نوال مصطفى ..و كمال عبد الحميد

[image error]


 


 


 رواية "الفخ " ترصد عالم سيدات المجتمع الراقى


 


نوال مصطفى .. الكاتبة التى تغرد بعيداً عن الضجيج


 


لم أفكر يوماً فى قراءة أعمال الكاتبة "نوال مصطفى" وشعرت بأن فى ذلك ظلم بيّن لكاتبة تجتهد منذ سنوات وتسعى لحفر اسمها ككاتبة لها وجودها ، وكانت سلسلة كتاب أخبار اليوم أكبر حافزاً كى أتخلص من كسلى وتقصيرى مع تلك الكاتبة،فهناك جهد غير مسبوق واختيارات تؤكد على ذوق رفيع للمسؤل عن تلك السلسلة المهمة .


وحسناً فعلتُ فما إن انتهيتُ من روايتها "الفخ"حتى اكتشفت كم كنت مقصراً ،فالرواية على بساطتها تؤكد روح كاتبة تجيد رسم شخصياتها وتعرف كيف تصنع مسرحاً درامياً قائماً على الصراع النفسى ،كما أن لنوال مصطفى خبرات ليست هينة فى عالم سيدات الطبقة الراقية وما يدور فى ذلك العالم من أحداث قد تبدو بسيطة لكنها على بساطتها تقلب حياة الناس رأساً على عقب ،فها نحن فى تلك الرواية  أمام بطلة غير تقليدية :أستاذة جامعية مرموقة ،مثقفة ،تعشق الموسيقى ولا تعرف فنون "الخبث واللوع" ،وهى الفنون التى أجادها معها ذلك الشاب الصغير "مدحت سرحان" طالب الدراسات العليا الناعم كجلد ثعبان .


فجأة تجد الدكتورة نفسها محاصرة بذلك الشاب الذىيجيد فنون المراوغة والكذب والادعاء والتمثيل أيضاً.


كانت الدكتورة خارجة لتوها من دراما موت زوجها وهى مازالت صغيرة لم تلتفت لأنوثتها قدر اهتمامها بالعلوم والثقافة والموسيقى ، وكان الفتى قادراً على لعب دور العاشق الصغير الذى يقترب رويداً رويداً حتى ينجح فى السيطرة الكاملة على مشاعرها مستغلاً طيبتها ورومانسيتها وقدرتها على الغفران حتى ولو كانت على يقين من خطاياه.


هكذا تدور الدراما وهكذا ترسم نوال مصطفى شخصياتها ،فالصوت الناعم الحنون الذى يداهم الدكتورة فريدة فى أوقات مدورسة بعناية فائقة هو صوت مدحت سرحان الذى يكتشف القارىء كم هو مداهن ومنافق ،فهو نفسه الذى يراود الخادمة البيسطة عن نفسها ويجعلها سيدة الفراش والمتعة بقروش قليلة ،وهو نفسه الذى يلف حبال الخديعة حول زميلته الجامعية ،وكلما امتدت فصول الرواية كلما انتظر القارىء نهاية ذلك الولد اللعوب ،حتى يقع فى نهاية المطاف بعد تورطه فى تهريب الألماس .


رواية بسيطة نجحت الكاتبة فى رسم شخصيات مغايرة لكثير من الأعمال الروائية وتقترب من السينما كثيراً ،واعتقد أن تحويلها إلى سيناريو سيكون سهلاً ويصنع منها فيلماً جيداً مكتمل العناصر الدرامية .


ومن عجب اننى لم أقرا مقالاً نقدياً واحداً عن تلك الرواية ولم أجد اهتماماً بها من هؤلاء النقاد الذين يملأون الأرض ضجيجاً ، وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل على شخصية الكاتبة نوال مصطفى فقد كان بإمكانها ان تستغل منصبها ووجودها على رأس واحدة من أهم سلاسل النشر فى الترويج المجانى لأعمالها ونعرف كثيرات وكثيرون يجيدون تلك اللعبة .. تحية إلى نوال مصطفى ،واتمنى أن أكون قد أوفيتها بعض حقها ، فلها العديد من الأعمال التى تحتاج وقفات ووقفات:"   الحياة مرة أخرى،      حنين ،  مذكرات ضرة " وقد تم تحويل الأخيرة إلى مسلسل تليفزيونى كوميدى ،كما فاز كتابها "مى زيادة أسطورة الحب والنبوغ "بجائزة أفضل كتاب لعام 2000 .


 


 


[image error]


 


كمال عبد الحميد .. فى "لايدخل الليل إلا وحيداً"


عندما تسكن شياطين النفس أعماق كاتب فى الأربعين


[image error]


 


لا يحتاج القارىء ذكاء كى يكتشف أن هذا الكاتب يعيش مغتربا بعيداً عن وطن يتجسد كاملاً فى قرية بسيطة من قرى صعيد مصر ،فمن عنوان الكتاب " لايدخل الليل إلا وحيداً " وحتى اخر حرف فيه ،سنجد روحاً هائمة مازالت تسكن هناك بجوار فرن الخبيز ورائحة محلات البقالة المتواضعة غير قادرة على التفاعل مع الصالونات الفاخرة والمقاعد الوثيرة وروائح العطور الفرنسية .


يغيب الكاتب بجسده ،تتغير ملامحه وينبت شعر أبيض مباغت فى الرأس ،ويدخل قصص حب ويعيش هزائم وخيبات صغيرة فى العمل والحياة وقد يحتفل بعيد ميلاده وهو يضع شموعا فى التورتة ويستمع من الصديقات والأصدقاء إلى أغنية عيد الميلاد الشهيرة "هابى بيرث زيداى " ،لكن الروح الهادئة ببرائتها القديمة وفطريتها الأولى مازالت تسكن هناك فى دولاب تلك السيدة الطيبة .


لا أعرف كمال عبد الحميد  ولم تجمعنا أى لقاءات عابرة أو غير ذلك ، لكننى سمعت عنه من زملاء وأصدقاء مشتركين عملوا معه فى مؤسسة الأهرام ،فعرفت منهم انه صحفى نابه وان سافر الإمارات منذ فترة طويلة جدا و يدير هناك ـ بنجاح كبير ـ عدداً من المجلات والاصدارات المهمة .


على أن كل ذلك ، شىء ، ومعرفته عبر هذا الكتاب الممتع شىء أخر تماماً.


فمن الصعب أن يتم اختصار كاتب ومبدع يمتلك تلك للغة السردية التى تجمع الشعر والقصة فى تناغم مرعب فى تلك الكلمات التعريفية .


قرأت "لا يدخل الليل إلا وحيداً" ومن أول قصة رأيت "كمال عبد الحميد " كما لم يرؤه أحد من كل هؤلاء الذين يعرفونه ، رأيته وعرفته جيداً وكان الفضل فى ذلك يعود إلى اللغة التى يكتب بها ،وإلى تلك الموهبة التى تنقل روح الكاتب بين السطور .


قرأت الكتاب فشعرت بالغيرة من أول قصة ،فقد رأيته يدخل الأربعين ـ كما أدخلها تماماً ـ يرى ما رأيت ويشعر بما أشعر ،وكان الفرق بيننا أنه كتب فى حين مازلت متكاسلاً ، يحكى عن غربة الروح والنفس فيخاطب امه الطيبة كما اخاطب أمى ،لكن الفرق بيننا انه كتب ومازالت متكاسلاً ،فى القصة الأولى تباغته شعرة بيضاء أمام المرآة فيتوقف وياخذ نفساً عميقاً ويتحدث إلى تلك الشعرة الخبيثة اللئمة التى احتلت روحه ويكتب تلك العبارات الممتعة :" آراك الآن يا شعرتى التعسة فأحصى خطواتى التى أنفقها فى اقتناص الطمأنينة ، أحصى أصدقائى الذين خسرتهم حين تفرقت بنا السبل ، البدايات الأولى للمتعة المراوغة ، بهجة الأشياء الصغيرة ، سذاجة الحب والمراهقه والتعلق بالمستحيلات ،تذكريننى أيتها الشعرة البيضاء بما تركت خلفى ، هوة سحيقة بينى وبين الذى كنته قبل أربعين سنة ، كأننى ،وانا أنظر إليك يا شعرة البياض المخيف ، أنظر فى بئر عميقة فى قاعها طفولتى ،فى أى عام نحن ؟ فى أى عام أنا ؟ سرقنى الوقت ، وتسربت من يدى أربعون عاما دون أن انتبه ،ها هى الأربعون كاملة فوق كتفى ، أربعون سنة أربعون جيلاً اربعون جدارا أتحرك بها 


 


هل تكتفى تلك العبارات الرشيقة الشيقة فى وصف اللغة عند هذا الكاتب ؟1 ليتنى كنت ناقداً فذاً كى اصف لكم ماذا فعلت بىّ تلك الكلمات ،إنها نفس المفردات التى نعرفها ،ولكن كيف لهذا المسكون بالإبداع أن ينسجها فى تانغم على هذا النحو ؟!.


[image error]



انه سيدهشك ايضاً فى قصته الثانية "السيدة الطيبة "والتى يحكى فيها عن أمه التى مازالت تعرف طعم الدهشة التى افتقدناها جميعا بعد أن أصبح كل شىء غير مدهش إن لم يكن مدمراً ،ولنا ولكم فى "الموبايل" عبرة ،انظر إلى تلك السيدة ودهشتها وأنظر إلى ما يريد كمال عبد الحميد أن يقوله فى كل عبارة وكل كلمة :


"تسأله حين يلمس صوته آخر عمق فى قلبها : كيف يسافر الصوت بين أثنين فى قارتين من بلاد الله الواسعة ؟ ويضئ وجهها بدهشة حين يخبرها أنه يحدثها من مقهى عبر هاتف أصغر من علبة سجائره ؟ ويتتبع بشغف نبراتها ، ويرى بعين قلبه كيف تدارى على الجانب الاخر علامة استفهام أكبر من هواتف بلا أسلاك ، فيحبها بعمق ويسأل الله أن يبقى لها طبيتها ودهشتها التامة .


لم تدرك السيدة الطيبة وهى ترتب ملابسه فى دولابه القديم ، وتدس زجاجة عطر وتعويذة شيخ ضرير بين قمصانه أن أخر صبرها خيبة فى الولد الذى زينت له الكتابة غير ما صنع أبناء الجيران ،اقرانه المحاطون بالابناء والنائمون تحت سقف قريب من روائح الام والأب ، تساله ألا يبقى وحيداً فيحدثها كاذباً عن أصدقاء طيبين ، فيما تصعد آهة مكتومة إلى  صدره ".


ماذا أفعل فى كمال عبد الحميد؟ ماذا أفعل وكل كلمة تشعرنى بحقد كاتب على كاتب أخر باغته وسرق منه الكلمات دون إدانه ، هل أقاضيه وأقول كامسكوه فقد قبض على روحى قبل أن أقبض عليها؟!


"لايدخل الليل إلا وحيداً" يجعلنى أصرخ فى هذا الكاتب كى ينفض يديه من مهنةالصحافة ويعود للكتابة والإبداع ،أصرخ فيه أن يعود إلى مصر كى يحتل مكانته التى تليق به بين صفوف الكتاب المهمين .


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 04, 2008 20:08
No comments have been added yet.


أشرف عبد الشافي's Blog

أشرف عبد الشافي
أشرف عبد الشافي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow أشرف عبد الشافي's blog with rss.