فتنة الأنا والسراب الكاذب

لأنه ما من كامل غيرالله تعالى، وككل البشر، كانت بعض شحنات (الغضب) تعتريه من آن لآخر، ولكنه بما مَنَّ الله به عليه من علم وحكمة، وما رباه عليه أشياخه من عباد الله الصالحين، كان سرعان ما يكبح جماح نفسه، فيتخلص سريعًا، من جرعات (ماء جهنم) هذه، فيعود إلى سيرته الأولى .
ولأنه ما من كامل غيرالله تعالى، وككل البشر، كانت بعض شحنات (الحزن) تعتريه من آن لآخر، ولكنه بما مَنَّ الله به عليه من علم وحكمة، وما رباه عليه أشياخه من عباد الله الصالحين، كان سرعان ما يكبح جماح نفسه، فيتخلص سريعًا، من جرعات (ماء السموم) هذه، فيعود إلى سيرته الأولى.
...............................................
وعلى إثر إكتشاف أن الأمر لم يكن أمر عودة للسجن، كما أعطاه (شاهد حال) سابق، بل أمر خروج على الإذن، كما أعطاه (شاهد حال) لاحق، وجد نفسه (غاضبًا) ، و (حزينًا) كما لم يغضب، ولم يحزن، من قبل.
...............................................
خرج لا يلوى على شيء، ربما يبحث عن شيخه يستهديه.
...............................................
وكأنه كان في إنتظاره، ومن على رفرف ما بين (جحيم التلوين) ، و (فردوس التمكين) ، واجهه كفاحًا، وليس من وراء ستار :
ماذا دهاك أيها المحترق المسموم، هل قامت القيامة، فوجدت نفسك من أصحاب البحر المسجور، وألقى بك زبانية الجحيم في ماء السموم ؟
...............................................
قلت : لا، ولكن أشكل علىَّ أمر الحال والمقال والشاهد والشهود، وهذا عندي أشد من وقع القيامة، فقد أُلقي في روعي، منذ أيام، أن روحًا أنقذته، بفضل الله، من سجن اللا إختيار، وعلمته، بمدد من الله، كيف يختار، ولكنه اختار العودة للسجن، ثم ألقي في روعي منذ ساعات، أنه لم يعد للسجن، بل خرج عن مقتضيات الإذن، بلا سابق إنذار، وبات في الخلاء، بلا غطاء، معرضًا للفتن والبلاء، فكيف تتناقض الأحوال، إلى هذا الحد، وكيف يغدر أو يخون مَن أكدت النبوءات ذات يوم أنه تجل لأسمه الوفي، ولا وفاء، فقد كان عذره في الحال الآول أنه يخاف الخروج، ثم تبين في الحال الثاني أن ذلك كذب بواح، وأن فتنته وبلاءه في الخروج.
...............................................
قال : لا تناقض في شواهد الأحوال، ففي الحال الأول عاد، بشكل أو أخ، وبدرجة أو أخرى، إلى سجن (الأحكام السابقة) ظاهرًا، وفي الحال الثاني عاد، بشكل أو آخر، وبدرجة أو أخرى، إلى سجن (التصورات اللاحقة) باطنًا، والجامع بين الخروجتين والعودتين هو الخروج على ثم العودة لسجن (الأنا) ، الذي لا يرى حال الخروج أو العودة إلا (هواه) ، وما أنت عنده، كما العالم كله، في الحالتين إلا واسطة ووسيلة وأداة، وإن تسمت حب وعشق وتوحد، فكل ذلك (تلوين) ، إذ لا تجتمع أبدأ (الأنا) مع (التمكين) ، أما الوفاء فصحيح، ولكنه الوفاء لـ (أناه) لا سواه.
...............................................
قلت : الأنا هو السر إذا يا مولانا ؟
...............................................
قال : وأي أنا، ياولدي، إنه الأنا الغارق في محيط الغرور، ذلك المبيد القاتل الذي لاينجو منه إلا أقل من القليل .
...............................................
قلت : كان يبرر خوفه من كل شيء، بأنه لايثق في نفسه، فكيف يجتمع الغرور مع فقدان الثقة في النفس يا سيدنا ؟
...............................................
قال : وهل كان يخاف، حينما كان يحلق معك وبك، حتى السماء السابعة ؟
لقد كان الخوف حجة يسوقها، ربما بدون علم، وربما بدون قصد، كمهرب منك ومن العالم، لأناه وهواه، فلم تكن أنت، ولم يكن العالم كله، وربما لن تكون ولن يكون، إلا وسيلة لغاية، يستخدمها بقدر ما تحتاج الأنا أو بقدر ما يظن أنه يحتاج ولا فرق عنده بين هناك أو هنا .
...............................................
قلت : قد تتكرر التجربة إذًا، طالما وجد وسيلة، يحسبها كفيلة بنقله خطوة او خطوات لتحقيق تلك الغاية .
...............................................
قال : ربما، ففتنته وبلاءه أن غايته لن تتحقق أبدًا، مهما تعددت وتنوعت الوسائل، فالأنا شريك لله، تنازعه جهلًا لا نهائيه، ولذلك فغايات من يعبدون هواهم لا نهائية، كلما وصلوا إلى شيء، وجدوه سرابا، فيعيدون الكرة، مرة بعد مره، وربما لو أمهلهم العمرألف مره، حتي يجدوا الله عنده، فذلك وقت الحساب .
...............................................
قلت : أما من طريقة لتحقيق ولو بعض الغايات، دون فتنة الوقوع، ولو مؤقتا، في استهلاك أنفسهم وأعمارهم، بينما يظنون أنهم يستهلكون تلك الوسائل لخدمة أنفسهم ؟
...............................................
قال : أن يتخلصوا من سطوة أناهم وأنانيتهم، لحساب من قال (أنا الله) ، فلا أنا، على التحقيق سواه، وأن يضعوا حدا للغايات فلاشيء لا نهائيا إلا الله .
...............................................
قلت : وماذا أفعل ؟
...............................................
قال : تعود لخلوتك، وتتأدب بأدب ربك، فقد قال (كل إنسان إلزمناه طائره في عنقه) ، وما عليك إلا البلاغ والتبيين، وقد أبلغت وبينت وجاهدت وصبرت وثابرت، فما عليك .
...............................................
قلت : لله الأمر من قبل ومن بعد .
...............................................
قال : عليه توكلنا وإليه ننيب .
...............................................
سألت : أأدعو لهم الله ؟
...............................................
قال : وهل عند المحبين سوى الرجاء .
...............................................
قلت : اللهم أعذنا وأعذهم من الشرك الجلي والخفي، وعلمنا وعلمهم التوحيد والتأحيد والتفريد، وهب لنا ولهم ما يليق بك مما ترضاه يارب العالمين .
قال : آمين يارب العالمين .
...............................................
نص من مجموعتي الجديدة (تجليات مابين التسبيح والسجود) ، محمد جاد هزاع ، تحياتي .
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 13, 2021 11:53 Tags: تجليات-ما-بين-التسبيح-والسجود
No comments have been added yet.