نحن الحكاية

نحن الحكاية
(مطرٌ على عطش الصحراء)




نحن الحكاية خلف ثغر الراويةْ


والأغنيات إذا الرعاة توجسوا


 ليلًا من الظلماتِ


يغسل صوتهم خوفًا من المجهول


أبعد من صباحٍ لم يعدْ


وكأن أطراف القفار بدت لهم


في موج كربتهم رياضٌ رابيةْ


نحن الحكاية


كالجمادات التي كانت تشع الروح يومًا


ثم آثرت الوقوف على المسيرِ


وأطرقت نحو السماء بدعوةٍ


نحن الوقوف ولا مجيب وننتظرْ


عبثًا سأنتحل الصباح تبسمًا


طرفًا من الأمل انتحى كالغاويةْ


وأصيح بالظلمات حين تلفني


يا موئلي لم يغن عني ما ليهْ


***


نحنُ الألى أعجاز نخل خاويةْ


والراقدون على فراش الرمل


نلتحف السماء


ونسأل الأسماء


أحلامًا تغامرُ في خيالات الرحيلِ


فتصبح الوطن الذي ركنت إليه نفوسنا


أفضى بنا طيف النجوم


ورافقتنا صحبة الأسحار تروي


في تناثرها بريقًا كالأملْ


الليل يصمت وحشةً


تخفي الثواني كالقدرْ


حتى سمعنا صوت أرواحٍ  تئنْ


نحن الأولى نسجوا النجوم روايةً


عن عاشق الجدي الذي لحق الثريا


وهي تاهت في الغرورْ


عن نائحات النعش يحملن الحنوط


من الشروق إلى الغروبْ


عن ساكن الحرفين ثمَّ لدى الأبدْ


وهناك يمتنع السؤال وللطفولة رغبةٌ


تعلو على الأسوار تسرق لذة السؤل المحرم


خلف أمواج الظلامِ فلا تعودْ


يا شقوة الطفل الجسورِ وجهله


مالخوف إلا حبس لاء الناهيةْ


أنت الحكاية فاختبئ خلف السؤال


عن العيون وته بصمت الراويةْ


***


نحن الزمانُ على سواحلَ نائيةْ


نحتت بها أيدي الجنون بناءَ وهمٍ  عابثٍ


أحلامَ منتظرٍ


رمى بالعين أبعاد الشفقْ


نبني قلاعًا لِينها رملٌ رطيبْ


والريح جالت بين ذرات البناءِ


وشدّت الأطراف يبسًا


 ينزع الروح الخفية في الندى


كان انتزاعًا قاسيًا


لكنه يبقي قلاعك ثابتةْ


نحن انتزاع الروح من جسد الحياة


نكون أقسى حين نقوى


حين يستل الزمان ندى الجنون


نكون أقوى كي نعيشَ


نكون أقسى كي نموتْ


نحن القلاعُ وللبحار الموجُ


يغرس في ثنايا ساحلٍ


لجج الفناء


ويهدمُ القصر الأليقَ وينحسرْ


يا عابث الشطآن في كرب الفناءِ


بنيت أحلامَ الرمال الفانيةْ


لن تغلب الحرف الأخيرَ بقصةٍ


إن القصيدة تنحني للقافيةْ


***


نحن السراديب البعيدة خافيةْ


فاضت من النسيان ذكراها فباحت


في خطوط تغمر الكف استغاثًا بالنفسْ


أطبقْ كفى


ما زال للأقدار أوراقٌ


وأشواقٌ


لنكتب ما نريدْ


مازال خلف الغيب غيبٌ


مثل نهر دائم الجريانِ يكتنف الأزلْ


أبدٌ شهيٌّ في الخفاء على أملْ


نحن انتصار الخوف حين نميته


والخوف يخذُلُ إن خُذلْ


نحن اختلاس الفرح


بسمته التي لم تدر يوما


عن خطيئتها .. ولنْ


أن الذي بدأ الزمان به سجنْ


أن الذي وهب القلوب بها دفنْ


أن الذي نسج الحقيقة من خيالْ


أن الوجود هو الذي بدأ الزوالْ


يا كفُّ كم كفّكفت عين اليوم عن


يبس الحقيقة وهم قطف الدانيةْ


إن تسلم الروح الأثير بنورها


فالموت أضغاث الخيوط الواهيةْ


***


نحن السُّراة إذ المنية غاديةْ


والخالدون كجذع مريم كلما


هزته أيدي العائذين يساقط الرطب الجنيَّ


يفجِّرُ الماء السريَّ


يقول للمحزون قرت عينكَ


الدمع استجيب دعاؤه


نحن المقادير التي


صرت بها الأقلام نسرق حبرها


ونعيدها قصبًا جريدًا


نحن حبرُ الدهر نكتبه ثواني ضحكةٍ


يقف الزمان لها احترامًا لا يمُرْ


غيث البكاء الشهد يجلو كل مرْ


وإذا استوى عرش الجمال بنهينا


نوزعهُ: مُرْ


لم يغلب البيداء حيٌّ


وهي شاربة الحياة كؤوس روحٍ


كي تكون ولا نكونْ


يا صفحة ذابت بها نقط الحروف


تعيد بعث الحرف وشم الباديةْ


كم عائذٍ بالكلِّ يفنى رغبةً


كالرحل يمضي والمآثر باقيةْ


***


نحن السُّها تحت السماء الآنيةْ


والبدر يلتحف الضياء عن الدجى


متمردًا


والنجم زاد السائرين هداهمُ


ما أدلجو


والحارس المأمون يمنع زادهمْ


والعين تغمزُ طفلة


سهرت على ذر الهواء هباءه


وكأنه من ضحكة كسلى


تلألأ وازدهى


نحن الصلاةُ


جناية العبد الأبي إذا أذلْ


بصرٌ تعلقه السماء بحبلها


حتى تغافل عن شعاب الأرض تاهْ


فادع الخفاء لعل في


خبر المنام بقاء جاهْ


يا ساقي النور اقتفاء الدرب


أمهلنا رفاتك ساعةً أو ناحيةْ


إن تظمأ السبل القفار فلم نزلْ


نسقي روافدها دماء الحافيةْ


***


نحن السطورُ على فراغ الحاشيةْ


الراقصون على الحدود


الساخرون من القيود


العابثون بكل كفٍّ


تزجر الطوفان أمرًا بالسجودْ


نحن الجناح بغير سرْبٍ


خارج المجهول نزهو بالأبدْ


نهب الفضاء غناءنا


نحدو السحاب بروحنا


لنزيل عن وجه السماء خمارها


بابًا على الأفلاك حرًّا كالجنونْ


والحرف إن يخف الحقيقة في المتون


يهب نحو الحاشيةْ


نحن المقادير التي نسيت


فلم تكتبْ


فمن يمحو العدم ؟


يا شارب النور المراق على الشفقْ


حتى يسود الليل جنح الرابيةْ


في وجنة الورد الضياء بقيةٌ


لو شاء ردَّ الشمس عسفَ العاديةْ


***


نحن القبور على فراش الباديةْ


الحابسون الذكرياتِ


الصارخون قيامةَ الموتى على عزف الدموعِ


نعيد للأجل احتمالًا بالرجوعِ


وننقش الرمل النذورَ فتندثرْ


وتجول أيدي الريح


تمحو كذبةً لنرى الحقيقةْ


نحن الترابُ بقية الأجداد


منهم قد خلقنا


كلما سكب السحابُ حياتهُ


نهتزُّ ننبتُ كالنخيل الباسقةْ


ذكرى بأطراف الجريدِ تسلحتْ


شوكًا به صورُ المنية عالقةْ


هل تمنح الأشواكُ


إلا جرحَ من يدنو ليمسح


عن أليقٍ عالقَ الأدواءَ حضنًا كالوطنْ


وطنٌ يداوي حين يدمى


ثم ينسى دون لومْ


يا ساكن العينين طيفًا لا يرى


كم من خفيٍّ  ثار ريحًا عاتيةْ


لا تحبس الأقدام تيهك في الثرى


نم في سلامك خلف وهم الباقيةْ


***


نحن الكرومُ سقاة كفِّ الساقيةْ


والكأس مالت كالغواني


 أسكرت شهد اللمى حلو الكلامِ


ورنمت أنفاسه وترَ الشغفْ


الواردون عطاش عشقٍ راغبٍ


الصادرون رؤى اشتياقٍ راهبٍ


والعين تحكي كل شيء كي تنامْ


نحن اعتصار القلب خمرًا


حين نهوى


والعناقيد التي تأبى تموتُ


نعتق الأحلام عمرًا


 كلما سنحت لها الذكرى


تعرَّت مثل فاتنةً


وذابت في الخلودْ


فهي التي تهب الجنان أثيرها


وهي التي تروي تراتيل الوجودْ


يا سكرة العين المدامِ تناثرت


في قارئ النظرات شرب الصافيةْ


لا تجمعي الأشتات خوف فنائه


فالعيش سقمٌ في ثياب العافيةْ


***


نحن السراب لدى هيام الماشيةْ


مرعى العطاشِ


إذا تماهى كل شيءٍ


دون شيءٍ ثم أبقى خيط أوهامٍ


تعلقهم بها


ترنو لها الأبصار أيدٍ لا تنالُ


وتحبس الأنفاس تدنو للشروق


فيغربُ


وتظل تلهثُ ترتجي


يومًا وصالَ الماء حينًا يرقَبُ


لولا الرجاء لأدركتْ


أن الفلاةَ تعيش من موتى العطشْ


نحن السحابُ


غياثُ ريِّ السائرين على الغوى


ناقوسُهم يدعو ابتهال بقيةٍ


ترمي بها السحبُ الرحالَ


على قدرْ


رمقٌ يمدُّ الدربَ حتى ينتصرْ


لا تمطرُ الأيامُ شيئًا كالنُّذرْ


كالشمسِ ترمي نورها


وقفًا على حدِّ السحرْ


يا نازل القيعان رغبةَ هائمٍ


هلا تركت اليأسَ دفنَ الداعيةْ


لا ترجئ الأقدار حَينَ مؤجلٍ


تروي الغرورَ شقاء حبو الراجيةْ


***


نحن الذُّرى جسدُ الحياة العاريةْ


والخوفُ طفلًا يحذر


الأشباح ترقب لهوهُ


فيحيدُ عنها تحت ظلِّ الصمت أمًا


ثم يلهو كيف شاءْ


ويغيِّبُ العين التي


تكفيه أعباء اللقاءْ


وكأن كل الكون أظلمَ كالخواءْ


والطفل في الظلماتِ


يأمن أن يُرى


نحن الملائكة التي حبستْ


لتشقى


تحملُ الجسد الهزيل لكي يطيرَ


ينوء بالحلم الصبيِّ ملالةً


متْنُ الكبيرِ


فينزع الأحلام يخلد للثرى


ويصير مثل حطامه


لكن يسيرْ


يا ضيق الأغلال عن رحب الفضاءِ


عجزت عن حبس العيون الرانيةْ


سترى القيامة حين تعزف لحنها


إذ كل صادحةٍ عداها فانيةْ


***


لا تسأليني


من نكون وأنت فيني


كل نبض يعتريني


مسّ أيدٍ حانيةْ


نحن المطرْ


نحن الظمأْ


نحن الفلاةُ ورحلها والحاديةْ


نحن الذُّرى جسدُ الحياة العاريةْ


نحنُ السرابُ لدى هيام الماشيةْ


نحن الكرومُ سقاة كفّ الساقيةْ


نحن القبورُ على فراش الباديةْ


نحن السطورُ على فراغ الحاشيةْ


نحن السها تحت السماء الآنيةْ


نحن السراةُ إذ المنية غاديةْ


نحن السراديبُ البعيدة خافيةْ


نحن الزمانُ على سواحل نائيةْ


نحن الألى أعجاز نخل خاويةْ


نحن الحكاية ..


بعد صمت الراويةْ


هيثم


أكتوبر ٢٠١٧


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2018 19:29
No comments have been added yet.