مسافر على متن ليلة







أتيتُ .. كحلمِ فتاةٍ


يغازلها النوم قبل السحرْ


ويركض في وجنتيها خيالٌ لذيذٌ


فتحمرُّ فرحًا


وتنسى عقاربَ ساعتها


بين خصلات شعرٍ


كليلِ شتاءٍ طويلٍ وحالكْ


وتنسى النهارَ


وصوتَ الصباحِ


وأقلامُ أقدارها تنتظرْ


ويسرق من شفتيها الظلامُ


ضياءً يصوِّرُها كغصنٍ


على السقف


ورديِّ فرعٍ فتضحكْ


ويسلبها النوم سقفًا وفرعًا


وضحكةْ


أنا طرفةٌ من شفاهٍ


سرقتُ لها فرحةً ثمّ نامتْ


أنا الحلمُ في لحظةٍ قد عبرْ


***


أتيتُ .. كوحي رسولٍ


 أزيل بوجهي بقايا القدرْ


إذا مرَّ بالقلب يسقطُ أثقالهُ


كي يخفَّ ويسعى كلمح البصرْ


ألملمه مثل أشلاء خبزٍ


تعاند باليبس رطب الطريقِ


وتحنو على الجائعينَ


تفرُّ من الدهر


حتى تلامس أيدٍ تعرَّتْ


وحين تحسُّ بأنفاسهم تستلينْ


يسيرُ جواري عبور الرصيفِ


ولا يسمعونْ


ويكفي بأني


كدمع يتيمٍ وحيدٍ


لكيلا يحس بي الناسُ


يكفي بأني كصمت الشجرْ


إذا صفعته رياحٌ وصاحتْ


لتدفن أناته في الصدى


ليسمعني الله بيني وبينه


كالأم حين تحسُ بحمى صغيرٍ


تعافى لتوهْ


ولكن حُمّاه شاءتْ


لدى هدأة الليلِ أن تستعرْ


وبعد مضي ثوانٍ


تزولُ فتدركُ أن الصبيَّ كبرْ


أنا ابن السماء


إذا أثقلته حمول صليبٍ


أنا عينُ مريمَ حين انتصرْ


***


أتيت .. عصيًّا على الفهمِ


كالموتِ يخشى دنوّ البشرْ


فيقبضهم كي تزول عيونٌ


تداهمه كسفًا من ظلامْ


كظبي يفرُّ إذا روّعوه


كغول يمزّقُ مرّ الكلامْ


كطفلٍ عنيدٍ


إلى أن تثير بحمقٍ فضولهْ


شهيٌّ كقبلة عشق


على خوفِ واشٍ


وقاسٍ كشوق اغترابٍ


وأغبى من الحبِّ خلف الحذرْ


أنيسٌ لوحشةْ


صديقُ لمن نام عنه الزمانُ


ومن يألف الأغنياتِ


ويبرد في دمه حبر كل القصائدْ


نموتُ جميعًا


إذا لم يكن خلف صفحة صبحٍ


حروفٌ جديدةْ


تنادي ويقفز جفنك شوقًا


إذا لم يعد بعد سطرِ مسائكْ


سطورٌ عديدةْ


تثيركَ تكتبُ ألف قصيدةْ


إذا لم ترَ الصبح حين يغني


وتسمع نورًا


وتشرب دهشةْ


أنا الأغنياتُ


فحينًا تراني على الورد شوكًا


وحينا تراني بغير ذنوبْ


أنا الخطو يهذي على الرملِ محوًا


أنا الظعن يخشى مغيب الأثرْ


***


أتيت .. كغابة طلحٍ


جفا الأرض يسعى لشرب المطرْ


ولكن ومن غير قصدٍ


تشبث فيها


تغلغل فيها


تبعثرَ تحت أديمٍ


يغازل ماء سحابٍ


بعيد ضنينٍ


ويُسقى من الغورِ تحت الثرى


ولازال يسألُ وهم القِرى


تزول العراقيلُ


-قال بصوت يهابُ


ويرقبُ لمس الذُّرى-


ليدمنه الحلم


حلمًا يطاردهُ كل حين


ويدمن فيه غياب الكرى


يمدّ كفوفًا


غصونا


خيالا من الظلّ


يدنو ويدنو ويدنو


ويسحب أطراف فرعٍ


تزاحم فوق متون تعرّت


وترسم شكل سحابٍ ليغري سحابًا


ويرفعها الشيء


يدعونه بالزمنْ


أو هو الشيء


يدعونه بالأملْ


أو هو الشيء


لا يكترثْ ..


ويبقى السحاب جناحًا


رداءً يدثرُ جنح الأبدْ ..


وإن يسألوه عن الطلح يطرقُ


ثم يقولُ: هو اللا أحدْ ..


أنا الطلحُ


يقتلع الجذر طيرًا


أنا الريح تغتلب السحبَ جَرْ


***


أتيتُ .. شعاعًا من الحرفِ


لمْ ينتظم ثائرًا يستعرْ


حروفٌ ترصُّ جوار حروفٍ


دواةٌ وحبرٍ


وبعض أساطيرَ تروي عن الغابرينَ


عجائبَ لن تستطيعَ


بأن تسأل الدهر عنها


إذا كان للدهر قولٌ صدوقٌ


إذا كان للدهرِ وجهٌ


وعقلٌ


إذا كان في جوفِ شيءٍ عميقٍ


رؤى ذاكرةْ


وإن كان ساعٍ سعى في طريقٍ


كهذه عمياءَ


عطشى


وتشربُ كل الخطى


فأين مسير الذين تسامو


نقوشًا تقدس صمّ الحجرْ ؟


ومع أنها دون صوتٍ


تعالت على الموتِ مثل الإله ..


وتسخر من حيرة العابرينَ


وقد تزدري كل عين


تحاول كشف خباها


وتضحك من ثقة العالمينْ


تمر عليها وجوهُ الشهورِ


هلالا وبدرًا


وكل البروجِ


ونجمٌ أليقٌ ونجم هوى


أنا النقشُ أعماق بحرٍ


تذوب ذوائب كل الشموس


ولا تبلغُ الأمد المنهى


أنا السطر بعد الأخيرِ


وقبل النهايةِ بعد المدى ..


أنا السحرُ يغمر وجه القمرْ


***


أتيتُ .. تراتيل عرسٍ


بكاءً .. كأمطار رملٍ ودُرْ


سوادٌ بألوان شتّى


بياضٌ بسبعة أوجهَ


في كل وجهٍ مئات القصصْ


وفي كل وجهٍ حياةٌ جديدةْ


وفي كل وجهٍ أنا ينتظرْ


هناك يسبح يونس حتى يشيخَ


ويعقوب أعمى


ويوسف في غيهب الجبِّ ماتْ


ترى هل ستأتي سنينٌ عجافٌ


وسبعُ سنابلهم يابساتْ ؟


هناك يمرُّ أخيل مرور الكرامِ


يشيخُ


يموت بداء غريبٍ


يموت غريبًا بدون رجوعْ


ترى هل سيصبح كل رحيلٍ مبررْ


وكل فوات مقدّرْ


ونمضي سريعًا بلا ذكرياتٍ


نشيخ


نموتُ


بلا أمنياتٍ


ويعبرنا الطيفُ نحو انطفاءٍ


فننساه حين تجفّ الدموعْ


هناك بغابات أوروك


يبدو الخلودُ اصفرارًا على نرجسٍ


تحت ظلٍّ


ويحرسه شمشُ حتى المعادْ


ترى هل سنخشى مرور الثواني سريعًا


ونحفر في الأبجدية بئرًا


لنكتب شعرًا


جنونًا


يسافر خلف فضاء اللغةْ


ونسردَ كل حكاياتنا


نحتَ راوٍ


ترى هل سنذكر أوتاد عادْ؟


هناكَ كليبٌ يسافر دون الجليلةِ


من قصر تبَّع


ويلقى فتاةً بدون قبيلةْ


ويروي لها


كيف مات المهلهلُ جراء كأسٍ


بأرضٍ بعيدةْ


ترى هل سيحدو الرحالَ سميرٌ


يغني النجومَ لتبقى دليلا


ويطربُ سمعَ الفلاةِ


ترق قليلا


ينغمُ صبرَ القوافل


بحرًا طويلا


وآتي أنا الآن


أنظم شيئا يسمى قصيدةْ ؟


هناكَ يسامحنا الكرم عصرًا


يبلغنا الجنيُ حدّ الشبعْ


يسامحنا الله رؤيا خليل


ويفدي الذبيح بكبش الطمعْ


ترى هل تمر بنا الطير مهلا لتشدو


وتأمن  ..


نأمنَ


ترقصَ


مثل فراش لها النار بردًا


فلا نرفع السورَ خوفًا


ولا نقلم العود غضا لنقتلْ ؟


هناك سألقاكِ سابع يومٍ


وقبل الألمْ


إذن سوف لن أعرف الآن


معنى الندمْ


هناك سيسجدُ إبليس


يفنى سلامًا قصير الأجلْ


ولكن وحتى هنالك


آدمُ ضلْ


هناك الهواءُ


هناك الرجاءُ


هناك الأماني


هناك الأغاني


هناك التخومُ


هناك النجومُ


هناك الإله ..


هنا..


كل شيء عداهْ


أنا التيه في صمت حواءَ


حين ابتلاها


بنصف فؤاد يموت


ونصف يميتُ


ببعض تماهى


وبعض تناهى


وكل يزولْ


أنا الهلوسات غرابٌ وقبرٌ


أنا الكف ترمي بكفٍّ حجرْ


***


أتيتُ .. أنا الوهمُ صوت الصورْ


فإن ساءلوكِ عن الشعر


أخفي نبوءات عينيكِ سرًّا


فللوحي غارٌ


وللوحي نارٌ


وفي الوحي أخفيتُ


كل اشتياقي


وصرت أنا الوحي


طرف النبيِّ يحاور غيبًا


تمثّل طيفًا


أنا الطيف


وجهٌ ضبابي جسمٍ


ضبابي اسمٍ


ومن شاء للطود ثمَّ نظرْ


أتيت غيابًا


فإن ساءلوك عن الحق يومًا


فقولي بأن خيال الحقيقةِ


خيط رمادٍ يراه العمى ..


ويغفل عنه رفات البصرْ


أتيت لأروي .. فتاه الخبرْ


٨/ ١١/ ٢٠١٧

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2018 20:03
No comments have been added yet.