هروب نحو السماء







أنتِ السماء إذا النجوم تناثرتْ


وأنا القيامة .. والكواكب فجّرتْ


والغيث أنحاءٌ ووعدٌ بالسلامِ


وبالهلاكِ فأيُّ نفسٍ أزجرتْ


والفلك تستسقي الرياح تقودها


وتنوء بالسقيا منازلَ بعثرتْ


كل تحامل عبء قلبه وحدهُ


وأنا الذي سهر القفار من الظلام


يخاف روعتها فيفقد قلبه


من لي بعبءٍ واحدٍ


إني تعبت الآخرينْ ..


كل احتمالٍ عابثٍ


يخفي من الخذلان عينا تسخرُ


لم تضحك الأشجار كي


ترعى نداك وتزهرَ


هي تزدهي للطير يقطفُ وردةً


ويحوم حول أثيرها


ولكل طير وردةٌ


فاحذر نزيل الظل من ظل الطيورْ


ليست لك الأزهار مادمت الذي


يهوى بأرض نخلةً


لم تضحك الأشجار كي


ترعى نداك فلا تقفْ


إن المواسم للطيور تهاجر


والنخل ليس مهاجرًا


لكنه يختار أقسى الدهرِ


حتى يعتذرْ


عن كل ما فعل الزمانُ


وينتصرْ


ويجور في أطرافه برد المكان


فينحسرْ


كل يهاجر


بيد أن النخل ليس مهاجرًا


مل السفرْ


هل ترقص الأيام مثل العابثينَ


بآية الدهر الكئيبِ


أم استدارت للهلاك وأينعت


صمتًا يموت على الشفاه


كما بنيت من الهلاك عتيم صمتْ ؟


هل ترقص الأيام مثل العابرينَ


أم استحالت


مثل أشجار الصنوبر قاتمةْ


هل ترقصين لنجدة الأمل الأخير بمقلتي


أم ترقصين لأن كل الناس ترقص ؟؟


أنت شيءٌ من أثير ثار لي


إني تعبت الآخرينْ


كوني كما أنتِ .. أنا ..


أو كونِ همْ ..


واستيقظي من دون دمعٍ  .. أو أنا


هذا الصباح مدينةٌ .. هل تعلمين


أقسى من الصحراءِ تمحو خطونا


كل العبور سعوا بأحذية على أقدامهم


كل العبور سعوا هنا متشابهينْ


نحن الحفاةُ فقط نسير على اليدينْ


لنصافح الأرض التي


ولدت هوانا من حنينْ


نمشي نقص الخطو مختلفًا ولو


عبثت به كف المدينة بالسنينْ


هل تعلمينَ بأنني رحلٌ


وأن الرحل لا يردُ المنازل نزلتينْ


هل تعلمين بأنني نهرٌ


وأن النهر لا يسقي عطاء دون دينْ


هل تعلمين بأنني موتٌ


وأن الموت لا  يروي الحكاية مرتينْ


أينعت في الأرض ازدهارًا


بعد أن مل القدرْ


وظننت أني نازل وطنًا


فكان الكل حولي يطرودن خيال طيفي


فاغتربتْ


والأرض تمنحهم سلام الآمنين


كأنها تغتال جرحي ماء ملحٍ


كيف أبقى دون أرضٍ ؟


هل أعودْ؟


لا .. لا تعد


إن الرجوع وسيلة الجبناء


كي يرموا على الأقدار خيبتهمْ


ويبقوا في سلامٍ كالمماتْ


يا أبعد الآمال


أرض العابرينْ


هل لي بعبءٍ واحدٍ ؟


إني تعبت الآخرينْ


لو مست السحبُ القفار لأنكرتْ


يبسًا وهاج هجيرها


كانت دموع العمرِ عذرًا أزهرتْ


وكسا الهواء عبيرها


لكنّ كأس الليل تخشى


أن تبيت بلا شفاهٍ


ترسم الأشواق لو كذبًا


وتسعى لارتشافٍ ظامىءٍ


يزداد نارًا كل يومٍ


كلما هدأ استباقًا


عربدت في غمزةٍ كأس الغوى


أو أنعمت من لذة الأسحار رشفةَ بسمةٍ


كأسٌ بلا عطش العيون


تموتُ فيها صرخت الغضب القديمِ


ولذة الشفقِ الأثيمِ


ولا تعود الكأس شوق الهائمينْ


عبثًا تراقُ على القبورِ


وتستغيث الكرمَ عصر العابثينْ


يا قِبلة الأحجارِ


إن الصخر يكسر كل كأسٍ لا تلينْ


هات السماء


كطيّ أطراف الصحائفِ


جفت الأقلامُ ترسمُ كل يومٍ


في زواياها البعيدةِ أغنياتٍ من جمالْ


هات السماء


وغلق الأبواب دون الصبحِ


كلَّ الطيرُ أوتارًا على متن الجبالْ


هات السماء


ثمالة الرمق الأخيرِ لقائمٍ


مازال يتلو سورةً دون انحناءٍ وابتهالْ


هات السماء


جريد نخلٍ يخصفُ القلب


 اغتمادَ الأسلِ إني قد مللت من القتالْ


هات السماء


تنام في ظل الكثيبِ مطيّةً


تعبت مسيرًا خلف أوهام الوصالْ


هات السماء


كغار منتبذٍ يلوذ به وحيدًا


ثم يبكي المهد طوقه وليدًا


خاف من كذب الحياة


على وجوه الآخرينْ


هات السماء


لتنزل الأرض التي تلهو بها


لو كانت الصحراء ربّا لاستبدتْ صرخةً


تذر النجوم بلا سماءْ


لملم بقاياك التي


نثرت على هدب السنينْ


قربانَ أوثانٍ مضتْ


وزحام عبادٍ يهينْ


لم تُبقِ لي الأقدام موضع


رقصةٍ فمن المدينْ


هل لي ببيتٍ لا يُغيرُ


عليه لص كل حينْ


هل لي بزاويةٍ صلاةٌ


دون شيطانٍ مبينْ


هل لي بعبءٍ واحدٍ ..


إني تعبت الآخرينْ


هيثم


سبتمبر ٢٠١٧

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2018 20:05
No comments have been added yet.