هيثم عبدالله الماجد's Blog
February 18, 2022
بنو ماء السماء
“تلك أمكم يا بني ماء السماء”
أبو هريرة رضي الله عنه
https://soundcloud.app.goo.gl/8FJe8YzqUKf1dnDV9
في هذهِ الصحراءِ ملهمةِ الورى
سادَ الظلامُ وأشرقتْ أمُّ القرى
سعت النجومُ كموكبٍ حَمِدَ السُّرى
يحدوهُ وحيُ الغارِ خطَّ الأسطُرَا
يا مَنْزِلَ الأفلاكِ عاليةِ الذُّرى
أرضي السحابُ تلا الحروفَ فأمطرا
وهنا جُذورُ النخلِ عانقها الثرى
إن جاعت الدنيا غِوًى نحنُ القِرى
نحن الجذورُ الأرضُ أورِدَةُ القَضاءْ
نحن السحابُ الغيثُ أوديةُ الرَّواءْ
نحن الزما...
December 27, 2018
نبي من الكلمات
-١-
أوحت بك الأحلام في كلماتها
قل فصلك المقضيّ وارحلْ
كي يُعذر الخلف البعيد بجهله
وتكون مثل حِمى المدافن
والثرى فوق القبور .. مقدسا
وتصير أحجية تعذّر حلها
كالآية الأولى تقطّع ظلها
ما أقرب الرحل الذي يمضي وقد طرح العناءْ
ثم استفقْ
كي يستعير الدرب منك هداية
وتصير في الدرب الحداءْ
للآية الأولى الجبال إذا استوت
حملا على الأرجاء
تحمل حالِما ليمس أطراف السماء
ليدنو القراء من حرم النجوم
يرتلون لها الغناء
يسبحون ضياءها
لتردد التسبيح مثل جبال داوود الألى
هذي النجوم جبالنا
فاكتب لها المزمور حتى تستعرْ
...April 24, 2018
الكلمةُ (مدارُ) البيت
يقوم النص على كلمات تشكل لبنات بنائه الأساس، ومن ضمن هذه اللبنات الشتّى تبرز عناصر محورية تعد قواعد الدلالة الذي يرتكز عليه النص، والذي يفتح الأبواب على تأويل المعنى الكامن خلف السرد المباشر للغة. هذه العلامات تخضع لارتباطها الدلالي الذي يشكله كل من السياق والنسق الثقافيين، بحيث تختلف العلامات في ذات النص بمجرد انتقاله من نسق ثقافي هو المنتج إلى نسق آخر هو المتلقي، الأمر الذي يفقد بعض العلامات منصبها المحوري، وينصب علاما...
January 25, 2018
لماذا الجواهري – ج١
[image error]
١) وطول مسيرة ملل
بصوت ستنتظر الحياة طويلا لتنجب له شبيهًا، ولربما لن تفعل كما لن أفعل لو كنت مكانها، يشدو بنبرة لم تستطع السنين خطف وهجها، ولا الحوادث أن تهز من قوتها، بل لقد ازدادت على الصعاب صلابة، ورقة لا تخفى بين ثنايا تلك الصلابة، كما أن من الحجارة لما تتفجر منه الأنهار؛ بهذا الصوت الفريد عانقت كلمات أبي فرات القلوب.
الصوت يمنح الكلمة بعدًا أعمق منها مكتوبة، على أن للأدب عمومًا وللشعر بشكل أخص القدرة على إحياء جامد الكلمات ولو كانت مكتوبة؛ ولدى شاعر العراق العظيم ملتقى البحرين. أجدني أساق لأكتب عنه، ولا أدري ما قد أكتب ولا لماذا أكتب عنه، ومع ذلك فحاشا قامته أن أتساءل وهو لكل قول أهلٌ.
لقد أسرى بي الأجلُ وطول مسيرة مللُ
وطول مسيرة من دون غايٍ مطمع خجلُ
ربما من هنا سأبدأ، وبلا حجة كذلك، فكل الفلك الدائر اكتمالا مبدأ.
يكمن التحدي الأكبر أمام الشاعر في اقتناص صورة واضحة ومركبة في ذات الوقت، تبلغ بالسامع مرفأ الشعور المراد، بالقدر الذي تختطب فيه عقله وتثير خياله ليولد لها معانٍ كثيرة، تجعله مرغما للعودة إلى البيت مرارًا، مادام البيت قادرًا على منحه ذات الشعور ولكن بصور مختلفة، هذه التركيبة المعقدة هي التي تعيد زائر القصيدة ليعود مرارا فلا يمل من تردادها. يمثل المعنى الدافع خلف الصورة بعدًا أول يستعين بالجملة لتمنح المدى التركيبي العميق، وتقدم نغمة الكلمات نفسها حاملة للشعور، حيث يطوعك الوزنُ، أوتطوعه.
تنزع الأوزان القصيرة إلى البساطة إلى حد السطحية أحيانًا، وتعد بهذا ضروبًا مطروقة للغناء المباشر وقصائد الأطفال، ويصعب تطويع مثل هذه البحور في الصور المركبة لقصرها، الأمر الذي يجعل تعميق هذه البحور أصعب بكثير، لتكون القصيدة التي ورد مطلعها سابقًا معجزة من حيث البناء. فالصور في الأبيات مرتبطة دون أن تخل بوحدة الفكرة في البيت الواحد، وهذا تحدٍ آخر، فالبيت إن لم تكتمل فيه الفكرة ليشكل وحدة بنائية مستقلة ضعف باعتماده على ما يليه، في جدلية وحدة البيت ووحدة القصيدة، حيث يتباين الإبداع في فروق تفصيلية، الأمر الذي يُرى جليًا في هذه القصيدة كذلك وخاصة في الإعادة المستأنفة بعد ختام البيت الأول، (وطول مسيرة مللُ) وكأنه يعيد فتح موضوع أغلقه على عجل، (وطول مسيرة من دون غايٍ)، والتي تبدو للوهلة الأولى مستقلة كفكرة، لكنها مع ذلك لا تنفصل بحال عن (الملل)، فطول المسيرة لا تكون مملة لطولها وحسب، بل لأن الخجل من اعتدام الغاية استدعاه، وهنا موضع التركيبية في الفكرة المستقلة المعتمدة في ذات الوقت، مستقلة في البيت الأول، إلا أن التفصيل في البيت الثاني أعوزها له من طرف خفي.
لم يتركك أبو فرات دون أن يكسر رتابة المسعى بالتفاتاته وإدهاشه، فما برح أن أقنعك بالملل حتى التفت:
على أني لأن ينهي غدٌ طول السرى .. وجلُ
لا وجلَ يستطيع الشاعر أن يبلّغه للمستمع أبلغ من هذه الالتفاتة ذاتها، إذ البيت في هذا المكان وجلٌ نسقي يعكس وجل طيّ المسيرة التي استطالها من قبل. اللغة هنا ملكت الجواهري مفاتيحها، حين رد على (أن) الزمان الذي ينهي، ب (أني) الوجلة. وفي (أن) ما ليس في (إن)، فالأخيرة تؤكد ما تحقق عيانًا، والأولى تحقق على وجلٍ، وفي مصدرية الإنهاء مجال بحث بحياله.
تماهـلَ خشيةً وونـىً وعُـقـبـى مـهـلِـــهِ عـجَـــلُ
لا يكف الوجل من الظهور في هذه القصيدة، من الذي يخشى هنا؟ أليس الزمان عجلٌ والشاعر وجلٌ من هذه العجلة؟ لماذا يخشى الزمن وما مدعاة خشيته؟
أشاعَ اليأسَ بي عُمُـرٌ وكـنــــتُ وكـلُّــــــهُ أمــــلُ
لقد ألبس الجواهري الزمنَ بردته، فصار يخشى لخشيته، ويأمل نيابة عنه، فقد كانَ، ولكن عمره كان كله أملٌ، وليس هوَ ! من هنا صار العمر هو وهو في موضع المراقب الواصف للحال وحسب، ليس ذلك فقد، لقد أدخلك الجواهري في الوجل، وأناب العمر عنه، وخرج من المعادلة مراقبًا وواصفًا حتى أعاد نفسه ب (يا أحبابي) أحبابه فيما بعد.
ألا هل ترجع الأحلام ما كحلت به المقلُ ؟
وعند هذا البيت سأقف وجوبًا، ليس لكي أقول شيئا بل لكي أصمت، وأجاوز مرورًا بسلاماته الباهرة.
ألا هــل قـاطـــعٌ يصلُ لـمـا عَـيَّـت بـه الـرُسُـــــلُ
قد يبدو هنا أن الشاعر هو القاطع الذي يشتاق الوصال، وصالٌ يقطع به طول المسيرة ليصل من تناهى من الأحباب، هذا وفقَ الملل من طول المسير، فمن هو القاطع من وجهة نظر الوجل من انتهاء المسير؟ ربما هم الأحباب، ولذلك كان القاطع مبهمًا فلا هو بالمخاطب الراحل، ولا المتكلم الباقي.
سـلامـاً أيُّـهـا الـثـاوونَ ، إنّــي مُـزمِــعٌ عَـجِــــلُ
سـلامـاً أيُّـهـا الخالـونَ ، إنَّ هـواكُــــمُ شُـغُــــلُ
كل بيت في هذه القصيدة ملتزم بالاستقلال والعوز كما هي الحال في مطلع القصيدة، كل بيت ملتزم بإثارة الوجل في مقابلة سابقه، بشكل سلس ظاهره، عميق تضاربه، وكذلك هي تحاياه الختامية:
سـلامـاً أيُّـهـا النَّدمـانَ ، إنّـي شـــاربٌ ثـمِـــــلُ
والشرب من العمر، وقد ثمل مللا، فاختفى الوجلُ.
سـلامـاً أيُّـهـا الأحبـابُ ، إنَّ مـحـبــــــةً أمـــلُ
لقد كان العمر أملًا، والمحبة الآن أملٌ، لكن أملٌ لأي شيء ؟ هي الأمل للقاء، ومازال الأمل في الأشياء من حوله، ليس فيه هو ولا له، وهل يخفى الإبداع في ذلك؟ وهل يجدر بي التنويه على (إنّ) هنا ؟
سـلامـاً كُـلُّـــهُ قُـبَــــــلُ كــأنَّ صـمـيـمَـهــا شُـعَـــلُ
بدأت دون أن أعلم ماذا سأكتب، وانتهيت ولازلت لا أعلم، لكنني متأكد بأنني سأعود بجزء ثانٍ لأتم ما ابتدأت هنا مع قصيدة ثانية، ومع عنصر الصوت الذي افتتحت به.
January 7, 2018
اللوح الأخير
في غمرة الشعر ألق اللوح والقلما
وغنّ صوتك شاق النور والظُّلما
في غمرة الشعر كن طوفان أسئلة
كن حائر الأمس كن غيبا وكن حلما
لا تبعث الشمس من قبرٍ تُنازعُه
يا فالق الصبح حسب الليل ما كتما
سترقُبُ الغيبَ والأستارُ مسدلةٌ
وتسأل الطيرَ أن تشدو بها نغما
وتحفر الأرضَ كي تبدي خوافيها
كحافر القبر أيَّان القضاءُ رمى
ستنقُشُ الصحْفَ آياتٍ وقد نسخت
وتقرأ السِّفر من دمع الذي رَقَما
كشارب الكأس صحواً وهي مترعةٌ
غولَ الجحيم وتيهَ البيد والسقما
معربدٌ أنت معبودٌ كآلهةٍ
تخشى إذا خَلقت عبَّادها العدما
أسطورةٌ أنت من وحي السماء على
برديّة نسيت في بئرها قدما
ونغمةٌ أنت من نوح الكمان فلا
ينالُ عازفُها من نوحها ألما
إن يكتب القدر الأعمى شرائعه
في معبد الغيب تُتلى آيه حكما
في معبد الغيب رهبان العمى سجدوا
فاسجد إذا شئت في محرابه أمَما
طرْ رهن أجنحةٍ ناءت بمثقِلِها
وعاند الريح مسراها ولو حكما
كن كالهلاك تعالى عَفْرُ جبهته
وكن إذا شئت نارَ الله والحمما
يا كاتب اللوح حسبي صفحةٌ طُويت
قد اكتفيتُ .. فألق اللوح والقلما
هيثم ١٩/٢/٢٠١٦
صلاة ليل
يا جلاء النور في وجه القدرْ
يا كمال الله في نقص البشرْ
يا عزاء الفرح في صوت ابتهالٍ
يا غناء الأمهاتِ
يا سلامًا يحجب الدنيا سلامًا
ويواري كل كربٍ
سوف يستيقظ بعد الصبحِ فينا
يا نبوءاتِ جنانٍ ونعيمٍ
تملأ الليل سلامًا لينامَ
يا تراتيل جمالٍ
رقيةً عاذت عن الدنيا بآيات الفلقْ
يا غناءَ الله فينا
ليدمْ ريحكَ بابًا
يسرق الفردوس من عالٍ
ويرقي الأرض آيات المطرْ
كان داعي الصبح كربًا
كان نورُ الصبح دربا
حينما كنا قلوبًا يانعاتٍ
لم تطر شرقًا وغربا
لم تخضْ في العمر حربا
كانت الألحان يقظى كي ننامَ
نامت الألحان عجلى
فانتبهنا يقظةً
كي ندّعي أنا كبرنا
وحلمنا
كانت الأحلام كاستغفارِ ذنبٍ
لغوايا تُبْنَ صبحًا
وتسابقنَ مساءً للخطيئةْ
كانت الأحلامُ فسحةْ
بيد أن الليلَ لم يبقَ طويلًا
ليزور الحلمُ جُنحةْ
***
صوتُ أمي لحنُ آيات الوتَرْ
يا لصبحٍ يحرم الليل القمرْ
يا لدهرٍ كلما
مزّقت أوراق الأماني
كي أقيل العمر في سيرٍ عثَرْ
يا لأيامٍ عتاةٍ
مثلَ كفّ الموتِ تقضي
كلما جاء رسولٌ
وتلا الوحيَ كناياتٍ .. كفرْ
ومن الوحي اصطفى الله الليالي
مؤنساتِ الفردِ يخشى
من منامٍ يمسحُ الظلمة
يمحو من كتاب العمر صفحةْ
بيد أن الليل لم يبقَ طويلًا
كي يطيل السهدُ فرحةْ
***
درب آمالٍ وأحلامُ سفرْ
هذه الأيامُ لو طال السحرْ
لو بقينا في نسيج هادئٍ
والليلُ دفءٌ
يحرس الألحان تبدي فتنةً
كالسحر يغري ربّة الشعرِ تغني
في سكوت الليل نسمعْ
حين لم يبقَ سوانا
من فسيح الأرض نختار المكانَ
الجانبيَّ الفردَ شخصًا واحدًا
والأرض مُدتْ كسحاب ينتشرْ
لا نرى منها سوى مقعدنا
لا نعرف الأبعادَ إلا قيد شبرْ
كان حلمًا
وسفين الفجرِ كانت تنتظرْ
تخطفُ الليلَ وتمضي
وعلى شاطئ حلمي
بلقاءٍ لا يراني حين أدعوه اشتياقًا
سوف أبقى
علّ للموجٍ حنينًا ذات يومٍ
كي يسوق المنتظَرْ
***
وجنةٌ تزهرُ فرحًا وسمرْ
ليت شعري ماذا لو طال السهرْ ؟
لو تناستْ غمز عين
وأحاديثَ أعدناها مرارًا
كل يوم كان يبدو من دفين النفس سرْ
كان يخفي في الثواني ألف عُمرْ
مثل أشتاتِ خيالٍ في حكايةْ
لملمتْ أبعادها
من بقايا القصِّ جَدّةْ
كي تزيل الهمَّ سلوى
أنها لم تنسَ بعدُ القصة الأولى
التي قد أسرتها وهي طفلةْ
أن هذا العمر مازال طويلا
وبأن الطفل لن يسأم يومًا
من روايات عن الجنِّ
عن المجهولِ
عن ذكرى مضتْ
مثلما قلت بأني
سوف أبقى كلما زارت بهي الخد دمعةْ
كي أزيل الدمعَ
يروي جدب كفّي
يغسلُ الأيام فيها
منذ ذاك الحينِ لم يبق حديثٌ
أو بكاءٌ
لم يعدُ ثمَّ حكايا
ذات أطرافٍ ترامتْ
كي تروم النفس جمعةْ
لم يزل في السرد قصّةْ
بيد أن الليل لم يبق طويلًا
لنحيكَ اللحنَ رقصةْ
***
يا لصحو خاف من قلب حذرْ
كلما رانت له الكأس سكرْ
شاب فيك الدهرُ
هل للدهر أيامٌ
تعيدُ الوجدَ طفلا
يستعيدُ الليل يخفي شيبَ صبحٍ
يكتب استهلاله المفقودَ
مراتٍ جديدةْ
يكمل السطر بذات الروح
جلدًا
ينسج الأحرف بدءًا
من رفات الخاتمةْ ..
إن في عمق البدايات خيوطًا
تحبس الأنفاس شوقًا كل مرّةْ
مثلما يشتاقُ طفلٌ للخطرْ
مثلما ينسى بصيرٌ
موضع الخطوِ
فيسعى سابحًا في الحلم
حتى يعثر المشيُ وترديه الحفرْ
مثلما يخشى ضريرٌ
يحفظ الأنحاءَ
لا يدنو كثيرًا .. آمنٌ
سوف يشقى لو نظرْ
يا هوى استهلال ألحاني أجرني
سورةً فيها تجلى الله
إن المجد لَهْ
بيد أن الليل لم يبق طويلًا
كي نجوز البسملَةْ
***
قف على أطراف ليلٍ لا تسرْ
قلب أمِّ لا يقسّيه الكبرْ
غنِّ طفلًا في فلاةِ العمرِ تاه
صوته يكفيه شرَّ الوحشةِ الملقاةِ
خلف السترِ ظلا لا يراه
وارم طرفًا خلفَ أشتات ضياءٍ
حالمٍ كي يجمعَهْ
واحن رأسًا مثل رؤيا ناسكٍ
لم يرجُ شيئًا
خلف باب الصومعةْ
يا لخالٍ يكتب الأنفاس يمحو
من معَهْ؟
قف صلاةً
واقرأ الأنجم لحنًا
ساق رقصكْ
والبس الظلمةَ ردْءًا
وانسَ حسّكْ
واترك الأقدارَ رهوًا
لن تمسّكْ
وانثر القلب كطيرٍ
ملّ حبسكْ
واترك العقل جنونًا
واعل قدسكْ
وانزع الناس وجوهًا
تلق نفسَكْ
إن روح الصمت راحٌ
بيد أن الليل لن يبقى طويلًا
هات كأسكْ
هيثم ١/ ١٢/ ٢٠١٧
المكان
ولدت كي أرث المكان
لأنه يخشى
كعابد بيت لحمٍ
أن يموت بغير يحيى
حين تهرب روحه من قبرها
من قبضةِ الملكين ساعة غفلةٍ
سيكون في ظل الوريث خباؤها
أو سوف يفنيها الزمانْ
حينٌ من الدهرِ
امتدادٌ في فراغٍ منكتمْ
حينٌ من الدهرِ
الذي يدعونهُ -عبثًا- قدمْ
حينٌ من الدهرِ الأثيرِ
وظلمةٌ
والصمتُ فيه له اعتبارٌ
والكلامُ هناكَ لم يوجدْ
وسوء الفهمِ أيضًا
والصراخُ
وفجأةً .. ولد القلمْ
والحينُ صار قضيّةً تدعى العدمْ
وولدتُ عقبى صرخةٍ
أو صرختينْ
لا أذن ثمّ لكي تعدَّ
ولا عيونَ لتدرك الوجه الذي
اعتصرت بقية نوره أيدي الألمْ
لا قلب ثمّ لكي يحسَّ بحرقةٍ مكبوتةٍ
تحت انطباق الفكِّ آها
لا يرددها الصدى
لا شيءَ ثم لكي يضار بصرخةٍ
فلم السكوتُ ؟
لم الألمْ ؟
قد كان يمكن أن تشق الأرض زرعًا
دون أن يندى جبين التربِ موتًا
كي يثير على الأديمِ
زوابع الموت الجديدِ
إذا استقامَ بساقه والغصنِ زالْ
وولدتُ قمحًا
كلما مرت بي الأيام داست يبسهُ
دون اعتبارٍ للوجعْ
وغدا حطامًا
سوف تذروه الرياحُ
وصارَ حرًّا
صارَ كالأمل المعلق في السماءِ
بلا امتثالٍ للحقيقةِ
جاعلا للعيش معنًى لن يكونَ
لتكمل الدرب التي بدأت
ورغما عنك تبدأُ كالصباح
يشق هدأة عينك الملقاة جفنًا للسلامْ
وهو الحطامُ يحن دومًا للرجوعِ
يرى توجعه وينسى أنه قد صار حرًا
عينه سجنت هناكَ
ولا صباحَ لينجلي أثر المنامْ
وولدتُ بابًا
صوت شعر عائدٍ لنشيد راعٍ
غير معروفٍ
تزاحمه الرمال على المسير
وتدفنه
تمحوه مثل خطاه شيئا لم يكنْ
وقف النشيد على حروفي
مثل قانونٍ تداعبه البنان
على مقامِ الكرد
يحدو بالرملْ
وولدت موتًا
يبدأ العد انتهاء بالولادة
كي يعود إلى البداية دون شيءْ
وولدت كي أرث المكانَ
فصرتُ فيهِ
أنا المكانْ ..
***
رهنُ الليالي
رهن كأسٍ من عتيقٍ
مثل أحجارٍ عقيقٍ
ضاءَ في سقف غريقٍ
مثل سكري
رهنُ وِتْرٍ في عيونٍ
سبَّحتْها من جنونٍ
آيةٌ ذكرى مجونٍ
مثل صحوي
هات من كل الكؤوسِ مآثرًا
علي بها ألقى الشفاه بقيةً
كل لا يذوقَ سوايَ من أثرٍ طلاها
وهي كأسي واختماري
وهي روحي وانتصاري
وهي آيات الطريقْ
وصديقتي بعد الصبابة قهوتي
قبل ارتفاع الصبح أسمعها غناءً
عطر فاتنةٍ تسلل دون إذنٍ
مثل أنباء انتصارٍ
أنني مازلت حيّا
أن بعد الموت ريّا
أن خلف الغيب شيّا
ثم أتركني إليها
حيث تمضي في طريقٍ
مثل أحلامي
تعيش بلا هواءٍ غارقاتٍ في الأبدْ
وأنا أفيق ولا أفيقْ
أمشي وأسرق من وجوه الناس سردًا
كي تقوم به القصيدة
قد كتبت الناس
كل الناس حتى لم أجدني بينهمْ
في ذكرياتهم التي بقيت
عبثتُ كأنني النسيان حين
يعيدُ ترتيب الحقيقةِ
ما الحقيقةُ ؟
من يعيد لها الرجود من الوجود
لكي تعودْ
من يملك القدر الكفيل من الشجاعة
كي يحيل الوهم شيئا ذا شجونْ
من يملك القدر الكفيل من الحماقة
كي يطيل الحلم ليلا ذا سجونْ
من يملك الأوهام
والأحلام
والأشياء
ويعيد تشكيل الحقيقة ..
ما الحقيقة ؟
كي يكون لها النفوذُ على العقولِ
على الخيال
على الجنون السابح المسلوب
أجنحةَ الطيورِ
بأي حقٍّ لا يطيرْ
وبأي حقِّ تملأ الأنحاء أطياف الحقيقةِ …
ما الحقيقةُ ؟
كيف صارت ألف شكلٍ
ألف لونٍ
ألف صوتٍ
كلها زعمٌ بشيء واحدٍ
يدعى الحقيقة ..
ما الحقيقة ؟
هل لسقراط احتمالٌ واضحٌ
أم كان يسألُ مثلنا ..
من نحنُ ؟
نحنُ حراس الحقيقةِ
لا نريد لها الضياعَ
نريدها رهنًا لنا
ونريدها عينًا تحاكم من نريد بما نريدُ
نريدها حبسًا لنا
ألا نطيرَ فلا نراها
مثلما يخشى المنامَ
من اكتفى من يقظةٍ
تسطو على الأحلام تنزع سترها
ليرى الحقيقة …
ما الحقيقة ؟
كل وجهٍ قصةٌ
وأنا أراهنُ بالحقيقةِ
كل هذا كان من أجل القصيدةِ ..
ما القصيدة ؟
من يسير على الحروف بلا انتزاع
من يغامرُ في وجوهٍ كلما صدقت قليلا
ذاب فيها كل لون
من يجادل قصةً
من يجبر الأحداث في سرديةٍ عبثيةٍ
من يرسم المشي الرتيب كرقصةٍ
شرِّد مسيركَ لا يُراعْ
وأمرْ فؤادك ما استطاعْ
لا تنهَه فالنهي أمر لا يطاعْ
***
في هذه الأرض التي حفظت
وجوهًا تحت أرجلنا
نعود إلى منازلنا مسيرًا
تحت أرجلنا نرى أيامنا خطوًا
ويبقى بعدها أثر المكانْ
والأرض تعرفنا كما عرفت أكفّ الأم
وجه صغيرها بعد العمى
وبكت
لأن خيالها
لازال يحبس صورة الطفل البريء
وقد كبرْ !!
لا تكبر الذكرى
ولا تقوى على أجزائها ريح الزمانْ
تبقى على شفقٍ معلقةً
فلا ليلٌ ليغشاها
ولا صبحٌ ليسعفها
تظل كأنها عينُ العمى ..
خطواتِنا
يا من بنيتِ بكل ريعٍ آيةً
حتى أتى النسيان عارضَ ممطرٍ
ياليته جاس الديارَ
وليته لم يبقِ شيئًا أو يذرْ
هونًا نمرُّ على دروب منعّمٍ
كالدمعِ مرّ بوجنة العذراء
يسرعُ أنْ تكدرَ صفوهُ
كسف الأثرْ
والذكريات بلا أثرْ
لكنها تبقى طويلا
إنها رهن المكانْ
كل افتراق غربةٌ
كل اغترابٍ
نزع أشجار نمت في حيها
لا تشرب الماء الزلال
سوى بأيدي أرضها
والأرض لا تسقي سدًى
وأنا المسافر كالزمانِ
فمن سيسقي عابرًا
وأنا المكانُ
إذا ألفتُ الزائرينَ
ووقع أقدام العبور
وصوتَ أنفاس الأغاني
يرحلونْ
وأنا القصائد كلما لحنتها
للناي أنَّ بصوت غيري يحتفي
وأبيت أحرقها رمادًا كي يطيرَ
إلى الفناءِ
هناك يحترق المكانُ قيامةً ..
بابًا
جدارًا أثقلته الذكريات
وساقطت أطرافه .. أحجاره
أيامه .. سنواته ..
لتزيدَ من عمق التراب دقيقةً
تكفي ليدفن تحتها سبعون عاما
أو قضيةْ
***
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
ويبعث الأنغام شعرًا في الوجودِ
لينقذ الأموات من كيد الحياةِ
من الفضولِ
ومن سؤال عالقٍ
من أعين مكثت ملايين السنين
ولا تزال تزاحم الأموات بحثًا
عن معانٍ خلف هذا الدربِ
عن شيء غريبٍ
عن حياة ثانيةْ
يسلو بها المظلوم وعدًا أن يسود فينتقمْ
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
يصب في سمع الفلاة نبيذه
شعرًا
وكان الشعر منتبذ الخلود
وكانت البيداءُ أذنًا
فاستبدتْ تمسح الأركانَ
حتى صارت الأركانَ
صارت كل شيءْ
نحن الخلودُ شفا فضاء الباديةْ
رسمًا بأحرفنا خلقنا وهمهُ
وله هربنا
كي نقول بأن للصبح امتثالا
بعد أن تفنى خيوط الشمس في قبر الغروبِ
نقول أن النجم عودة نورها متناثرًا
ولكل قلبٍ نجمةٌ
من للقلوب بلا نجومٍ
والنجومُ بلا قلوبٍ كالفناءِ ولو بقتْ
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
بقيةُ اللقيا التي سرق الزمان دوامها
أنسٌ ينادم وحدة العشاقَ
صورةُ غيبةٍ
وخيالُ ضحكاتٍ وشيء لم يكنْ
في هذه الأركان نتركُنا كثيرًا
كي نعودَ إذا فُقدنا
كي تقولَ إذا سكتنا
كي يكون لعاشقٍ عذرٌ
يمرُّ على الديارِ ديار ليلى
كي يقبل ذا الجدارَ وذا الجدارَ
تذوبُ قبلته دموعًا
ريَّ أركان حبسن خيالَ من سكن الديارَ
لكي يعودْ
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
مجاوزًا كذبَ التذكرَ
سلطة النسيانِ
في كتب الرواةِ الحالمينَ
بأحرفٍ لم تستطرْ
في هذه الأركان حدثنا وأخبرنا
هواءٌ يسعف الأنفاسَ متصلًا
براوٍ واحدٍ
من دون قصدٍ أو هوى
إن المقاصد مفسدةْ
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
كوردة في صخرةٍ
كغناء فاتنةٍ تراقص حلمها
خيطٌ من الأيام حاك خباءها
يزدادُ مشتعلا صباها كل يومْ
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
ظلال آلهةٍ
والظلُّ يكسرُ حدة النورِ المراقِ
ويحبس الظلماتِ فيئًا
مثلما تستعجم الكلمات
تحبس روحَ قائلها خلاصًا
وحيُ السماء أتى كلامًا
والخلاص على الصيب فنى سوى كلمةْ
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
ليبدأ السطر الجديدَ
من القديمَ
يداول الكأس الأثيرَ
تدورُ يحكمها الزمانُ بكل كفٍّ
أسلمتها ثم زالتْ في العدمْ
في هذه الأركان يختبئ الخلودُ
ولادةً
في هذه الأركان
حين ولدت كي أرث المكانَ
دفنت كي يرث المكان بقيتي ..
وأصير سجنًا للمكانْ
سأصيرُ قمحًا
بابَ أنغام الرعاةِ
كؤوس خمرٍ .. قصّةً
وأصير شمسًا
كل صبحٍ تستعيد العرشَ
طفلًا لم يذق مرّ الحياةِ
وقهوةً
تزهو بأنباء انتصاري:
إنني ما زلتُ حيّا ..
هيثم ١٨/ ١١/ ٢٠١٧
هروب نحو السماء
أنتِ السماء إذا النجوم تناثرتْ
وأنا القيامة .. والكواكب فجّرتْ
والغيث أنحاءٌ ووعدٌ بالسلامِ
وبالهلاكِ فأيُّ نفسٍ أزجرتْ
والفلك تستسقي الرياح تقودها
وتنوء بالسقيا منازلَ بعثرتْ
كل تحامل عبء قلبه وحدهُ
وأنا الذي سهر القفار من الظلام
يخاف روعتها فيفقد قلبه
من لي بعبءٍ واحدٍ
إني تعبت الآخرينْ ..
كل احتمالٍ عابثٍ
يخفي من الخذلان عينا تسخرُ
لم تضحك الأشجار كي
ترعى نداك وتزهرَ
هي تزدهي للطير يقطفُ وردةً
ويحوم حول أثيرها
ولكل طير وردةٌ
فاحذر نزيل الظل من ظل الطيورْ
ليست لك الأزهار مادمت الذي
يهوى بأرض نخلةً
لم تضحك الأشجار كي
ترعى نداك فلا تقفْ
إن المواسم للطيور تهاجر
والنخل ليس مهاجرًا
لكنه يختار أقسى الدهرِ
حتى يعتذرْ
عن كل ما فعل الزمانُ
وينتصرْ
ويجور في أطرافه برد المكان
فينحسرْ
كل يهاجر
بيد أن النخل ليس مهاجرًا
مل السفرْ
هل ترقص الأيام مثل العابثينَ
بآية الدهر الكئيبِ
أم استدارت للهلاك وأينعت
صمتًا يموت على الشفاه
كما بنيت من الهلاك عتيم صمتْ ؟
هل ترقص الأيام مثل العابرينَ
أم استحالت
مثل أشجار الصنوبر قاتمةْ
هل ترقصين لنجدة الأمل الأخير بمقلتي
أم ترقصين لأن كل الناس ترقص ؟؟
أنت شيءٌ من أثير ثار لي
إني تعبت الآخرينْ
كوني كما أنتِ .. أنا ..
أو كونِ همْ ..
واستيقظي من دون دمعٍ .. أو أنا
هذا الصباح مدينةٌ .. هل تعلمين
أقسى من الصحراءِ تمحو خطونا
كل العبور سعوا بأحذية على أقدامهم
كل العبور سعوا هنا متشابهينْ
نحن الحفاةُ فقط نسير على اليدينْ
لنصافح الأرض التي
ولدت هوانا من حنينْ
نمشي نقص الخطو مختلفًا ولو
عبثت به كف المدينة بالسنينْ
هل تعلمينَ بأنني رحلٌ
وأن الرحل لا يردُ المنازل نزلتينْ
هل تعلمين بأنني نهرٌ
وأن النهر لا يسقي عطاء دون دينْ
هل تعلمين بأنني موتٌ
وأن الموت لا يروي الحكاية مرتينْ
أينعت في الأرض ازدهارًا
بعد أن مل القدرْ
وظننت أني نازل وطنًا
فكان الكل حولي يطرودن خيال طيفي
فاغتربتْ
والأرض تمنحهم سلام الآمنين
كأنها تغتال جرحي ماء ملحٍ
كيف أبقى دون أرضٍ ؟
هل أعودْ؟
لا .. لا تعد
إن الرجوع وسيلة الجبناء
كي يرموا على الأقدار خيبتهمْ
ويبقوا في سلامٍ كالمماتْ
يا أبعد الآمال
أرض العابرينْ
هل لي بعبءٍ واحدٍ ؟
إني تعبت الآخرينْ
لو مست السحبُ القفار لأنكرتْ
يبسًا وهاج هجيرها
كانت دموع العمرِ عذرًا أزهرتْ
وكسا الهواء عبيرها
لكنّ كأس الليل تخشى
أن تبيت بلا شفاهٍ
ترسم الأشواق لو كذبًا
وتسعى لارتشافٍ ظامىءٍ
يزداد نارًا كل يومٍ
كلما هدأ استباقًا
عربدت في غمزةٍ كأس الغوى
أو أنعمت من لذة الأسحار رشفةَ بسمةٍ
كأسٌ بلا عطش العيون
تموتُ فيها صرخت الغضب القديمِ
ولذة الشفقِ الأثيمِ
ولا تعود الكأس شوق الهائمينْ
عبثًا تراقُ على القبورِ
وتستغيث الكرمَ عصر العابثينْ
يا قِبلة الأحجارِ
إن الصخر يكسر كل كأسٍ لا تلينْ
هات السماء
كطيّ أطراف الصحائفِ
جفت الأقلامُ ترسمُ كل يومٍ
في زواياها البعيدةِ أغنياتٍ من جمالْ
هات السماء
وغلق الأبواب دون الصبحِ
كلَّ الطيرُ أوتارًا على متن الجبالْ
هات السماء
ثمالة الرمق الأخيرِ لقائمٍ
مازال يتلو سورةً دون انحناءٍ وابتهالْ
هات السماء
جريد نخلٍ يخصفُ القلب
اغتمادَ الأسلِ إني قد مللت من القتالْ
هات السماء
تنام في ظل الكثيبِ مطيّةً
تعبت مسيرًا خلف أوهام الوصالْ
هات السماء
كغار منتبذٍ يلوذ به وحيدًا
ثم يبكي المهد طوقه وليدًا
خاف من كذب الحياة
على وجوه الآخرينْ
هات السماء
لتنزل الأرض التي تلهو بها
لو كانت الصحراء ربّا لاستبدتْ صرخةً
تذر النجوم بلا سماءْ
لملم بقاياك التي
نثرت على هدب السنينْ
قربانَ أوثانٍ مضتْ
وزحام عبادٍ يهينْ
لم تُبقِ لي الأقدام موضع
رقصةٍ فمن المدينْ
هل لي ببيتٍ لا يُغيرُ
عليه لص كل حينْ
هل لي بزاويةٍ صلاةٌ
دون شيطانٍ مبينْ
هل لي بعبءٍ واحدٍ ..
إني تعبت الآخرينْ
هيثم
سبتمبر ٢٠١٧
مسافر على متن ليلة
أتيتُ .. كحلمِ فتاةٍ
يغازلها النوم قبل السحرْ
ويركض في وجنتيها خيالٌ لذيذٌ
فتحمرُّ فرحًا
وتنسى عقاربَ ساعتها
بين خصلات شعرٍ
كليلِ شتاءٍ طويلٍ وحالكْ
وتنسى النهارَ
وصوتَ الصباحِ
وأقلامُ أقدارها تنتظرْ
ويسرق من شفتيها الظلامُ
ضياءً يصوِّرُها كغصنٍ
على السقف
ورديِّ فرعٍ فتضحكْ
ويسلبها النوم سقفًا وفرعًا
وضحكةْ
أنا طرفةٌ من شفاهٍ
سرقتُ لها فرحةً ثمّ نامتْ
أنا الحلمُ في لحظةٍ قد عبرْ
***
أتيتُ .. كوحي رسولٍ
أزيل بوجهي بقايا القدرْ
إذا مرَّ بالقلب يسقطُ أثقالهُ
كي يخفَّ ويسعى كلمح البصرْ
ألملمه مثل أشلاء خبزٍ
تعاند باليبس رطب الطريقِ
وتحنو على الجائعينَ
تفرُّ من الدهر
حتى تلامس أيدٍ تعرَّتْ
وحين تحسُّ بأنفاسهم تستلينْ
يسيرُ جواري عبور الرصيفِ
ولا يسمعونْ
ويكفي بأني
كدمع يتيمٍ وحيدٍ
لكيلا يحس بي الناسُ
يكفي بأني كصمت الشجرْ
إذا صفعته رياحٌ وصاحتْ
لتدفن أناته في الصدى
ليسمعني الله بيني وبينه
كالأم حين تحسُ بحمى صغيرٍ
تعافى لتوهْ
ولكن حُمّاه شاءتْ
لدى هدأة الليلِ أن تستعرْ
وبعد مضي ثوانٍ
تزولُ فتدركُ أن الصبيَّ كبرْ
أنا ابن السماء
إذا أثقلته حمول صليبٍ
أنا عينُ مريمَ حين انتصرْ
***
أتيت .. عصيًّا على الفهمِ
كالموتِ يخشى دنوّ البشرْ
فيقبضهم كي تزول عيونٌ
تداهمه كسفًا من ظلامْ
كظبي يفرُّ إذا روّعوه
كغول يمزّقُ مرّ الكلامْ
كطفلٍ عنيدٍ
إلى أن تثير بحمقٍ فضولهْ
شهيٌّ كقبلة عشق
على خوفِ واشٍ
وقاسٍ كشوق اغترابٍ
وأغبى من الحبِّ خلف الحذرْ
أنيسٌ لوحشةْ
صديقُ لمن نام عنه الزمانُ
ومن يألف الأغنياتِ
ويبرد في دمه حبر كل القصائدْ
نموتُ جميعًا
إذا لم يكن خلف صفحة صبحٍ
حروفٌ جديدةْ
تنادي ويقفز جفنك شوقًا
إذا لم يعد بعد سطرِ مسائكْ
سطورٌ عديدةْ
تثيركَ تكتبُ ألف قصيدةْ
إذا لم ترَ الصبح حين يغني
وتسمع نورًا
وتشرب دهشةْ
أنا الأغنياتُ
فحينًا تراني على الورد شوكًا
وحينا تراني بغير ذنوبْ
أنا الخطو يهذي على الرملِ محوًا
أنا الظعن يخشى مغيب الأثرْ
***
أتيت .. كغابة طلحٍ
جفا الأرض يسعى لشرب المطرْ
ولكن ومن غير قصدٍ
تشبث فيها
تغلغل فيها
تبعثرَ تحت أديمٍ
يغازل ماء سحابٍ
بعيد ضنينٍ
ويُسقى من الغورِ تحت الثرى
ولازال يسألُ وهم القِرى
تزول العراقيلُ
-قال بصوت يهابُ
ويرقبُ لمس الذُّرى-
ليدمنه الحلم
حلمًا يطاردهُ كل حين
ويدمن فيه غياب الكرى
يمدّ كفوفًا
غصونا
خيالا من الظلّ
يدنو ويدنو ويدنو
ويسحب أطراف فرعٍ
تزاحم فوق متون تعرّت
وترسم شكل سحابٍ ليغري سحابًا
ويرفعها الشيء
يدعونه بالزمنْ
أو هو الشيء
يدعونه بالأملْ
أو هو الشيء
لا يكترثْ ..
ويبقى السحاب جناحًا
رداءً يدثرُ جنح الأبدْ ..
وإن يسألوه عن الطلح يطرقُ
ثم يقولُ: هو اللا أحدْ ..
أنا الطلحُ
يقتلع الجذر طيرًا
أنا الريح تغتلب السحبَ جَرْ
***
أتيتُ .. شعاعًا من الحرفِ
لمْ ينتظم ثائرًا يستعرْ
حروفٌ ترصُّ جوار حروفٍ
دواةٌ وحبرٍ
وبعض أساطيرَ تروي عن الغابرينَ
عجائبَ لن تستطيعَ
بأن تسأل الدهر عنها
إذا كان للدهر قولٌ صدوقٌ
إذا كان للدهرِ وجهٌ
وعقلٌ
إذا كان في جوفِ شيءٍ عميقٍ
رؤى ذاكرةْ
وإن كان ساعٍ سعى في طريقٍ
كهذه عمياءَ
عطشى
وتشربُ كل الخطى
فأين مسير الذين تسامو
نقوشًا تقدس صمّ الحجرْ ؟
ومع أنها دون صوتٍ
تعالت على الموتِ مثل الإله ..
وتسخر من حيرة العابرينَ
وقد تزدري كل عين
تحاول كشف خباها
وتضحك من ثقة العالمينْ
تمر عليها وجوهُ الشهورِ
هلالا وبدرًا
وكل البروجِ
ونجمٌ أليقٌ ونجم هوى
أنا النقشُ أعماق بحرٍ
تذوب ذوائب كل الشموس
ولا تبلغُ الأمد المنهى
أنا السطر بعد الأخيرِ
وقبل النهايةِ بعد المدى ..
أنا السحرُ يغمر وجه القمرْ
***
أتيتُ .. تراتيل عرسٍ
بكاءً .. كأمطار رملٍ ودُرْ
سوادٌ بألوان شتّى
بياضٌ بسبعة أوجهَ
في كل وجهٍ مئات القصصْ
وفي كل وجهٍ حياةٌ جديدةْ
وفي كل وجهٍ أنا ينتظرْ
هناك يسبح يونس حتى يشيخَ
ويعقوب أعمى
ويوسف في غيهب الجبِّ ماتْ
ترى هل ستأتي سنينٌ عجافٌ
وسبعُ سنابلهم يابساتْ ؟
هناك يمرُّ أخيل مرور الكرامِ
يشيخُ
يموت بداء غريبٍ
يموت غريبًا بدون رجوعْ
ترى هل سيصبح كل رحيلٍ مبررْ
وكل فوات مقدّرْ
ونمضي سريعًا بلا ذكرياتٍ
نشيخ
نموتُ
بلا أمنياتٍ
ويعبرنا الطيفُ نحو انطفاءٍ
فننساه حين تجفّ الدموعْ
هناك بغابات أوروك
يبدو الخلودُ اصفرارًا على نرجسٍ
تحت ظلٍّ
ويحرسه شمشُ حتى المعادْ
ترى هل سنخشى مرور الثواني سريعًا
ونحفر في الأبجدية بئرًا
لنكتب شعرًا
جنونًا
يسافر خلف فضاء اللغةْ
ونسردَ كل حكاياتنا
نحتَ راوٍ
ترى هل سنذكر أوتاد عادْ؟
هناكَ كليبٌ يسافر دون الجليلةِ
من قصر تبَّع
ويلقى فتاةً بدون قبيلةْ
ويروي لها
كيف مات المهلهلُ جراء كأسٍ
بأرضٍ بعيدةْ
ترى هل سيحدو الرحالَ سميرٌ
يغني النجومَ لتبقى دليلا
ويطربُ سمعَ الفلاةِ
ترق قليلا
ينغمُ صبرَ القوافل
بحرًا طويلا
وآتي أنا الآن
أنظم شيئا يسمى قصيدةْ ؟
هناكَ يسامحنا الكرم عصرًا
يبلغنا الجنيُ حدّ الشبعْ
يسامحنا الله رؤيا خليل
ويفدي الذبيح بكبش الطمعْ
ترى هل تمر بنا الطير مهلا لتشدو
وتأمن ..
نأمنَ
ترقصَ
مثل فراش لها النار بردًا
فلا نرفع السورَ خوفًا
ولا نقلم العود غضا لنقتلْ ؟
هناك سألقاكِ سابع يومٍ
وقبل الألمْ
إذن سوف لن أعرف الآن
معنى الندمْ
هناك سيسجدُ إبليس
يفنى سلامًا قصير الأجلْ
ولكن وحتى هنالك
آدمُ ضلْ
هناك الهواءُ
هناك الرجاءُ
هناك الأماني
هناك الأغاني
هناك التخومُ
هناك النجومُ
هناك الإله ..
هنا..
كل شيء عداهْ
أنا التيه في صمت حواءَ
حين ابتلاها
بنصف فؤاد يموت
ونصف يميتُ
ببعض تماهى
وبعض تناهى
وكل يزولْ
أنا الهلوسات غرابٌ وقبرٌ
أنا الكف ترمي بكفٍّ حجرْ
***
أتيتُ .. أنا الوهمُ صوت الصورْ
فإن ساءلوكِ عن الشعر
أخفي نبوءات عينيكِ سرًّا
فللوحي غارٌ
وللوحي نارٌ
وفي الوحي أخفيتُ
كل اشتياقي
وصرت أنا الوحي
طرف النبيِّ يحاور غيبًا
تمثّل طيفًا
أنا الطيف
وجهٌ ضبابي جسمٍ
ضبابي اسمٍ
ومن شاء للطود ثمَّ نظرْ
أتيت غيابًا
فإن ساءلوك عن الحق يومًا
فقولي بأن خيال الحقيقةِ
خيط رمادٍ يراه العمى ..
ويغفل عنه رفات البصرْ
أتيت لأروي .. فتاه الخبرْ
٨/ ١١/ ٢٠١٧
نحن الحكاية
(مطرٌ على عطش الصحراء)
نحن الحكاية خلف ثغر الراويةْ
والأغنيات إذا الرعاة توجسوا
ليلًا من الظلماتِ
يغسل صوتهم خوفًا من المجهول
أبعد من صباحٍ لم يعدْ
وكأن أطراف القفار بدت لهم
في موج كربتهم رياضٌ رابيةْ
نحن الحكاية
كالجمادات التي كانت تشع الروح يومًا
ثم آثرت الوقوف على المسيرِ
وأطرقت نحو السماء بدعوةٍ
نحن الوقوف ولا مجيب وننتظرْ
عبثًا سأنتحل الصباح تبسمًا
طرفًا من الأمل انتحى كالغاويةْ
وأصيح بالظلمات حين تلفني
يا موئلي لم يغن عني ما ليهْ
***
نحنُ الألى أعجاز نخل خاويةْ
والراقدون على فراش الرمل
نلتحف السماء
ونسأل الأسماء
أحلامًا تغامرُ في خيالات الرحيلِ
فتصبح الوطن الذي ركنت إليه نفوسنا
أفضى بنا طيف النجوم
ورافقتنا صحبة الأسحار تروي
في تناثرها بريقًا كالأملْ
الليل يصمت وحشةً
تخفي الثواني كالقدرْ
حتى سمعنا صوت أرواحٍ تئنْ
نحن الأولى نسجوا النجوم روايةً
عن عاشق الجدي الذي لحق الثريا
وهي تاهت في الغرورْ
عن نائحات النعش يحملن الحنوط
من الشروق إلى الغروبْ
عن ساكن الحرفين ثمَّ لدى الأبدْ
وهناك يمتنع السؤال وللطفولة رغبةٌ
تعلو على الأسوار تسرق لذة السؤل المحرم
خلف أمواج الظلامِ فلا تعودْ
يا شقوة الطفل الجسورِ وجهله
مالخوف إلا حبس لاء الناهيةْ
أنت الحكاية فاختبئ خلف السؤال
عن العيون وته بصمت الراويةْ
***
نحن الزمانُ على سواحلَ نائيةْ
نحتت بها أيدي الجنون بناءَ وهمٍ عابثٍ
أحلامَ منتظرٍ
رمى بالعين أبعاد الشفقْ
نبني قلاعًا لِينها رملٌ رطيبْ
والريح جالت بين ذرات البناءِ
وشدّت الأطراف يبسًا
ينزع الروح الخفية في الندى
كان انتزاعًا قاسيًا
لكنه يبقي قلاعك ثابتةْ
نحن انتزاع الروح من جسد الحياة
نكون أقسى حين نقوى
حين يستل الزمان ندى الجنون
نكون أقوى كي نعيشَ
نكون أقسى كي نموتْ
نحن القلاعُ وللبحار الموجُ
يغرس في ثنايا ساحلٍ
لجج الفناء
ويهدمُ القصر الأليقَ وينحسرْ
يا عابث الشطآن في كرب الفناءِ
بنيت أحلامَ الرمال الفانيةْ
لن تغلب الحرف الأخيرَ بقصةٍ
إن القصيدة تنحني للقافيةْ
***
نحن السراديب البعيدة خافيةْ
فاضت من النسيان ذكراها فباحت
في خطوط تغمر الكف استغاثًا بالنفسْ
أطبقْ كفى
ما زال للأقدار أوراقٌ
وأشواقٌ
لنكتب ما نريدْ
مازال خلف الغيب غيبٌ
مثل نهر دائم الجريانِ يكتنف الأزلْ
أبدٌ شهيٌّ في الخفاء على أملْ
نحن انتصار الخوف حين نميته
والخوف يخذُلُ إن خُذلْ
نحن اختلاس الفرح
بسمته التي لم تدر يوما
عن خطيئتها .. ولنْ
أن الذي بدأ الزمان به سجنْ
أن الذي وهب القلوب بها دفنْ
أن الذي نسج الحقيقة من خيالْ
أن الوجود هو الذي بدأ الزوالْ
يا كفُّ كم كفّكفت عين اليوم عن
يبس الحقيقة وهم قطف الدانيةْ
إن تسلم الروح الأثير بنورها
فالموت أضغاث الخيوط الواهيةْ
***
نحن السُّراة إذ المنية غاديةْ
والخالدون كجذع مريم كلما
هزته أيدي العائذين يساقط الرطب الجنيَّ
يفجِّرُ الماء السريَّ
يقول للمحزون قرت عينكَ
الدمع استجيب دعاؤه
نحن المقادير التي
صرت بها الأقلام نسرق حبرها
ونعيدها قصبًا جريدًا
نحن حبرُ الدهر نكتبه ثواني ضحكةٍ
يقف الزمان لها احترامًا لا يمُرْ
غيث البكاء الشهد يجلو كل مرْ
وإذا استوى عرش الجمال بنهينا
نوزعهُ: مُرْ
لم يغلب البيداء حيٌّ
وهي شاربة الحياة كؤوس روحٍ
كي تكون ولا نكونْ
يا صفحة ذابت بها نقط الحروف
تعيد بعث الحرف وشم الباديةْ
كم عائذٍ بالكلِّ يفنى رغبةً
كالرحل يمضي والمآثر باقيةْ
***
نحن السُّها تحت السماء الآنيةْ
والبدر يلتحف الضياء عن الدجى
متمردًا
والنجم زاد السائرين هداهمُ
ما أدلجو
والحارس المأمون يمنع زادهمْ
والعين تغمزُ طفلة
سهرت على ذر الهواء هباءه
وكأنه من ضحكة كسلى
تلألأ وازدهى
نحن الصلاةُ
جناية العبد الأبي إذا أذلْ
بصرٌ تعلقه السماء بحبلها
حتى تغافل عن شعاب الأرض تاهْ
فادع الخفاء لعل في
خبر المنام بقاء جاهْ
يا ساقي النور اقتفاء الدرب
أمهلنا رفاتك ساعةً أو ناحيةْ
إن تظمأ السبل القفار فلم نزلْ
نسقي روافدها دماء الحافيةْ
***
نحن السطورُ على فراغ الحاشيةْ
الراقصون على الحدود
الساخرون من القيود
العابثون بكل كفٍّ
تزجر الطوفان أمرًا بالسجودْ
نحن الجناح بغير سرْبٍ
خارج المجهول نزهو بالأبدْ
نهب الفضاء غناءنا
نحدو السحاب بروحنا
لنزيل عن وجه السماء خمارها
بابًا على الأفلاك حرًّا كالجنونْ
والحرف إن يخف الحقيقة في المتون
يهب نحو الحاشيةْ
نحن المقادير التي نسيت
فلم تكتبْ
فمن يمحو العدم ؟
يا شارب النور المراق على الشفقْ
حتى يسود الليل جنح الرابيةْ
في وجنة الورد الضياء بقيةٌ
لو شاء ردَّ الشمس عسفَ العاديةْ
***
نحن القبور على فراش الباديةْ
الحابسون الذكرياتِ
الصارخون قيامةَ الموتى على عزف الدموعِ
نعيد للأجل احتمالًا بالرجوعِ
وننقش الرمل النذورَ فتندثرْ
وتجول أيدي الريح
تمحو كذبةً لنرى الحقيقةْ
نحن الترابُ بقية الأجداد
منهم قد خلقنا
كلما سكب السحابُ حياتهُ
نهتزُّ ننبتُ كالنخيل الباسقةْ
ذكرى بأطراف الجريدِ تسلحتْ
شوكًا به صورُ المنية عالقةْ
هل تمنح الأشواكُ
إلا جرحَ من يدنو ليمسح
عن أليقٍ عالقَ الأدواءَ حضنًا كالوطنْ
وطنٌ يداوي حين يدمى
ثم ينسى دون لومْ
يا ساكن العينين طيفًا لا يرى
كم من خفيٍّ ثار ريحًا عاتيةْ
لا تحبس الأقدام تيهك في الثرى
نم في سلامك خلف وهم الباقيةْ
***
نحن الكرومُ سقاة كفِّ الساقيةْ
والكأس مالت كالغواني
أسكرت شهد اللمى حلو الكلامِ
ورنمت أنفاسه وترَ الشغفْ
الواردون عطاش عشقٍ راغبٍ
الصادرون رؤى اشتياقٍ راهبٍ
والعين تحكي كل شيء كي تنامْ
نحن اعتصار القلب خمرًا
حين نهوى
والعناقيد التي تأبى تموتُ
نعتق الأحلام عمرًا
كلما سنحت لها الذكرى
تعرَّت مثل فاتنةً
وذابت في الخلودْ
فهي التي تهب الجنان أثيرها
وهي التي تروي تراتيل الوجودْ
يا سكرة العين المدامِ تناثرت
في قارئ النظرات شرب الصافيةْ
لا تجمعي الأشتات خوف فنائه
فالعيش سقمٌ في ثياب العافيةْ
***
نحن السراب لدى هيام الماشيةْ
مرعى العطاشِ
إذا تماهى كل شيءٍ
دون شيءٍ ثم أبقى خيط أوهامٍ
تعلقهم بها
ترنو لها الأبصار أيدٍ لا تنالُ
وتحبس الأنفاس تدنو للشروق
فيغربُ
وتظل تلهثُ ترتجي
يومًا وصالَ الماء حينًا يرقَبُ
لولا الرجاء لأدركتْ
أن الفلاةَ تعيش من موتى العطشْ
نحن السحابُ
غياثُ ريِّ السائرين على الغوى
ناقوسُهم يدعو ابتهال بقيةٍ
ترمي بها السحبُ الرحالَ
على قدرْ
رمقٌ يمدُّ الدربَ حتى ينتصرْ
لا تمطرُ الأيامُ شيئًا كالنُّذرْ
كالشمسِ ترمي نورها
وقفًا على حدِّ السحرْ
يا نازل القيعان رغبةَ هائمٍ
هلا تركت اليأسَ دفنَ الداعيةْ
لا ترجئ الأقدار حَينَ مؤجلٍ
تروي الغرورَ شقاء حبو الراجيةْ
***
نحن الذُّرى جسدُ الحياة العاريةْ
والخوفُ طفلًا يحذر
الأشباح ترقب لهوهُ
فيحيدُ عنها تحت ظلِّ الصمت أمًا
ثم يلهو كيف شاءْ
ويغيِّبُ العين التي
تكفيه أعباء اللقاءْ
وكأن كل الكون أظلمَ كالخواءْ
والطفل في الظلماتِ
يأمن أن يُرى
نحن الملائكة التي حبستْ
لتشقى
تحملُ الجسد الهزيل لكي يطيرَ
ينوء بالحلم الصبيِّ ملالةً
متْنُ الكبيرِ
فينزع الأحلام يخلد للثرى
ويصير مثل حطامه
لكن يسيرْ
يا ضيق الأغلال عن رحب الفضاءِ
عجزت عن حبس العيون الرانيةْ
سترى القيامة حين تعزف لحنها
إذ كل صادحةٍ عداها فانيةْ
***
لا تسأليني
من نكون وأنت فيني
كل نبض يعتريني
مسّ أيدٍ حانيةْ
نحن المطرْ
نحن الظمأْ
نحن الفلاةُ ورحلها والحاديةْ
نحن الذُّرى جسدُ الحياة العاريةْ
نحنُ السرابُ لدى هيام الماشيةْ
نحن الكرومُ سقاة كفّ الساقيةْ
نحن القبورُ على فراش الباديةْ
نحن السطورُ على فراغ الحاشيةْ
نحن السها تحت السماء الآنيةْ
نحن السراةُ إذ المنية غاديةْ
نحن السراديبُ البعيدة خافيةْ
نحن الزمانُ على سواحل نائيةْ
نحن الألى أعجاز نخل خاويةْ
نحن الحكاية ..
بعد صمت الراويةْ
هيثم
أكتوبر ٢٠١٧


