https://www.hespress.com/orbites/353361.html
الغالب على المقالات التي كُتبت عن حراك الريف هو الكتابة الصحفية التي تساير تطوّرات القضية وتهتم بتفاصيلها الجزئية. بينما تقلّ الكتابات الفكرية والتأملات العامة. وهذا المقال محاولة في سدّ هذه الثغرة. عن الدولة ومنطقها .
نبدأ بالدولة المغربية، فهي لا تختلف في العمق عن دول العالم الثالث، وعموم الدول العربية.. من حيث إن طبقة معينة تحكمها، ولها مصالح واسعة، فتحرص عليها وعلى استمرار هيمنتها. وقد ظهر في السنين الأخيرة أن سلوك "الدولة العربية" حين تتعرض طبقتـُها الحاكمة لضغط شعبي كبير فتحسّ بالخطر على وضعها هو: إما مواجهته بحزم، وإما تتنازل جزئيا، أي عن بعض المصالح فقط. والسيناريو الأول يؤدي إما إلى حرب أهلية أو إلى استبداد شامل يقتل الحياة، بمعنى أن الناس تقاوم الدولة، وقد تنهزم، لكنه انهزام مؤقت، لأن الشعوب في الحقيقة لا تنهزم بشكل نهائي.
أما السيناريو الثاني فيؤدي إلى تأجيل المشكلة وربح الوقت، بمعنى أنه لا يحلّ المشكلة الأساسية.
في الحالة المغربية بيّنتْ هذه السنة الأخيرة بشكل واضح أن الدولة العميقة انحنتْ للعاصفة، وأنها لم تكن صادقة في الإصلاح والتغيير وتحقيق تطلعات الشعب، لأنها تدرك ببساطة أن هذا سيذهب بهيمنتها ومصالحها.
لذلك رأينا كيف ناورتْ هذه الطبقة طيلة شهور، وكيف أخرجتْ سيناريو تجميد تشكيل الحكومة.. فحين لم تُرد حكومة منتخبة عرقلتْها ستة شهور، وحين تحقّقتْ لها حكومة شكلية أخرجتها في أسبوعين.
و الناس ببلادنا لم يكونوا راضين تمام الرضا عن الحكومة السابقة، إذ بعض خياراتها الاقتصادية والاجتماعية لم تكن في الحقيقة لصالح الطبقات الشعبية.. لكنهم تحمّلوها أملاً منهم في تحقيق الإنجاز الديموقراطي والذي يستبطن قيمتيْ العدل والمساواة.
لذلك فالخطيئة الكبرى للدولة هو أنها لا تريد -في العمق- التحوّل الديموقراطي، بكل ما يعنيه ذلك من إشراك للشعب في القرار السياسي والاقتصادي، ومن عدالة اجتماعية وتوزيع منصف للثروة، ورقابة ومحاسبة..
هذه التجربة أفقدتْ الناس قيمة سياسية مهمة، وهي: المصداقية، إذ لم يعد الناس يثقون في الحياة السياسية المغربية. وفي أوّل انتخابات قادمة سيرى الجميع هذا رأي العين.
إذن من المنظور العام: ما يجري وسيجري هو أن الطبقات الحاكمة تحصد ما زرعته، لذا نلاحظ ارتباكا عاما في معالجة حراك الريف وأمثاله.
هذا كله ليس سرا، بل أكثرية المحللين والمفكرين حذّروا منه مرارا.. فما تفسير أنه لا أحد يستمع لهذا التحذير؟
التفسير أن هذه الطبقة المهيمنة تظن أن بإمكانها السيطرة على الأمور، وأنها ببعض الإصلاحات المحدودة، ومع الزمن.. ستستعيد هذه الهوامش الضيقة التي "تفضّلت" بالتنازل عنها لصالح الشعب.
وهذا كله قِصر نظر وغباء، كما هو درس التاريخ، البعيد والقريب. لكنها طبيعة الإنسان الذي وصفه القرآن الكريم بأنه جهول ظلوم، يطغى إذا استغنى ويجزع إذا فقد شيئا، ولا يقنع.ألبتة
الخلاصة أنه ليس أمام الدولة من حلّ إلاّ إنجاز التحول الديموقراطي الحقيقي.. بصدق وبسرعة. الريف: الهوامش في مقابلة المغرب النافع. هذا من جهة، ثم من جهة أخرى حراكُ الريف هو مظهر لغضب الهوامش، فهو مثل الأحداث السابقة بصفرو وسيدي إفني.. ونحوها من انتفاضات المغرب غير النافع.كان ليوطي -مهندس الاستعمار الفرنسي- هو الذي قسّم المغرب إلى نوعين: النافع وغير النافع. وحين جاء الاستقلال كانت مجمل سياساته الاقتصادية والاجتماعية تكريسٌ لهذا الواقع الذي فرضه الاستعمار، وإن حاول تغييرها أحيانا.لذلك على أهل المغرب النافع أن يتفهّموا هذا الموضوع، وأن ينظروا إلى الأمور بمنظور موضوعي، وأن يعرفوا أن العدل أساس المُلك، وأنه يجب على الدولة أن تـُنمي مناطق الهامش كما تنمي طنجة والرباط والبيضاء وأكادير ومراكش.. فالريف نموذج لهذا الحيف الذي طال مناطق مثل فكيك وبوعرفة وتازة والريصاني وسيدي إفني والأربعاء والغرب ووزان والقلعة والراشيدية.. وعموم الأطلس المتوسط، وعموم البادية المغربية، وسكان الجبال..الخ.مثلا حصة الساكن بإقليم الحسيمة من الإنفاق الحكومي على المواطن وتنميته هي أقلّ من المعدّل الوطني بكثير.. أي أن ما تصرفه الدولة على المواطن بهذا الإقليم المهمش أقلّ بمراحل ممّا تصرفه على المواطن بالمغرب النافع. بينما كان المفروض أن تزيد حصة الهوامش من الإنفاق لا أن تنقص، لتدارك التفاوت في أسرع وقت. هكذا بعد الاستقلال وطيلة عقود كان معظم إنفاق الدولة يتجه إلى بعض المدن الكبرى، وأُهمل الباقي، بل وقع حتى إهمال مُدن مهمة واستثنائية كـفاس. فبدا كأن المغرب النافع ضاق أكثر، وانحسر إلى الشريط الساحلي ما بين القنيطرة والجديدة. صحيح أن الدولة حاولتْ تدارك الأمر منذ حوالي 15 سنة، لكن -وهنا مظهر آخر للمشكلة- يوجد بطء في الأداء الحكومي، وبالمقابل توجد انتظارات وآمال كبيرة للناس، إذ الجيل الجديد لا يصبر صبر الآباء ولا يقنع كقناعتهم. فهذا الحراك، وما يماثله في مناطق أخرى، مظهر للخلل الكبير بين جهات المغرب، حتى كأنّنا أمام مغربين. ويبدو أن بعض الناس في المغرب النافع استَحلوا هذا، كأنهم يرون أن من حقّهم أن يحوزوا معظم ثروات البلد وسلطاته.. ولا يتركون لغيرهم إلاّ الفتات. والأوطان لا تستقر بالغبن والظلم أبدا. الريف: أرض الوجود العابر؟ لكن للريف خصوصية، عقّدتْ من وضعه حتى جعلته كأنه أرضٌ للوجود العابر، وكأنّ من به سكان عابرون، حتى وهم مقيمون متشبثون بأرضهم. ذلك أن الريف من الناحية الجغرافية منطقة جبلية وَعرة ومحصورة، ولا توجد به أراض زراعية واسعة.. بمعنى أنه لا يمكنه استقبال عدد كبير من السكان.وهو أيضا أرض وصْل وعبور من إفريقيا إلى أوربا، أو من المغرب إلى إسبانيا.. وعبْر الريف دخل الغزاة من كلّ صنف، ومرّت قوافل المسافرين من كل نوع.لذلك فالتركيبة السكانية للريف خليط بشري جدّ متنوع: من أمازيغ ( بأصولهم الثلاثة: صنهاجة ومصمودة وزناتة)، وعرب (يمنيين وحجازيين)، وأندلسيين (بما فيهم ذوي أصول قوطية).. حتى أقليات رومانية وفارسية وصقالبة.مثلا توجد بقبيلة بني ورياغل -كبرى قبائل الريف- نسبة مهمة من ذوي الأصول العربية.. كما تنتشر في الريف كله تقريبا أسرٌ من الأشراف آل البيت النبوي استقرّت فيه منذ قرون.حتى على مستوى المفهوم الجغرافي-البشري للريف لا يوجد اتفاق بين المؤرخين القدامى، فقد يتّسع فيكون ما بين وادي ملوية وطنجة، وقد يضيق إلى ما بين وادِييْ النكور وكرط.فالريف وجود بشري وتاريخي هُلامي نسبيا.. دائم التغيّر والتحوّل. يهاجر ناس ويهجُر إليه آخرون.. وتتسع حدوده وتضيق، ويكبُر ويصغُر.. وهكذا في دينامية لا تتوقف. لذا فحبّ الريفي للهجرة حبّ تاريخي عميق.وعلى المستوى الفني لعلّ أفضل من عبّر عن هذا كله: وليد ميمون وخالد إزري.لكن إذا كان الريف أرض عبور حضاري من قديم، لاعتبارات جغرافية بالدرجة الأولى، فإن عبقرية الريف تتجلى أساسا في: الإنسان.. إذ أنجبتْ المنطقة على مدى التاريخ آلافا مؤلفة من القادة والمفكرين والعلماء والمغامرين والأولياء والأمراء.. لذلك الحلّ لتنمية الريف يكون مِن هنا: من الإنسان. الريف بين الحدث والتاريخ. يمكن أن نقول: إن الريف عموما لا يصنع التاريخ، لأنه كما سيأتي، محدود من حيث الجغرافيا والسكان والاقتصاد.. لكنه يصنع الحدَث. هذه قاعدة أغلبية.مثلا كان لبني مرين وجود بمناطق جنوب شرق الريف، واستفادوا منها في حركتهم ضد الموحدين وفي تأسيسهم للدولة المرينية.. لكنهم سرعان ما "أهملوا" المنطقة، ونزلوا نحو فاس فاتخذوها عاصمة لملكهم وحكمهم.وفي التاريخ المعاصر أوقف الريفيون الثائر بوحمارة، وهزموه، فصنعوا الحدث، لكن الأمر توقّف هنا فلم يصنعوا تاريخا بذلك.. إنما استفاد السلطان أنه استراح من شخص طموح وفوضوي.حتى مقاومة الأمير الخطابي تثبتُ هذه القاعدة، خلاف ما يُظن.. لقد كانت تجربة رائعة وعظيمة، لكن لم يكن ممكنا لها أبداً أن تتجاوز حدودا معينة. فحصار الجغرافيا يعمل عملـَه (من البرّ والبحر)، وقلة الإمكانات ووسائل الإنتاج عامل آخر، والثروة السكانية المحدودة والتي تهاجر باستمرار عامل ثالث، وصعوبة انقياد السكان لسلطة مركزية عاملٌ رابع.. وهكذا. لذلك فتجربة الخطابي لا تنفي هذه القاعدة، بل تؤكدها. وهي تجربة "معجزة" لأنها من التجارب النادرة جدا في تاريخ الريف التي كادتْ المنطقة تصنع فيها تاريخا، أعني تاريخا مستقرا وحضارة قائمة.. لا مجرد أحداث –مهما كانت عظيمة- تظل عابرة. لكن كما نعرف لم تعش التجربة غير سنوات معدودات.يمكن لتقريب الموضوع أن أضرب مثلا بالحجاز، فهذه منطقة فقيرة ومعزولة.. لا يمكن أن تصنع تاريخا حقيقيا. لكن وقع أن ظهر الإسلام فيها، فصنعتْ تاريخا. وهذا استثناء نادر جدا، لأنه في ماضي الحجاز لا يوجد تاريخ كبير ومؤثر (عدا ظهور الإسلام). ومع ذلك فمن القرارات الأولى لأمير المؤمنين سيدنا عليّ أنه نقل عاصمة الدولة الوليدة من مكة والمدينة إلى البصرة والكوفة بالعراق.. علامةً على أن التاريخ العربي أو الإسلامي -مِن ذلك الزمن- فصاعدا سيُصنع بالمشرق، لا بالحجاز. حــــــدود الـــــــريف .
نعود لموضوع الحراك الراهن. والحق -كما يقولون- على الدولة، فهي الطرف الأقوى، وبيدها المبادرة. إذ الناس بالريف أو غيره من مناطق البلاد يطالبون بحقوقهم. ومن الذي سيمنعُهم من ذلك؟ فالتعليم والثورة الإعلامية وتقارب المسافات والسياحة والتمدّن.. ظواهرُ ترفع من الوعي السياسي لدى العامّة، لذا لا يمكن إقناعهم بسهولة بأيّ كلام، وإن أمكن فلـِفـَترة محدودة.
هكذا فإن مطالب الحراك مشروعة، وهي عموما معقولة.. فهم لا يطالبون برفاهية السويد، بل بشروط الحدّ الأدنى للعيش الكريم. وكان على الدولة أن تفاوض أهل الحراك. أما تجاهلهم ومحاورة "ممثلي السكان المنتخبين" فقد قدّمنا أن الدولة بإجهاضها للتجربة الديموقراطية الجنينية.. تكون أجهضت أيضا كل حياة سياسية صحية وفعالة من داخل المؤسسات، وفتحتْ الباب للمجهول.
لكن على الريف أيضا أن يكون عقلانيا وأن يفكر بمصلحته.. والأهم أن يعرف حدوده.
ما حدود الريف، والريف الأوسط، والحسيمة خاصة؟
الحسيمة إقليم صغير في المغرب، فهو من الناحية السكانية يُقدّر بـ400 ألف، أي كل الإقليم. وهذا يساوي حيّا واحدا من أحياء الدار البيضاء ذات السبعة ملايين نسمة. وعلى المستوى الاقتصادي ليس للإقليم ثقل لا كبير ولا متوسط. لهذا على أهل الريف أن يعرفوا كيف يفاوضون على حقوقهم، وأن يكونوا براغماتيين، لا ثوريين مثاليين، لأن إنجاز التحول الديموقراطي وتحقيق العدالة شأن المغاربة جميعا ومسؤوليتهم كلهم، فلا يُعقل أن يتحمّل إقليم صغير هذا العبء كله، بل لا يستطيع.
عليهم أن يأخذوا العبرة من الربيع التونسي الذي بدأ من الجنوب التونسي المهمش.. وقامت ثورة وتغيّر رأس النظام.. لكن الطبقات الحاكمة، وهم نخبة من أهل الساحل، سرعان ما استعادوا هيمنتهم على الدولة ومقدراتها. لأنه -مرة أخرى- الثقل الاقتصادي والسكاني يوجد بالشمال التونسي، وبمدن الساحل بالضبط، وليس بالجنوب.
يعني أنه يمكن لأهل الريف أن يضحّوا بالغالي والنفيس.. وفعلا قد يتحقق تغييرٌ ما. لكنهم سيستيقظون بعد قليل على أن المدن الكبرى وبورجوازيتها هي التي قطفتْ ثمار تضحياتهم، وأن "ريما" عادت إلى عادتها القديمة.
أيضا يجب أن يضع أصحابنا في اعتبارهم أنه يمكن لعموم الشعب المغربي ألاّ يتجاوب معهم ولا يُدعمهم (لأسباب متعددة ليس هنا مجال ذكرها).. بل يمكن للدولة أن تتأقلم وتعتاد على هذا الحراك، ومع الزمن ينتهي شيئا فشيئا، كما انتهتْ مظاهرات مصر بالتدريج. وانظر إلى دول الجزائر وكولومبيا ونحوها كيف تعوّدتْ من ثلاثين سنة على ما هو أكبر من الحراك السلمي الجهوي: الحرب الأهلية وحروب العصابات. فتجد بعض المناطق في عذاب، بينما مناطق أخرى أهلها نائمون يأكلون ويشربون ويرقصون.وهنا لابد من كلمة عن يوتوبيا "الجمهورية الريفية". نعلم أن قلة محدودة جدا من سكان الريف تراودهم هذه الفكرة، قلة من الشباب أو الإيديولوجيين لا يتعدّون بضع عشرات في ظني، بينما الأغلبية الساحقة لا يخطر لها هذا الأمر لو بالمنام. لكن لا بأس أن نوضح لهؤلاء أن هذا لا يمكن، إذ كل دولة تحتاج لمقومات سكانية واقتصادية.. والريف فقير من حيث موارده الأرضية وقليل السكان. ويقول الاقتصاديون: إن كل تجمّع لا يقل عدد سكانه عن 100 مليون (وبعضهم يقول: 150 مليون) لن يُكتب له النجاح. ومشروع الخطابي رحمه الله كان هو "المغرب الكبير"، أما الجمهورية فكانت وضعا مؤقتا لظروف الاستعمار ومواجهته. والأمر الآخر أن مناطق الأمازيغ بالمغرب مفصولة بعضها عن بعض، أعني الذين لا يزالون ينطقون بها. وهذه فكرة الأكاديمي الجزائري البارز سالم شاكر، أنه مادام لا يوجد تواصل جغرافي بين أماكن وجود الأمازيغ، فإن كل كلام عن كيان أمازيغي ما لا معنى له. هذا مع أن الأمازيغ هم أكثرية سكان المغرب والجزائر، وإن تعرّب بعضهم. لذلك يجب التفكير في حلّ ما في إطار الوطن الجامع. في سبيل تجنّب بعض الأخطاء بحراك الريف . لذلك لا بأس باستمرار الحراك إذا أصرّ الناس على ذلك، لكن يجب استحضار جملة أمور:
1- حفظ الاحترام الواجب لجلالة الملك. فالانتقاد والغضب ينصبّا على الحكومة وأدواتها، وعلى الدولة العميقة وأخطبوطها. لأن الملك -كما هو واضح- شخصية طيبة في عمقها ويريد الخير لشعبه جميعا. وقد رأينا أن الطبقة السياسية عموما لا تهتم بالريف، فلم يبق إلاّ الملك. فلا يجب قطع شعرة معاوية -كما يقولون- مع القصر، وهو الأمل في قيادة عملية تأسيس ملكية دستورية ديموقراطية.
2- التمرد والإصرار على الحقوق جيّد، لكن ينبغي أن يكون قادة الحراك "تجّارا" وليس فقط "ثوارا".. يحتاج الريف إلى عقلية التاجر الشاطر الذي يعرف كيف يربح أقصى شيء في حدود الممكن، وليس إلى المقامر الذي يربح كل شيء أو يخسر كل شيء. ألم يقل علي بن أبي طالب: إذا أردتَ أن تُطاع فامُر بما يُستطاع.
يجب على أهل الريف ألاّ يكونوا إيديولوجيين، فليس الريف مناسبة لإنجاز ثورة عمالية تروتسكية لم توجد أبدا إلاّ في بعض الكتب، ولا لتحقيق حلم الأمازيغية العالمية والذي لا أحد إلى الآن يدري ما هو بالضبط وكيف.. يجب ألاّ يتصدّر هؤلاء الإيديولوجيون العقائديون مطالبَ الحراك، لأنهم سيُفشلونه حتما بمثالياتهم.
يحتاج الريف إلى أذكياء ودهاة، وليس لمندفعين في كل اتجاه. وبالتأمل في تجربة الأمير الخطابي يظهر أن نجاحها في البداية كان بفضل ذكائه وذكاء مجموعة منهم: عمه عبد السلام وأخوه المهندس والداهية محمد أزرقان.
3- أيضا يجب أن ينتبه أهل الحراك إلى أمر مهم: لا يجب أن يفهموا خطأ هذا الاهتمام العالمي بحركتهم.. بعضهم يظن حين يرى المراسلين والصحفيين وبعض القنوات والمنظمات الدولية تتحدّث عنهم.. يظنون أنهم أقوياء جدا بإمكانهم فرض إرادتهم كما يشاؤون.
لا، ليس كذلك الأمر في الواقع. وتفسير هذا الاهتمام أن نسبة كبيرة من الخبراء من العرب والأوربيين والأمريكيين والإسرائيليين يتوقعون ظهور موجة جديدة من "الربيع العربي". ويوجد شبه اتفاق بينهم على هذا. لكن السؤال: كيف ومِن أين ستندلع الشرارة الأولى؟
وحراك الريف له بعض صفات "الربيع الثوري". لكن ليس مؤكدا أنه هو الشرارة.. وإذا ضعف هذا الحراك لسبب من الأسباب، أو اندلعت شرارة في منطقة أخرى من عالمنا العربي-الإسلامي، سيجمع هؤلاء كاميراتهم ويولّوننا الأدبار، ولن تجدهم يتحدثون عن الحسيمة بتاتا. إذن لا يجب أن يغترّوا بالإعلام والصحافة.، فالأمر لا يتعلق بـ"عظمة الريفيين"، بقدر ما يتعلق بوضع دولي وإقليمي غير مستقر.
4- وهنا لابد أن نذكر أن عدم رفع العلم الوطني في المظاهرات كان خطأ. لابأس برفع العلم الأمازيغي لخصوصيتك الأمازيغية، ولا بأس برفع علم الخطابي رحمه الله باعتبار أنه جزء من تاريخك.. لكنك أيضا مغربي، فلماذا لا ترفع علم المغاربة، وهو العلم الموحِّد؟ خاصة أن بعض الناس في الوطن يفهم الأمر على غير حقيقته فيخسر الحراك تعاطف هؤلاء ودعمهم. عن الطبقة السياسية ومسؤوليتها .
كشف هذا الحراك وغيره أنه لا وجود لطبقة سياسية حقيقية يمكن الاعتماد عليها: لا في أوقات السلم والراحة، ولا في أوقات الشدة والأزمة.
لن نتحدث هنا إلاّ عن تيارين هما الأقرب لنبض الشارع بشكل أو بآخر:
الأول هو اليسار. وهنا حديث ذو شجون، خاصة أن لهذا التيار تاريخا طويلا بالمنطقة. ومن حقنا أن نسأل: ماذا قدّم اليسار للريف؟ ماذا أعطى؟ هل أفادهم أم استفاد منهم؟ هل من المعقول أن ينظر للمنطقة باعتبارها خزانا بشريا ينفع في المظاهرات فقط؟
الثاني هو التيار الإسلامي. لكي تعرف مثلا إهمال هذا التيار للريف انظر: كم مرة زارتْ القيادات الإسلامية منطقة الريف؟ (طبعا لن نحسب الزيارات إلى الناظور التي الغرض منها التسوّق من بضائع مليلية).
شخصيا أحترم السيد بنكيران. لكن: كم مرة زار الريف في حياته كلها، بما في ذلك أثناء رئاسته للحكومة؟ ماذا قدّم هو وحزبه للريف؟
وهنا نصل إلى جوهر المشكلة: الحكم والسلطة يكونان غالبا لمناطق الثقل السكاني والاقتصادي والجغرافي.. حتى بإيطاليا (الشمال هو الذي يحكم وليس الجنوب)، وبفرنسا (جهة باريس هي المحور). والإسلاميون لا يخرجون عن هذه القاعدة: أكثريتهم وأكثر قياداتهم من المدن الكبرى، لذا لا يعيرون اهتماما حقيقيا لمناطق الهامش: للريف وللشرق وللجنوب..
هذا مفهوم من منظور علم الاجتماع السياسي، لكن كان على الإسلاميين أن يقدموا نموذجا مختلفا، وأن يدرسوا مشكلات الهوامش، ويبلوروا رؤية لهذه المناطق. هل عندهم ورقة خاصة بالريف؟ وأخرى للأطلس أو للجنوب الصحراوي مثلا..؟ لا أظن.
على الإسلاميين أن يهتموا بقضايا العدالة وتوزيع الثروة والتوازن بين الجهات والمناطق وتحقيق المشاركة السياسية للجميع.. بينما بعضهم في واقع الأمر يعيد إنتاج هذه المركزية للحكم وهذه الأنانية للطبقات الحاكمة.. كأن الدولة العميقة وظّفتهُم لإبقاء ما كان على ما كان ولاستمرار ريعها ومصالحها. وبعض الإسلاميين على وعي بهذا، لكنهم يشاركون فيه ضدا على مبادئهم ومثالاتهم. مسؤولية النخبة الريفية .
هنا نأتي لمسؤولية أهل الريف أنفسهم. لماذا لا يسألون أنفسهم: هل نحن مسؤولون، ولو جزئيا، عن هذا الوضع؟
الحقيقة أن النخبة الريفية مقصّرة جدا في خدمة منطقتها. يحبون أن يعيشوا في المدن الكبرى، ويذوبون فيها ويندمجون تماما، وإذا زاروا الريف فبسبب البحر والعطل. حتى ببيوتهم لا يتحدثون بالريفية، بل بالدارجة، ويحرص الأبوان الريفيان على ألاّ يعرف أبناؤهم الأمازيغية، بدعوى تسهيل الاندماج في المحيط، مع أنه لا مانع من تعلّم اللهجتين معا.
ورغم وجود آلاف الأطر، في كل تخصص واتجاه، ماذا قدّم هؤلاء لخدمة المنطقة: أيّ مبادرات، وأيّ مساعدات، وأيّ أفكار..؟ مثلا لم يفكر هؤلاء في تشكيل جمعيات تقدم منحا دراسية للمحتاجين، ولا جمعيات دعم طبي أو اجتماعي أو ثقافي.. بالنسبة لهم فالريف مجرد ذكرى جميلة.
أما اليساريون الريفيون فقد استنزفوا طاقاتهم في نضال أممي لا أفق له، ولم يفكروا في إبداع شيء لصالح الريف، ولم يعطوا رؤية للخروج به من الطريق المسدود.
أما النخبة الاقتصادية فهي في أكثرها بورجوازية أنانية جاهلة، لا يهمها إلاّ جمع المال. لم يقدّموا -على كثرتهم وكثرة أموالهم- أيّ مشروع كبير لإخوانهم. إذا افتتحوا مشروعا فهو مقهى، أو مضاربة عقارية، أو فندق.. وبعض الجيّدين فيهم هربوا باستثماراتهم إلى طنجة ومكناس والبيضاء.. وأوربا.
بينما النخبة الريفية الموجودة في السلطة، أو قريبا منها.. ماذا قدّمت؟ بعضهم وصل لمراكز متقدمة في الاقتراب من صانعي القرار، وعوض أن يستفيدوا من ذلك في تنمية الريف، دخلوا في المهاترات والمغامرات السياسية التي لا تنتهي واستنزفتهم السياسة المغربية المعقدة على جغرافيا واسعة تمتد من وجدة إلى لكويرة.
قارن ذلك مثلا بالنخبة الوجدية، بينما مدينة وجدة -التي نحبها ونحب أهلها لأننا درسنا بها- مدينة جميلة ونظيفة بمرافق كاملة (جامعة كبيرة، ومستشفيات، وملاعب، ومؤسسات..الخ)، تجد مدينة الناظور مدينة بلا روح ولا نظام ولا مؤسسات، بل لم تعالج إلى الآن مشكلة الفوضى والأزبال.. فترى الفرق واضحا بين النخبتين.
إن الاعتراف بالحق فضيلة.. وجميع أهل الريف، خاصة النخب، مسؤولة أيضا. الريف أو الشموخ الحزين. كذلك يوجد عنصر مهم جدا يتحكّم إلى حدّ كبير في مواقف الشعوب، هو العنصر النفسي.وهذا حاضر بقوة في حالة الريف، لدرجة أن زميلنا د.سعيد صديقي في حواره مع "المساء" يتحدث عن "الجروح العميقة في الوعي الجمعي لأبناء المنطقة." ويذكر منها أحداث 1958-1959، وبشكل أقلّ حدة ما وقع سنة 1984.لكن هذه الجروح هي أقدم في الحقيقة، ففي نهايات القرن التاسع عشر بطش بوشتى البغدادي بقبيلة بني بقيوة بطشا شديدا لا تستحقّه. ثم في بدايات القرن العشرين عانى الريف الشرقي –خاصة قبائل بني توزين وبني سعيد، وتفرسيت..- من اعتداءات بوحمارة وجماعته حين اجتاح جيشه هذه المناطق. أما حين دخل الاستعمار، فقد تعاون الإسبان والفرنسيون –وهما قوى استعمارية كبرى- على قمع الريفيين الذين لم يكن يتجاوز عددهم نصف مليون في كامل الريف، وضربوهم بكل سلاح، حتى بالكيماوي.. كان قمعا رهيبا وحربا قبيحة فوق ما يطيقه الناس، فمات الآلاف، ما اضطر الخطابي للاستسلام.لذا يجب دراسة تجارب الدول في الإصلاح وجبر الضرر عند بعض الشعوب، كما بإفريقيا الجنوبية وأمريكا اللاتينية.. رغم اختلاف الحالة المغربية عنهما.ولا ينبغي الاستهانة بهذا، وانظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام يتحدث عن عبادة "جبر الخواطر". لكن يوجد سبب مهم في "حزن الريف"، وهو "الجبل".. فالمنطقة جبلية وعرة، وكأن هذا انعكس على نفسية السكان فاكتسبوا أخلاق الجبال: من شموخ، وثبات (عناد؟)، وحزن.. حتى إنك تجد فرقا بين الشخصية الحسيمية والشخصية الناظورية، فالثانية أكثر هدوءا وانشراحا من الأولى، إذ الناظور أرض منبسطة. لا يعني هذا أن هذه الشخصية أفضل من تلك.. لكن هذه ملاحظات اجتماعية ونفسية عادية.. هي بعضٌ من حِكم الله سبحانه في الكون.كانت الفنانة سعيدة فكري –بموهبتها الفنية الفطرية، وهي ليست ريفية- من القلائل الذين أحسّوا بحزن الريف، وفهموا هذا الحزن.. ترى ذلك واضحا في أغنيتها " يا جبال الريف"..
هذه بعض أفكار وانطباعات قابلة للإثراء والنقاش. وبحول الله سأكتب قريبا مقالا أقترح فيه مشروعا للريف وللوطن كله.. حتى لا يكون كلامنا نظريا فقط.. مشروع أتمنى أن يكون في أجهزة الدولة ومؤسساتها من يقرأه ويستفيد منه. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
قلتُ (يناير 2018):
الحمد لله، المشروع الموعود في آخر هذا المقال تمّ إنجازه ونشره:
http://ilyassbelga.blogspot.com/search/label/%D8%A7%D9%D9%D8%B3%D8%A3%D9%D8%A9%20%D8%A7%D9%D8%A3%D9%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%BA%D9%8A%D8%A9
نشر موقع هسبريس هذا المقال تحت عنوان: "جيوبولتيك" وحراك منطقة الريف .. الحاجة إلى تُجار لا إلى ثُوار.https://www.hespress.com/orbites/353361.html
الغالب على المقالات التي كُتبت عن حراك الريف هو الكتابة الصحفية التي تساير تطوّرات القضية وتهتم بتفاصيلها الجزئية. بينما تقلّ الكتابات الفكرية والتأملات العامة. وهذا المقال محاولة في سدّ هذه الثغرة. عن الدولة ومنطقها .
نبدأ بالدولة المغربية، فهي لا تختلف في العمق عن دول العالم الثالث، وعموم الدول العربية.. من حيث إن طبقة معينة تحكمها، ولها مصالح واسعة، فتحرص عليها وعلى استمرار هيمنتها. وقد ظهر في السنين الأخيرة أن سلوك "الدولة العربية" حين تتعرض طبقتـُها الحاكمة لضغط شعبي كبير فتحسّ بالخطر على وضعها هو: إما مواجهته بحزم، وإما تتنازل جزئيا، أي عن بعض المصالح فقط. والسيناريو الأول يؤدي إما إلى حرب أهلية أو إلى استبداد شامل يقتل الحياة، بمعنى أن الناس تقاوم الدولة، وقد تنهزم، لكنه انهزام مؤقت، لأن الشعوب في الحقيقة لا تنهزم بشكل نهائي.
أما السيناريو الثاني فيؤدي إلى تأجيل المشكلة وربح الوقت، بمعنى أنه لا يحلّ المشكلة الأساسية.
في الحالة المغربية بيّنتْ هذه السنة الأخيرة بشكل واضح أن الدولة العميقة انحنتْ للعاصفة، وأنها لم تكن صادقة في الإصلاح والتغيير وتحقيق تطلعات الشعب، لأنها تدرك ببساطة أن هذا سيذهب بهيمنتها ومصالحها.
لذلك رأينا كيف ناورتْ هذه الطبقة طيلة شهور، وكيف أخرجتْ سيناريو تجميد تشكيل الحكومة.. فحين لم تُرد حكومة منتخبة عرقلتْها ستة شهور، وحين تحقّقتْ لها حكومة شكلية أخرجتها في أسبوعين.
و الناس ببلادنا لم يكونوا راضين تمام الرضا عن الحكومة السابقة، إذ بعض خياراتها الاقتصادية والاجتماعية لم تكن في الحقيقة لصالح الطبقات الشعبية.. لكنهم تحمّلوها أملاً منهم في تحقيق الإنجاز الديموقراطي والذي يستبطن قيمتيْ العدل والمساواة.
لذلك فالخطيئة الكبرى للدولة هو أنها لا تريد -في العمق- التحوّل الديموقراطي، بكل ما يعنيه ذلك من إشراك للشعب في القرار السياسي والاقتصادي، ومن عدالة اجتماعية وتوزيع منصف للثروة، ورقابة ومحاسبة..
هذه التجربة أفقدتْ الناس قيمة سياسية مهمة، وهي: المصداقية، إذ لم يعد الناس يثقون في الحياة السياسية المغربية. وفي أوّل انتخابات قادمة سيرى الجميع هذا رأي العين.
إذن من المنظور العام: ما يجري وسيجري هو أن الطبقات الحاكمة تحصد ما زرعته، لذا نلاحظ ارتباكا عاما في معالجة حراك الريف وأمثاله.
هذا كله ليس سرا، بل أكثرية المحللين والمفكرين حذّروا منه مرارا.. فما تفسير أنه لا أحد يستمع لهذا التحذير؟
التفسير أن هذه الطبقة المهيمنة تظن أن بإمكانها السيطرة على الأمور، وأنها ببعض الإصلاحات المحدودة، ومع الزمن.. ستستعيد هذه الهوامش الضيقة التي "تفضّلت" بالتنازل عنها لصالح الشعب.
وهذا كله قِصر نظر وغباء، كما هو درس التاريخ، البعيد والقريب. لكنها طبيعة الإنسان الذي وصفه القرآن الكريم بأنه جهول ظلوم، يطغى إذا استغنى ويجزع إذا فقد شيئا، ولا يقنع.ألبتة
الخلاصة أنه ليس أمام الدولة من حلّ إلاّ إنجاز التحول الديموقراطي الحقيقي.. بصدق وبسرعة. الريف: الهوامش في مقابلة المغرب النافع. هذا من جهة، ثم من جهة أخرى حراكُ الريف هو مظهر لغضب الهوامش، فهو مثل الأحداث السابقة بصفرو وسيدي إفني.. ونحوها من انتفاضات المغرب غير النافع.كان ليوطي -مهندس الاستعمار الفرنسي- هو الذي قسّم المغرب إلى نوعين: النافع وغير النافع. وحين جاء الاستقلال كانت مجمل سياساته الاقتصادية والاجتماعية تكريسٌ لهذا الواقع الذي فرضه الاستعمار، وإن حاول تغييرها أحيانا.لذلك على أهل المغرب النافع أن يتفهّموا هذا الموضوع، وأن ينظروا إلى الأمور بمنظور موضوعي، وأن يعرفوا أن العدل أساس المُلك، وأنه يجب على الدولة أن تـُنمي مناطق الهامش كما تنمي طنجة والرباط والبيضاء وأكادير ومراكش.. فالريف نموذج لهذا الحيف الذي طال مناطق مثل فكيك وبوعرفة وتازة والريصاني وسيدي إفني والأربعاء والغرب ووزان والقلعة والراشيدية.. وعموم الأطلس المتوسط، وعموم البادية المغربية، وسكان الجبال..الخ.مثلا حصة الساكن بإقليم الحسيمة من الإنفاق الحكومي على المواطن وتنميته هي أقلّ من المعدّل الوطني بكثير.. أي أن ما تصرفه الدولة على المواطن بهذا الإقليم المهمش أقلّ بمراحل ممّا تصرفه على المواطن بالمغرب النافع. بينما كان المفروض أن تزيد حصة الهوامش من الإنفاق لا أن تنقص، لتدارك التفاوت في أسرع وقت. هكذا بعد الاستقلال وطيلة عقود كان معظم إنفاق الدولة يتجه إلى بعض المدن الكبرى، وأُهمل الباقي، بل وقع حتى إهمال مُدن مهمة واستثنائية كـفاس. فبدا كأن المغرب النافع ضاق أكثر، وانحسر إلى الشريط الساحلي ما بين القنيطرة والجديدة. صحيح أن الدولة حاولتْ تدارك الأمر منذ حوالي 15 سنة، لكن -وهنا مظهر آخر للمشكلة- يوجد بطء في الأداء الحكومي، وبالمقابل توجد انتظارات وآمال كبيرة للناس، إذ الجيل الجديد لا يصبر صبر الآباء ولا يقنع كقناعتهم. فهذا الحراك، وما يماثله في مناطق أخرى، مظهر للخلل الكبير بين جهات المغرب، حتى كأنّنا أمام مغربين. ويبدو أن بعض الناس في المغرب النافع استَحلوا هذا، كأنهم يرون أن من حقّهم أن يحوزوا معظم ثروات البلد وسلطاته.. ولا يتركون لغيرهم إلاّ الفتات. والأوطان لا تستقر بالغبن والظلم أبدا. الريف: أرض الوجود العابر؟ لكن للريف خصوصية، عقّدتْ من وضعه حتى جعلته كأنه أرضٌ للوجود العابر، وكأنّ من به سكان عابرون، حتى وهم مقيمون متشبثون بأرضهم. ذلك أن الريف من الناحية الجغرافية منطقة جبلية وَعرة ومحصورة، ولا توجد به أراض زراعية واسعة.. بمعنى أنه لا يمكنه استقبال عدد كبير من السكان.وهو أيضا أرض وصْل وعبور من إفريقيا إلى أوربا، أو من المغرب إلى إسبانيا.. وعبْر الريف دخل الغزاة من كلّ صنف، ومرّت قوافل المسافرين من كل نوع.لذلك فالتركيبة السكانية للريف خليط بشري جدّ متنوع: من أمازيغ ( بأصولهم الثلاثة: صنهاجة ومصمودة وزناتة)، وعرب (يمنيين وحجازيين)، وأندلسيين (بما فيهم ذوي أصول قوطية).. حتى أقليات رومانية وفارسية وصقالبة.مثلا توجد بقبيلة بني ورياغل -كبرى قبائل الريف- نسبة مهمة من ذوي الأصول العربية.. كما تنتشر في الريف كله تقريبا أسرٌ من الأشراف آل البيت النبوي استقرّت فيه منذ قرون.حتى على مستوى المفهوم الجغرافي-البشري للريف لا يوجد اتفاق بين المؤرخين القدامى، فقد يتّسع فيكون ما بين وادي ملوية وطنجة، وقد يضيق إلى ما بين وادِييْ النكور وكرط.فالريف وجود بشري وتاريخي هُلامي نسبيا.. دائم التغيّر والتحوّل. يهاجر ناس ويهجُر إليه آخرون.. وتتسع حدوده وتضيق، ويكبُر ويصغُر.. وهكذا في دينامية لا تتوقف. لذا فحبّ الريفي للهجرة حبّ تاريخي عميق.وعلى المستوى الفني لعلّ أفضل من عبّر عن هذا كله: وليد ميمون وخالد إزري.لكن إذا كان الريف أرض عبور حضاري من قديم، لاعتبارات جغرافية بالدرجة الأولى، فإن عبقرية الريف تتجلى أساسا في: الإنسان.. إذ أنجبتْ المنطقة على مدى التاريخ آلافا مؤلفة من القادة والمفكرين والعلماء والمغامرين والأولياء والأمراء.. لذلك الحلّ لتنمية الريف يكون مِن هنا: من الإنسان. الريف بين الحدث والتاريخ. يمكن أن نقول: إن الريف عموما لا يصنع التاريخ، لأنه كما سيأتي، محدود من حيث الجغرافيا والسكان والاقتصاد.. لكنه يصنع الحدَث. هذه قاعدة أغلبية.مثلا كان لبني مرين وجود بمناطق جنوب شرق الريف، واستفادوا منها في حركتهم ضد الموحدين وفي تأسيسهم للدولة المرينية.. لكنهم سرعان ما "أهملوا" المنطقة، ونزلوا نحو فاس فاتخذوها عاصمة لملكهم وحكمهم.وفي التاريخ المعاصر أوقف الريفيون الثائر بوحمارة، وهزموه، فصنعوا الحدث، لكن الأمر توقّف هنا فلم يصنعوا تاريخا بذلك.. إنما استفاد السلطان أنه استراح من شخص طموح وفوضوي.حتى مقاومة الأمير الخطابي تثبتُ هذه القاعدة، خلاف ما يُظن.. لقد كانت تجربة رائعة وعظيمة، لكن لم يكن ممكنا لها أبداً أن تتجاوز حدودا معينة. فحصار الجغرافيا يعمل عملـَه (من البرّ والبحر)، وقلة الإمكانات ووسائل الإنتاج عامل آخر، والثروة السكانية المحدودة والتي تهاجر باستمرار عامل ثالث، وصعوبة انقياد السكان لسلطة مركزية عاملٌ رابع.. وهكذا. لذلك فتجربة الخطابي لا تنفي هذه القاعدة، بل تؤكدها. وهي تجربة "معجزة" لأنها من التجارب النادرة جدا في تاريخ الريف التي كادتْ المنطقة تصنع فيها تاريخا، أعني تاريخا مستقرا وحضارة قائمة.. لا مجرد أحداث –مهما كانت عظيمة- تظل عابرة. لكن كما نعرف لم تعش التجربة غير سنوات معدودات.يمكن لتقريب الموضوع أن أضرب مثلا بالحجاز، فهذه منطقة فقيرة ومعزولة.. لا يمكن أن تصنع تاريخا حقيقيا. لكن وقع أن ظهر الإسلام فيها، فصنعتْ تاريخا. وهذا استثناء نادر جدا، لأنه في ماضي الحجاز لا يوجد تاريخ كبير ومؤثر (عدا ظهور الإسلام). ومع ذلك فمن القرارات الأولى لأمير المؤمنين سيدنا عليّ أنه نقل عاصمة الدولة الوليدة من مكة والمدينة إلى البصرة والكوفة بالعراق.. علامةً على أن التاريخ العربي أو الإسلامي -مِن ذلك الزمن- فصاعدا سيُصنع بالمشرق، لا بالحجاز. حــــــدود الـــــــريف .
نعود لموضوع الحراك الراهن. والحق -كما يقولون- على الدولة، فهي الطرف الأقوى، وبيدها المبادرة. إذ الناس بالريف أو غيره من مناطق البلاد يطالبون بحقوقهم. ومن الذي سيمنعُهم من ذلك؟ فالتعليم والثورة الإعلامية وتقارب المسافات والسياحة والتمدّن.. ظواهرُ ترفع من الوعي السياسي لدى العامّة، لذا لا يمكن إقناعهم بسهولة بأيّ كلام، وإن أمكن فلـِفـَترة محدودة.
هكذا فإن مطالب الحراك مشروعة، وهي عموما معقولة.. فهم لا يطالبون برفاهية السويد، بل بشروط الحدّ الأدنى للعيش الكريم. وكان على الدولة أن تفاوض أهل الحراك. أما تجاهلهم ومحاورة "ممثلي السكان المنتخبين" فقد قدّمنا أن الدولة بإجهاضها للتجربة الديموقراطية الجنينية.. تكون أجهضت أيضا كل حياة سياسية صحية وفعالة من داخل المؤسسات، وفتحتْ الباب للمجهول.
لكن على الريف أيضا أن يكون عقلانيا وأن يفكر بمصلحته.. والأهم أن يعرف حدوده.
ما حدود الريف، والريف الأوسط، والحسيمة خاصة؟
الحسيمة إقليم صغير في المغرب، فهو من الناحية السكانية يُقدّر بـ400 ألف، أي كل الإقليم. وهذا يساوي حيّا واحدا من أحياء الدار البيضاء ذات السبعة ملايين نسمة. وعلى المستوى الاقتصادي ليس للإقليم ثقل لا كبير ولا متوسط. لهذا على أهل الريف أن يعرفوا كيف يفاوضون على حقوقهم، وأن يكونوا براغماتيين، لا ثوريين مثاليين، لأن إنجاز التحول الديموقراطي وتحقيق العدالة شأن المغاربة جميعا ومسؤوليتهم كلهم، فلا يُعقل أن يتحمّل إقليم صغير هذا العبء كله، بل لا يستطيع.
عليهم أن يأخذوا العبرة من الربيع التونسي الذي بدأ من الجنوب التونسي المهمش.. وقامت ثورة وتغيّر رأس النظام.. لكن الطبقات الحاكمة، وهم نخبة من أهل الساحل، سرعان ما استعادوا هيمنتهم على الدولة ومقدراتها. لأنه -مرة أخرى- الثقل الاقتصادي والسكاني يوجد بالشمال التونسي، وبمدن الساحل بالضبط، وليس بالجنوب.
يعني أنه يمكن لأهل الريف أن يضحّوا بالغالي والنفيس.. وفعلا قد يتحقق تغييرٌ ما. لكنهم سيستيقظون بعد قليل على أن المدن الكبرى وبورجوازيتها هي التي قطفتْ ثمار تضحياتهم، وأن "ريما" عادت إلى عادتها القديمة.
أيضا يجب أن يضع أصحابنا في اعتبارهم أنه يمكن لعموم الشعب المغربي ألاّ يتجاوب معهم ولا يُدعمهم (لأسباب متعددة ليس هنا مجال ذكرها).. بل يمكن للدولة أن تتأقلم وتعتاد على هذا الحراك، ومع الزمن ينتهي شيئا فشيئا، كما انتهتْ مظاهرات مصر بالتدريج. وانظر إلى دول الجزائر وكولومبيا ونحوها كيف تعوّدتْ من ثلاثين سنة على ما هو أكبر من الحراك السلمي الجهوي: الحرب الأهلية وحروب العصابات. فتجد بعض المناطق في عذاب، بينما مناطق أخرى أهلها نائمون يأكلون ويشربون ويرقصون.وهنا لابد من كلمة عن يوتوبيا "الجمهورية الريفية". نعلم أن قلة محدودة جدا من سكان الريف تراودهم هذه الفكرة، قلة من الشباب أو الإيديولوجيين لا يتعدّون بضع عشرات في ظني، بينما الأغلبية الساحقة لا يخطر لها هذا الأمر لو بالمنام. لكن لا بأس أن نوضح لهؤلاء أن هذا لا يمكن، إذ كل دولة تحتاج لمقومات سكانية واقتصادية.. والريف فقير من حيث موارده الأرضية وقليل السكان. ويقول الاقتصاديون: إن كل تجمّع لا يقل عدد سكانه عن 100 مليون (وبعضهم يقول: 150 مليون) لن يُكتب له النجاح. ومشروع الخطابي رحمه الله كان هو "المغرب الكبير"، أما الجمهورية فكانت وضعا مؤقتا لظروف الاستعمار ومواجهته. والأمر الآخر أن مناطق الأمازيغ بالمغرب مفصولة بعضها عن بعض، أعني الذين لا يزالون ينطقون بها. وهذه فكرة الأكاديمي الجزائري البارز سالم شاكر، أنه مادام لا يوجد تواصل جغرافي بين أماكن وجود الأمازيغ، فإن كل كلام عن كيان أمازيغي ما لا معنى له. هذا مع أن الأمازيغ هم أكثرية سكان المغرب والجزائر، وإن تعرّب بعضهم. لذلك يجب التفكير في حلّ ما في إطار الوطن الجامع. في سبيل تجنّب بعض الأخطاء بحراك الريف . لذلك لا بأس باستمرار الحراك إذا أصرّ الناس على ذلك، لكن يجب استحضار جملة أمور:
1- حفظ الاحترام الواجب لجلالة الملك. فالانتقاد والغضب ينصبّا على الحكومة وأدواتها، وعلى الدولة العميقة وأخطبوطها. لأن الملك -كما هو واضح- شخصية طيبة في عمقها ويريد الخير لشعبه جميعا. وقد رأينا أن الطبقة السياسية عموما لا تهتم بالريف، فلم يبق إلاّ الملك. فلا يجب قطع شعرة معاوية -كما يقولون- مع القصر، وهو الأمل في قيادة عملية تأسيس ملكية دستورية ديموقراطية.
2- التمرد والإصرار على الحقوق جيّد، لكن ينبغي أن يكون قادة الحراك "تجّارا" وليس فقط "ثوارا".. يحتاج الريف إلى عقلية التاجر الشاطر الذي يعرف كيف يربح أقصى شيء في حدود الممكن، وليس إلى المقامر الذي يربح كل شيء أو يخسر كل شيء. ألم يقل علي بن أبي طالب: إذا أردتَ أن تُطاع فامُر بما يُستطاع.
يجب على أهل الريف ألاّ يكونوا إيديولوجيين، فليس الريف مناسبة لإنجاز ثورة عمالية تروتسكية لم توجد أبدا إلاّ في بعض الكتب، ولا لتحقيق حلم الأمازيغية العالمية والذي لا أحد إلى الآن يدري ما هو بالضبط وكيف.. يجب ألاّ يتصدّر هؤلاء الإيديولوجيون العقائديون مطالبَ الحراك، لأنهم سيُفشلونه حتما بمثالياتهم.
يحتاج الريف إلى أذكياء ودهاة، وليس لمندفعين في كل اتجاه. وبالتأمل في تجربة الأمير الخطابي يظهر أن نجاحها في البداية كان بفضل ذكائه وذكاء مجموعة منهم: عمه عبد السلام وأخوه المهندس والداهية محمد أزرقان.
3- أيضا يجب أن ينتبه أهل الحراك إلى أمر مهم: لا يجب أن يفهموا خطأ هذا الاهتمام العالمي بحركتهم.. بعضهم يظن حين يرى المراسلين والصحفيين وبعض القنوات والمنظمات الدولية تتحدّث عنهم.. يظنون أنهم أقوياء جدا بإمكانهم فرض إرادتهم كما يشاؤون.
لا، ليس كذلك الأمر في الواقع. وتفسير هذا الاهتمام أن نسبة كبيرة من الخبراء من العرب والأوربيين والأمريكيين والإسرائيليين يتوقعون ظهور موجة جديدة من "الربيع العربي". ويوجد شبه اتفاق بينهم على هذا. لكن السؤال: كيف ومِن أين ستندلع الشرارة الأولى؟
وحراك الريف له بعض صفات "الربيع الثوري". لكن ليس مؤكدا أنه هو الشرارة.. وإذا ضعف هذا الحراك لسبب من الأسباب، أو اندلعت شرارة في منطقة أخرى من عالمنا العربي-الإسلامي، سيجمع هؤلاء كاميراتهم ويولّوننا الأدبار، ولن تجدهم يتحدثون عن الحسيمة بتاتا. إذن لا يجب أن يغترّوا بالإعلام والصحافة.، فالأمر لا يتعلق بـ"عظمة الريفيين"، بقدر ما يتعلق بوضع دولي وإقليمي غير مستقر.
4- وهنا لابد أن نذكر أن عدم رفع العلم الوطني في المظاهرات كان خطأ. لابأس برفع العلم الأمازيغي لخصوصيتك الأمازيغية، ولا بأس برفع علم الخطابي رحمه الله باعتبار أنه جزء من تاريخك.. لكنك أيضا مغربي، فلماذا لا ترفع علم المغاربة، وهو العلم الموحِّد؟ خاصة أن بعض الناس في الوطن يفهم الأمر على غير حقيقته فيخسر الحراك تعاطف هؤلاء ودعمهم. عن الطبقة السياسية ومسؤوليتها .
كشف هذا الحراك وغيره أنه لا وجود لطبقة سياسية حقيقية يمكن الاعتماد عليها: لا في أوقات السلم والراحة، ولا في أوقات الشدة والأزمة.
لن نتحدث هنا إلاّ عن تيارين هما الأقرب لنبض الشارع بشكل أو بآخر:
الأول هو اليسار. وهنا حديث ذو شجون، خاصة أن لهذا التيار تاريخا طويلا بالمنطقة. ومن حقنا أن نسأل: ماذا قدّم اليسار للريف؟ ماذا أعطى؟ هل أفادهم أم استفاد منهم؟ هل من المعقول أن ينظر للمنطقة باعتبارها خزانا بشريا ينفع في المظاهرات فقط؟
الثاني هو التيار الإسلامي. لكي تعرف مثلا إهمال هذا التيار للريف انظر: كم مرة زارتْ القيادات الإسلامية منطقة الريف؟ (طبعا لن نحسب الزيارات إلى الناظور التي الغرض منها التسوّق من بضائع مليلية).
شخصيا أحترم السيد بنكيران. لكن: كم مرة زار الريف في حياته كلها، بما في ذلك أثناء رئاسته للحكومة؟ ماذا قدّم هو وحزبه للريف؟
وهنا نصل إلى جوهر المشكلة: الحكم والسلطة يكونان غالبا لمناطق الثقل السكاني والاقتصادي والجغرافي.. حتى بإيطاليا (الشمال هو الذي يحكم وليس الجنوب)، وبفرنسا (جهة باريس هي المحور). والإسلاميون لا يخرجون عن هذه القاعدة: أكثريتهم وأكثر قياداتهم من المدن الكبرى، لذا لا يعيرون اهتماما حقيقيا لمناطق الهامش: للريف وللشرق وللجنوب..
هذا مفهوم من منظور علم الاجتماع السياسي، لكن كان على الإسلاميين أن يقدموا نموذجا مختلفا، وأن يدرسوا مشكلات الهوامش، ويبلوروا رؤية لهذه المناطق. هل عندهم ورقة خاصة بالريف؟ وأخرى للأطلس أو للجنوب الصحراوي مثلا..؟ لا أظن.
على الإسلاميين أن يهتموا بقضايا العدالة وتوزيع الثروة والتوازن بين الجهات والمناطق وتحقيق المشاركة السياسية للجميع.. بينما بعضهم في واقع الأمر يعيد إنتاج هذه المركزية للحكم وهذه الأنانية للطبقات الحاكمة.. كأن الدولة العميقة وظّفتهُم لإبقاء ما كان على ما كان ولاستمرار ريعها ومصالحها. وبعض الإسلاميين على وعي بهذا، لكنهم يشاركون فيه ضدا على مبادئهم ومثالاتهم. مسؤولية النخبة الريفية .
هنا نأتي لمسؤولية أهل الريف أنفسهم. لماذا لا يسألون أنفسهم: هل نحن مسؤولون، ولو جزئيا، عن هذا الوضع؟
الحقيقة أن النخبة الريفية مقصّرة جدا في خدمة منطقتها. يحبون أن يعيشوا في المدن الكبرى، ويذوبون فيها ويندمجون تماما، وإذا زاروا الريف فبسبب البحر والعطل. حتى ببيوتهم لا يتحدثون بالريفية، بل بالدارجة، ويحرص الأبوان الريفيان على ألاّ يعرف أبناؤهم الأمازيغية، بدعوى تسهيل الاندماج في المحيط، مع أنه لا مانع من تعلّم اللهجتين معا.
ورغم وجود آلاف الأطر، في كل تخصص واتجاه، ماذا قدّم هؤلاء لخدمة المنطقة: أيّ مبادرات، وأيّ مساعدات، وأيّ أفكار..؟ مثلا لم يفكر هؤلاء في تشكيل جمعيات تقدم منحا دراسية للمحتاجين، ولا جمعيات دعم طبي أو اجتماعي أو ثقافي.. بالنسبة لهم فالريف مجرد ذكرى جميلة.
أما اليساريون الريفيون فقد استنزفوا طاقاتهم في نضال أممي لا أفق له، ولم يفكروا في إبداع شيء لصالح الريف، ولم يعطوا رؤية للخروج به من الطريق المسدود.
أما النخبة الاقتصادية فهي في أكثرها بورجوازية أنانية جاهلة، لا يهمها إلاّ جمع المال. لم يقدّموا -على كثرتهم وكثرة أموالهم- أيّ مشروع كبير لإخوانهم. إذا افتتحوا مشروعا فهو مقهى، أو مضاربة عقارية، أو فندق.. وبعض الجيّدين فيهم هربوا باستثماراتهم إلى طنجة ومكناس والبيضاء.. وأوربا.
بينما النخبة الريفية الموجودة في السلطة، أو قريبا منها.. ماذا قدّمت؟ بعضهم وصل لمراكز متقدمة في الاقتراب من صانعي القرار، وعوض أن يستفيدوا من ذلك في تنمية الريف، دخلوا في المهاترات والمغامرات السياسية التي لا تنتهي واستنزفتهم السياسة المغربية المعقدة على جغرافيا واسعة تمتد من وجدة إلى لكويرة.
قارن ذلك مثلا بالنخبة الوجدية، بينما مدينة وجدة -التي نحبها ونحب أهلها لأننا درسنا بها- مدينة جميلة ونظيفة بمرافق كاملة (جامعة كبيرة، ومستشفيات، وملاعب، ومؤسسات..الخ)، تجد مدينة الناظور مدينة بلا روح ولا نظام ولا مؤسسات، بل لم تعالج إلى الآن مشكلة الفوضى والأزبال.. فترى الفرق واضحا بين النخبتين.
إن الاعتراف بالحق فضيلة.. وجميع أهل الريف، خاصة النخب، مسؤولة أيضا. الريف أو الشموخ الحزين. كذلك يوجد عنصر مهم جدا يتحكّم إلى حدّ كبير في مواقف الشعوب، هو العنصر النفسي.وهذا حاضر بقوة في حالة الريف، لدرجة أن زميلنا د.سعيد صديقي في حواره مع "المساء" يتحدث عن "الجروح العميقة في الوعي الجمعي لأبناء المنطقة." ويذكر منها أحداث 1958-1959، وبشكل أقلّ حدة ما وقع سنة 1984.لكن هذه الجروح هي أقدم في الحقيقة، ففي نهايات القرن التاسع عشر بطش بوشتى البغدادي بقبيلة بني بقيوة بطشا شديدا لا تستحقّه. ثم في بدايات القرن العشرين عانى الريف الشرقي –خاصة قبائل بني توزين وبني سعيد، وتفرسيت..- من اعتداءات بوحمارة وجماعته حين اجتاح جيشه هذه المناطق. أما حين دخل الاستعمار، فقد تعاون الإسبان والفرنسيون –وهما قوى استعمارية كبرى- على قمع الريفيين الذين لم يكن يتجاوز عددهم نصف مليون في كامل الريف، وضربوهم بكل سلاح، حتى بالكيماوي.. كان قمعا رهيبا وحربا قبيحة فوق ما يطيقه الناس، فمات الآلاف، ما اضطر الخطابي للاستسلام.لذا يجب دراسة تجارب الدول في الإصلاح وجبر الضرر عند بعض الشعوب، كما بإفريقيا الجنوبية وأمريكا اللاتينية.. رغم اختلاف الحالة المغربية عنهما.ولا ينبغي الاستهانة بهذا، وانظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام يتحدث عن عبادة "جبر الخواطر". لكن يوجد سبب مهم في "حزن الريف"، وهو "الجبل".. فالمنطقة جبلية وعرة، وكأن هذا انعكس على نفسية السكان فاكتسبوا أخلاق الجبال: من شموخ، وثبات (عناد؟)، وحزن.. حتى إنك تجد فرقا بين الشخصية الحسيمية والشخصية الناظورية، فالثانية أكثر هدوءا وانشراحا من الأولى، إذ الناظور أرض منبسطة. لا يعني هذا أن هذه الشخصية أفضل من تلك.. لكن هذه ملاحظات اجتماعية ونفسية عادية.. هي بعضٌ من حِكم الله سبحانه في الكون.كانت الفنانة سعيدة فكري –بموهبتها الفنية الفطرية، وهي ليست ريفية- من القلائل الذين أحسّوا بحزن الريف، وفهموا هذا الحزن.. ترى ذلك واضحا في أغنيتها " يا جبال الريف"..
هذه بعض أفكار وانطباعات قابلة للإثراء والنقاش. وبحول الله سأكتب قريبا مقالا أقترح فيه مشروعا للريف وللوطن كله.. حتى لا يكون كلامنا نظريا فقط.. مشروع أتمنى أن يكون في أجهزة الدولة ومؤسساتها من يقرأه ويستفيد منه. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
قلتُ (يناير 2018):
الحمد لله، المشروع الموعود في آخر هذا المقال تمّ إنجازه ونشره:
http://ilyassbelga.blogspot.com/search/label/%D8%A7%D9%D9%D8%B3%D8%A3%D9%D8%A9%20%D8%A7%D9%D8%A3%D9%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%BA%D9%8A%D8%A9
Published on December 25, 2017 12:49
جيوبولتيك الريف وحراكِه:إلياس بلكانشر موقع هسبريس ه...
جيوبولتيك الريف وحراكِه:
إلياس بلكا
نشر موقع هسبريس هذا المقال تحت عنوان: "جيوبولتيك" وحراك منطقة الريف .. الحاجة إلى تُجار لا إلى ثُوار.https://www.hespress.com/orbites/353361.html
الغالب على المقالات التي كُتبت عن حراك الريف هو الكتابة الصحفية التي تساير تطوّرات القضية وتهتم بتفاصيلها الجزئية. بينما تقلّ الكتابات الفكرية والتأملات العامة. وهذا المقال محاولة في سدّ هذه الثغرة. عن الدولة ومنطقها .
نبدأ بالدولة المغربية، فهي لا تختلف في العمق عن دول العالم الثالث، وعموم الدول العربية.. من حيث إن طبقة معينة تحكمها، ولها مصالح واسعة، فتحرص عليها وعلى استمرار هيمنتها. وقد ظهر في السنين الأخيرة أن سلوك "الدولة العربية" حين تتعرض طبقتـُها الحاكمة لضغط شعبي كبير فتحسّ بالخطر على وضعها هو: إما مواجهته بحزم، وإما تتنازل جزئيا، أي عن بعض المصالح فقط. والسيناريو الأول يؤدي إما إلى حرب أهلية أو إلى استبداد شامل يقتل الحياة، بمعنى أن الناس تقاوم الدولة، وقد تنهزم، لكنه انهزام مؤقت، لأن الشعوب في الحقيقة لا تنهزم بشكل نهائي.
أما السيناريو الثاني فيؤدي إلى تأجيل المشكلة وربح الوقت، بمعنى أنه لا يحلّ المشكلة الأساسية.
في الحالة المغربية بيّنتْ هذه السنة الأخيرة بشكل واضح أن الدولة العميقة انحنتْ للعاصفة، وأنها لم تكن صادقة في الإصلاح والتغيير وتحقيق تطلعات الشعب، لأنها تدرك ببساطة أن هذا سيذهب بهيمنتها ومصالحها.
لذلك رأينا كيف ناورتْ هذه الطبقة طيلة شهور، وكيف أخرجتْ سيناريو تجميد تشكيل الحكومة.. فحين لم تُرد حكومة منتخبة عرقلتْها ستة شهور، وحين تحقّقتْ لها حكومة شكلية أخرجتها في أسبوعين.
و الناس ببلادنا لم يكونوا راضين تمام الرضا عن الحكومة السابقة، إذ بعض خياراتها الاقتصادية والاجتماعية لم تكن في الحقيقة لصالح الطبقات الشعبية.. لكنهم تحمّلوها أملاً منهم في تحقيق الإنجاز الديموقراطي والذي يستبطن قيمتيْ العدل والمساواة.
لذلك فالخطيئة الكبرى للدولة هو أنها لا تريد -في العمق- التحوّل الديموقراطي، بكل ما يعنيه ذلك من إشراك للشعب في القرار السياسي والاقتصادي، ومن عدالة اجتماعية وتوزيع منصف للثروة، ورقابة ومحاسبة..
هذه التجربة أفقدتْ الناس قيمة سياسية مهمة، وهي: المصداقية، إذ لم يعد الناس يثقون في الحياة السياسية المغربية. وفي أوّل انتخابات قادمة سيرى الجميع هذا رأي العين.
إذن من المنظور العام: ما يجري وسيجري هو أن الطبقات الحاكمة تحصد ما زرعته، لذا نلاحظ ارتباكا عاما في معالجة حراك الريف وأمثاله.
هذا كله ليس سرا، بل أكثرية المحللين والمفكرين حذّروا منه مرارا.. فما تفسير أنه لا أحد يستمع لهذا التحذير؟
التفسير أن هذه الطبقة المهيمنة تظن أن بإمكانها السيطرة على الأمور، وأنها ببعض الإصلاحات المحدودة، ومع الزمن.. ستستعيد هذه الهوامش الضيقة التي "تفضّلت" بالتنازل عنها لصالح الشعب.
وهذا كله قِصر نظر وغباء، كما هو درس التاريخ، البعيد والقريب. لكنها طبيعة الإنسان الذي وصفه القرآن الكريم بأنه جهول ظلوم، يطغى إذا استغنى ويجزع إذا فقد شيئا، ولا يقنع.ألبتة
الخلاصة أنه ليس أمام الدولة من حلّ إلاّ إنجاز التحول الديموقراطي الحقيقي.. بصدق وبسرعة. الريف: الهوامش في مقابلة المغرب النافع. هذا من جهة، ثم من جهة أخرى حراكُ الريف هو مظهر لغضب الهوامش، فهو مثل الأحداث السابقة بصفرو وسيدي إفني.. ونحوها من انتفاضات المغرب غير النافع.كان ليوطي -مهندس الاستعمار الفرنسي- هو الذي قسّم المغرب إلى نوعين: النافع وغير النافع. وحين جاء الاستقلال كانت مجمل سياساته الاقتصادية والاجتماعية تكريسٌ لهذا الواقع الذي فرضه الاستعمار، وإن حاول تغييرها أحيانا.لذلك على أهل المغرب النافع أن يتفهّموا هذا الموضوع، وأن ينظروا إلى الأمور بمنظور موضوعي، وأن يعرفوا أن العدل أساس المُلك، وأنه يجب على الدولة أن تـُنمي مناطق الهامش كما تنمي طنجة والرباط والبيضاء وأكادير ومراكش.. فالريف نموذج لهذا الحيف الذي طال مناطق مثل فكيك وبوعرفة وتازة والريصاني وسيدي إفني والأربعاء والغرب ووزان والقلعة والراشيدية.. وعموم الأطلس المتوسط، وعموم البادية المغربية، وسكان الجبال..الخ.مثلا حصة الساكن بإقليم الحسيمة من الإنفاق الحكومي على المواطن وتنميته هي أقلّ من المعدّل الوطني بكثير.. أي أن ما تصرفه الدولة على المواطن بهذا الإقليم المهمش أقلّ بمراحل ممّا تصرفه على المواطن بالمغرب النافع. بينما كان المفروض أن تزيد حصة الهوامش من الإنفاق لا أن تنقص، لتدارك التفاوت في أسرع وقت. هكذا بعد الاستقلال وطيلة عقود كان معظم إنفاق الدولة يتجه إلى بعض المدن الكبرى، وأُهمل الباقي، بل وقع حتى إهمال مُدن مهمة واستثنائية كـفاس. فبدا كأن المغرب النافع ضاق أكثر، وانحسر إلى الشريط الساحلي ما بين القنيطرة والجديدة. صحيح أن الدولة حاولتْ تدارك الأمر منذ حوالي 15 سنة، لكن -وهنا مظهر آخر للمشكلة- يوجد بطء في الأداء الحكومي، وبالمقابل توجد انتظارات وآمال كبيرة للناس، إذ الجيل الجديد لا يصبر صبر الآباء ولا يقنع كقناعتهم. فهذا الحراك، وما يماثله في مناطق أخرى، مظهر للخلل الكبير بين جهات المغرب، حتى كأنّنا أمام مغربين. ويبدو أن بعض الناس في المغرب النافع استَحلوا هذا، كأنهم يرون أن من حقّهم أن يحوزوا معظم ثروات البلد وسلطاته.. ولا يتركون لغيرهم إلاّ الفتات. والأوطان لا تستقر بالغبن والظلم أبدا. الريف: أرض الوجود العابر؟ لكن للريف خصوصية، عقّدتْ من وضعه حتى جعلته كأنه أرضٌ للوجود العابر، وكأنّ من به سكان عابرون، حتى وهم مقيمون متشبثون بأرضهم. ذلك أن الريف من الناحية الجغرافية منطقة جبلية وَعرة ومحصورة، ولا توجد به أراض زراعية واسعة.. بمعنى أنه لا يمكنه استقبال عدد كبير من السكان.وهو أيضا أرض وصْل وعبور من إفريقيا إلى أوربا، أو من المغرب إلى إسبانيا.. وعبْر الريف دخل الغزاة من كلّ صنف، ومرّت قوافل المسافرين من كل نوع.لذلك فالتركيبة السكانية للريف خليط بشري جدّ متنوع: من أمازيغ ( بأصولهم الثلاثة: صنهاجة ومصمودة وزناتة)، وعرب (يمنيين وحجازيين)، وأندلسيين (بما فيهم ذوي أصول قوطية).. حتى أقليات رومانية وفارسية وصقالبة.مثلا توجد بقبيلة بني ورياغل -كبرى قبائل الريف- نسبة مهمة من ذوي الأصول العربية.. كما تنتشر في الريف كله تقريبا أسرٌ من الأشراف آل البيت النبوي استقرّت فيه منذ قرون.حتى على مستوى المفهوم الجغرافي-البشري للريف لا يوجد اتفاق بين المؤرخين القدامى، فقد يتّسع فيكون ما بين وادي ملوية وطنجة، وقد يضيق إلى ما بين وادِييْ النكور وكرط.فالريف وجود بشري وتاريخي هُلامي نسبيا.. دائم التغيّر والتحوّل. يهاجر ناس ويهجُر إليه آخرون.. وتتسع حدوده وتضيق، ويكبُر ويصغُر.. وهكذا في دينامية لا تتوقف. لذا فحبّ الريفي للهجرة حبّ تاريخي عميق.وعلى المستوى الفني لعلّ أفضل من عبّر عن هذا كله: وليد ميمون وخالد إزري.لكن إذا كان الريف أرض عبور حضاري من قديم، لاعتبارات جغرافية بالدرجة الأولى، فإن عبقرية الريف تتجلى أساسا في: الإنسان.. إذ أنجبتْ المنطقة على مدى التاريخ آلافا مؤلفة من القادة والمفكرين والعلماء والمغامرين والأولياء والأمراء.. لذلك الحلّ لتنمية الريف يكون مِن هنا: من الإنسان. الريف بين الحدث والتاريخ. يمكن أن نقول: إن الريف عموما لا يصنع التاريخ، لأنه كما سيأتي، محدود من حيث الجغرافيا والسكان والاقتصاد.. لكنه يصنع الحدَث. هذه قاعدة أغلبية.مثلا كان لبني مرين وجود بمناطق جنوب شرق الريف، واستفادوا منها في حركتهم ضد الموحدين وفي تأسيسهم للدولة المرينية.. لكنهم سرعان ما "أهملوا" المنطقة، ونزلوا نحو فاس فاتخذوها عاصمة لملكهم وحكمهم.وفي التاريخ المعاصر أوقف الريفيون الثائر بوحمارة، وهزموه، فصنعوا الحدث، لكن الأمر توقّف هنا فلم يصنعوا تاريخا بذلك.. إنما استفاد السلطان أنه استراح من شخص طموح وفوضوي.حتى مقاومة الأمير الخطابي تثبتُ هذه القاعدة، خلاف ما يُظن.. لقد كانت تجربة رائعة وعظيمة، لكن لم يكن ممكنا لها أبداً أن تتجاوز حدودا معينة. فحصار الجغرافيا يعمل عملـَه (من البرّ والبحر)، وقلة الإمكانات ووسائل الإنتاج عامل آخر، والثروة السكانية المحدودة والتي تهاجر باستمرار عامل ثالث، وصعوبة انقياد السكان لسلطة مركزية عاملٌ رابع.. وهكذا. لذلك فتجربة الخطابي لا تنفي هذه القاعدة، بل تؤكدها. وهي تجربة "معجزة" لأنها من التجارب النادرة جدا في تاريخ الريف التي كادتْ المنطقة تصنع فيها تاريخا، أعني تاريخا مستقرا وحضارة قائمة.. لا مجرد أحداث –مهما كانت عظيمة- تظل عابرة. لكن كما نعرف لم تعش التجربة غير سنوات معدودات.يمكن لتقريب الموضوع أن أضرب مثلا بالحجاز، فهذه منطقة فقيرة ومعزولة.. لا يمكن أن تصنع تاريخا حقيقيا. لكن وقع أن ظهر الإسلام فيها، فصنعتْ تاريخا. وهذا استثناء نادر جدا، لأنه في ماضي الحجاز لا يوجد تاريخ كبير ومؤثر (عدا ظهور الإسلام). ومع ذلك فمن القرارات الأولى لأمير المؤمنين سيدنا عليّ أنه نقل عاصمة الدولة الوليدة من مكة والمدينة إلى البصرة والكوفة بالعراق.. علامةً على أن التاريخ العربي أو الإسلامي -مِن ذلك الزمن- فصاعدا سيُصنع بالمشرق، لا بالحجاز. حــــــدود الـــــــريف .
نعود لموضوع الحراك الراهن. والحق -كما يقولون- على الدولة، فهي الطرف الأقوى، وبيدها المبادرة. إذ الناس بالريف أو غيره من مناطق البلاد يطالبون بحقوقهم. ومن الذي سيمنعُهم من ذلك؟ فالتعليم والثورة الإعلامية وتقارب المسافات والسياحة والتمدّن.. ظواهرُ ترفع من الوعي السياسي لدى العامّة، لذا لا يمكن إقناعهم بسهولة بأيّ كلام، وإن أمكن فلـِفـَترة محدودة.
هكذا فإن مطالب الحراك مشروعة، وهي عموما معقولة.. فهم لا يطالبون برفاهية السويد، بل بشروط الحدّ الأدنى للعيش الكريم. وكان على الدولة أن تفاوض أهل الحراك. أما تجاهلهم ومحاورة "ممثلي السكان المنتخبين" فقد قدّمنا أن الدولة بإجهاضها للتجربة الديموقراطية الجنينية.. تكون أجهضت أيضا كل حياة سياسية صحية وفعالة من داخل المؤسسات، وفتحتْ الباب للمجهول.
لكن على الريف أيضا أن يكون عقلانيا وأن يفكر بمصلحته.. والأهم أن يعرف حدوده.
ما حدود الريف، والريف الأوسط، والحسيمة خاصة؟
الحسيمة إقليم صغير في المغرب، فهو من الناحية السكانية يُقدّر بـ400 ألف، أي كل الإقليم. وهذا يساوي حيّا واحدا من أحياء الدار البيضاء ذات السبعة ملايين نسمة. وعلى المستوى الاقتصادي ليس للإقليم ثقل لا كبير ولا متوسط. لهذا على أهل الريف أن يعرفوا كيف يفاوضون على حقوقهم، وأن يكونوا براغماتيين، لا ثوريين مثاليين، لأن إنجاز التحول الديموقراطي وتحقيق العدالة شأن المغاربة جميعا ومسؤوليتهم كلهم، فلا يُعقل أن يتحمّل إقليم صغير هذا العبء كله، بل لا يستطيع.
عليهم أن يأخذوا العبرة من الربيع التونسي الذي بدأ من الجنوب التونسي المهمش.. وقامت ثورة وتغيّر رأس النظام.. لكن الطبقات الحاكمة، وهم نخبة من أهل الساحل، سرعان ما استعادوا هيمنتهم على الدولة ومقدراتها. لأنه -مرة أخرى- الثقل الاقتصادي والسكاني يوجد بالشمال التونسي، وبمدن الساحل بالضبط، وليس بالجنوب.
يعني أنه يمكن لأهل الريف أن يضحّوا بالغالي والنفيس.. وفعلا قد يتحقق تغييرٌ ما. لكنهم سيستيقظون بعد قليل على أن المدن الكبرى وبورجوازيتها هي التي قطفتْ ثمار تضحياتهم، وأن "ريما" عادت إلى عادتها القديمة.
أيضا يجب أن يضع أصحابنا في اعتبارهم أنه يمكن لعموم الشعب المغربي ألاّ يتجاوب معهم ولا يُدعمهم (لأسباب متعددة ليس هنا مجال ذكرها).. بل يمكن للدولة أن تتأقلم وتعتاد على هذا الحراك، ومع الزمن ينتهي شيئا فشيئا، كما انتهتْ مظاهرات مصر بالتدريج. وانظر إلى دول الجزائر وكولومبيا ونحوها كيف تعوّدتْ من ثلاثين سنة على ما هو أكبر من الحراك السلمي الجهوي: الحرب الأهلية وحروب العصابات. فتجد بعض المناطق في عذاب، بينما مناطق أخرى أهلها نائمون يأكلون ويشربون ويرقصون.وهنا لابد من كلمة عن يوتوبيا "الجمهورية الريفية". نعلم أن قلة محدودة جدا من سكان الريف تراودهم هذه الفكرة، قلة من الشباب أو الإيديولوجيين لا يتعدّون بضع عشرات في ظني، بينما الأغلبية الساحقة لا يخطر لها هذا الأمر لو بالمنام. لكن لا بأس أن نوضح لهؤلاء أن هذا لا يمكن، إذ كل دولة تحتاج لمقومات سكانية واقتصادية.. والريف فقير من حيث موارده الأرضية وقليل السكان. ويقول الاقتصاديون: إن كل تجمّع لا يقل عدد سكانه عن 100 مليون (وبعضهم يقول: 150 مليون) لن يُكتب له النجاح. ومشروع الخطابي رحمه الله كان هو "المغرب الكبير"، أما الجمهورية فكانت وضعا مؤقتا لظروف الاستعمار ومواجهته. والأمر الآخر أن مناطق الأمازيغ بالمغرب مفصولة بعضها عن بعض، أعني الذين لا يزالون ينطقون بها. وهذه فكرة الأكاديمي الجزائري البارز سالم شاكر، أنه مادام لا يوجد تواصل جغرافي بين أماكن وجود الأمازيغ، فإن كل كلام عن كيان أمازيغي ما لا معنى له. هذا مع أن الأمازيغ هم أكثرية سكان المغرب والجزائر، وإن تعرّب بعضهم. لذلك يجب التفكير في حلّ ما في إطار الوطن الجامع. في سبيل تجنّب بعض الأخطاء بحراك الريف . لذلك لا بأس باستمرار الحراك إذا أصرّ الناس على ذلك، لكن يجب استحضار جملة أمور:
1- حفظ الاحترام الواجب لجلالة الملك. فالانتقاد والغضب ينصبّا على الحكومة وأدواتها، وعلى الدولة العميقة وأخطبوطها. لأن الملك -كما هو واضح- شخصية طيبة في عمقها ويريد الخير لشعبه جميعا. وقد رأينا أن الطبقة السياسية عموما لا تهتم بالريف، فلم يبق إلاّ الملك. فلا يجب قطع شعرة معاوية -كما يقولون- مع القصر، وهو الأمل في قيادة عملية تأسيس ملكية دستورية ديموقراطية.
2- التمرد والإصرار على الحقوق جيّد، لكن ينبغي أن يكون قادة الحراك "تجّارا" وليس فقط "ثوارا".. يحتاج الريف إلى عقلية التاجر الشاطر الذي يعرف كيف يربح أقصى شيء في حدود الممكن، وليس إلى المقامر الذي يربح كل شيء أو يخسر كل شيء. ألم يقل علي بن أبي طالب: إذا أردتَ أن تُطاع فامُر بما يُستطاع.
يجب على أهل الريف ألاّ يكونوا إيديولوجيين، فليس الريف مناسبة لإنجاز ثورة عمالية تروتسكية لم توجد أبدا إلاّ في بعض الكتب، ولا لتحقيق حلم الأمازيغية العالمية والذي لا أحد إلى الآن يدري ما هو بالضبط وكيف.. يجب ألاّ يتصدّر هؤلاء الإيديولوجيون العقائديون مطالبَ الحراك، لأنهم سيُفشلونه حتما بمثالياتهم.
يحتاج الريف إلى أذكياء ودهاة، وليس لمندفعين في كل اتجاه. وبالتأمل في تجربة الأمير الخطابي يظهر أن نجاحها في البداية كان بفضل ذكائه وذكاء مجموعة منهم: عمه عبد السلام وأخوه المهندس والداهية محمد أزرقان.
3- أيضا يجب أن ينتبه أهل الحراك إلى أمر مهم: لا يجب أن يفهموا خطأ هذا الاهتمام العالمي بحركتهم.. بعضهم يظن حين يرى المراسلين والصحفيين وبعض القنوات والمنظمات الدولية تتحدّث عنهم.. يظنون أنهم أقوياء جدا بإمكانهم فرض إرادتهم كما يشاؤون.
لا، ليس كذلك الأمر في الواقع. وتفسير هذا الاهتمام أن نسبة كبيرة من الخبراء من العرب والأوربيين والأمريكيين والإسرائيليين يتوقعون ظهور موجة جديدة من "الربيع العربي". ويوجد شبه اتفاق بينهم على هذا. لكن السؤال: كيف ومِن أين ستندلع الشرارة الأولى؟
وحراك الريف له بعض صفات "الربيع الثوري". لكن ليس مؤكدا أنه هو الشرارة.. وإذا ضعف هذا الحراك لسبب من الأسباب، أو اندلعت شرارة في منطقة أخرى من عالمنا العربي-الإسلامي، سيجمع هؤلاء كاميراتهم ويولّوننا الأدبار، ولن تجدهم يتحدثون عن الحسيمة بتاتا. إذن لا يجب أن يغترّوا بالإعلام والصحافة.، فالأمر لا يتعلق بـ"عظمة الريفيين"، بقدر ما يتعلق بوضع دولي وإقليمي غير مستقر.
4- وهنا لابد أن نذكر أن عدم رفع العلم الوطني في المظاهرات كان خطأ. لابأس برفع العلم الأمازيغي لخصوصيتك الأمازيغية، ولا بأس برفع علم الخطابي رحمه الله باعتبار أنه جزء من تاريخك.. لكنك أيضا مغربي، فلماذا لا ترفع علم المغاربة، وهو العلم الموحِّد؟ خاصة أن بعض الناس في الوطن يفهم الأمر على غير حقيقته فيخسر الحراك تعاطف هؤلاء ودعمهم. عن الطبقة السياسية ومسؤوليتها .
كشف هذا الحراك وغيره أنه لا وجود لطبقة سياسية حقيقية يمكن الاعتماد عليها: لا في أوقات السلم والراحة، ولا في أوقات الشدة والأزمة.
لن نتحدث هنا إلاّ عن تيارين هما الأقرب لنبض الشارع بشكل أو بآخر:
الأول هو اليسار. وهنا حديث ذو شجون، خاصة أن لهذا التيار تاريخا طويلا بالمنطقة. ومن حقنا أن نسأل: ماذا قدّم اليسار للريف؟ ماذا أعطى؟ هل أفادهم أم استفاد منهم؟ هل من المعقول أن ينظر للمنطقة باعتبارها خزانا بشريا ينفع في المظاهرات فقط؟
الثاني هو التيار الإسلامي. لكي تعرف مثلا إهمال هذا التيار للريف انظر: كم مرة زارتْ القيادات الإسلامية منطقة الريف؟ (طبعا لن نحسب الزيارات إلى الناظور التي الغرض منها التسوّق من بضائع مليلية).
شخصيا أحترم السيد بنكيران. لكن: كم مرة زار الريف في حياته كلها، بما في ذلك أثناء رئاسته للحكومة؟ ماذا قدّم هو وحزبه للريف؟
وهنا نصل إلى جوهر المشكلة: الحكم والسلطة يكونان غالبا لمناطق الثقل السكاني والاقتصادي والجغرافي.. حتى بإيطاليا (الشمال هو الذي يحكم وليس الجنوب)، وبفرنسا (جهة باريس هي المحور). والإسلاميون لا يخرجون عن هذه القاعدة: أكثريتهم وأكثر قياداتهم من المدن الكبرى، لذا لا يعيرون اهتماما حقيقيا لمناطق الهامش: للريف وللشرق وللجنوب..
هذا مفهوم من منظور علم الاجتماع السياسي، لكن كان على الإسلاميين أن يقدموا نموذجا مختلفا، وأن يدرسوا مشكلات الهوامش، ويبلوروا رؤية لهذه المناطق. هل عندهم ورقة خاصة بالريف؟ وأخرى للأطلس أو للجنوب الصحراوي مثلا..؟ لا أظن.
على الإسلاميين أن يهتموا بقضايا العدالة وتوزيع الثروة والتوازن بين الجهات والمناطق وتحقيق المشاركة السياسية للجميع.. بينما بعضهم في واقع الأمر يعيد إنتاج هذه المركزية للحكم وهذه الأنانية للطبقات الحاكمة.. كأن الدولة العميقة وظّفتهُم لإبقاء ما كان على ما كان ولاستمرار ريعها ومصالحها. وبعض الإسلاميين على وعي بهذا، لكنهم يشاركون فيه ضدا على مبادئهم ومثالاتهم. مسؤولية النخبة الريفية .
هنا نأتي لمسؤولية أهل الريف أنفسهم. لماذا لا يسألون أنفسهم: هل نحن مسؤولون، ولو جزئيا، عن هذا الوضع؟
الحقيقة أن النخبة الريفية مقصّرة جدا في خدمة منطقتها. يحبون أن يعيشوا في المدن الكبرى، ويذوبون فيها ويندمجون تماما، وإذا زاروا الريف فبسبب البحر والعطل. حتى ببيوتهم لا يتحدثون بالريفية، بل بالدارجة، ويحرص الأبوان الريفيان على ألاّ يعرف أبناؤهم الأمازيغية، بدعوى تسهيل الاندماج في المحيط، مع أنه لا مانع من تعلّم اللهجتين معا.
ورغم وجود آلاف الأطر، في كل تخصص واتجاه، ماذا قدّم هؤلاء لخدمة المنطقة: أيّ مبادرات، وأيّ مساعدات، وأيّ أفكار..؟ مثلا لم يفكر هؤلاء في تشكيل جمعيات تقدم منحا دراسية للمحتاجين، ولا جمعيات دعم طبي أو اجتماعي أو ثقافي.. بالنسبة لهم فالريف مجرد ذكرى جميلة.
أما اليساريون الريفيون فقد استنزفوا طاقاتهم في نضال أممي لا أفق له، ولم يفكروا في إبداع شيء لصالح الريف، ولم يعطوا رؤية للخروج به من الطريق المسدود.
أما النخبة الاقتصادية فهي في أكثرها بورجوازية أنانية جاهلة، لا يهمها إلاّ جمع المال. لم يقدّموا -على كثرتهم وكثرة أموالهم- أيّ مشروع كبير لإخوانهم. إذا افتتحوا مشروعا فهو مقهى، أو مضاربة عقارية، أو فندق.. وبعض الجيّدين فيهم هربوا باستثماراتهم إلى طنجة ومكناس والبيضاء.. وأوربا.
بينما النخبة الريفية الموجودة في السلطة، أو قريبا منها.. ماذا قدّمت؟ بعضهم وصل لمراكز متقدمة في الاقتراب من صانعي القرار، وعوض أن يستفيدوا من ذلك في تنمية الريف، دخلوا في المهاترات والمغامرات السياسية التي لا تنتهي واستنزفتهم السياسة المغربية المعقدة على جغرافيا واسعة تمتد من وجدة إلى لكويرة.
قارن ذلك مثلا بالنخبة الوجدية، بينما مدينة وجدة -التي نحبها ونحب أهلها لأننا درسنا بها- مدينة جميلة ونظيفة بمرافق كاملة (جامعة كبيرة، ومستشفيات، وملاعب، ومؤسسات..الخ)، تجد مدينة الناظور مدينة بلا روح ولا نظام ولا مؤسسات، بل لم تعالج إلى الآن مشكلة الفوضى والأزبال.. فترى الفرق واضحا بين النخبتين.
إن الاعتراف بالحق فضيلة.. وجميع أهل الريف، خاصة النخب، مسؤولة أيضا. الريف أو الشموخ الحزين. كذلك يوجد عنصر مهم جدا يتحكّم إلى حدّ كبير في مواقف الشعوب، هو العنصر النفسي.وهذا حاضر بقوة في حالة الريف، لدرجة أن زميلنا د.سعيد صديقي في حواره مع "المساء" يتحدث عن "الجروح العميقة في الوعي الجمعي لأبناء المنطقة." ويذكر منها أحداث 1958-1959، وبشكل أقلّ حدة ما وقع سنة 1984.لكن هذه الجروح هي أقدم في الحقيقة، ففي نهايات القرن التاسع عشر بطش بوشتى البغدادي بقبيلة بني بقيوة بطشا شديدا لا تستحقّه. ثم في بدايات القرن العشرين عانى الريف الشرقي –خاصة قبائل بني توزين وبني سعيد، وتفرسيت..- من اعتداءات بوحمارة وجماعته حين اجتاح جيشه هذه المناطق. أما حين دخل الاستعمار، فقد تعاون الإسبان والفرنسيون –وهما قوى استعمارية كبرى- على قمع الريفيين الذين لم يكن يتجاوز عددهم نصف مليون في كامل الريف، وضربوهم بكل سلاح، حتى بالكيماوي.. كان قمعا رهيبا وحربا قبيحة فوق ما يطيقه الناس، فمات الآلاف، ما اضطر الخطابي للاستسلام.لذا يجب دراسة تجارب الدول في الإصلاح وجبر الضرر عند بعض الشعوب، كما بإفريقيا الجنوبية وأمريكا اللاتينية.. رغم اختلاف الحالة المغربية عنهما.ولا ينبغي الاستهانة بهذا، وانظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام يتحدث عن عبادة "جبر الخواطر". لكن يوجد سبب مهم في "حزن الريف"، وهو "الجبل".. فالمنطقة جبلية وعرة، وكأن هذا انعكس على نفسية السكان فاكتسبوا أخلاق الجبال: من شموخ، وثبات (عناد؟)، وحزن.. حتى إنك تجد فرقا بين الشخصية الحسيمية والشخصية الناظورية، فالثانية أكثر هدوءا وانشراحا من الأولى، إذ الناظور أرض منبسطة. لا يعني هذا أن هذه الشخصية أفضل من تلك.. لكن هذه ملاحظات اجتماعية ونفسية عادية.. هي بعضٌ من حِكم الله سبحانه في الكون.كانت الفنانة سعيدة فكري –بموهبتها الفنية الفطرية، وهي ليست ريفية- من القلائل الذين أحسّوا بحزن الريف، وفهموا هذا الحزن.. ترى ذلك واضحا في أغنيتها " يا جبال الريف"..
هذه بعض أفكار وانطباعات قابلة للإثراء والنقاش. وبحول الله سأكتب قريبا مقالا أقترح فيه مشروعا للريف وللوطن كله.. حتى لا يكون كلامنا نظريا فقط.. مشروع أتمنى أن يكون في أجهزة الدولة ومؤسساتها من يقرأه ويستفيد منه. والله تعالى أعلم.
نشر موقع هسبريس هذا المقال تحت عنوان: "جيوبولتيك" وحراك منطقة الريف .. الحاجة إلى تُجار لا إلى ثُوار.https://www.hespress.com/orbites/353361.html
الغالب على المقالات التي كُتبت عن حراك الريف هو الكتابة الصحفية التي تساير تطوّرات القضية وتهتم بتفاصيلها الجزئية. بينما تقلّ الكتابات الفكرية والتأملات العامة. وهذا المقال محاولة في سدّ هذه الثغرة. عن الدولة ومنطقها .
نبدأ بالدولة المغربية، فهي لا تختلف في العمق عن دول العالم الثالث، وعموم الدول العربية.. من حيث إن طبقة معينة تحكمها، ولها مصالح واسعة، فتحرص عليها وعلى استمرار هيمنتها. وقد ظهر في السنين الأخيرة أن سلوك "الدولة العربية" حين تتعرض طبقتـُها الحاكمة لضغط شعبي كبير فتحسّ بالخطر على وضعها هو: إما مواجهته بحزم، وإما تتنازل جزئيا، أي عن بعض المصالح فقط. والسيناريو الأول يؤدي إما إلى حرب أهلية أو إلى استبداد شامل يقتل الحياة، بمعنى أن الناس تقاوم الدولة، وقد تنهزم، لكنه انهزام مؤقت، لأن الشعوب في الحقيقة لا تنهزم بشكل نهائي.
أما السيناريو الثاني فيؤدي إلى تأجيل المشكلة وربح الوقت، بمعنى أنه لا يحلّ المشكلة الأساسية.
في الحالة المغربية بيّنتْ هذه السنة الأخيرة بشكل واضح أن الدولة العميقة انحنتْ للعاصفة، وأنها لم تكن صادقة في الإصلاح والتغيير وتحقيق تطلعات الشعب، لأنها تدرك ببساطة أن هذا سيذهب بهيمنتها ومصالحها.
لذلك رأينا كيف ناورتْ هذه الطبقة طيلة شهور، وكيف أخرجتْ سيناريو تجميد تشكيل الحكومة.. فحين لم تُرد حكومة منتخبة عرقلتْها ستة شهور، وحين تحقّقتْ لها حكومة شكلية أخرجتها في أسبوعين.
و الناس ببلادنا لم يكونوا راضين تمام الرضا عن الحكومة السابقة، إذ بعض خياراتها الاقتصادية والاجتماعية لم تكن في الحقيقة لصالح الطبقات الشعبية.. لكنهم تحمّلوها أملاً منهم في تحقيق الإنجاز الديموقراطي والذي يستبطن قيمتيْ العدل والمساواة.
لذلك فالخطيئة الكبرى للدولة هو أنها لا تريد -في العمق- التحوّل الديموقراطي، بكل ما يعنيه ذلك من إشراك للشعب في القرار السياسي والاقتصادي، ومن عدالة اجتماعية وتوزيع منصف للثروة، ورقابة ومحاسبة..
هذه التجربة أفقدتْ الناس قيمة سياسية مهمة، وهي: المصداقية، إذ لم يعد الناس يثقون في الحياة السياسية المغربية. وفي أوّل انتخابات قادمة سيرى الجميع هذا رأي العين.
إذن من المنظور العام: ما يجري وسيجري هو أن الطبقات الحاكمة تحصد ما زرعته، لذا نلاحظ ارتباكا عاما في معالجة حراك الريف وأمثاله.
هذا كله ليس سرا، بل أكثرية المحللين والمفكرين حذّروا منه مرارا.. فما تفسير أنه لا أحد يستمع لهذا التحذير؟
التفسير أن هذه الطبقة المهيمنة تظن أن بإمكانها السيطرة على الأمور، وأنها ببعض الإصلاحات المحدودة، ومع الزمن.. ستستعيد هذه الهوامش الضيقة التي "تفضّلت" بالتنازل عنها لصالح الشعب.
وهذا كله قِصر نظر وغباء، كما هو درس التاريخ، البعيد والقريب. لكنها طبيعة الإنسان الذي وصفه القرآن الكريم بأنه جهول ظلوم، يطغى إذا استغنى ويجزع إذا فقد شيئا، ولا يقنع.ألبتة
الخلاصة أنه ليس أمام الدولة من حلّ إلاّ إنجاز التحول الديموقراطي الحقيقي.. بصدق وبسرعة. الريف: الهوامش في مقابلة المغرب النافع. هذا من جهة، ثم من جهة أخرى حراكُ الريف هو مظهر لغضب الهوامش، فهو مثل الأحداث السابقة بصفرو وسيدي إفني.. ونحوها من انتفاضات المغرب غير النافع.كان ليوطي -مهندس الاستعمار الفرنسي- هو الذي قسّم المغرب إلى نوعين: النافع وغير النافع. وحين جاء الاستقلال كانت مجمل سياساته الاقتصادية والاجتماعية تكريسٌ لهذا الواقع الذي فرضه الاستعمار، وإن حاول تغييرها أحيانا.لذلك على أهل المغرب النافع أن يتفهّموا هذا الموضوع، وأن ينظروا إلى الأمور بمنظور موضوعي، وأن يعرفوا أن العدل أساس المُلك، وأنه يجب على الدولة أن تـُنمي مناطق الهامش كما تنمي طنجة والرباط والبيضاء وأكادير ومراكش.. فالريف نموذج لهذا الحيف الذي طال مناطق مثل فكيك وبوعرفة وتازة والريصاني وسيدي إفني والأربعاء والغرب ووزان والقلعة والراشيدية.. وعموم الأطلس المتوسط، وعموم البادية المغربية، وسكان الجبال..الخ.مثلا حصة الساكن بإقليم الحسيمة من الإنفاق الحكومي على المواطن وتنميته هي أقلّ من المعدّل الوطني بكثير.. أي أن ما تصرفه الدولة على المواطن بهذا الإقليم المهمش أقلّ بمراحل ممّا تصرفه على المواطن بالمغرب النافع. بينما كان المفروض أن تزيد حصة الهوامش من الإنفاق لا أن تنقص، لتدارك التفاوت في أسرع وقت. هكذا بعد الاستقلال وطيلة عقود كان معظم إنفاق الدولة يتجه إلى بعض المدن الكبرى، وأُهمل الباقي، بل وقع حتى إهمال مُدن مهمة واستثنائية كـفاس. فبدا كأن المغرب النافع ضاق أكثر، وانحسر إلى الشريط الساحلي ما بين القنيطرة والجديدة. صحيح أن الدولة حاولتْ تدارك الأمر منذ حوالي 15 سنة، لكن -وهنا مظهر آخر للمشكلة- يوجد بطء في الأداء الحكومي، وبالمقابل توجد انتظارات وآمال كبيرة للناس، إذ الجيل الجديد لا يصبر صبر الآباء ولا يقنع كقناعتهم. فهذا الحراك، وما يماثله في مناطق أخرى، مظهر للخلل الكبير بين جهات المغرب، حتى كأنّنا أمام مغربين. ويبدو أن بعض الناس في المغرب النافع استَحلوا هذا، كأنهم يرون أن من حقّهم أن يحوزوا معظم ثروات البلد وسلطاته.. ولا يتركون لغيرهم إلاّ الفتات. والأوطان لا تستقر بالغبن والظلم أبدا. الريف: أرض الوجود العابر؟ لكن للريف خصوصية، عقّدتْ من وضعه حتى جعلته كأنه أرضٌ للوجود العابر، وكأنّ من به سكان عابرون، حتى وهم مقيمون متشبثون بأرضهم. ذلك أن الريف من الناحية الجغرافية منطقة جبلية وَعرة ومحصورة، ولا توجد به أراض زراعية واسعة.. بمعنى أنه لا يمكنه استقبال عدد كبير من السكان.وهو أيضا أرض وصْل وعبور من إفريقيا إلى أوربا، أو من المغرب إلى إسبانيا.. وعبْر الريف دخل الغزاة من كلّ صنف، ومرّت قوافل المسافرين من كل نوع.لذلك فالتركيبة السكانية للريف خليط بشري جدّ متنوع: من أمازيغ ( بأصولهم الثلاثة: صنهاجة ومصمودة وزناتة)، وعرب (يمنيين وحجازيين)، وأندلسيين (بما فيهم ذوي أصول قوطية).. حتى أقليات رومانية وفارسية وصقالبة.مثلا توجد بقبيلة بني ورياغل -كبرى قبائل الريف- نسبة مهمة من ذوي الأصول العربية.. كما تنتشر في الريف كله تقريبا أسرٌ من الأشراف آل البيت النبوي استقرّت فيه منذ قرون.حتى على مستوى المفهوم الجغرافي-البشري للريف لا يوجد اتفاق بين المؤرخين القدامى، فقد يتّسع فيكون ما بين وادي ملوية وطنجة، وقد يضيق إلى ما بين وادِييْ النكور وكرط.فالريف وجود بشري وتاريخي هُلامي نسبيا.. دائم التغيّر والتحوّل. يهاجر ناس ويهجُر إليه آخرون.. وتتسع حدوده وتضيق، ويكبُر ويصغُر.. وهكذا في دينامية لا تتوقف. لذا فحبّ الريفي للهجرة حبّ تاريخي عميق.وعلى المستوى الفني لعلّ أفضل من عبّر عن هذا كله: وليد ميمون وخالد إزري.لكن إذا كان الريف أرض عبور حضاري من قديم، لاعتبارات جغرافية بالدرجة الأولى، فإن عبقرية الريف تتجلى أساسا في: الإنسان.. إذ أنجبتْ المنطقة على مدى التاريخ آلافا مؤلفة من القادة والمفكرين والعلماء والمغامرين والأولياء والأمراء.. لذلك الحلّ لتنمية الريف يكون مِن هنا: من الإنسان. الريف بين الحدث والتاريخ. يمكن أن نقول: إن الريف عموما لا يصنع التاريخ، لأنه كما سيأتي، محدود من حيث الجغرافيا والسكان والاقتصاد.. لكنه يصنع الحدَث. هذه قاعدة أغلبية.مثلا كان لبني مرين وجود بمناطق جنوب شرق الريف، واستفادوا منها في حركتهم ضد الموحدين وفي تأسيسهم للدولة المرينية.. لكنهم سرعان ما "أهملوا" المنطقة، ونزلوا نحو فاس فاتخذوها عاصمة لملكهم وحكمهم.وفي التاريخ المعاصر أوقف الريفيون الثائر بوحمارة، وهزموه، فصنعوا الحدث، لكن الأمر توقّف هنا فلم يصنعوا تاريخا بذلك.. إنما استفاد السلطان أنه استراح من شخص طموح وفوضوي.حتى مقاومة الأمير الخطابي تثبتُ هذه القاعدة، خلاف ما يُظن.. لقد كانت تجربة رائعة وعظيمة، لكن لم يكن ممكنا لها أبداً أن تتجاوز حدودا معينة. فحصار الجغرافيا يعمل عملـَه (من البرّ والبحر)، وقلة الإمكانات ووسائل الإنتاج عامل آخر، والثروة السكانية المحدودة والتي تهاجر باستمرار عامل ثالث، وصعوبة انقياد السكان لسلطة مركزية عاملٌ رابع.. وهكذا. لذلك فتجربة الخطابي لا تنفي هذه القاعدة، بل تؤكدها. وهي تجربة "معجزة" لأنها من التجارب النادرة جدا في تاريخ الريف التي كادتْ المنطقة تصنع فيها تاريخا، أعني تاريخا مستقرا وحضارة قائمة.. لا مجرد أحداث –مهما كانت عظيمة- تظل عابرة. لكن كما نعرف لم تعش التجربة غير سنوات معدودات.يمكن لتقريب الموضوع أن أضرب مثلا بالحجاز، فهذه منطقة فقيرة ومعزولة.. لا يمكن أن تصنع تاريخا حقيقيا. لكن وقع أن ظهر الإسلام فيها، فصنعتْ تاريخا. وهذا استثناء نادر جدا، لأنه في ماضي الحجاز لا يوجد تاريخ كبير ومؤثر (عدا ظهور الإسلام). ومع ذلك فمن القرارات الأولى لأمير المؤمنين سيدنا عليّ أنه نقل عاصمة الدولة الوليدة من مكة والمدينة إلى البصرة والكوفة بالعراق.. علامةً على أن التاريخ العربي أو الإسلامي -مِن ذلك الزمن- فصاعدا سيُصنع بالمشرق، لا بالحجاز. حــــــدود الـــــــريف .
نعود لموضوع الحراك الراهن. والحق -كما يقولون- على الدولة، فهي الطرف الأقوى، وبيدها المبادرة. إذ الناس بالريف أو غيره من مناطق البلاد يطالبون بحقوقهم. ومن الذي سيمنعُهم من ذلك؟ فالتعليم والثورة الإعلامية وتقارب المسافات والسياحة والتمدّن.. ظواهرُ ترفع من الوعي السياسي لدى العامّة، لذا لا يمكن إقناعهم بسهولة بأيّ كلام، وإن أمكن فلـِفـَترة محدودة.
هكذا فإن مطالب الحراك مشروعة، وهي عموما معقولة.. فهم لا يطالبون برفاهية السويد، بل بشروط الحدّ الأدنى للعيش الكريم. وكان على الدولة أن تفاوض أهل الحراك. أما تجاهلهم ومحاورة "ممثلي السكان المنتخبين" فقد قدّمنا أن الدولة بإجهاضها للتجربة الديموقراطية الجنينية.. تكون أجهضت أيضا كل حياة سياسية صحية وفعالة من داخل المؤسسات، وفتحتْ الباب للمجهول.
لكن على الريف أيضا أن يكون عقلانيا وأن يفكر بمصلحته.. والأهم أن يعرف حدوده.
ما حدود الريف، والريف الأوسط، والحسيمة خاصة؟
الحسيمة إقليم صغير في المغرب، فهو من الناحية السكانية يُقدّر بـ400 ألف، أي كل الإقليم. وهذا يساوي حيّا واحدا من أحياء الدار البيضاء ذات السبعة ملايين نسمة. وعلى المستوى الاقتصادي ليس للإقليم ثقل لا كبير ولا متوسط. لهذا على أهل الريف أن يعرفوا كيف يفاوضون على حقوقهم، وأن يكونوا براغماتيين، لا ثوريين مثاليين، لأن إنجاز التحول الديموقراطي وتحقيق العدالة شأن المغاربة جميعا ومسؤوليتهم كلهم، فلا يُعقل أن يتحمّل إقليم صغير هذا العبء كله، بل لا يستطيع.
عليهم أن يأخذوا العبرة من الربيع التونسي الذي بدأ من الجنوب التونسي المهمش.. وقامت ثورة وتغيّر رأس النظام.. لكن الطبقات الحاكمة، وهم نخبة من أهل الساحل، سرعان ما استعادوا هيمنتهم على الدولة ومقدراتها. لأنه -مرة أخرى- الثقل الاقتصادي والسكاني يوجد بالشمال التونسي، وبمدن الساحل بالضبط، وليس بالجنوب.
يعني أنه يمكن لأهل الريف أن يضحّوا بالغالي والنفيس.. وفعلا قد يتحقق تغييرٌ ما. لكنهم سيستيقظون بعد قليل على أن المدن الكبرى وبورجوازيتها هي التي قطفتْ ثمار تضحياتهم، وأن "ريما" عادت إلى عادتها القديمة.
أيضا يجب أن يضع أصحابنا في اعتبارهم أنه يمكن لعموم الشعب المغربي ألاّ يتجاوب معهم ولا يُدعمهم (لأسباب متعددة ليس هنا مجال ذكرها).. بل يمكن للدولة أن تتأقلم وتعتاد على هذا الحراك، ومع الزمن ينتهي شيئا فشيئا، كما انتهتْ مظاهرات مصر بالتدريج. وانظر إلى دول الجزائر وكولومبيا ونحوها كيف تعوّدتْ من ثلاثين سنة على ما هو أكبر من الحراك السلمي الجهوي: الحرب الأهلية وحروب العصابات. فتجد بعض المناطق في عذاب، بينما مناطق أخرى أهلها نائمون يأكلون ويشربون ويرقصون.وهنا لابد من كلمة عن يوتوبيا "الجمهورية الريفية". نعلم أن قلة محدودة جدا من سكان الريف تراودهم هذه الفكرة، قلة من الشباب أو الإيديولوجيين لا يتعدّون بضع عشرات في ظني، بينما الأغلبية الساحقة لا يخطر لها هذا الأمر لو بالمنام. لكن لا بأس أن نوضح لهؤلاء أن هذا لا يمكن، إذ كل دولة تحتاج لمقومات سكانية واقتصادية.. والريف فقير من حيث موارده الأرضية وقليل السكان. ويقول الاقتصاديون: إن كل تجمّع لا يقل عدد سكانه عن 100 مليون (وبعضهم يقول: 150 مليون) لن يُكتب له النجاح. ومشروع الخطابي رحمه الله كان هو "المغرب الكبير"، أما الجمهورية فكانت وضعا مؤقتا لظروف الاستعمار ومواجهته. والأمر الآخر أن مناطق الأمازيغ بالمغرب مفصولة بعضها عن بعض، أعني الذين لا يزالون ينطقون بها. وهذه فكرة الأكاديمي الجزائري البارز سالم شاكر، أنه مادام لا يوجد تواصل جغرافي بين أماكن وجود الأمازيغ، فإن كل كلام عن كيان أمازيغي ما لا معنى له. هذا مع أن الأمازيغ هم أكثرية سكان المغرب والجزائر، وإن تعرّب بعضهم. لذلك يجب التفكير في حلّ ما في إطار الوطن الجامع. في سبيل تجنّب بعض الأخطاء بحراك الريف . لذلك لا بأس باستمرار الحراك إذا أصرّ الناس على ذلك، لكن يجب استحضار جملة أمور:
1- حفظ الاحترام الواجب لجلالة الملك. فالانتقاد والغضب ينصبّا على الحكومة وأدواتها، وعلى الدولة العميقة وأخطبوطها. لأن الملك -كما هو واضح- شخصية طيبة في عمقها ويريد الخير لشعبه جميعا. وقد رأينا أن الطبقة السياسية عموما لا تهتم بالريف، فلم يبق إلاّ الملك. فلا يجب قطع شعرة معاوية -كما يقولون- مع القصر، وهو الأمل في قيادة عملية تأسيس ملكية دستورية ديموقراطية.
2- التمرد والإصرار على الحقوق جيّد، لكن ينبغي أن يكون قادة الحراك "تجّارا" وليس فقط "ثوارا".. يحتاج الريف إلى عقلية التاجر الشاطر الذي يعرف كيف يربح أقصى شيء في حدود الممكن، وليس إلى المقامر الذي يربح كل شيء أو يخسر كل شيء. ألم يقل علي بن أبي طالب: إذا أردتَ أن تُطاع فامُر بما يُستطاع.
يجب على أهل الريف ألاّ يكونوا إيديولوجيين، فليس الريف مناسبة لإنجاز ثورة عمالية تروتسكية لم توجد أبدا إلاّ في بعض الكتب، ولا لتحقيق حلم الأمازيغية العالمية والذي لا أحد إلى الآن يدري ما هو بالضبط وكيف.. يجب ألاّ يتصدّر هؤلاء الإيديولوجيون العقائديون مطالبَ الحراك، لأنهم سيُفشلونه حتما بمثالياتهم.
يحتاج الريف إلى أذكياء ودهاة، وليس لمندفعين في كل اتجاه. وبالتأمل في تجربة الأمير الخطابي يظهر أن نجاحها في البداية كان بفضل ذكائه وذكاء مجموعة منهم: عمه عبد السلام وأخوه المهندس والداهية محمد أزرقان.
3- أيضا يجب أن ينتبه أهل الحراك إلى أمر مهم: لا يجب أن يفهموا خطأ هذا الاهتمام العالمي بحركتهم.. بعضهم يظن حين يرى المراسلين والصحفيين وبعض القنوات والمنظمات الدولية تتحدّث عنهم.. يظنون أنهم أقوياء جدا بإمكانهم فرض إرادتهم كما يشاؤون.
لا، ليس كذلك الأمر في الواقع. وتفسير هذا الاهتمام أن نسبة كبيرة من الخبراء من العرب والأوربيين والأمريكيين والإسرائيليين يتوقعون ظهور موجة جديدة من "الربيع العربي". ويوجد شبه اتفاق بينهم على هذا. لكن السؤال: كيف ومِن أين ستندلع الشرارة الأولى؟
وحراك الريف له بعض صفات "الربيع الثوري". لكن ليس مؤكدا أنه هو الشرارة.. وإذا ضعف هذا الحراك لسبب من الأسباب، أو اندلعت شرارة في منطقة أخرى من عالمنا العربي-الإسلامي، سيجمع هؤلاء كاميراتهم ويولّوننا الأدبار، ولن تجدهم يتحدثون عن الحسيمة بتاتا. إذن لا يجب أن يغترّوا بالإعلام والصحافة.، فالأمر لا يتعلق بـ"عظمة الريفيين"، بقدر ما يتعلق بوضع دولي وإقليمي غير مستقر.
4- وهنا لابد أن نذكر أن عدم رفع العلم الوطني في المظاهرات كان خطأ. لابأس برفع العلم الأمازيغي لخصوصيتك الأمازيغية، ولا بأس برفع علم الخطابي رحمه الله باعتبار أنه جزء من تاريخك.. لكنك أيضا مغربي، فلماذا لا ترفع علم المغاربة، وهو العلم الموحِّد؟ خاصة أن بعض الناس في الوطن يفهم الأمر على غير حقيقته فيخسر الحراك تعاطف هؤلاء ودعمهم. عن الطبقة السياسية ومسؤوليتها .
كشف هذا الحراك وغيره أنه لا وجود لطبقة سياسية حقيقية يمكن الاعتماد عليها: لا في أوقات السلم والراحة، ولا في أوقات الشدة والأزمة.
لن نتحدث هنا إلاّ عن تيارين هما الأقرب لنبض الشارع بشكل أو بآخر:
الأول هو اليسار. وهنا حديث ذو شجون، خاصة أن لهذا التيار تاريخا طويلا بالمنطقة. ومن حقنا أن نسأل: ماذا قدّم اليسار للريف؟ ماذا أعطى؟ هل أفادهم أم استفاد منهم؟ هل من المعقول أن ينظر للمنطقة باعتبارها خزانا بشريا ينفع في المظاهرات فقط؟
الثاني هو التيار الإسلامي. لكي تعرف مثلا إهمال هذا التيار للريف انظر: كم مرة زارتْ القيادات الإسلامية منطقة الريف؟ (طبعا لن نحسب الزيارات إلى الناظور التي الغرض منها التسوّق من بضائع مليلية).
شخصيا أحترم السيد بنكيران. لكن: كم مرة زار الريف في حياته كلها، بما في ذلك أثناء رئاسته للحكومة؟ ماذا قدّم هو وحزبه للريف؟
وهنا نصل إلى جوهر المشكلة: الحكم والسلطة يكونان غالبا لمناطق الثقل السكاني والاقتصادي والجغرافي.. حتى بإيطاليا (الشمال هو الذي يحكم وليس الجنوب)، وبفرنسا (جهة باريس هي المحور). والإسلاميون لا يخرجون عن هذه القاعدة: أكثريتهم وأكثر قياداتهم من المدن الكبرى، لذا لا يعيرون اهتماما حقيقيا لمناطق الهامش: للريف وللشرق وللجنوب..
هذا مفهوم من منظور علم الاجتماع السياسي، لكن كان على الإسلاميين أن يقدموا نموذجا مختلفا، وأن يدرسوا مشكلات الهوامش، ويبلوروا رؤية لهذه المناطق. هل عندهم ورقة خاصة بالريف؟ وأخرى للأطلس أو للجنوب الصحراوي مثلا..؟ لا أظن.
على الإسلاميين أن يهتموا بقضايا العدالة وتوزيع الثروة والتوازن بين الجهات والمناطق وتحقيق المشاركة السياسية للجميع.. بينما بعضهم في واقع الأمر يعيد إنتاج هذه المركزية للحكم وهذه الأنانية للطبقات الحاكمة.. كأن الدولة العميقة وظّفتهُم لإبقاء ما كان على ما كان ولاستمرار ريعها ومصالحها. وبعض الإسلاميين على وعي بهذا، لكنهم يشاركون فيه ضدا على مبادئهم ومثالاتهم. مسؤولية النخبة الريفية .
هنا نأتي لمسؤولية أهل الريف أنفسهم. لماذا لا يسألون أنفسهم: هل نحن مسؤولون، ولو جزئيا، عن هذا الوضع؟
الحقيقة أن النخبة الريفية مقصّرة جدا في خدمة منطقتها. يحبون أن يعيشوا في المدن الكبرى، ويذوبون فيها ويندمجون تماما، وإذا زاروا الريف فبسبب البحر والعطل. حتى ببيوتهم لا يتحدثون بالريفية، بل بالدارجة، ويحرص الأبوان الريفيان على ألاّ يعرف أبناؤهم الأمازيغية، بدعوى تسهيل الاندماج في المحيط، مع أنه لا مانع من تعلّم اللهجتين معا.
ورغم وجود آلاف الأطر، في كل تخصص واتجاه، ماذا قدّم هؤلاء لخدمة المنطقة: أيّ مبادرات، وأيّ مساعدات، وأيّ أفكار..؟ مثلا لم يفكر هؤلاء في تشكيل جمعيات تقدم منحا دراسية للمحتاجين، ولا جمعيات دعم طبي أو اجتماعي أو ثقافي.. بالنسبة لهم فالريف مجرد ذكرى جميلة.
أما اليساريون الريفيون فقد استنزفوا طاقاتهم في نضال أممي لا أفق له، ولم يفكروا في إبداع شيء لصالح الريف، ولم يعطوا رؤية للخروج به من الطريق المسدود.
أما النخبة الاقتصادية فهي في أكثرها بورجوازية أنانية جاهلة، لا يهمها إلاّ جمع المال. لم يقدّموا -على كثرتهم وكثرة أموالهم- أيّ مشروع كبير لإخوانهم. إذا افتتحوا مشروعا فهو مقهى، أو مضاربة عقارية، أو فندق.. وبعض الجيّدين فيهم هربوا باستثماراتهم إلى طنجة ومكناس والبيضاء.. وأوربا.
بينما النخبة الريفية الموجودة في السلطة، أو قريبا منها.. ماذا قدّمت؟ بعضهم وصل لمراكز متقدمة في الاقتراب من صانعي القرار، وعوض أن يستفيدوا من ذلك في تنمية الريف، دخلوا في المهاترات والمغامرات السياسية التي لا تنتهي واستنزفتهم السياسة المغربية المعقدة على جغرافيا واسعة تمتد من وجدة إلى لكويرة.
قارن ذلك مثلا بالنخبة الوجدية، بينما مدينة وجدة -التي نحبها ونحب أهلها لأننا درسنا بها- مدينة جميلة ونظيفة بمرافق كاملة (جامعة كبيرة، ومستشفيات، وملاعب، ومؤسسات..الخ)، تجد مدينة الناظور مدينة بلا روح ولا نظام ولا مؤسسات، بل لم تعالج إلى الآن مشكلة الفوضى والأزبال.. فترى الفرق واضحا بين النخبتين.
إن الاعتراف بالحق فضيلة.. وجميع أهل الريف، خاصة النخب، مسؤولة أيضا. الريف أو الشموخ الحزين. كذلك يوجد عنصر مهم جدا يتحكّم إلى حدّ كبير في مواقف الشعوب، هو العنصر النفسي.وهذا حاضر بقوة في حالة الريف، لدرجة أن زميلنا د.سعيد صديقي في حواره مع "المساء" يتحدث عن "الجروح العميقة في الوعي الجمعي لأبناء المنطقة." ويذكر منها أحداث 1958-1959، وبشكل أقلّ حدة ما وقع سنة 1984.لكن هذه الجروح هي أقدم في الحقيقة، ففي نهايات القرن التاسع عشر بطش بوشتى البغدادي بقبيلة بني بقيوة بطشا شديدا لا تستحقّه. ثم في بدايات القرن العشرين عانى الريف الشرقي –خاصة قبائل بني توزين وبني سعيد، وتفرسيت..- من اعتداءات بوحمارة وجماعته حين اجتاح جيشه هذه المناطق. أما حين دخل الاستعمار، فقد تعاون الإسبان والفرنسيون –وهما قوى استعمارية كبرى- على قمع الريفيين الذين لم يكن يتجاوز عددهم نصف مليون في كامل الريف، وضربوهم بكل سلاح، حتى بالكيماوي.. كان قمعا رهيبا وحربا قبيحة فوق ما يطيقه الناس، فمات الآلاف، ما اضطر الخطابي للاستسلام.لذا يجب دراسة تجارب الدول في الإصلاح وجبر الضرر عند بعض الشعوب، كما بإفريقيا الجنوبية وأمريكا اللاتينية.. رغم اختلاف الحالة المغربية عنهما.ولا ينبغي الاستهانة بهذا، وانظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام يتحدث عن عبادة "جبر الخواطر". لكن يوجد سبب مهم في "حزن الريف"، وهو "الجبل".. فالمنطقة جبلية وعرة، وكأن هذا انعكس على نفسية السكان فاكتسبوا أخلاق الجبال: من شموخ، وثبات (عناد؟)، وحزن.. حتى إنك تجد فرقا بين الشخصية الحسيمية والشخصية الناظورية، فالثانية أكثر هدوءا وانشراحا من الأولى، إذ الناظور أرض منبسطة. لا يعني هذا أن هذه الشخصية أفضل من تلك.. لكن هذه ملاحظات اجتماعية ونفسية عادية.. هي بعضٌ من حِكم الله سبحانه في الكون.كانت الفنانة سعيدة فكري –بموهبتها الفنية الفطرية، وهي ليست ريفية- من القلائل الذين أحسّوا بحزن الريف، وفهموا هذا الحزن.. ترى ذلك واضحا في أغنيتها " يا جبال الريف"..
هذه بعض أفكار وانطباعات قابلة للإثراء والنقاش. وبحول الله سأكتب قريبا مقالا أقترح فيه مشروعا للريف وللوطن كله.. حتى لا يكون كلامنا نظريا فقط.. مشروع أتمنى أن يكون في أجهزة الدولة ومؤسساتها من يقرأه ويستفيد منه. والله تعالى أعلم.
Published on December 25, 2017 12:49
December 19, 2017
الأستاذ علي الصوفي: هل أكتب للأحياء أم للأموات ؟
كتب الأستاذ علي الصوفي:
هل أكتب للأحياء أم للأموات ؟
http://www.riyadlwassiline.com/viewtopic.php?f=29&p=980#p980
هل أكتب للأحياء أم للأموات ؟
http://www.riyadlwassiline.com/viewtopic.php?f=29&p=980#p980
Published on December 19, 2017 16:54
December 10, 2017
إليك يا رسول الله أهدي كتابي: "في علوم السنة: (بين الماضي والحاضر)."
الفهرس أدناه:
إليك يا رسول الله أهدي كتابي:
إصـــــــــــــــــــدار جديد:
أهدي كتابي هذا: "في علوم السنة: (بين الماضي والحاضر)." إلى حبيبنا وسيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، بمناسبة مولده الشريف في هذا الشهر المبارك. فاللهم صل وسلم عليه صلاة دائمة كاملة.
ولله الحمد والمنة فهذا كتابي الثاني عن الحديث النبوي، وهو أيضا آخر كتبي المنشورة. رفقته فهرس الكتاب لأخذ فكرة عنه:
المقدمة:
الفصل الأول: علــــــــــــــــوم السنة الشريفة:إرث الماضي وتحديات الحاضر.... 6
المبحث الأول: التاريخ العام لعلوم الحديث:.................................. 7
أولا: العصور الماضية.
ثانيا: العصر الحديث.
من القرن الرابع عشر إلى اليوم.
نهضة العلم:
المبحث الثاني: من خصائص علم الحديث:..................................18
خاصية الإسناد:
خاصية التاريخانية:
خاصية قلة أهل الحديث:
خاصية الحاجة للتفرغ والتخصص:
المبحث الثالث: المشكلات الكبرى لعلوم الحديث اليوم:......................22
1- الازدواجية المنهجية بين المتقدمين والمتأخرين:
2- مشكلة الارتباك المصطلحي:
3- استمرار الانفصام بين أهل الفقه وأهل الحديث:
4- تدهور الدرس الحديثي وتراجعه:
أسباب التدهور الراجعة للطالب:
أسباب التدهور الراجعة للمادة ومنهجها:
مشكلة الكتاب المقرر:
أسباب ترجع إلى الأستاذ:
المبحث الرابع: بعض الظواهر السلبية المعيقة لنمو العلم:.....................35
الفوضى الفكرية في التعامل مع السنة:
ظاهرة التطفل على العلم:
الضعف العلمي عند كثير من المحدثين:
الكسل والرجوع للمختصرات:
تقديس الأشخاص:
غياب آداب العلم والجدل:
الحاجة للشجاعة الفكرية:
مشكلات الطباعة وإخراج كتب السنة:
المبحث الخامس: العمل المطلـــــــــوب:...................................42
1-على مستوى المناهج:
الضرورة القصوى لإبراز مناهج العلم وبنائه:
مواصلة الجهود في تطوير علم نقد المتن:
الدفاع عن السنة: الهاجس والموقف المطلوب.
2- على مستوى المصطلح:
3- على مستوى النص: جمعا وفقها:
أولا: جمع النص:
ثانيا: فقه النص (الحديث):
- الانفصام بين الفقه والحديث:
- فقه الحديث:
4- على مستوى الدراسات والموسوعات ذات الأولوية:
أولا- الدراسات:
قضية الحديث الضعيف:
استيعاب رواية الفرق الأخرى:
ثانيا- الموسوعات:
الحديث الموضوعي.
5- على مستوى التدريس:
تطوير وسائل مبتكرة في التدريس:
مستويات الدراسة:
6-على المستوى الإجرائي والتنظيمي:
الفصل الثاني: المستقبلية استشرافا وتخطيطا في الحديث النبوي..........69
المبحث الأول: النبي يؤسس للمستقبلية...................................70
أولا- السننية في الحديث.
ثانيا –أصل اعتبار المآل.
المبحث الثاني: النبي يحرم التنبؤ الفاسد ويقر التوقع السليم...................77
- الكهانة والعرافة- الاستقسام- الخط- التنجيم- علم الفلك في الحديث
المبحث الثالث: المستقبل والصحة النفسية في الحديث النبوي...............85
المبحث الرابع: نماذج التخطيط المستقبلي على العهد النبوي.................95
أولا – التخطيط الأسري : مثال الادخار
ثانيا- التخطيط الاجتماعي.أحاديث العدوى
ثالثا – التخطيط الإستراتيجي. نموذج الإحصاء السكاني
المبحث الخامس: من آداب المستقبلية في الحديث.........................110
أولا-الاستثناء في المستقبل.
ثانيا- الاستخارة.
ثالثا- حكم التوقعات المسجوعة .
الفصل الثالث: فقه باب الفتن والبشارات في الحديث النبوي....121
المبحث الأول: أخطاء من تراثنا الحديثي في توقع بعض أمور الغيب...........123
المبحث الثاني: نحو قواعد لفقه السنة المستقبلية...............................159
من إشكالات أحاديث الفتن.
خطر إساءة فهم أحاديث الفتن.
صحة أصول أخبار الفتن.
أحاديث البشارات.
أحاديث المستقبل
من قواعد فقه أحاديث الفتن.
الخاتمة.................................................................147
لائحة المصادر والمراجع...................................................149
Published on December 10, 2017 14:40
إلياس بلكا's Blog
- إلياس بلكا's profile
- 50 followers
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

