الولي الـمُـــدلّل: حسان سليم اليعقوبي (7): ولايـتُه وكراماته.

الولي الـمُـــدلّل:   حسان سليم اليعقوبي (7): ولايـتُه وكراماته. تأليف: إلياس بلكا.
سنضطر للتوقف عن الكتابة عن الأستاذ حسان، إذ كانت حياته غنية بالأحداث والعِبر. لذلك سأعود مستقبلا بحول الله إلى الكتابة عن صاحبنا بتفصيل وتدقيق أكثر. وبهذه المناسبة أطلب من كل من يعرف عنه شيئا أن يكتب مشكورا إليّ.وُلد صاحبنا في يوم الجمعة 19 ذي الحجة 1362، أي بعد نهاية عيد الأضحى بأسبوع. وتوفي يوم الأربعاء ‏22 ديسمبر 2004‏، الموافق لعاشر ذي القعدة 1425، وهو من شهور الحج. فولادته ووفاته تقعان في شهور الحج. وتوجد قرائن كثيرة جعلتني أطرح هذا السؤال: ما سرّ هذه العلاقة بين آل الشيخ سليم اليعقوبي وبين مكة؟ فقد توفي الجدّ بمكة وهو بملابس الإحرام، وكان ذلك بحج عام 1359، ودُفن رحمه الله بأرض مكة التي ورّث حبَّها لأبنائه وحفدته، خاصة أ.حسان، فقد كان كثير الحج والاعتمار، وربما واصل عمرة رمضان بحجّ السنة نفسها. لذا كان يحب لنفسه لقب الحاج. فكأن مكة مغناطيسٌ للعائلة. وانتقل هذا حاليا لأبناء حسان. الخلاصة أنه يوجد سرّ في الموضوع لا أعرفه، لكن لاشك له تفسيره في عالم الباطن. وربما لو قرأنا كتاب حسّان الذي ألـّفه عن الحج فهمنا بعض هذا السرّ. وظني -والله أعلم-  أن مكة تشتاق لآل اليعقوبي شوقا حقيقيا، لأن كل شيء فيه حياة خاصة به: (وإنْ مِن شيء إلا يُسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، فجذبتهم إليها وأصبحوا هم أيضا يشتاقون إليها، كذلك ربما كُشف لحسان عن بعض أسرار الحج بالمكان (مكة، المزدلفة، عرفة، منى..)، والزمان (أشهر الحج المعلومات).كذلك لم أُلقَ أحدا ممّن عرف حسانا إلاّ وحكى لي عنه أمرا خارقا شهده بنفسه وحضره. سأقتصر على ذكر  أمثلة لضرورة الاختصار:فمن ذلك أنه قلق على ابنيه بأمريكا، وكان يريد لهما تعلّم القرآن والعربية، ولم يكن بمحيطه آنذاك مدرسة مناسبة. فجاء بولديه، في سِنيهما الأولى، وتركهما بزاوية الشيخ محمد بن الحبيب، مؤسس الطريقة الحبيبية الدرقاوية، وذلك بمقرها الرئيس بمكناس. وتكفـّلت بهما الحاجة زليخة محيي الدين، أرملة الشيخ المذكور رضي الله عنه.. وهنا لا أعجب لحسان، بل لزوجته كيف ربط الله سبحانه على قلبها فاطمأنتْ، كما ربط على قلب أمّ موسى.مضت أعوام، ثم في سنة 1984، كان معتمرا أو حاجا، فدعا الله تعالى بأن يجمعه بابنيه وييسّر دراستهما بأمريكا.. وفعلا بمجرد عودته افتـُتِحت الأكاديمية الإسلامية السعودية‎‎، بفرجينيا الشمالية التي تشكل جزءً من العاصمة الكبرى واشنطن، ونظامها باكالوريا دولية باللغتين العربية والإنجليزية.ومن كراماته المشهورة أن سيدة أمريكية من معارفه كانت تملك منزلا، فجاء الإعصار الشديد، وبعض الولايات الأمريكية تشهد أعاصير ضخمة ومدمرة.. فدعا لها حسان بالحفظ، فمرّ الإعصار ودمّر الحيّ بأكمله إلاّ بيت هذه السيدة لم يتحرك فيه حجر واحد.فقد كان صاحبنا مُجاب الدعوة، إذا دعا لأحد بأيّ شيء، قلّما تتخلف الإجابة.. طلب من ربّه مرة أن يعجّل من شيخوخته، فكان كما طلب، وظهرت على جسمه مبكرا آثارُ الهرم. ومنها البركة في رزقه وحياته، فقد كان ينفق بسخاء عجيب حتى إنه لا يقيم للمال وزناً.  فيحدثني صديقه القريب منه جدا السيد الحسين وهبي أنهما كانا يتكلمان بالساعات الطوال في الهاتف في سنين التسعينيات من قارّة لقارة، فتأتي الفاتورة بملايين السنتيمات. يقول الحسين: وما هو إلاّ زمن قليل حتى يأتي الله برزق لا أدري كيف ولا مِن أين، فأؤدي الفواتير ويفضُل خير كثير.ومنها أنه قلما يخطط ليومه، فقد يخرج من بيته، ومعه جواز سفره فقط، فربما ظهر له أن يسافر لبلد بعيد  كمصر أو أندونيسيا أو يعمل عمرة.. هكذا بدون تخطيط ولا إعداد: (كل يوم هو في شأن).وما آذاه أحدٌ فخرج سالما. مرة فتّش أحدهم في أغراض حسان الخاصة، وكان سيء النية فيه.. وحسان لا علم له بشيء. ثم سافر الرجل بعائلته في تلك الأيام، فلما وصل إلى المطار لم يجد بحوزته لا جوازات السفر ولا تذاكر الطيران.. ضاع منه كل شيء. فكان ذلك عقوبة إلهية. وآذاه ناس بأمريكا، فجاءهم العقاب سريعا ومتنوعا، حتى مات بعضهم بالحوادث والأمراض.. وكان له تأثير وسحر في نفوس الغربيين، فأسلم على يديْه المئات من الأمريكيين والأوربيين. وكان يحب الشعب الأمريكي ويرى أنه طيّب وأنه علينا أن نميّز بينه وبين بعض حكوماته بالعاصمة.كذلك أعطاه الله اطلاعا على بعض المغيبات، فحدّث الناسَ بزلزال تركيا سنة 1999، وزلزال إيطاليا في فترة مقاربة.. وذلك قبل حدوثهما بأيام.ومرّة خرجوا في جنازة وكان يوما حارّا بسماء صافية، لكنه طلب من الناس في المسجد أن يحملوا المظلات معهم، فاستهزأ به بعضهم.. قال لي الراويان اللذان شهِدا القصة: فلما وصلنا إلى المقبرة، لم نكد ننته من دفنه حتى تحوّلت السماء وتبلـّدت بالغيوم ونزل المطر مدراراً.. فسارع المُنكرون وأكبّوا على يد حسان يُـقبّلون ويعتذرون.ومنها ما حكاه ابنه عبد الباري أنهم افتقدوه يوما، إذ ثارت الرياح فجأة وهاج البحر، فإذا بالأمواج الهائلة تضرب في كل اتجاه. قال: وكانت عادة والدنا أنه يذهب إلى صخرة داخل البحر، يصل إليها من ممر برّي ضيق، فيُحب أن يجلس فوقها يذكر الله ويتأمل. فتحققنا أنه ميّت لا محالة، إذ كانت الصخرة قد اختفتْ في البحر المتلاطم.. قال: فانتظرنا لأنه لا حيلة لأحد.. فلما هدأ البحر، وجدنا حسّانا جالسا متربعا على الصخرة على حاله ذاكرا متأملا لم يتغيّر منه شيء ولم يتزحزح عن مكانه.وكانت له علوم ربانية خاصة، إذا تكلم بها لا يفهم أحدٌ شيئا، لكن من آتاه الله بعضَ العلم يكون على يقين مِن أن صولته ليست بصولة مبطل.ومع هذا كله، كان متأدبا مع الله سبحانه غاية الأدب.ومن كراماته ما حكاه لي الأستاذ بنبراهيم بنفسه أن أصحاب البيت الذي يسكنه أرادوا إفراغه منه وهدمه، مع مجموعة بيوت أخرى حواليه.. قال: أفرغتُ بيتي من الأثاث، وجئتُ في الصباح إلى المنزل لأرى ماذا حدث فيه. فدخلت إلى الحديقة الخلفية، فإذا برجل نائم على العشب، فنظرتُ إليه فإذا هو حسان جاء من أمريكا بالطائرة، فقام إليّ وقال: هذا بيت طالما ذكرْنا الله فيه.. والله لن يُهدم.وحكى لي بنبراهيم أيضا أن حسانا في موسم حج أو عمرة عرف أن فلانا المغربي من أصدقاء بنبراهيم، فرجاه حسان أن يوصل هدية لبنبراهيم. قال الرجل المغربي: فلما اقترب الرحيل تكاسلت وتجاهلتُ الموضوع، فحين همَمتُ أن أركب الحافلة إلى المطار، إذا برِجليّ قد تسمّرتا في الأرض لا أستطيع تحريكهما، فتعجبتُ ونظرت حولي مذعورا، فرأيتُ قريبا مني حسانا ساجدا لله، فقام إليّ وأعطاني الهدية لأوصلها إلى بنبراهيم، فتحررتُ. وكان يأتي إلى بيت بنبراهيم للغذاء، فتكون أسرة بنبراهيم الكريمة قد هيأت طعام جماعة، يكفي لطاولة واحدة، وهذا في عُرفنا المغربي يعني حوالي عشرة أشخاص.. فيدخل حسان ومعه الأربعون أو الخمسون رجلا، ويقول لأهل البيت: ضعوا ما عندكم من طعام ولا يَهُمّكم شيء. فيأكلون جميعا ويشبعون، وتفضل زيادة. ومنها أنه كان يرسل مالاً من أمريكا لبنبراهيم، قال لي المرحوم: فحين جاء إلى المغرب سألته عن غرضه في إرساله؟ فأجابه: هو المال اللازم لتجهيز جنازتي. وشرح له أنه سيترك أمريكا ويتقاعد بفاس ويتفرّغ لربّه حتى يموت بالبلد. قال لي بنبراهيم: فرجوتُه أن يبقى قريبا من أسرته، وقلتُ له: تموت بأمريكا أحسن وأيسر على أهلك. لكنه أصرّ أنه سيموت بالمغرب لا يبغي عنه بديلا، وقال لبنبراهيم: إذا أنا متّ فادفنوني إلى جوار ضريح الشيخ علي العلمي. (راجع المقالات عن بنبراهيم وشيخه على النت في: مدونة إلياس بلكا). قال لي بنبراهيم: فرجوتُه ألاّ يفعل لأنّ المنطقة بعيدة وطريقها وعِرٌ. ثم جاء الحاج محمد بن عبد السلام المصباحي، وكان قد أعدّ لنفسه قبرا خاصا، أطال الله عمره في صحة وعافية، وهو بجوار ضريح الشيخ عبد العزيز الدباغ، إذا استدبرتَ الضريح فهو عن يسارك على بعد حوالي عشرين خطوة. قال لي المصباحي: فقلتُ يا حسان أنا أوثِرُك على نفسي بهذا القبر. وفعلا بعدها بحوالي سنة جاء حسان من أمريكا، ووصل إلى فاس مساءً ونزل كعادته عند الأستاذ بنبراهيم، ونام في غرفة الضيوف. قال بنبراهيم: لم يستيقظ حسان كعادته قبل الفجر ولا عند الفجر، وقلتُ لعله مُرهق بسبب السفر البعيد، فتركتُه. وفي الصباح اكتشفوا أنه قد فارق الحياة رحمه الله.ما مغزى هذا؟ تأملتُ هذه القصة، وعندي تفسير لها، فأقول بإذن الله وبعد استخارته سبحانه  مرارا: حين جاء حسان من أمريكا إلى بيت بنبراهيم بفاس.. فإنما جاء، وربما من حيث لا يعلم، لتسليم الأمانة التي عنده -وهو حالُـه القلبي وما أودِع فيه (أو السرّ الصوفي)- إلى الأستاذ بنبراهيم.. فورِثه. هذا معنى وفاة الشيخ حسان بمنزل بنبراهيم.  وهو أيضا يدل على علوّ مقام بنبراهيم، لكن الله ستره عن الناس فلم ينتبهوا له. إنّ الوليّ الكبير يحمل بقلبه علما ومعرفة إلهية خاصة، وهذا الحَمل يبقى بالدنيا وينتقل إلى من هو مهيأ لاستقباله، فهي عملية توريث.. لكنها قد تتخلـّـف أحيانا إذا لم يوجد المُهيّأ لها. وقد زار أبناء حسان أ.بنبراهيم رحمهما الله في نوفمبر 2015. فسألتُه يوما: هل في أولاد حسان من وَرِثه؟ مع علمي بأنّ معظم الأولياء لا يرثهُم الأقربون لحِكم إلهية. فقال لي: أولاده على طريق الاستقامة ولله الحمد، لكن لم يرثه أحدٌ في مقامه وتصوفه. يعني لحدّ الآن. ثم سكت هنيهة واستطرد مُتعجبا: أتعرفْ مَن ورث مِن أبنائه القسمَ الأكبر من صفاء حسّان (والتصوف أساسا هو صفاء باطني، فالصفاء هو بداية الطريق وشرطه الأول. وكان لبنبراهيم موهبة الكشف وقراءة أعماق الإنسان وباطنه)؟ وأعترفُ أنه حين سأل ذهب خاطري إلى الذكور أولاً، وإلى الكبار منهم..  فقال لي: هي بنته الصغرى. كرامات حسان لا تنتهي. أختمها بما حكاه لي المصباحي، وكان هو الذي تولّى تجهيزه وغسله: إنهم بينما يغسلونه، إذا بشفتيه تتحركان كأنهما تذكران الله سبحانه، لدرجة أن أحد الحاضرين رمى ما بيده من أدوات وخرج من الغرفة فزعا لهول ما رأى. والثلاثة الذين حضروا هذا أحياء يرزقون.وقد خطر لي مرارا هذا السؤال: ما الذي كان يحتويه قلب حسان حتى أحبه الله سبحانه كلّ هذا الحب وأعطاه كل هذا الجمال في حياته؟ ما السرّ الذي انطوى عليه باطن هذا الولي المدلّل فــ"استحق" به هذا التكريم الإلهي الفريد؟ في حلية الأولياء لأبي نعيم، ومختصره صفوة الصفوة لابن الجوزي، عن أبي يزيد البسطامي قال: غلطتُ في ابتدائي في أربعة أشياء: توهّمتُ أني أذكُره وأعرِفه وأحبُّه وأطلبه. فلما انتهيتُ رأيتُ ذكْرَه سبق ذِكري، ومعرفته سبقتْ معرفتي، ومحبته أقدم من محبتي، وطلبه لي أولاً حتى طلبته.رضي الله عن الحاج حسان، وأسكنه بجواره، وألحقنا به في أعلى عليّين، عند ربّ طيّب رحيم.. آمين.
انتهى.


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 12, 2017 18:21
No comments have been added yet.


إلياس بلكا's Blog

إلياس بلكا
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow إلياس بلكا's blog with rss.