إلى السادات الأكرمين من المجاهدين والمرابطين
رسالة إلىالسادات الأكرمين المجاهدين والمرابطين من أخيكم المقصر، المحبوس في عجزه المقهورفي بيته..
الحمد لله ربالعالمين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وقائد الغر الميامين، محمد وعلى آلهوصحبه أجمعين..
أما بعد..
فإلى سادتيالكبار الأجلاء، الأولياء الأصفياء، العمالقة الميامين، من اصطفاهم الله على كلالعالمين، فأسكنهم في خيرة أرضه التي يجتبي إليها خيرته من خلقه، واصطفاهم علىالعالمين فجعلهم من المجاهدين عند مسرى نبيه في الأرض المقدسة المباركة، واصطفاهمعلى العالمين فجعلهم من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها ولا من خذلهاحتى يأتي أمر الله!
إني أتصاغر فينفسي حين أتحدث إليكم، تصاغر من فاتته المقامات العظيمة التي أقامكم الله فيها،حتى أجرى على أيديكم المعجزات والكرامات، وأعاد بكم إحياء النفوس والقلوب، وأدخلبكم في دينه أفواجا من الناس كانوا من أهل الكفر فأسلموا لما رأوْه من صبركموثباتكم وبطولتكم.. فمن كان هذا حالهم، فلا ريب أنهم عند الله في المكان الرفيع،في مقام القرب والاطصفاء..
ولئن ابتلاكمالله بالشدة والأذى، فتلك سنة الله في أوليائه المقربين المصطفين، فإن أشد الناسبلاء: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل.. ولا يزال البلاء بالرجل حتى يمشي على الأرضوما عليه خطيئة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، فهنيئا لكم من رجال تقدمون علىالله بلا خطيئة.. وإنه لمقام وحالٌ لا يشعر به ولا يتحسر على فواته إلا من فاتههذا الاصطفاء والاختيار، فهو يعرف كيف يكون قدومه على الله!!
سادتيالمجاهدين المرابطين الميامين..
إني وإنتصاغرت في نفسي حين أكلمكم، فإن لي بابا إليكم، وهو باب النصيحة في الدين، فقدجعلها الله تعالى نصيحة عامة، يجوز فيها للأدنى أن يتكلم مع الأعلى والأرفع، فقدقال نبينا صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: للهورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وإن في نفسيأمورا، أبسطها بين يدي سادتي المجاهدين المرابطين، لعلهم يرون فيها ما يستحق النظروالأخذ بعين الاعتبار..
وإني وإنكتبتها من مكتب وثير في أمنٍ وعافية، فلقد كتبتها بروح تحلق عندكم، وبصر يتعلقبكم، وقد فارقنا منذ نشبت هذه الحرب لذة الطعام والشراب والنظر إلى أهل وولد، فمانأكل شيئا إلا ويذهب طعمه لتذكرنا إياكم، ولا ننظر في أهل ولا ولد إلا ضاعت لذتهالمعرفتنا بما تعانونه في ذلك.. فاقبلوها مني على الضعف والعجز والتقصير.. فإن الذيأضمنه من نفسي أني أحبكم غاية الحب، وأحرص عليكم غاية الحرص!
سادتيالمجاهدين المرابطين..
إن الذي دخلمنكم في طريق الجهاد هذا إنما دخله وهو يطلب الشهادة، فإن الله تعالى لم يضمنلأحدٍ من الناس النصرَ، إنما ضمنه لعموم الأمة، وأما آحادها وفئاتها وبعض حركاتهاوجماعاتها فإنهم يقاتلون لأن ذلك هو الواجب عليهم، ولأن الشهادة هي الأجر المضمونلهم.
ولذلك فإنالله تعالى وعد المجاهدين بالمغفرة والنجاة من العذاب والخلود في الجنة، وجعل ذلكثمرة التجارة مع الله، ثم جعل النصر في الدنيا أمرًا على البيع لعموم الأمة، قالتعالى:
{يا أيهاالذين آمنوا: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم؟
تؤمنون باللهورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لك إن كنتم تعلمون.
يغفر لكم منذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوزالعظيم.
وأخرىتحبونها: نصر من الله وفتح قريب}
وأصرحُ من ذلكوأوضح قوله تعالى في سورة التوبة {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنلهم الجنة، يُقاتلون في سبيل الله فيَقْتُلون ويُقتلون، وعدا عليه حقا في التوراةوالإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله؟! فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به،وذلك هو الفوز العظيم}
فها أنت ترىآية لا حديث فيها عن النصر في الدنيا. هذا مع أن السورة نزلت في وقتٍ كان المسلمونفيه منتصرين وقد عادوا من غزو الروم في تبوك.. ولكن العقد والوعد هو كما كان أولالأمر: الجهاد مقابل الجنة. والنصر قد يأتي وقد لا يأتي لكل مجاهد.
وعلى ذلك مضىالنبي وصحبه الكرام، وقد قُتِل في مكة مسلمون تحت التعذيب لم يروا النصر ولعله لميخطر لهم ببال. بل إن الزعماء الذين بايعوا النبي على تأسيس الدولة المسلمة –فيبيعة العقبة الثانية- ماتوا قبل أن تنتصر الدولة، وبعضهم مات قبل أن تقوم الدولةأصلا.
ولقد قُتِلجلة من الصحابة في بدر وأحد والخندق، ولم يروا حتى بلوغ الدولة المسلمة درجة الأمنوالاستقرار!
وأما الذينبقوا منهم، أولئك الذين رأوا مشاهد النصر والفتح، فقد جال بخاطرهم أن قد حان وقتالراحة، فما هو إلا أن ذَكَّرهم الله تعالى وحذَّرهم من هذا الخاطر، وأنزل عليهم{وأنفقوا في سبيل الله، ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، فإذا القتال عند الله هوالنجاة، وإذا ترك القتال في سبيل الله هو التهلكة.
فالعهد الذيأخذه الله على عباده هو الجهاد والقتال في سبيله، والمقابل هو: الجنة!
ولهذا بشَّرالنبي ذلك المجاهد المتجرد من شأن الدنيا القائم في مكانه حيثما وضعه أميره، فقال:طوبي لعبد آخذ بعنان فرسه، أشعثٌ رأسه، مُغْبَرَّة قدماه، إن كان في الحراسة كانفي الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لميشفع".
أقول هذا كلهمخافة أن يكون قد تسرب إلى النفوس بعض تعلق بالدنيا، أو بعض جزع بعد طول الصبر، أوبعض ملل وتشوق إلى الراحة.. وإنها لثغرة في النفس قد تحمل صاحبها على أن تتشققصلابته أو تُخْتَرَق صرامته، أو يتخلى عن بعض احتياطاته.. فنُنْكَب فيه، وليسيعوضنا عنه شيء من أهل هذه الدنيا.
لقد فهمت منسيرتكم ومشاهدكم شيئا لم أفهمه من الكتب ولا من الشروح ولا من العلماء، فهمتُ منحربكم هذه كيف أن أجر الرباط فوق أجر القتال، وقد جاء هذا في أحاديث عدة عن النبيصلى الله عليه وسلم:
1. "رباطيوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه أجري عليه عمله الذي كان يعمل،وأجري عليه رزقه، وأَمِنَ الفتان".
2. وفي حديث آخر:"رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل".
3. وفي حديث آخر:"كل ميت يُخْتَم على عمله، إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلىيوم القيامة، ويؤمن فتنة القبر".
تلك أحاديث لمأفهمها إلا في هذه الحرب الأخيرة: إن المرابط هو اليقظ الصبور، هو ذلك الذي لا يملمقامه في الرباط، ولا تفتر يقظته مع طول المراقبة والانتظار، فهو فوق المقاتل فيضبط النفس وتملكها والتمكن منها وإخضاعها للوازم الجهاد في سبيل الله، فإن المقاتلقد تعينه نفسُه الشجاعةُ المقدامة إذ هو يقاتل ويهاجم، ولكن المرابط الصبور يحملنفسَه الملولةَ على الصبر والرباط.. فلهذا كان له أجرٌ ليس لغيره.. لئن مات وهومرابط، فإن أجره يبقى مكتوبا كأنما هو مرابط حتى يوم القيامة!!
فتأمل أخيالمرابط المجاهد في رجلٍ رابَطَ شهرين أو ثلاثة أو عامين أو ثلاثة، ثم يرى ميزانهيوم القيامة وقد رابط خمسين سنة أو مائة سنة أو خمسمائة أو ألف سنة بحسب ما يفصلبينه وبين يوم القيامة!!
إن الصبر نصفالإيمان.. ولقد طالت هذه المعركة بما لم يكن أحد يحسب، ولكننا والناس نرى منكم بعدهذا الطول شدة وبأسا وبسالة وإقداما يجعلنا في حيرة: أي بشر هؤلاء؟ وكيف هم بعد كلهذا ما زالوا يقاتلون ويذيقون عدوهم من بأس الله الذي وعدهم به {ليبعثن عليهم إلىيوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}..
لولا اشتعالالنار فيما جاورت .. ما كان يُعرف طيب عُرف العود
ولولا طولالمعركة ما عرفنا أصالة معدنكم ولا سمو نفوسكم ولا اصطفاء الله لكم من بين خلقه!
إنكم لاتعرفون ماذا يفعل الله بقلوب الناس بكم، ولا كيف يحيي بكم النفوس، ولا كيف يوقظبكم الضمائر.. ولئن طال الوقت واشتد الصبر فهو خير لكم في الآخرة، وهو لحكمةيعرفها الله في الدنيا، فالله قد عوَّدنا الجميل ونحن نقيس على ما تعودنا منهسبحانه.. فلئن شئتموها طوفانا يتحرر به الأسرى فلعل الله قد شاء أن يجعلها المعركةالكبرى التي يتحرر فيها المسرى.. فيكون لكم من الأجر فوق ما طلبتموه، ليس أجر تحررالمسرى فحسب، بل أجر إيقاظ الأمة والنفوس!
إنني في مكانيبالخارج أرى ماذا فعل الله بكم في نفوس الناس: قوم نشطوا بعد يأس، وقوم عملوا بعدقعود، وقوم أسلموا بعد كفر، وقوم تابوا بعد غفلة، وقوم يدخلون في سلك الجهاد بعدأن كانوا متنعمين لا يفكرون في دين ولا في جهاد.. إنكم تغرسون غرسا عظيما، يوشك أنينبت، وأن يثمر.. والله يدبر أمرنا وأمركم، ويدبر بكم ولكم، ويصنع لنا ولكم وبكم..وهو وحده الحكيم اللطيف علام الغيوب.
ولقد تفضلالله على قومٍ فساقهم إلى الجنة في السلاسل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم..ألا تعرفون كيف أن بعض الأسرى في الفتوح الإسلامية قد صاروا في صفوة المجاهدينالفاتحين؟.. نعم، كان الأسر والسلاسل في أول أمرهم طريقهم إلى الدرجات العلا منالجنة.. فكم من شدة ومحنة كانت هي نعمة الله الكبرى على عبده، وهي التي أصاب بهاالفردوس الأعلى!
فتعلقوابالصبر، وتمسكوا بالصبر، وتشبثوا بالصبر.. وكونوا كما أراد الله من عباده {اصبروا،وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله، لعلكم تفلحون}
واعلموا –سادتيالمجاهدين والمرابطين- أنكم أهل العمل.. وأنكم الخبر والموضوع.. ومثلكم أجل وأعلىمن أن يتعلق بكلام المحللين والسياسيين ومن يبيعون الكلام على الفضائيات ونحوها.. إنماهذه أسواق منصوبة للكلام، وهي أحيانا من مراكز التضليل والخداع.
وقد رأيتم كيفأن ترمب كان يُعلن أنه ينهى إسرائيل عن ضرب إيران، ثم ضربت إسرائيل بعدها بساعات،وتبين أن هذا التصريح من ترمب كان جزءا من الخداع والتضليل. وقد نَدَر جدا أنيُستشف من الفضائيات والأخبار شيءٌ ذو بال. ومن كان عارفا بالحال حقا زهد في هذهالفضائيات وما فيها ومن فيها.. إنما يُستفاد منها فهم عقل العدو كيف يعمل في جانبهالإعلامي.. وأما المحللون، فقومٌ مهروا في توليد الكلام وتشقيقه وتفريعه بلاطائل.. وأغلبهم تستطيع أن توجز كلامه في الساعة في عبارة واحدة لا تزيد عن السطرالواحد، ولكنه يجب أن يملأ الوقت ويكثر الثرثرة، فتلك هي مهمته!
أنتم أعلىوأجل من أن تتعلق نفوسكم بقول هؤلاء وتحليلهم.. فهم في الجملة أدنى عقلا منكم،وأدنى معرفة بالحال منكم، وأعجز عن استشفاف القادم منكم أيضا.
وإن من إحسانالله إلى عباده المقربين أن يجردهم من كل تعلق إلا به، وأن يقطع عليهم كل سبب إلاسببه، {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا: جاءهم نصرنا}.
فما هو إلاالصبر..
أسأل اللهتعالى أن يفرغ عليكم الصبر والسكينة والرضا والبركة، وأن يسدد رميكم وأن يقذفالرعب في قلوب عدوكم.. إنه ولي ذلك والقادر عليه!
أخوكم المحبلكم
لمن أحب أنيراجع التفاصيل، ينظر: www.youtube.com/watch?v=3I53LN5iBso


